كـلـيـــة الحـقــــــوق
الــدراســـــات العـلـيـا
دبلوم العلاقات الدولية
2004 - 2005
تعليق على رسالة
الدكتوراة المقدمة من الطالب / حسام الدين ربيع راغب الإمام
بعنوان
نحو آلية اقليمية لتنظيم استخداما ت حوض النيل
إعداد
الطالب / محمود مصطفى عبدالحـليـم أبــو زيد حبيب
تحت توجيه وإشراف الأستاذ الدكتور /
محمد صافـــى
بسم الله الرحمن الرحيم
{وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}
صـــدق الله العظــــيم
الآية / 105 – التوبة
المقـــدمـــة
إن للنيل أهمية واضحة وكبيرة وتظهر أهميتها وبدايتها عند سكان مصر من الفراعنة حيث أدركوا أهمية النهر وأن هذا النهر أغلى من الذهب والفضة فهو يمنح الحياة مما أدى إلى احترامهم وتقديسهم للنيل كذلك تقديمهم عروس النيل حيث كان يتم اختيار فتاة من أجمل الفتيات ويتم تزيينها وإلقائها فى النيل 0
وكما هو واضح أن نهر النيل يمر خلال 10 دول ()
وقد ورد ذكر النيل فى القرآن الكريم باسم اليم ، قال تعالى "أن اقذفيه فى التابوت فاقذفيه فى اليم ، فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لى وعدو له " سورة طه –39 كما ورد ذكره فى القرآن على لسان فرعون "يا قوم أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى" سورة الزخرف – 51 كما ورد فى حديث شريف ورد عن البخارى فى صحيحه عن حديث النبى عن الإسراء والمعراج "ورفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها كأنه قلال هجرة وورقها كأنه آذان الفيول فى أصلها أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران فسألت جبريل فقال أما الباطنان ففى الجنة ، وأما الظاهران النيل والفرات" 0
وتبدو أهمية النيل فى كونه أعظم أنهار الدنيا منذ لحظة الميلاد الشديدة العنف من الجنوب إلى الشمال عكس جميع أنهار العالم حيث يعبر الصحراء حتى يصل إلى مصر ثم يختم حياته فى أحضان البحر الأبيض المتوسط 0
ونهر النيل يمر بين 10 دول ذات طبائع مختلفة والبشر بين متحضر وأخرى آكلة لحوم البشر وخلق هذا الاختلاف أثرا انعكس على حكومات شعوب دول الحوض واختلاف أهميته من دولة إلى أخرى ففي مصر تظهر أهميته فى كونه مصدر المياه الوحيد للزراعة بعكس الدول الأخرى التي منها ما يعتمد على الأمطار أو البحيرات وكما هو واضح فإن نهر النيل لا يمثل أهمية لكل الدول فكل دولة تنظر له عن نطاق احتياجها له أما مصر فإنه يمثل لها أهمية قصوى لأنه المصدر الوحيد لديها – ولكن ما حدث من تطورات وزيادة سكانية جعل الجميع يبحثوا عن وسيلة لتنظيم استخدام مياه النيل والتوفيق ما تحتاجه الدولة وبين إيراد النهر 0 وبذلك كانت مصر هى الأسبق من غيرها وتحملت عبء عقد الاتفاقيات على دول الحوض منذ نهاية القرن 19 وهذه الاتفاقيات كانت تنص على احترام باقي دول الحوض لكمية المياه التى تواتر استعمالها فى مصر وتعتبر مصر أكثر دول الحوض احتياجا لمياه النيل لتنفيذ مشروعاتها التنموية خاصة وأنها أكثر دول الحوض من حيث الكثافة السكانية وتهدف تلك الدراسة إلى بحث امكانيات وفرص التعاون بين دول حوض النيل ودراسة أفضل الآليات التى يمكن من خلالها تحقيق ذلك التعاون وذلك من خلال تناول نظام الإدارة المتكاملة للنهر الدولى من حيث الأسس التى يقوم عليها والأهداف التى يرسى إلى تحقيقها وعرض النماذج المختلفة لأساليب العمل الجماعي بين الدول المشتركة فى حوض نهر دولى لمعرفة المزايا والعيوب في كل نموذج 0
خطة البحث : وسوف نتناول فى هذا البحث الآتي :-
باب تمهيدى : التطور التاريخى للتنظيم الإقليميى لحوض النيل
باب اول :الادارة المتكاملة للنهر الدولي
فصل أول: أسس الإدارة المتكاملة
فصل ثانى: أهداف الإدارة المتكاملة
باب ثانى: الإدارة المتكاملة لحوض النيل
فصل أول: الإطار التنظيمي للتعاون بين دول حوض النيل
فصل ثانى: مقومات الإدارة المتكاملة لحوض النيل
الباب التمهيدى
التطور التاريخي للتنظيم الإقليمي لحوض النيل
إن البحث عن آلية اقليمية لتنظيم استخدامات حوض النيل لا يتحقق إلا بدراسة التجارب والخبرات السابقة والحالية حتى يتسنى الوصول إلى أساس سليم يؤدى إلى فهم لماذا فشلت المحاولات السابقة وتجنب تلك السلبيات فى المستقبل حتى يولد التعاون وتحقيق التنمية وسوف نتناول فى هذا الباب من جهتين الأول التنظيم الاتفاقى لحوض النيل ، والثانى تجارب التنظيم المؤسسي فى الحوض 0
الفصل الأول
التنظيم الاتفاقى لحوض النيل
إن التنظيم الاتفاقى هو أول أشكال الآليات فى حوض النيل ويجب أن نلاحظ أن دول الحوض ظلت تحصل على حاجتها من المياه لآلاف السنين ، دون إبرام أى اتفاق وذلك حتى نهاية القرن الماضى ، حيث بدت ضرورة ضبط استغلال هذه المياه لمواجهة الاحتياجات الجديدة والتطورات الجديدة خصوصا مصر و السودان ومن هنا بدأت تظهر الاتفاقيات وكان أولها فى عهد محمد على والى مصر لذلك سوف نتناول تلك الاتفاقيات من خلال مبحثين 1- لدراسة الاتفاقيات ، 2- لعرض مواقف دول حوض النيل المختلفة حول تلك الاتفاقيات 0
مبحث أول
الاتفاقيات المبرمة بين دول حوض النيل
لقد أعقب حكم محمد على ارسال البعثات الاستكشافية والتى أدت إلى استكمال استكشاف كل حوض النيل وذلك بحلول 1877م ويلاحظ أنه حتى ذلك الوقت لم يكن هناك أى تنظيم لاستخدام نهر النيل بين دول الحوض والسبب هو عدم وجود حجة ملحة لإعتماد معظم الدول على الأمطار أو البحيرات باستثناء مصر التى كانت تعتمد بشكل أساسى على مياه النيل لعدم وجود مصادر اخرى غيره ، ومع عصر الاستعمار بدأت الدول الاستعمارية فى علمية تحديد ورسم الحدود السياسية الفاصلة بين مناطق سيطرتها عن غيرها تم ذلك فى مجموعة من المعاهدات والبروتوكولات وكانت بريطانيا تحظى بنصيب الأسد لاستعمارها كل من مصر والسودان وأوغندا وكينيا وتنزانيا وكانت استراتيجية التحرك البريطانى لتنظيم حوض النيل تعتمد على الدراسات التى أعدها مهندسو الرى المصريين فيما سبق ، وفيما يلى عرض لتلك الاتفاقيات وفقا لترتيبها التاريخى 0
1) البروتوكول الموقع بين بريطانيا وإيطاليا عام 1891 م لتحديد مناطق نفوز كل منهما فى شرق أفريقيا 0
2) المعاهدة المبرمة بين بريطانيا العظمى وأثيوبيا والموقعة فى أديس أبابا – 15 مايو 1902م 0
3) الاتفاق بين حكومة بريطانيا العظمى وحكومة الكونغو المستقلة والموقع فى لندن فى 9 مايو 1906م والمعدل لاتفاقية بروكسل بتاريخ 12 مايو 1894م 0
4) المذكرات المتبادلة بين بريطانيا وايطاليا فى ديسمبر 1925م 0
5) اتفاقية 1929م حتى عام 1906م 0
وهنا نجد أن الحكومة المصرية لم تكن قد دخلت بعد طرفا فى أى معاهدة سابقة ، بل كانت بريطانيا تتولى ذلك نيابة عن مصر ولحماية المصالح البريطانية فى القارة الإفريقية ، غير أن الاتفاقية المبرمة ما بين مصر وبريطانيا العظمى نيابة عن السودان – كينيا – تنزانيا – أوغندا والموقعة سنة 1929م كانت مصر فيها طرفا مباشرا لأول مرة 0
6) الاتفاقية ما بين بريطانيا العظمى نيابة عن تنجانيقا "تنزانيا" وبلجيكا نيابة عن رواندا وبورندى والموقعة فى لندن 1934 0
7) المذكرات المتبادلة ما بين مصر وبريطانيا العظمى" نيابة عن أوغندا" فى الفترة ما بين سنة 1952 وفى يناير 1953م 0
8) الاتفاقية المبرمة ما بين مصر والسودان فى 8 نوفمبر 1956م 0
9) الاتفاق المبرم بين مصر وأوغندا سنة 1991م 0
10) اتفاقية القاهرة 1993م ما بين مصر وأثيوبيا 0
مبحث ثانى
موقف دول المنابع من التنظيم الاتفاقى لحوض النيل
إن الأمر كان واضحا فى مرحلة الاستعمار حيث كانت لدولة المستعمرة هى التى تبرم الاتفاقية نيابة عن الدولة لمستعمرة ولكن المشكلة ظهرت فى أوائل الستينات وحتى نهاية السبعينات وهى الفترة التى نالت كل الدول الاستقلال خلالها مما أدى إلى انهيار التنظيم الاقليميى القانونى والبدء فى اتباع سياسات المصلحة القومية لكل دولة مما أدى إلى عدم تحقق الأمل فى إقامة نظام التعاون الإقليميى لدول حوض النيل 0
1) الموقف الأثيوبى
وهنا يظهر الموقف عن حقيقة مؤداها أن أُثيوبيا هى المصدر الرئيسى لمياه النيل حيث تسهم بحوالى 86% من مجموع مياهه وذلك بفضل غذارة الأمطار الموسمية عليها من أبريل حتى سبتمبر من كل عام ، لذلك فإنها ترى أن لها الحق كاملا فى استغلال مياه النيل بالشكل الذى تراه فى أى وقت ، وتؤكد عدم التزامها بأية اتفاقيات تمت فى الماضى ، كذلك يجب معرفة أن العلاقة بين أُيوبيا ومصر مرت بمراحل يشوبها قلق وريبة ويظهر ذلك واضحا أن أثيوبيا ترى أن مصر تسعى للسيطرة والهيمنة على منابع النيل ، مما جعلها تهدد دائما بقدرتها على تحويل مياه النيل عن مصر وبالتالى فهى مصدر القلق والتهديد لمصر 0
ويتضح الموقف الأثيوبى الرسمى من خلال ما يلى :-
أ) التحدى الأثيوبى للنظام القانونى لنهر النيل خلال افترة من 1958 – 1963 بمساعدة أمريكية للضغط على "عبدالناصر" 0
ب) ادعاء الحق فى التدخل لتحديد مجرى ألأنهار فى دول المصب بإعلان الحكومة عام 1980 م 0
ج) إعلان أُثيوبيا عن برنامج إنشاء خزانين للمياه على النيل الأزرق لأغراض الرى وتوليد الكهرباء عام 1996م 0
د) عدم اعتراف أثيوبيا باتفاقيات مياه النيل ، كما أعلنه الأثيوبيين فى مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بالمياه والذى انعقد فى ماردل بلاتا،و بأنهم يرحبون بأى اتفاق لاستغلال مياه النيل مع جيرانهم من دول المصب وفى حالة عدم الاتفاق فإنهم سيحتفظون لأنفسهم بالحق فى تنفيذ خططهم بمعرفتهم 0
2) موقف الدول الاستوائية
لقد أخذت الدول الاستوائية فورا استغلالها خطا واحدا يرتكز على التنصل من أى اتفاقية أبرمت فى عهد الاستعمار وبخاصة معاهدة 1929م مبدأ "نيريرى Nyerere Doctrine" الذى ينكر الاتفاقيات والمعاهدات السابقة على الاستقلال ، وبالرغم من تشابه الموقف هنا مع الموقف الأثيوبى إلا أننا سنلاحظ عدم وجود نفس الحدة التى يتميز بها الأثيوبيين وذلك كالآتى :-
§ ونجد تنزانيا: بمجرد استقلالها وجهت مذكرة رسمية إلى مصر والسودان وبريطانيا للإفادة بأن معاهدة 1929م لم تعد سارية المفعول بالنسبة لها بعد أن استقلت وأعطت فترة سماح لمصر لمدة عامين ابتداء من 4/7/1962م لوضع اتفاق جديد وإن لم يحدث فإن تنزانيا لا تكون ملزمة باتفاقية 1929م ولم يحدث اتفاق على تنظيم جديد مما أدى إلى قرار تنزانيا ببطلان معاهدة 1929م فى 4/7/1964م 0
§ كذلك كينيا : أعطت نفس فترة السماح لمصر عامين للوصول لإتفاق جديد وهو لم يحدث مما أدى إلى سريان اتفاقية 1929م من وجهة نظر كينيا فى يوم 12/12/1965م 0
§ أما أوغندا: فاتبعت نفس المبدأ حينما استقلت مبدأ "نيريرى" بالنسبة للمعاهدات السابقة للاستقلال 0
§ موقف رواندا وبورندى والكونغو: وهنا نرى أن الكونغو قد التزمت فى دستورها الصادر 1967م فى المادة 6 بأن كافة المعاهدات والاتفاقيات الدولية التى عقدت قبل 30/6/1960 "الاستقلال" سوف تظل صالحة ما لم تعدل بقانون محلى ، أما روندا وبوروندى فقد أخذت كل مهما بمبدأ فترة السماح لمدة 4 سنوات بالنسبة لإتفاقية عام 1934 لنهر أكاجيرا، ولم يتم التفاوض فى ذلك الحين على تجديد هذه الاتفاقية فاعتبرت منقضية 0
3) الموقف السودانى
نجد أنه باستقلال السودان عام 1956م سرعان ما تعرضت اتفاقية 1929م لانتقادات عديدة وهى أن الطابع السياسي لهذه الاتفاقية أدى ببريطانيا إلى منح مصر حق الاعتراض على المشروعات التى يقوم بها دول أعالى النيل كذلك نجد الاتفاقية قيدت السودان فى التوسع فى زراعة القطن وهو من محاصيلها الرئيسية إضافة إلى أنها قد أطلقت يد مصر فى تطوير مشروعاتها المتعلقة بالرى ، كذلك فإن الاتفاقية أبرمت بين مصر وبريطانيا لذلك فإن السودان بعد استقلاله ليس ملزم بها ، كذلك رفعت مصر حقوقها المكتسبة من 40مليار متر مكعب عام 1920م إلى 48مليار متر مكعب عام 1929م وكان ذلك على حساب حقوق السودان المكتسبة 0
وكما هو واضح ظل الخلاف بين مصر والسودان حتى عام 1958م انقلاب الفريق عبود مما أدى إلى تحسين العلاقات مع مصر وإبرام اتفاقية 1959م 0
4) الموقف المصرى
وهنا نرى الفقه المصرى يؤكد تمسكه بالاتفاقيات المبرمة فى الماضى و التى أقرت حق مصر التاريخى فى مياه النيل وفى نفس الوقت تؤكد مصر دائما على ضرورة التعاون بين دول الحوض لتحقيق التنمية لحوض النيل 0
وقد انقسم الفقه المصرى إلى قسمين الأول خاص بما أثير حول قواعد الاستخلاف الدولى والثانى للرد على مزاعم دول المنابع :-
أ) قواعد الاستخلاف الدولى :- البعض يرى معظم الاتفاقيات مع دول الحوض قديمة وتمت مع القوى المستعمرة فى إطار نظام عالمى راح زمانه ومن الصعب أن تقبل الحكومة لوضع كانت فيه بلا سيادة غير أنه بالرجوع إلى القانونين المتخصصين يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح مما يؤدى إلى استقرار الأوضاع الدولية على أسس وقواعد القانون الدولى ، ويظهر ذلك كالآتي :-
1) إن الاتفاقيات تتعلق بالتزامات ذات طبيعة إقليمية وجغرافية ومنها ما يخص استخدام مياه النيل ولا مجال هنا للحديث عن السيادة حيث أن الدولة الاستعمارية تتصرف مكان الدولة المستعمرة (الواقعة تحت الاحتلال) وهذه الاتفاقيات لا تتأثر بحدوث انتقال فى السيادة وهذا هو ما أكدته اتفاقية فينيا عام 1978 الخاصة بخلافة الدول فى المعاهدات
2) يجب التفرقة بين المعاهدات العينية والمعاهدات الشخصية فالأولى هى الأولى بالرعاية لأنها لا تتأثر بالتغيرات الإقليمية التى تحدث انتقال السيادة من دولة لأخرى أما المعاهدات الشخصية هى التى يكون عنصر الشخصية للدولة المبرمة جوهرياً فى كيان المعاهدة واستمرار العمل بها 0
3) بالرغم من أن الذى وقع على الاتفاقيات الدول الاستعمارية إلا أن القانون الدولي اعترف باستمرار الصفة الإلزامية لها كذلك فإن الاتفاقية الثمانية هى الحقوق التاريخية لمصر المكتسبة التى نالتها خلال آلاف السنين بسبب اعتمادها الكلى على النيل كمصدر وحيد للمياه 0 وبناء على ذلك لا يجوز إلغاء المعاهدات من جانب واحد ولكن يجوز التعديل كما حدث مع السودان فى اتفاقية 1959م 0
ب) الفقه المصرى ومزاعم دول المنابع :- وهنا نجد الفقه المصرى يرد على ما أثارته تلك الدول بخصوص اتفاقية 1929م حيث ذهب البعض إلى أنه يبرر ذلك بأن مصر والسودان كانتا وقتئذ وحدة سياسية دولية واحدة إلا أنه بالنظر إلى الواقع حينما تم إبرام الاتفاقية بين بريطانيا ومصر 1899م أوضح أن مصر منفصلة عن السودان ولكل منها حقوق والتزامات، أما الحقيقة أن اتفاقية 1929 وضعت لتنظيم المياه لصالح الشعبين المصرى والسودانى مهما قيل أن مصر أعطيت حق الاعتراض على مشروعات أعالى النيل والاحتفاظ بحق إقامة السدود وبجانب هذا الحق فإن على مصر التزامات تجعل من الاتفاق تنظيما للعلاقة بين الطرفين وإذا قيل أن هذه الاتفاقية سياسية فإن الرد يكون أن هذه الاتفاقية جاءت منظمة لحقوق والتزامات طبيعية وتاريخية مستمدة من مبادئ مقررة عرفا وقانونا ذلك لأنها لم تخلق قواعد قانونية جديدة بقدر اعترافها بمركز قائم منذ القدم 0
أما بالنسبة لأثيوبيا فإنه يرتكز على نقطتين هما :-
1) إنكار الاتفاقيات المبرمة :- وذلك بحجة أنها مبرمة فى عهد الاستعمار فهى اتفاقيات إذعان غير مشروعة فى حين تتمسك هى بالاتفاقيات التى وقعتها مع الدول الاستعمارية ذاتها، وتعلق مدرسة الرى المصرية هنا أن الفقه الأثيوبى لم يدرك أن اتفاقية 1959 قد راعت واعترفت بحقوق باقى الدول النيلية من نصيب المياه بل وقامت مصر والسودان بإنشاء هيئة دول حوض النيل ، وهاجمتها أُثيوبيا عام 1978م وحاولت عرقلتها وإثارة بقية الدول النيلية ضده وضد السودان 0
2) إعلان أثيوبيا التوسع فى إنشاء السدود على النيل الأزرق لخفض المياه الهابطة إلى السودان ومصر والحقيقة أنه لا يوجد اتفاق حول أثر قيام إثيوبيا بإنشاء وتأسيس سدود حيث هناك ثلاث اتجاهات وهم : -
أ) أن أُيوبيا لا تستطيع أن تؤثر على حصة مصر من المياه وذلك بسبب الالتزام القانونى التاريخي عن الاتفاقيات الدولية كذلك بسبب الطبيعة الجغرافية لأثيوبيا وتكوينها المنحدر الذى يصعب عليها منع تدفق المياه
ب) أن المشروعات الأثيوبيه ستؤثر بالفعل على مصر مما يؤدى إلى تخفيض التدفق السنوى للمياه بحوالى 8.5% هذا فى حالة تنفيذ كل المشروعات المقترحة كذلك التأثير على المشروعات الكهربائية إزاء إقامة أثيوبيا السدود لتوليد الكهرباء بقدرة تفوق السد العالى بأضعاف الأضعاف مما يؤدى إلى بيع هذه الطاقة لدول القرن الإفريقى المجاورة وقلة إنتاج مصر من الكهرباء 0
ج) وهنا نجد المصلحة هى المعيار الأساسى حيث أنه ما يزال هناك من المصالح ما يربط بين مصر وأثيوبيا وما قد يمنع نشوء صراعات بسبب المياه بل وحتى الوصول لتلك المرحلة 0
الفصل الثانى
التنظيم المؤسسي فى حوض النيل
كما هو معلوم لدينا أن الاستعمار كان من مبادئه أن يتم تجزئة القارة الأفريقية كما حدث فى مؤتمر برلين 1880م مما أدى إلى كثرة الأقاليم وعندما بدأ عهد الاستقلال وجدت الدول الأفريقية نفسها حرة شكلا لكنها لا تستطيع الاندماج فى كيان واحد لذلك فكرت الدول فى إنشاء اتحاد وكان أول نواة هى حينما قررت غانا الناطقة للإنجليزية وغينيا الناطقة للفرنسية 1958م إقامة اتحاد بينهما لدول غرب أفريقيا بهدف تنسيق سياستهما فى الشئون الخارجية والاقتصادية وكخطوة أولى فى توحيد القارة كلها 0
وبدأ الاجتماع لإقرار قيام منظمة الوحدة الأفريقية فى مايو 1963م بأديس أبابا ونجد أن جميع دول الحوض أعضاء فى منظمة الوحدة الأفريقية والبعض الآخر عضو فى الكومنولث والجماعة الفرنسية والبعض فى جامعة الدول العربية 0
المبحث الأول
الأنظمة الفرعية فى حوض النيل
مع بداية عصر الاستقلال بدأت جهود دول حوض النيل تظهر عن ثلاث آليات اقليمية تختص كل منها بتنظيم استخدامات جزء معين من نهر النيل وهى :-
1) الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل :- التى نشأت مع اتفاقية 1959م بين مصر والسودان وعضويتها مقتصرة على تلك الدولتان وتعتبر الهيئة بحق مثالا يحتذى به فى مجال التنظيم الإقليمي للأنهار الدولية لما تتمتع به من استمرارية وانتظام فى الأداء وقد لعبت هذه الهيئة دورا متميزا فى التقريب بين دول حوض النيل وخاصة فيما يتعلق بمحاولات التنظيم الجماعى المتكامل لاستخدامات مياه النهر بهدف تنمية الموارد المائية لدول الحوض 0
2) وكالة طاقة البحيرات العظمى : ويرجع أصل تلك المنظمة إلى الاتفاقية الموقعة عام 1970 من رواندا- بورندى- زائير من أجل التعاون فى قطاع الطاقة الهيدرواليكتريكية، وبخاصة فيما يتعلق بنهر روزيزى وفى عام 1978م اندمجت تلك المنظمة مع المجموعة الاقتصادية لدول البحيرات العظمى وهذه المجموعة تضم نفس الدول إلا أن نشاطها أوسع فى مجال التنمية 0
3) منظمة حوض نهر كاجيرا 1977م : وهى تضم كلا من رواندا- بورندى –تنزانيا- ثم انضمت إليها أوغندا عام 1981م ويرى البعض أن هذه المنظمة هى منظمة نهرية اسما فقط ,استثناء مشروع خزان رسومو نجدها قد خصصت أنشطتها لتنمية التى لا تتصل بحوض نهر كاجيرا0
أن المنظمة تعتبر مثالا للمنظمة النهرية التى عانت حد الكثير من المعوقات بسبب برامجها الطموحة أكثر من اللازم ورغم ذلك فقد حققت المنظمة أداء جيد، كما أسست فكرا استراتيجيا واضحا ويمكن تقييم المنظمة باعتبارها منظمة تنمية إقليمية أكثر من اعتبارها منظمة نهرية مع إدخال تنمية حوض النيل كأحد أنشطتها 0
المبحث الثانى
محاولات التنظيم الجماعي فى حوض النيل
مع بداية الثمانينات بدأت الدول تنتبه إلى ظاهرة الفرعية التى سادت القارة الأفريقية خاصة منطقة حوض النيل التى أدت إلى إثمار التنظيم المنشود إلى مجموعة من التنظيمات الفرعية لذلك بدأ رؤساء الدول والحكومات الأفريقية فى مؤتمر لاجوس عاصمة نيجريا" 28 إلى 29 أبريل 1980م فى وضع خطة عمل عرفت باسم "خطة لاجوس" 0
1) خطة لاجوس 1980م وبناء النظام الإقليمى : وجاءت هذه الخطة من إعلان منروفيا الخاص بالتزام رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الأفريقية بالمبادئ والتوجيهية والتدابير اللازمة لتحقيق الاعتماد على الذات الوطنى والجماعي فى مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية من أجل إقامة نظام اقتصادى دولى جديد 0 1979م وفى ضوء إعلان منروفيا 1979م0 أكد القادة أنه لابد من إقرار برنامج يهدف إلى التكامل الاقتصادى للقارة وتنفيذه فى أقرب وقت ممكن وذلك من خلال تنفيذ استراتيجية منروفيا من جانب الدول الأعضاء وإقرارها كذلك الدفاع عن الخطة أمام الأمم المتحدة0 أما فيما يتعلق بالموارد المائية اقترحت الخطة عددا من التوصيات وهى :-
أ) التعزيز المؤسسي ويتم معالجة هذه المشكلة من خلال المستوى الوطنى وعلى المستوى دون الإقليمى وعلى المستوى الإقليمى 0
ب) وضع خطط وطنية للتنمية
ج) تعيين المشاريع وإعدادها وتنفيذها 0
د) التعاون دون الإقليمى واللا اقليمى 0
2) مجموعة الاندوجو UNDUGU ويعتبر الاندوجو هو أول محاولة لإقامة تنظيم إقليمى يضم دول حوض النيل تحت مظلته وكانت بداية فى 1983م حينما تقدمت مصر بمشروع لعقد مؤتمر اقليمى يضم دول حوض النيل وبالفعل انعقد المؤتمر الخماسى الأول فى الخرطوم وضم وزراء خارجية كل من مصر- أوغندا – السودان – زائير – جمهورية أفريقيا الوسطى- حيث كان الهدف اعطاء المشاركين الفرصة لتبادل الرأى فى جميع المجالات المشتركة ثم عقد المؤتمر الثانى فى كينشاسا "عاصمة زائير" 1984 وقرر الحاضرون إطلاق اسم الاندوجو على اجتماعاتهم الدورية ولم يتعد عمر مجموعة الاندوجو عن 10سنوات بسبب العوامل السياسية الكثيرة التى أدت إلى تجميد نشاط الاندوجو والسبب هو عدم وجود نظام مؤسسي فعال مما أدى إلى إبطاء إنجازات المجموعة كذلك افتقاره إلى دبلوماسية القمة الأقدر على حل المشكلات والخلافات بين الدول0
ورغم ذلك فقد حققت المجموعة بعض النتائج التى يمكن أن تشكل خبرة لدى دول الحوض فى المستقبل0
3) لجنة التعاون الفني لتعزيز التنمية والحماية البيئية لحوض النيل "مشروع التكونايل":-
أثناء انعقاد الاجتماع الوزارى لمجلس وزارة الموارد المائية لدول الحوض فى كمبالا/ ديسمبر 1992م تقرر تحويل مشروع البحيرات الاستوائية إلى مشروع للتعاون الفنى للتنمية والحماية البيئية لحوض النيل "التكونايل" وذلك بهدف تعزيز التعاون بين دول حوض النيل من خلال تطوير هذا المشروع إلى إطار مؤسسي تعاونى يضم جميع دول الحوض وفى الاجتماع الأول للجنة الفنية "التكونايل" 1993م والمنعقد فى كمبالا تم وضع خطة لتنفيذ قرار التحويل ويعتبر هذا العام هو بداية مباشرة التكونايل لأعماله وقد وافقت كل من مصر – السودان- أوغندا – تنزانيا- زائير – رواندا على العضوية الكاملة بينما اكتفت كينيا وأثيوبيا وبورندى على الاشتراك كعضو مراقب
ويجب أن نلاحظ أن التكونايل لا يعتبر فى حد ذاته منظمة نهرية ولكن يمكن اعتباره مرحلة انتقالية لتطوير مشروع الدراسات الهيدرومترولوجية- وهو المشروع الوحيد الذى جمع تحت مظلته جميع دول الحوض – إلى إطار تعاونى مؤسس لدول الحوض مقبولا لجميع دول الحوض بهدف تعزيز التعاون والتنمية المستديمة للحوض وبهذا يكون المشروع قد حقق الغرض المرجو منه إلى حد كبير كما نجح فى إنشاء لجنة الخبراء المكونة من 3 أعضاء لكل دولة نيلية لكى تكون مهمتها التقدم بتوصيات حول إنشاء الإطار التعاونى لدول حوض النيل 0
الباب الأول
الإدارة المتكاملة للنهر الدولى
كما هو واضح من الباب التمهيدى أن محاولات التنظيم المتوالية لحوض النيل أوضحت أن هناك حلقة مفقودة كانت سببا دائما فى فشل تلك التنظيمات وتتمثل تلك الحلقة فى عدم توافر الأنظمة الأساسية والمقومات اللازمة لتحقيق الإدارة المتكاملة لنهر النيل وهذه الأنظمة لن تتحقق إلا من خلال التعاون والعمل الجماعى من جانب جميع دول الحوض الواحد 0
الفصل الأول
أسس الإدارة المتكاملة
لكى يتم الوصول إلى اتفاق حول الإدارة الجماعية لنهر دولي يقتضى تحديد الأسس التى سوف يبنى عليها هذا التعاون ، وفى مقدمة تلك الأسس الامتثال لقواعد وأحكام القانون الدولى للمياه الذى ينظم ويحدد استخدامات المياه فى الأنهار المشتركة وذلك الالتزام هو الذى يؤدى إلى نجاح أو فشل محاولات التعاون من أجل الإدارة المتكاملة للأنهار الدولية بشكل عام ولنهر النيل بشكل خاص 0
المبحث الأول
حقوق الدول وأحكام القانون الدولي للمياه
المطلب الأول
الطبيعة القانونية لحق الدولة فى استخدام النهر الدولي
وهنا صاغ الفقه الدولي عدة نظريات قانونية تدور حول حقوق وواجبات الدول المشتركة فى مجرى مائى دولي فى استخدام مياه هذ1 المجرى فى الأغراض المختلفة وتنوعت الآراء بين من ينادي بالسيادة المطلقة وأخرى ينكر السيادة وأخرى تذهب للتوسط بينهما كالآتى :-
1) السيادة الإقليمية المطلقة "نظرية هارمون": ويذهب أنصار هذا الاتجاه إلى أن الدولة لها الحق الكامل فى ممارسة سلطاتها اللامحدودة على الجزء من مجرى المياه الدولى الواقع فى إقليمها دون قيد أو شرط أيا كانت النتائج أو الأضرار التى تصيب الدولة الأخرى المستفيدة من هذا النهر بل ويذهبون إلى أبعد من ذلك من حيث تقرر حق الدولة فى إحداث تغييرات فى النهر ذاته سواء بالتمويل الكلى أو الجزئى للمجرى الطبيعى للنهر ، دون أن يكون للدول الأخرى أى حق قانونى فى الاعتراض 0 وذلك الاتجاه لم يحظى بأى تأييد على المستوى العملى نظرا لعدم ملاءمته لظروف الحياة ورغم تمسك بعض الدول به إلا أنها قد غيرت موقفها واستبعدت هذا الرأى 0
2) التكامل الاقليمى المطلق : ويرى أنصار تلك النظرية أن النهر من منبعه إلى مصبه عبارة عن وحدة اقليمية لا تفصلها الحدود السياسية وبالتالى فإن أى تعديل فى المجرى الطبيعى للنهر بهدف زيادة جريان المياه أو تقليلها بأية وسيلة صناعية يعتبر انتهاكا لإقليم دولة المصب التى يجوز لها الاعتراض على ذلك 0
ويشير الأستاذ ماكس هيير- فقيه سويسرى ومن أشد مؤيدي النظرية – إلى نتيجتين هما :-
أ) ليس للدولة حق استغلال المياه بكمية أكبر مما اعتادت استخدامه فى الماضى 0
ب) أن حق استغلال المياه فى توليد الطاقة أمر يخص دولة المصب فقط، فى حالة عدم استغلال دولة المنبع لها أثناء عبورها لأراضيها ، مهما كانت المساحة التى يشغلها النهر فى أراضى دولة المنبع ومهما كثرة روافده فيها 0
ومن الواضح أن هذه النظرية هى عكس السابقة تماما مما أدى إلى تمسك بعض دول المصاب بتلك النظرية مثل باكستان فى قضية نهر الهندوس، وبوليفيا فى قضية نهر ريومورى، وأشهر الأمثلة قضية بحيرة لانو عام 1957م 0
3) السيادة الإقليمية المتكاملة والمقيدة :- لم ينال الاتجاهان السابقان قبولا فى التطبيق العملى من الدول مما أدى إليه من الجدل والخلاف بين دول الحوض الواحد لذلك جاء مبدأ السيادة الإقليمية المقيدة والمتكاملة ليؤكد حق وحرية كل الدول المشاطئة فى استخدام مياه الأنهار المشتركة الموجودة فى إقليمها بأسلوب عادل ومنصف مع ضرورة تجاهل الحدود السياسية وعدم الربط بينها وبين جغرافية النهر الدولي .
ويشير هذا الاتجاه الى أن الوحدة الطبيعية تؤدى إلى الوحدة القانونية التى تؤدى بدورها إلى اتفاق مصالح المشاطئين،وبذلك تصبح المياه منفعة مشتركة للجميع ، وقد نال هذا الاتجاه قبولا واسعا من الفقه القانونى الدولى 0
المطلب الثاني
مبدأ الانتفاع المنصف والمعقول
وهذا المبدأ هو الأشمل والأدق حيث يمكن من خلاله تحديد حقوق وواجبات الدول النهرية فى استخدام النهر الدولى المشترك ولا شك أن هذا المبدأ هو الخطوة الأولى نحو تحقيق الإدارة المتكاملة للنهر الدولى مما يؤدى إلى إيجابية مرضية لجميع الدول
1) مفهوم الانتفاع المنصف : وهو أن لكل دولة من دول الحوض حق الانتفاع بالمجرى فى إقليمها وفى نفس الوقت هى ملتزمة بعدم حرمان دول المجرى المائى الأخرى من حقها فى الانتفاع المنصف من استخدامات ومنافع النهر0
ومما لا شك فيه أن الدولة التى يمر النهر فى إقليمها لها الحق فى استخدام المياه بداخل إقليمها وهذا من حقوق السيادة المقررة لكل الدول المشتركة فى المجرى على أساس مبدأ المساواة فى السيادة – ويقترن بهذا المبدأ مبدأ المساواة فى الحقوق بين الدول ، بحيث يكون لكل دول المجرى حقوقا فى استخدام مياه المجرى متعادلة نوعيا مع بعضها البعض 0
2) العوامل المحددة للانتفاع المنصف : أن المشكلة تثور إذا كانت المياه غير كافية كما أو نوعا للوفاء باحتياجات دول المجرى حيث أنه من الطبيعي أن تسعى كل دولة للحفاظ على مالها من حقوق فى المجرى المائي ، ومن هنا ينشا تنازع الاستخدامات المتكاملة نتيجة صعوبة الوفاء باحتياجات جيمع دول المجرى في ظل الكم أو النوع المتوفر من المياه وهذا التنازل يمكن حسمه من خلال الادارة المتكاملة للنهر الدولى إذا تم بنائها على أساس الانتفاع المنصف المحقق للفائدة المتبادلة بين الدول المشاطئة.
وفى عام 1966م نجحت لجنة الأنهار الدولية التى أسستها جماعة القانون الدولي عام 1954م فى صياغة أول منظومة موضوعية لمبادئ القانون الدولي القابلة للتطبيق بالنسبة لمصادر المياه المشتركة، وهى ما عرفت بقواعد هلسنكى0
وهذه القواعد أكدت على أن سيادة الدول على أجزاء النهر الموجودة بإقليمها لم تعد سيادة مطلقة ويعتبر ذلك أهم ما جاءت به قواعد هلسنكى حيث أحلت مبدأ الانتفاع المنصف والمعقول محل مبدأ هارمون السالف الذكر . وهذا هو ما نصت عليه المادة الاولى من قواعد هلسنكى كذلك تضمن الباب الثانى النص على الانتفاع المنصف بمياه حوض صرف دولى حيث نصت المادة الرابعة على "لكل دولة من دول الحوض حق داخل إقليمها فى نصيب معقول من الاستخدامات النافعة بمياه حوض صرف دولى ".
ثم جاءت المادة السادسة من اتفاقية عام 1997 م تحت عنوان عوامل ذات صلة بالانتفاع المنصف والمعقول ، ويلاحظ أن تلك الاتفاقية قد أضافت عامل الاستخدامات المحتملة الذى يمكن أن يلبى مطالب التنمية لدى دول المجرى المائى 0
وجدير بالذكر أن مصر اقترحت عامل آخر أثناء إعداد الاتفاقية هو مدى توافر مصادر مائية أخرى لدى دول المجرى المائى الدولي، غير أن هذا الاقتراح لم يحصل على العدد اللازم من الأصوات لإقراره 0
3) الانتفاع المنصف وقاعدة احترام الحقوق التاريخية :-
ومضمون تلك القاعدة أن الدول المشتركة فى مجرى مائي دولي يجب عليها أن تحترم حق بعضها فى الحصول على الحصة المائية السنوية التى جرى العمل على حصول كل دولة عليها على مر السنين ويشترط القانون الدولي العرفي توافر ثلاثة شروط لاكتساب الحق التاريخي وهى :-
أ) وجود ممارسة ظاهرة ومستمرة يقابلها موقف سلبي من جانب الدول الأخرى 0
ب) أن يستمر هذا الموقف السلبي طوال فترة زمنية كافية لاستخلاص قرينه 0
ج) ما يسمى بالتسامح العام من جانب الدول الأخرى أو التسليم وهو رضاء سلبي 0
كذلك يجب أن نؤكد على أنه لا يمكن إنكار حق دول المجرى المائي ذات النصيب المنخفض من التدفق السنوى للنهر فى زيادة منافعها من مياه النهر ، فهى بحاجة إلى تطوير مواردها لتحقيق التنمية لشعوبها 0
4) الممارسات الدولية وقاعدة الانتفاع المنصف :-
وهذه الممارسات تؤكد وجود تأييد كبير لمبدأ الانتفاع المنصف كقاعدة قانونية عامة تحكم سلوك الدول وتحدد حقوقها وواجباتها فى استخدامات النهر الدولي المشترك 0 ومن هذه الممارسات الآتى :-
أ) الفقه : حيث نالت قاعدة الانتفاع المنصف تأييدا فقيها كبيرا باعتبارها قاعدة قانونية تنظيم حقوق وواجبات الدول المشاطئة المشتركة فى مجرى مائى دولى واحد- ومن هؤلاء الفقهاء الأستاذ دانتى كابونيرا الذى يرى أن هذه القاعدة مرنة حيث توفر الفرصة لتشييد العدالة والوضوح على أساس مراعاة الظروف والعوامل ذات الصلة بكل حالة 0
ب) الاتفاقيات الدولية وقد نالت القاعدة اعترافا دوليا فى الكثير من الإعلانات والاتفاقات الدولية والملاحظ أن جميع الاتفاقيات التى تتناول الأنهار الدولية تحتوى على عنصر مشترك واحد هو الاعتراف بالحقوق المشتركة للدول فى استخدام مياه الأنهار الدولية ومنها – تأكيد المبدأ منذ فترة طويلة حين أقره القانون الدولي عام 1961 م0
1) تأكيد المبدأ من خلال محاولة عصبة الأمم لتقنين القانون الدولي بمصادر المياه المشتركة اتفاقية جنيف 1923م 0
2) أقر المؤتمر الدولى للولايات الأمريكية فى مونتيفيديو، أوروجواى، ما عرف بإعلان مونتيفديو فى 24 ديسمبر 1933 م0
3) تأكيد مبدأ المساواة عام 1957م حينما أقرت رابطة محامى الدول الأمريكية فى اجتماعها العاشر المنعقد فى بيوينس أيرس الأرجنتينية خمسة نقاط أساسية، أطلق عليها إعلان بيونيس آيرس 0
4) فى عام 1978م نظم برنامج الأمم المتحدة للبيئة unep فى نيروبى مجموعة عمل مكونة من خبراء المصادر المائية المشتركة بين دولتين أو أكثر وقد قدمت تلك المجموعة من القواعد والمبادئ التى تتعلق بالاستخدام والاستغلال المتناسق للمصادر الطبيعية المشتركة 0
المبحث الثاني
الالتزام بعدم التسبب فى ضرر جسيم
إذا كان لجميع دول المجرى الحق فى استخدام مياه المجرى فإن عليها أيضا التزامات يتمثل فى عدم التسبب فى ضرر جسيم وعدم التزام الدولة بذلك يجعل انتفاعها بالمجرى المائي الدولي انتفاعا غير منصفا، وفى حالة قيام أى دولة فى المجرى بأى مشروعات أو تدابير يمكن أن تؤثر على حالة المجرى – تلتزم بالتشاور مع الدول الأخرى بشأن الآثار المحتملة لتلك التدابير سواء كانت سلبية أو ايجابية والدولة التى يسبب استخدامها ضررا ً جسيماً لا يمكن اعتبارها مخلة بالتزامها إلا إذا كانت قد قامت بذلك عن عمد أو إهمال وسوف نقسم هذا المبحث إلى مطلبين كالآتى :-
المطلب الأول
مفهوم ووصف الضرر
يعرف الفقه القانوني الدولي الضرر بأنه "المساس بحق أو مصلحة مشروعة لأحد أشخاص القانون الدولي" 0
فالدولة ملتزمة بالاستخدام أو تسمح لأحد رعاياها أو أى كيان يعمل داخل نطاقها الإقليمي باستخدام إقليمها على نحو يسبب ضرر لدول أخرى0
والمبدأ الأصلى0 أن الانتفاع المنصف بمياه المجارى المائية الدولية يقتضى أخذ مصالح وحقوق الدول المشاطئة فى الاعتبار، بحيث لا يجوز لدولة أن تستخدم مبدأ الانتفاع المنصف لتحدث ضررا لدول أخرى فى المجرى ، وتلتزم الدولة ببذل الجهد اللازم عند انتفاعها بالمجرى المائى على وجه لا يسبب ضرر للدول الأخرى 0
أوصاف الضرر :-
1) الضرر المادي المباشر :- وهنا يجب أن يكون الضرر مادي ومباشر كانتقاص نصيب دولة أخرى من المياه أو تغير طبيعتها 0
2) 2- الضرر المحتمل :- والمقصود هنا أن الاحتمال يكفى لحدوث الضرر وليس الحتم فإذا تبين أن أحد المشروعات التى تقام فى أى دولة قد يؤدى إلى ضرر ملموس بدولة أخرى فإن الأمر يوجب التخلى عن ذلك المشروع إلا إذا كان هذا التخلى سيحقق ضرر أكبر فإن الضرر الأقل يتحمل فى سبيل منع الضرر الأكبر 0
3) 3- الضرر الملموس :- وأثار الضرر الملموس جدل فى تحديده وهو كل ما يحقق ضرر بحقوق أو مصالح دول المجرى المائى الأخرى، ولذلك وجدت عدة اقتراحات بخصوص تغير مصطلح ملموس بمصطلح آخر يفى بالغرض المقصود مثل:-
يلحق ضرر بالدول أو قيام الدولة بتجاوز نصيبها المنصف أو بحرمان دولة أخرى من نصيبها المنصف 0
4) الضرر الجسيم :- جاء نص الفقرة الأولى من المادة السابعة من اتفاقية عام 1997م على أنه يجب على دول المجرى المائى أن تبذل العناية اللازمة فى الانتفاع بمجرى مائي دولي على وجه لا يسبب ضررا جسيما لدول المجرى المائى الأخرى0 وجاء التفرقة بين الضرر الجسيم والضرر البسيط إلى أن تحديد كل منهما يتم على أساس كل حالة على حدة وفى ضوء الظروف السائدة 0
ونجد العناية اللازمة هى التى تكون متناسبة مع ضخامة الموضوع ومع كرامة وقسوة السلطة التى تمارسها وهى أيضا العناية التى تبذلها الحكومات بالطريقة المعتادة فى شئونها الخارجية 0 ويمكن استخلاص الالتزام ببذل العناية الواجبة كقاعدة موضوعية من المعاهدات التى تحكم الانتفاع بالمجارى المائية الدولية مثال ذلك معاهدة نهر السند عام 1960م بين الهند وباكستان، وقد أشارت محكمة العدل الدولية فى قضية مضيق كورفو إلى ذلك فقد استشهدت المحكمة بتلك القضية مرارا فى التحليلات القانونية لمشاكل البيئة الدولية 0
المطلب الثانى
الالتزام بالأخطار والتشاور
إذا كانت الدولة فى مرحلة الإعداد للقيام باستخدام معين للانتفاع بالمجرى المائي فهى ملزمة بإخطار الدولة التى من المتوقع أن يحدث فيها ضرراً جسيماً والتشاور وفقا لقواعد القانون الدولي، أما إذا قامت الدولة باستخدام سبب ضرر فعلى لدولة أخرى رغم بذل الجهد والعناية اللازمة ، فإن تلك الدولة تلتزم بالتشاور مع الدول المضرورة حول ما حدث وما يمكن القيام به لإزالة وتخفيف آثار الضرر 0
1) حالة احتمال حدوث ضرر جسيم : - وهنا يجب على الدولة تزعم القيام باستخدام أن توجه إخطار إلى الدول الأخرى، وأسلوب الإخطار هذا ليس جديد ولكنه موجود فى ممارسات دولية قديمة0
التزامات الدولة التى توجه الإخطار:-
أ) موعد الإخطار :- أكدت المادة 12من اتفاقية 1997م أن على الدولة توجيه الإخطار فى الوقت المناسب وهو الوقت المبكر بما فيه الكفاية فى مراحل التخطيط الأولى للتدابير المزمعة ، حتى تتم المشاورة ، ولكن كما هو واضح فإن هذا الوقت متروك للدولة المخطرة وبذلك فهى التى بيدها التقدير مما آثار الدول الأخرى وهذا المعيار يتسم بالمرونة حيث يتعذر تحديد الوقت المناسب , وكان الأولى أن ينص على توجيه الأخطار قبل أن تقوم الدولة أن تسمح لأحد كياناتها الخاصة بتنفيذ التدابير المزمعة , وهذا هو الوقت الواجب توجيه الإخطار فيه ، أى قبل البدء فى التنفيذ 0
ب) مضمون الإخطار :- ويجب أن يشمل البيانات والمعلومات المتاحة ولكن يجب ملاحظة أن الدولة التى تقوم بالإخطار ليست ملزمة بكشف بيانات أو معلومات تكون حيوية ومتعلقة بالأمن القومي 0
ج) الرد على الإخطار :- ويجب على الدولة التى تم إخطارها الرد خلال 6 شهور ما لم تطلب مد تلك المهلة بـ6 شهور أخرى وهنا يجب على الدولة الأخرى الموافقة على تلك المدة الجديدة 0
- التزامات الدولة التى تتلقى الإخطار :-
أ) إذا لم تلتزم الدولة بالرد على الإخطار :- جاز للدولة التى وجهت الإخطار أن تشرع فى تنفيذ التدابير المزمعة فى حدود البيانات والمعلومات التى تضمنها الإخطار السابق لإعتبار هذه الحالة موافقة ضمنية ولكن لا يجوز أن يمتد ليشمل مسائل أخرى غير التى تضمنها الإخطار 0
ب) أما إذا قامت الدولة بالرد على الإخطار :- وتضمن الرد الإشارة إلى توصلها لنتيجة مؤداها أن تنفيذ التدابير المزمعة يمكن أن يؤدى إلى ضرر جسيم لها0 فإنها تدخل فى مفاوضات للتوصل إلى حل منصف للوضع الذى قد يتمثل فى إزالة الضرر المحتمل أو تعديل الاستخدامات الأخرى التى تجريها أى من الدولتين 0
§ حالة عدم الإخطار :- والفرض هنا أن الدولة التى تعتزم القيام بالتدابير لم تخطر دول المجرى بذلك التدبير إما لأنها توصلت إلى عدم احتمال حدوث ضرر جسيم أو لعدم قيامها بإجراء تقييم لازم لآثار تدابيرها المزمعة،وهنا يجوز للدولة التى قد يكون لها تأثر بتلك التدابير أن تطلب من الدولة صاحبة التدابير أن توجه إليها إخطار يشمل البيانات والمعلومات بحيث تعيد تقييم تلك التدابير وحتى تتقدم الدولة بذلك الطلب يجب أن يكون لديها سبب جدي للاعتقاد بأن هناك ضرر جسيم عليها 0 وهنا يجب على الدولة صاحبة التدابير أن توقف العمل بالمشروع لمدة 6 شهور وترسل إخطار إلى تلك الدولة ولكن يجب أن نبين أن الدولة صاحبت التدابير قد ترى أنها غير ملزمة بذلك الأخطار وهنا يجب عليها أن تقدم مبررات رأيها هذا ,وإذا لم تقتنع الدولة التى طلبت الإخطار، وجب على الدولة صاحبة التدابير الاستجابة فورا إلى طلب الدولة الأخرى فى الدخول فى مشاورات أو مفاوضات للوصول إلى حل منصف يراعى حقوق ومصالح كلتا الدولتين 0
§ حالة الضرورة والاستعجال :- وهنا نجد الاستثناء وحالة الضرورة أمر واقع تعطى للدولة الحق فى الشروع فى التنفيذ الفوري ، بشرط أن تقوم بإبلاغ دول المجرى الأخرى عن طريق إعلان رسمي بحالة الضرورة والاستعجال التى أجبرتها على البدء فى التنفيذ كالفيضان مثلا وهنا يلاحظ أن اللجنة لم تشير إلى وقف التنفيذ للتشاور والتفاوض وذلك بسبب حالة الضرورة 0
2) حالة وقوع الضرر الجسيم :- لا تثور مشكلة إذا وجد اتفاق بين دول الحوض الواحد حول استخدام قد يؤدى إلى ضرر جسيم لدولة او لأخرى ولكن المشكلة توجد إذا لم يكن هناك اتفاق وعندما تكون الدولة صاحبة الاستخدام الذى سبب الضرر الجسيم قد بذلت العناية اللازمة لمنع حدوث هذا الضرر ، فإن تلك الدولة تكون ملزمة بالتشاور مع الدولة الأخرى التى لحق بها الضرر، وهذا الالتزام يقترن بتحقق شرطين:-
أولهما عدم وجود اتفاق سابق حول هذا الاستخدام، والثاني التسبب فى ضرر جسيم يلحق بالفعل بإحدى دول المجرى ويكون التشاور حول ما جاءت به اتفاقية لجنة القانون الدولى عام 1997م فى الآتى :-
أ) بحث ما إذا كان التصرف الذى رتب ضررا يدخل ضمن الانتفاع المنصف والمعقول أم لا 0
ب) بحث ما إذا كان من الضروري إجراء تكييفات أو تعديلات على الانتفاع المسبب للضرر0
المبحث الثالث
مبدأ حسن النية وحسن الجوار
لم تتضمن اتفاقية 1997م نصا حول هذا المبدأ ، وإذا أشارت إليه بشكل عابر فى تعليقها على المادة 8 المتعلقة بالتعاون الأصلي أن لا تبنى الدول علاقاتها ببعضها البعض بسوء نية وهذا يعنى أن على الدول عدم التعسف فى استعمال حقوقها سواء على إقليمها أو تجاه الغير وإلا ترتب على ذلك المسئولية الدولية عن الضرر الذى تسببه الدولة 0 وهذا المبدأ من المبادئ التى يقرها القانون بشكل عام 0
§ أما بالنسبة لمبدأ حسن الجوار :- فقد أكدته وأشارت إليه آراء فقهية عديدة باعتباره مبدأ من مبادئ القانون الدولى التى تسهم فى إيجاد حلول لمشاكل قانونية ومن هؤلاء الفقهاء "اندراسى" و "جورج ساوزر" ومن الفقهاء المصريين أستاذنا الدكتور "إبراهيم محمد العنانى" واستخلص الآتى :-
1) لا يجوز لدولة يمر بإقليمها نهر دولي أن تتخذ أى عمل أو تصرف من شأنه التأثير فى الحقوق والمصالح المقررة للدول النهرية الأخرى دون تشاور واتفاق سابق مع هذه الدول0
2) 2- لا يجوز لدولة أن تتخذ ترتيبات من شأنها الإضرار بالدول النهرية الأخرى كإقلال كمية المياه التى تصلها 0
3) 3- يجب على كل الدول أن تحول دون أى عمل يلوث مياه النهر أو الزيادة فى تلوثه بصورة تضر بالدول الأخرى 0
4) 4- إن أي دولة تتخذ تصرفا يخرج على مبدأ الاستعمال البرئ لمياه النهر تتحمل المسئولية الدولية عن الضرر الناجم عن ذلك 0
5) 5- لا يعتبر استعمالا بريئا أى استعمال ينطوى على التعسف فى استعمال الحق0
المبحث الرابع
الالتزام بحماية النظام النهري
أن حماية النظام النهري من أهم أسس الإدارة المتكاملة للنهر الدولي حيث أنها من الأمور ذات الصلة الوثيقة بالتنمية المستدامة للنهر الدولي حيث لا يتصور إنجاز التنمية المستدامة فى ظل نظام نهري يعانى من التلوث والتدهور البيئي0
المطلب الأول
حماية النظام النهري فى القانون الدولي للبيئة
القانون الدولي للبيئة هو عبارة عن مجموعة من القواعد القانونية الخاصة بحماية البيئة,والبيئة تشمل جميع المصادر الطبيعية بما فى ذلك المصادر المائية لذلك ظهرت العديد من الاتفاقيات المتعلقة بحماية تلك المصادر الطبيعية مثل اتفاقية لندن 1933، اتفاقية واشنطن 1940م ثم بدأت المبادرات لمكافحة تلوث الماء والهواء تحت رعاية المجلس الأوربى وغيرها من الاتفاقيات ومن هذه الاتفاقيات الإعلانات إعلان "استكهولم عام 1972" ، وإعلان "ريودى جانيرو1992م" اللذان يعتبران حجر الأساس الذى تأسس عليه القانون الدولي للبيئة، وقد لقى قبولهما صدى واسعا على صعيد المجتمع الدولي بما تضمناه من مبادئ ثم جاءت اتفاقية 1997م تحت عنوان "الحماية والحفظ والإرادة"
الباب الرابع من المواد 20-23 لتضع القواعد وتحدد الالتزامات التى تقع على عائق الدول فيما يتعلق بحماية النظام النهري والحفاظ عليه0
المطلب الثانى
الممارسة الدولية
1) الإعلانات والاتفاقيات الدولية :- الواضح أن حماية النظام النهرى من الأمور التى حرصت الممارسات الدولية بمختلف أشكالها على معالجتها ووضع تنظيم لها لتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المائية ومن هذه الاتفاقيات :-
أ) النظام الأساسى لنهر أوراجواى عام 1975 من اتفاق كل من الأرجنتين أوروجواى على تنسيق التدابير المناسبة للحيلولة دون تغير التوازن الأيكولوجى ،ولمكافحة الشوائب وغيرها من العناصر الضارة فى النهر والواقع أن هذا الاتفاق من الأمثلة المبكرة على الاهتمام بحماية النظم النهرية 0
ب) اتفاقية التعاون من أجل الحماية والاستخدام المستدام لنهر الدانوب عام 1994م 0
ج) اتفاقية حماية نهر الراين عام 1998م على ضرورة حماية النظام النهرى0
د) الإعلان الوزارى الصادر فى 22/3/2000 هولندا حول الأمن المائي فى القرن 21
هـ) الإعلان الصادر من وزراء البيئة من كل من بلغاريا- مولدوفيا- رومانيا- أوكرانيا فى بوخارست حول تطوير أسفل نهر الدانوب فى 5 يونيه 2000 0
و) استراتيجية المياه العذبة الخاصة بكولومبيا "البريطانية" والصادرة فى مارس 2000
2) الفقه الأولى :- كذلك نجد أن الجهود الفقهية لها دور بارز فيما يتعلق بحماية النظم النهرية سواء كان مجمع القانون الدولي أو جهود معهد القانون الدولي ومنها ما يلى :-
أ) إعلان مدريد عام 1911م الصادر من معهد القانون الدولى0
ب) إ علان مونتفيديو عام 1933م 0
ج) مساهمة مجمع القانون الدولي من خلال قواعد هلسنكى عام 1966م ، تلك القواعد التى تم تنقيحها فى 1982م 0
د) مساهمة لجنة القانون الدولي من خلال تقريرها الصادر فى دورة انعقادها 43 0
المبحث الخامس
جمع وتبادل البيانات والمعلومات
إن جمع وتبادل البيانات والمعلومات شرطا أساسيا لنجاح أى تخطيط للتنمية النهرية المستدامة ، حيث أن هذ1 المبدأ يؤدى إلى الهدف المرجو حتى تصل إلى الإدارة المتكاملة للموارد المائية وهذا التبادل هو الصورة الحقيقة للتعاون الدولي وهذه العملية مهمة جداً فيما يتعلق بحماية بيئة المياه العذبة والحفاظ عليها من التلوث 0
المطلب الأول
النظام القانوني لتبادل البيانات والمعلومات
وقد نصت المادة التاسعة من اتفاقية عام 1997 على التبادل المنتظم للبيانات والمعلومات0
1) أن عملية تبادل البيانات والمعلومات تقتضي تحديد عدد من الالتزامات ، وتحديد مدى التزام الدولة التى تقوم بتقديم البيانات بتلك الالتزامات وذلك كالآتي :-
أ) التزام الدولة بمعالجة البيانات :- وهنا يجب ملاحظة أن الدولة تكون ملزمة بمعالجة البيانات والمعلومات متى كان ذلك مناسبا كانت عملية المعالجة يسيرة أما إذا كانت العملية تحتاج إلى تكاليف باهظة فلا شك أن التزام الدولة هنا لا يترتب إلا بناء على اتفاق مسبق مع الدولة الطالبة للبيانات 0
ب) نوع البيانات والمعلومات التى يتم تداولها بين دول المجرى :- وهنا يجب أن يكون هناك برنامج جمع البيانات فعال للتعرف على خصائص النهر، انسياب المجرى – جيولوجيته- الطبوغرافية – النظام الالهيدرولوجى ولا شك أن تلك البيانات والمعلومات تؤدى إلى نجاح المشروعات فى أماكن دون أخرى كذلك معرفة الحالة الاقتصادية والاجتماعية المحيطة بالنهر المعنى 0
ج) البيانات الخاصة بالآثار المحتملة للاستخدامات الحالية للمجرى :-
2) هناك بعض الأمور التى يجب تحديدها بالنسبة لعملية التبادل، من حيث الظروف التى قد تثير عقبات فى طريق التبادل، المدى الزمنى اللازم لحدوث التبادل ، إضافة إلى أسلوب تبادل البيانات والمعلومات كما يلى:-
أ) الظروف التى قد تحول دون تبادل البيانات بطريق مباشر0 كحالات النزاع المسلح أو عدم وجود علاقات دبلوماسية 0 وقد تمت معالجة هذه المشكلة من خلال نص المادة 30 من الاتفاقية حيث قررت أنه حتى فى مثل هذه الحالة كثيرا ما توجد ما تعرف بالمساعي الحميدة للمنظمات الدولية ، لجان الهدنة 0
ب) المدى الزمني لعملية جمع البيانات :- وهنا ينبغي أن نبدأ برامج الجمع مبكراً بحيث يمكنها أن تعطى أكبر قدر ممكن من الحوض كما يجب أن يتم التبادل بشكل منتظم حتى تكون البيانات مفيدة لدول المجرى0 ويجب أن تستمر البيانات لدورة زمنية معقولة يرى البعض أنه يجب أن تكون لفترة خمس سنوات على الأقل وإن كان ينصح بأن تغطى دورة أطول من ذلك0
ج) أساليب جمع وتبادل البيانات والمعلومات :- لم تحدد الاتفاقية أساليب الجمع ولكن يمكن أن يتم عملية الجمع من خلال أن توكل الحكومات المعنية برامج جمع بيانات إلى وكالات محلية يتم اختيارها بمعرفة تلك الحكومات ويجب أن يكون هناك رقابة وتفتيش حتى يتم الاطمئنان والتأكد من المصداقية المطلوبة فى البيانات وكذلك أن يتم جمع وتبادل البيانات من خلال آلية مشتركة كإقامة شكل إداري مشترك ومستمر من جميع الدول المشتركة فى الحوض0
المطلب الثاني
الممارسات الدولية
لقد نال الالتزام بتبادل البيانات والمعلومات وإقرار العديد من الاتفاقات والإعلانات والقرارات الدولية ومنها :-
§ اتفاق عام 1964م بين بولندا واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية0
§ إعلان نيروبى عام 1997م "دور الوكالات الدولية فى تقديم الدعم والمساعدة لعملية تبادل المعلومات" 0
§ مبادئ دبلن عام 1998م حول الإدارة المتكاملة للموارد المائية 0
§ اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982 "المادة 200" 0
§ معاهدة مياه السند بين الهند وباكستان عام 1960 "المادة السادسة" 0
§
الفصل الثاني
أهداف الإدارة المتكاملة
وكما هو واضح من دراستنا أن الهدف من الإدارة المتكاملة هو الوفاء باحتياجات الدول بالمياه اللازمة لتحقيق عمليات التنمية المستديمة 0 ولتحقيق هذا الهدف كان التوسع فى القرن الماضي فى تشييد وتطوير المصادر المائية أو كانت هناك عوامل ثلاثة رئيسية لهذا التوسع :-
1) النمو السكانى المتزايد
2) التغير فى مستوى المعيشة
3) التوسع فى استخدام الزراعة المرورية 0
لذلك يجب توفير الآليات المناسبة مع جميع المستويات العالمي والإقليمي والوطني والمحلى حتى يمكن تنفيذ الاستراتيجية المعنية بتحقيق تنمية مستدامة لهذا المورد وحمايته 0 ويجب أن تتم الإدارة المتكاملة على مستوى الحوض بأكمله 0
المبحث الأول
التعاون والعمل الجماعي
أن المشكلة لا تثور حينما نتكلم عن نهر وطنى حيث تقوم الدولة هنا باستغلاله كيفما شاءت ولكن الوضع يختلف عندما يكون هذا النهر يربط عدة دول ببعض فإن هذا قد يؤدى إلى حدوث النزاعات بين تلك الدول نتيجة لرغبة كل طرف فى تحقيق مصالحه الخاصة ، لذلك فإن تنظيم حقوق والتزامات تلك الدول للحصول على الاستخدام الأفضل والأمثل يقتضى ضرورة البحث بشكل جماعى عن التعاون فى إدارة الأنهار الدولية0
المطلب الأول
نظرية العمل الجماعي
أن هذه النظرية تنطلق من حقيقة مؤداها أن تعدد الدول التى تشترك فى مجرى مائي دولي هو الذي يقود إلى إثارة مسألة التعاون والعمل الجماعي، ولكن مع تعدد المصالح يظهر التعارض بين الاستخدامات وأن احتواء تلك التعارضات من خلال التعاون والعمل الجماعي يمكن حدوثه إذا توافرت ظروف معينة وحسب وضع السلوك النسبي للمشاطئين فى تطوير إجراءات التعاون بدلا من النزاع 0
1) مناهج إدارة المياه الدولية :- ومن تلك المناهج "المنهاج القانوني" وهو ذلك المنهج الذى يحدد الإطار القانوني لالتزامات وحقوق الدول المشتركة فى النهر الدولي وهذا المنهج وهو يعنى بدراسة وتحليل المعاهدات والاتفاقيات الدولية ولكن هذا المنهج لا يكفى للتوفيق والتفاعل المطلوب لذلك يرى البعض أن أفضل المناهج التى يمكن اتباعها فيما يتعلق بالمصادر المائية المشتركة هى "نظرية المباراة" عام 1940م وأشهر مثال لهذه النظرية هو نموذج معضلة السجين التى تعتبر النموذج الكلاسيكى وأشكاله المصالح الفردية فى النظام الإقليمي أو العمل الجماعي بشكل عام 0
§ وتفترض هذه النظرية وجود طرفين فقط فى العلاقة غير أن تطبيقاتها تؤكد أنها تصلح للتطبيق على العلاقات متعددة الأطراف 0
§ وتفترض هذه النظرية عدم وجود اتصال بين الأطراف فإذا حدث الاتصال والتنسيق سوف تختلف النتيجة0
§ ويتم التفاعل بين السجينين مرة واحدة، إذا تكرر الموقف أكثر من مرة فلابد أن تتغير النتيجة تماما 0
2) الصعوبات المحتملة :-
أ) التأثير المحتمل لجماعات الضغط الداخلية على الدول - ونقصد هنا جماعات المصالح الداخلية الذين يكون لهم اختيارات مختلفة وغالبا متنوعة بالنسبة لأى مشروع خاص بعقد اتفاقية دولية مع دول الحوض الأخرى، ولذلك فإن تأثير تلك الجماعات يكون كبيرا على السياسات التى ترسمها الدولة على المستوى الدولي 0لذلك يجب على مفوضي الدولة أن يختاروا تحركاتهم فى ضوء ثلاثة أمور هى :-
بنيان المباراة الدولية – الضغوط الداخلية لدولتهم – القيود الداخلية للحكومات الأخر0
ب) أن الدول المشتركة فى مجرى مائي واحد لا تسعى إلى تعظيم فوائدها من استخدامات المجرى المائي بقدر ما يعنيها زيادة فجوة القوة بينها وبين بعضها0
المطلب الثاني
دور القانون فى دعم التعاون والعمل الجماعي
بالرغم من الدور الذي بذله خبراء لجنة القانون الدولي من خلال اتفاقية 1697م لتحديد الانتفاع المنصف بالنسبة إلا أنه لم تنال قضية التعاون اهتمام كافيا من خلال أعمال لجنة القانون الدولي ، ولقد حاول البعض البحث عن آلية لدعم التعاون والعمل الجماعي فى إدارة الأنهار الدولية وذهب إلى أن تحديد حقوق الملكية للمصادر المائية يمكن أن يحل مشاكل العمل الجماعي "آلية السوق" والحق أن الاعتماد على فكرة سوق المياه لحل مشكلات العمل الجماعي هى توجه غير محمود ومرفوض من جانب الدول التى تضع المعيار الاجتماعي لشعبها فى المقام الأول وحيث أن التعامل مع المياه على أنها مصدر اقتصادي وفقا لمفاهيم السوق يؤدى حتما إلى تصورها كسلعة قابلة للبيع والشراء وبالتالي يحصل عليها من يملك ثمنها ويحرم منها من لا يملك0
ولحل هذه المشكلة كما أوضحت الاتفاقية يأتى من خلالها التفاوض لحسم النزاعات وللتوصل على صيغة تعاونية ترضى جميع أطراف المجرى المائي المعنية 0 ولا شك أن للتفاوض فوائد جمة منها الإيجابية وخلق قنوات اتصال رسمية أو غير رسمية بين الدول المعنية0 إن هذا التفاوض يؤدى الى إقامة التنظيم المؤسسي الدائم بين الدول0
المبحث الثاني
التنمية المستدامة
والتنمية المستدامة هى التنمية البيئية الاقتصادية والاجتماعية التى تقابل الاحتياجات الحالية للأجيال، وبدون التعرض سلبا لأجيال المستقبل على مواجهة احتياجاتهم ، ويرى البعض ربط التنمية المستدامة بالعدالة الدولية ورغم صعوبة تحديد تعريف عالمي موحد للعدالة، إلا أنه يمكن الإشارة إلى عدالة التوزيع الدولية بأنه الاقتسام العادل بين الدول للفوائد والأعباء وسلطة اتخاذ القرار وقد قدم "جون راولز" دعما قويا لفكرة العدالة والمساواة بين الأجيال تجاه البيئة ولنجاح التنمية المستدامة يقتضي توفر العوامل الآتية كما سيلي شرحه 0
المطلب الأول
التخطيط لتنمية المصادر المائية
أن الهدف الأساسي لأى سياسة مائية هو كثرة الفوائد من المصادر المائية المتاحة وإعداد سياسة مائية ناجحة يتطلب أن يتم إعداد ومراجعة تلك السياسة على جميع المستويات الإقليمي – الوطني- المحلى0 وفقا لكل حالة على حدة ويجب أن نحدد الهدف من التخطيط وكذلك نوع الخطط المعنية بتنمية المصادر المائية سواء كانت "خطة وطنية" تخص الدولة وحدها أم "خطة إقليمية" أى يتم صياغتها فى إطار حوض النهر أم "خطة محلية " أى التي تعنى بتحديد الأعمال الهيدروليكية المتعددة بداخل البرامج القطاعية أم "خطة قطاعية" أى التى تغطى بوجه عام التنمية والإدارة لاستخدام معين عن استخدامات المياه أم "خطة متكاملة" أم خطة طويلة المدى أم خطة متوسطة المدى أم قصيرة المدى0
المطلب الثاني
المشكلات اللاحقة لعملية التخطيط
ان التخطيط ليس نهاية المطاف فى عملية تنمية النهر الدولي فهو ليس سوى الخطوة الأولى ولكن هناك العديد من المشكلات الإدارية قد تظهر لتهدد إمكانية نجاح واستمرار عملية التنمية0 وبما أن لكل مجرى مائي نظام معين فمن الطبيعي أن تعدد المشكلات وتنوعها ومدى تعقيدها سوف يختلف من نظام إلى آخر، ومن المؤكد أن المسئوليات التى تضطلع بها الإدارات سوف تتزايد على كل المستويات، وسيتم بناء إدارات مؤسسية جديدة مما سيؤدى بالطبع إلى إعادة النظر فى سلطات ومهام الإدارات القائمة 0 كما سيكون هناك تنظيم مستمر بين المنظمات الوطنية والدولية ومن هذه المشكلات على سبيل المثال المشكلات التى واجهت سلطة وادي "تينيس" وكذلك "نهر الميكونج" ولكن ما ينبغى أن نقوله هو أن هذان المثالان ليسوا مثل يحتذي بهم لأن كل نهر يختلف عن الآخر وبالتالي فلا يوجد إذن سوى التعاون الجماعي بين الدول صاحبة الخلاف وهذا الأمر ليس سهلا حيث أنه قد يستغرق وقتا طويلا ، ولكن احتمال تحقق تلك الأهداف أو بعضها تزداد فى حالة وجود وكالة إدارية دولية أو إدارة مؤسسية دولية دائرة تكون وظيفتها إنجاز أهداف التنمية وحماية المجرى المائي الدولى0
المطلب الثالث
اعتبار الحوض وحدة التنمية وإدارة الموارد البشرية
لنجاح عملية التنمية المستدامة للنهر الدولي يجب اعتبار الحوض هو وحدة التنمية الأساسية وليس أحد أجزاءه وكذلك مدى قدرة الإدارة الناجحة للموارد البشرية التى لها تأثير كبير على كفاءة التنظيم المؤسسي وذلك كالآتى:-
1) اعتبار الحوض وحدة التنمية :- من المتفق عليه أن النهر الدولي هو وحدة طبيعية صالحة لتنمية شبكة نهر دولي ما ونتيجة منطقية لهذا أن الحوض كوحدة متكاملة يتأثر بأى أعمال تتم فى أى دولة مشاطئة، لذلك نادى البعض بأن استغلال مصادر المياه الدولية يجب أن يتم تخطيطه على أساس من الدراسات الفنية دون التفات إلى كونها مياه عابرة لحدود سياسية، واعتبار تلك الأحواض اقتصادا واحدا لا يتجزأ ومن المنطق أن يتم تنمية المجرى الرئيسي والروافد بناء على خطة رئيسية واحدة، وخطة تنمية المجرى هى المحور الرئيسي للمفاوضات التى تتم بين الدول لتحقيق التعاون والتنمية أما تنمية الروافد فالأفضل أن تترك لكل دولة حرية فى نطاقها الإقليمي فى وضع خطط التنمية لتلك الروافد مستقلة عن تنمية المجرى الرئيسي وإن كان لابد من وجود تنسيق بين الوكالتين يتم تبنى خطط التنمية فى إطار متكامل وغير متعارض وقد يتسنى مؤتمر الأمم المتحدة المعنى بالبيئة والتنمية المنعقد فى ريودى جانيرو فى الفترة من 3-14يونيو 1992م العديد من الأهداف والبرامج اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة على المستويين الحضري والريفي 0
2) إدارة الموارد البشرية :- وهذه الخطوة من أهم وسائل تنفيذ برامج وخطط التنمية المستدامة ولا شك أن هذا يتطلب تأهيل وتدريب العاملين فى إدارة المياه على جميع المستويات ولكن نجد أنفسنا أمام العجز فى "رجل الأداة الكفء" الذى قد يسبب العراقيل أمام تنمية النهر الدولي ، إلا أن هذا قد يكون دافعا إلى تشجيع المتميزين لإتخاذ أدوار هامة فى عمليات التنمية، الذين يمكن جلبهم من الدول المشاطئة نفسها وقد يستعان بخبراء من المنظمات الدولية بشكل دائم أو مؤقت كمستشارين: ويمكن توفير عدد كاف من الموظفين المدربين من خلال الآتى :-
أ) تقييم حاجات إدارة الموارد البشرية وتدريبها فى الوقت الحاضر وعلى المدى الطبيعى0
ب) وضع سياسة وطنية لتنمية وتطوير الموارد البشرية0
ج) تصميم وتنفيذ برامج لتدريب الموظفين على جميع المستويات 0
الباب الثاني
الإدارة المتكاملة لحوض النيل
بالرغم من التجارب السابقة التى سردناها التى قامت بها دول الحوض لم ترقى إلى مستوى المتكاملة للحوض وفقا لنظرية الإدارة المتكاملة التى تم عرضها فى الباب السابق، فلم يتوافر لأى تجربة سابقة التحديد الفعال للأسس والأهداف التى سوف تشيد عليها تلك الإدارة المتكاملة 0
أما بالنسبة لحوض النيل فإن إتمام الإدارة المتكاملة له ليس سهلا حيث أن الاختلافات والتنوعات كثيرة بين أطرافه والتوفيق بين وجهات النظر ليس سهلا وتعتبر عائقا أمام الجهود التى تبذلها بعض دول الحوض لإتمام وإنجاح الإدارة التعاونية المتكاملة لهذا النهر، وقد بدأت المحاولات عام 1967م بمشروع "الدراسات الهيدرومترولوجية لحوض البحيرات الاستوائية" ثم تلاه مشروع "التكونايل" عام 1992م ثم آخر تلك المحاولات هى إنشاء آلية تنظيمية أطلق عليها "مبادرة حوض النيل "Nile Basin Initiative" 1997م 0
الفصل الأول
الإطار التنظيمي بين دول حوض النيل
كما سبق أن أشرنا أن اختلاف الأداء ووجهات النظر أدى إلى وجود معوقات ونتيجة للرغبة فى إزالة تلك المعوقات عن طريق الإدارة التعاونية للحوض ثم أثناء اجتماع المجلس الوزاري لتجمع التكونايل فى أروشا – فبراير 1995م إعداد خطة عمل لدراسة وتنمية حوض النيل NRBAP ، وقد تضمنت الخطة عددا من المشروعات، من بينها المشروع الثالث من القسم D من خطة العمل ، الذى عرف بمشروع "D3" والخاص بإعداد إطار قانوني ومؤسس للتعاون بين دول حوض نهر النيل وقد صدق على هذا المشروع جميع أعضاء المجلس الوزاري وتمت الموافقة على البدء فى تنفيذه بالفعل فى يناير 1997م وذلك من خلال تعيين كل وزير 3 خبراء من تخصصات مختلفة "قانونية وهندسية" لإعداد هذا الإطار وتقديم قرار بشأنه إلى الوزراء المعنيين ويكون مهمتهم هى التحديد والتوصية بالمسار والمنهاج وأوجه النشاط التى تؤدى إلى تعيين الحقوق العادلة والمشروعة فى استخدامات كل دولة من دول الحوض0
المبحث الأول
النظام القانوني والمؤسسي
إن البحث عن آلية إقليمية لتنظيم المياه وتحقيق التنمية المستدامة فى حوض النيل ترجع أساسا إلى سلوك تلك الدول فى مدى التعاون وإذابة الخلافات والتنازل عن المصالح الفردية من أجل تحقيق الأهداف التنموية المشتركة 0
المطلب الأول
الإطار القانوني
أن الالتزام بالقواعد والمبادئ القانونية التى استقر العمل عليها فى استخدامات الأنهار الدولية هو الذى يعكس مدى نجاح المنظمة النهرية، وللوصول إلى هذه الغاية يتم التفاوض بين دول حوض النيل حول المسائل المتعلقة بالإطار القانوني والتى يفترض أن تكون محلا للخلاف وأن تضع فى اعتبارها ما يلى لإمكانية الوصول إلى اتفاق تعاونى:-
1) مدى ما حققته الدول من أرباح حينما نجحت فى التوصل إلى اتفاق تعاوني والعكس ايضا0
2) الاختلافات فى الاستراتيجيات 0
3) مدى التوفيق بين ما تم التفاوض عليه وما تم الوصول إليه أو المتوقع
4) التوفيق بين المصالح الفردية وبين الهدف المنشود فى الوصول لإطار تعاوني قانوني 0
وقد اجتهد الخبراء فى دول حوض النيل فى تحديد المبادئ العامة التى سيطبقونها وهى :-
1) مبدأ التعاون :- ويقوم على أساس المساواة فى السيادة، وتبادل المعاونة للوصول للاستخدام الأمثل للحوض والمحافظة عليه 0
2) مبدأ التجزئة :- أى ضرورة اشتراك الدول المتأثرة عند التخطيط وتنفيذ المشروعات
3) مبدأ الاستخدام العادل والمعقول
4) التنمية المستدامة
5) منع الضرر الملموس
6) استخدام المياه داخل الإقليم وفقا للمبادئ المشار إليها0
7) الحفاظ على حوض النيل وأحواله الطبيعية
8) الإخطار المسبق والتشاور بالنسبة للأعمال المزمع إقامتها على النهر
9) تبادل البيانات والمعلومات
10) حل الخلافات سلميا
الفرع الأول
قاعدة الاستخدام المنصف والمعقول
وقد تبنت مجموعة خبراء دول حوض النيل المعنية بدراسة الجوانب القانونية والمؤسسية فى مبادرة حوض النيل NBI الحالية الاستخدام المنصف والمعقول بين دول الحوض كما يلى :-
§ "دول المجرى المائي كل فى إقليمه له حق الاستخدام العادل والمعقول، وتنمية المجرى الواقع داخل إقليمه مع مراعاة مصالح المجرى الأخرى على نحو يتفق مع توفير الحماية الكافة للمجرى المائي" 0
§ وكما هو واضح أن المفهوم الذى ساد لفترات طويلة لدى بعض دول حوض النيل حول السيادة المطلقة على النهر قد بدأ يتغير وهذا هو ما أقرته دول الحوض من خلال مجموعة الخبراء فى الاستخدام العادل والمعقول لمياه النيل فى داخل الإقليم وتنميته بما يتفق مع مصالح الدول الأخرى 0
§ والحق أن هذه القاعدة تهدف إلى منع النزاعات الخاصة باستخدام مياه أحواض الأنهار الدولية 0
الفـــرع الـثـانى
الالتزام بعدم التسبب فى ضرر
وهذا الضرر المقصود قد نوه عنه بأنه الضرر الجسيم من خلال اتفاقية 1997م كما سبق أن ذكرنا فى الباب السابق وكذلك ترجم إلى الضرر الملموس من جانب مجموعة خبراء حوض النيل ولكن يجب أن ننوه إلى أن تقدير الضرر من حالة إلى أخرى يختلف 0
لذلك يجب أن يكون السلوك المنهي عنه هو السلوك الذى بمقتضاه تكون الدولة قد تجاوزت نصيبها المنصف أو حرمت دولة أخرى من هذا الحق، وتكون العبرة بالضرر الجوهري الواقعي، الذى لابد أن تكون هناك قدرة على إثباته بأدلة موضوعية ولكن الأهم هنا هو "الإخطار المسبق" لأية أعمال أو إنشاءات قد تزمع إحدى دول الحوض اتخاذها0 وكما جاءت اتفاقية 1997م يجب على الدولة الالتزام بالتشاور مع الدول المضرورة حول ما حدث وما يمكن القيام به لإزالة أو تخفيف آثار الضرر وقد أكدت مجموعة خبراء حوض النيل على ضرورة تنظيم إجراءات الإخطار المسبق وفترة الرد عليه والتزام الدولة التى تزمع إقامة المشروع أن تزود الدول الأخرى بالبيانات والمعلومات ، وعدم تنفيذ التدابير إلا بموافقة الدول التى تم إخطارها0
الفرع الثالث
حماية النظام الأيكولوجى لحوض النيل
حتى يتم حماية هذا الحوض يجب أن تعرف ما قد يصيبه فى المستقبل ومن هذه المشاكل قحول الأراضي الزراعية- سوء نوعية المياه- اختفاء الغابات- ارتفاع معدلات التلوث- وهكذا ترجع هذه التهديدات لأسباب كثيرة منها التزايد المستمر فى السكان وتزايد معدلات الفقر، ويمكن العلاج من خلال :-
1) الاتفاقيات التعاونية :- التى تقوم على التزام دول الحوض جميعها باتخاذ كافة التدابير اللازمة لحماية النظام الأيكولوجى لحوض النيل، ولحث الدول على الدخول فى هذه الاتفاقيات يمكن القيام بما يلى :-
أ) توفير الحوافز المناسبة بالنسبة للأطراف الذين قد لا تكون الاتفاقية مقبولة منهم مثل ما حدث فى اتفاقية 01946م الخاصة بتنظيم صيد الحيتان من خلال تحديد أنصبة سنوية للصيد0
ب) تحديد التزامات أطراف الاتفاقية بشكل متباين- أى حسب ظروف كل طرف 0
ج) قد يتم الاتفاق بين مجموعة من الدول المعنية فقط وذلك لتشجيع باقى الأطراف للانضمام للمبادرة مثل اتفاقية جنيف حول تلوث الهواء العابر للحدود 0
2) الاستفادة من الخبرة الدولية فى حماية النظم الأيكولوجية "تجربة نهر الراين" :- أن هذه التجربة تعتبر نموذجا جيدا من حيث اتخاذ الحماية الأيكولوجية للنهر الدولي واعتباره مدخلا وأساس للتعاون والعمل الجماعي وكان هذا واضحا حينما أصابت الكوارث الحوض مما أدى إلى لفت أنظار الساسة إلى الأحداث البيئية التى يتعرض لها الراين- أيضا كارثة اختفاء أسماك السلمون التى أدت إلى بحث التعاون لحماية النظام الأيكولوجى للنهر0
ولا شك أن ذلك التحرك والتخطيط النشط لحماية الموارد المائية إنما يأتى من الإدراك الواعى لدى الدول المشاطئة لأهمية الحفاظ على هذا المجرى0
ومن الجدير بالأهمية أنه لابد أن تتضمن الدساتير والقوانين الوطنية نصوصا تؤكد حقوق وواجبات الأفراد تجاه البيئة بشكل عام، وتجاه مصادر المياه من خلال التشريعات الخاصة بها0 وكما هو منصوص عليه فى مصر لحماية نهر النيل وللمجارى المائية من التلوث طبقا للمادة 48 لسنة 1982م 0
الفرع الرابع :- تبادل البيانات والمعلومات: إن لتبادل البيانات والمعلومات دورا بالغ الأهمية لنجاح التنمية المستدامة لحوض النيل0 ولكن فى كثير من دول الحوض تعتبر عملية الحصول على المعلومات غير متطورة أو ربما غير موظفة بالشكل الصحيح0 حيث أنها قد تكون مبعثرة بين القطاعات الحكومية المختلفة لذلك فمن الصعب الوصول إليها0 كذلك الاختلافات على المستوى الوطني والإقليمي يؤدى غالبا إلى أن تكون البيانات متضاربة مما يؤدى إلى حدوث مشكلات فى توفير التقديرات المناسبة ولعلاج هذه المشكلة ليس أمامنا إلا التعاون بين دول الحوض لتوفير المعلومات بشكل مناسب حتى يتم صنع القرار وتحديد الأولويات على المستوى الإقليمى ودون الإقليمى
لذلك يجب على دول الحوض أن تبذل أقصى جهدها لتوفير البيانات المطلوبة للوصول إلى التنمية المستدامة لنهر النيل
0
المطلب الثاني
الإطار المؤسسي
لا شك أن تطوير الإطار المؤسسي فى حوض النيل سوف يتطلب تشييد أعمال خاصة بالتوجيه والتحكم، تلك الأعمال سوف تحتاج فى تخطيطها وتنظيمها إلى وجود سلطة مستقلة لوادى النيل وهذا الأمر ليس مقصورا على الأطر المؤسسية الإقليمية وحدها بل يمتد ليشمل الوطنية أيضا التى لها دورا هاما فى تحقيق التعاون الإقليمي والتخطيط المشترك0
1) الإطار المؤسسي الإقليمي :- ونجد خير ما توصلت إليها دول الحوض هو إنشاء آلية مبادرة حوض النيل فى فبراير 1999م التى تضم جميع دول الحوض وتتكون هذه الآلية من الأجهزة التالية :-
أ) مجلس وزراء الموارد المائية لدول لحوض Nile-Com وهو الجهة المسئولة عن رسم السياسة ووضع الخطوط الإرشادية للآلية، ويتم اجتماع المجلس مرة فى العام، وإن كان هذا لا يمنع من انعقاد المجلس بشكل طارئ بناء على طلب إحدى الدول الأعضاء وتكون الدولة المضيفة هى رئيسة الاجتماع 0
ب) اللجنة الاستشارية Nile-TAC 0أنشئت عام 1998م بناء على قرار مجلس وزراء حوض النيل وتتكون من اثنين مثلين لكل دولة مشاطئة يكون إجمالي عددهم 18عضو0 وينظم اللجنة الإجراءات المنصوص عليها من قبل مجلس الوزراء وتكون مهمة اللجنة نابعة من التعليمات المخولة لها من مجلس الوزراء وتقوم بالتنسيق بين أنشطة المجلس والرقابة على أعمال السكرتارية وتقوم بتحديد أولويات تنفيذ المشروعات الرؤية المشتركة وتكون مسئولة عن ذلك أمام المجلس 0
ج) السكرتارية Nile-SEC وبدأت وظائفها فى عام 1999م تحت رئاسة مجلس الوزراء ومقرها فى عنتيبي – أوغندا ووظيفة السكرتارية هى تقديم الخدمات الإدارية لكل من مجلس الوزراء واللجنة الاستشارية – ورغم أن كفاءة السكرتارية ما زالت ضعيفة بسبب التمويل ، إلا أنها يوما بعد يوم يناط بها أنشطة المبادرة تحت وإشراف اللجنة الاستشارية، ولذلك فهى تعتبر الجهاز التنفيذي الفعلي للمبادرة ومسئولة الرقابة على أعمال طرق العمل وايضا مشروعات الأحواض الفرعية وتقديم الدعم لكل منهما وتقوم بإعداد الميزانية كذلك إعداد الدراسات وتقييم الأداء بالنسبة للأنشطة التى تقدمها اللجنة ويشرف عليها المجلس
د) اللجان المسئولة عن تنفيذ المشروعات : وهى اللجان المنوطة بالإشراف على تنفيذ المشروعات وتنعقد مرتين سنويا وتتكون من مديري المياه على المستوى الوطني، والمدير التنفيذي لسكرتارية المبادرة، إضافة إلى ممثلين وكالات الدعم الخارجي 0
هـ) نقاط الاتصال الوطني : وقد طرحت هذه الفكرة لضرورة وجود شكل مؤسسي للتعامل مع المشروعات الوطنية التى قد تقترحها إحدى الحكومات لتحقيق التنمية فى إحدى المجالات بحيث يتوافق مهام تلك المنظمات مع المبادئ والقواعد التى تنظم لجنة حوض النيل0
2) الأطر المؤسسية الوطنية :- أكدت خطة عمل ريودى جانيرو 1992م أن تطوير وتحسين الإدارة المتكاملة للموارد المائية يقتضي من الدول تطوير أدنى المستويات كما تطور الأعلى فينبغى تطوير المستوى المحلى و الوطني والإقليمي جميعهم 0 ولتحقيق ذلك يتطلب مراعاة بعض العوامل:-
أ) وجود : سياسات مائية فعالة يوفر الخطوط الإرشادية الأساسية لكل قطاع0
ب) معالجة : ما يوجد من قصور فى تنفيذ السياسات والخطط المائية الوطنية من خلال ترجمة تلك السياسات إلى استراتيجيات قطاعية0
ج) التنسيق : بين المؤسسات الوطنية القائمة على المصادر المائية0
د) توفير أدوات دعم القرار: والمعلومات الكافية وتيسير الوصول إليها 0
ه) زيادة : الموارد البشرية وكفاءتها لضمان إدارة فعالة للمشروعات0
و) الانتباه : إلى المشكلات المالية التى قد تتسبب فى التأثير على قدرة المؤسسة على تنفيذ المهام الموكلة إليها 0
المبحث الثانى
الأهداف
وكما سبق أن أوردنا أن الهدف الأساسي هو التنمية المستدامة لنهر النيل وتطويره وهذه الاستراتيجية التعاونية اشتملت على محورين أساسيين وهما :-
1) مشروعات الرؤية المشتركة s.v.p تهدف إلى تحليل وتخطيط المشروعات المشتركة لتحقيق فائدة لجميع دول حوض النيل وتتميز هذه المشروعات بالفاعلية والتعددية الكافية لخلق آلية تنسيقيه وبيئية صالحة لتنفيذ تلك الرؤية المشتركة تنفيذا فعليا- وتهدف إلى إقامة مؤسسة قوية للتعاون الإقليمي من خلال دعم الترابط والحوار بين دول الحوض0
وتتضمن الأجندة الخاصة بالرؤية المشتركة 7 مشروعات وهى :-
أ) مشروع البيئة العابرة للحدود الدولية 0
ب) التسويق الإقليمي للطاقة فى حوض النيل 0
ج) الاستخدام الكفء للمياه فى الإنتاج الزراعي 0
د) تخطيط وإدارة المصادر المائية 0
ه) بناء الثقة ومشاركة المنتفعين 0
و) التدريب التطبيقي 0
ز) التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاشتراك فى الفوائد0
2) مشروعات الأحواض الفرعية :- ويتولى هذا البرنامج تنفيذ العديد من المشروعات على مستوى الأحواض الفرعية لحوض النيل ، والتى قد يشمل الواحد منها دولتين أو أكثر من دول الحوض وصمم هذا البرنامج ليضمن تفعيل المبادرة الحالية من مرحلة التخطيط إلى حيز التنفيذ الفعلي ومن هذه المشروعات ما يتعلق بإدارة المصادر المائية كالصرف الصحى وتنمية مصايد الأسماك وتوليد الكهرباء ومنها ما يعلق بالبنية التحتية والتجارة والصناعة وكذلك تتعلق بالصحة والبيئة0 والهدف الأساسى هو دعم التعاون فى جميع المجالات المتعلقة باستخدام المياه ولتفعيل مشروعات الأحواض الفرعية تم إنشاء إطارين للتعاون هما :-
أ) بين دول حوض النيل الشرقى "مشروعات النيل الشرقى ENSAP" ويختص تنفيذ المشروعات المتعلقة بتنمية وتطوير منطقة النيل الشرقى وهى تشمل أربعة دول هى مصر- إرتيريا – أثيوبيا- السودان وتمثل حوالى 80% من مساحة حوض النيل بتعداد سكانى حوالى 154 مليون نسمة يعيش منهم حوالى 107 مليون نسمة فى حوض النهر 0
ب) مجموعة دول هضبة البحيرات الاستوائية أو ما يعرف بالنيل الجنوبى أو مشروعات نيل البحيرات الاستوائية NEL-SAP ويضم دول البحيرات الاستوائية بورندى- الكونغو – كينيا – رواندا- تنزانيا – أوغندا – ويختص ببحث فرص التنمية بتلك المنطقة، وتلك المنطقة يقترب عدد سكانها حوالى 140 مليون نسمة يعيش منهم حوالى 50 مليون فى حوض النيل 0
المبحث الثالث
التمويل
إن التمويل يمثل مشكلة كبيرة لدول حوض النيل وذلك لأنها من أفقر دول العالم وكذلك بسبب ضعف اقتصادياتها وقلة مواردها المالية لذلك فهى ليست قادرة على القيام بكثير من المشروعات التنموية التى تتكلف تمويلا ضخما. لهذا السبب فى عام 1995م تقدم مجلس الوزراء دول حوض النيل بطلب إلى البنك الدولى حتى يتخذ دورا فى تنسيق الدعم اللازم لتمويل وتنفيذ خطة العمل0 ثم تكرر هذا الطلب فى مارس 1997م بناء على ذك وافق البنك الدولى على تنسيق جهود المانحين لدعم خطة العمل التى أقرها المجلس 0 وتم تشكيل إطار لجمع المجموعة الاستشارية الخاصة لهذا الغرض فى شكل اتحاد مالى دولى للتعاون فى حوض النيل ICCON ويعتبر هذا التكوين بمثابة حلقة وصل بين الحوض والمجتمع الدولى 0
ويوجد ثلاث منظمات رئيسية تعمل بناء على طلب مجلس الوزراء دول حوض النيل فى تمويل مبادرة حوض النيل وهى :-
1) البنك الدولى The World Bank 0
2) البرنامج الانمائى للأمم المتحدة UNDP
3) وكالة التنمية الدولية الكندية CIDA
كذلك يوجد جهات أخرى ساهمت فى التمويل اللازم لبعض المشروعات مثل هولندا-كندا- السويد- المملكة المتحدة – فنلندا- والدنمارك – والنرويج – ألمانيا – بنك التنمية الأفريقى 0
المبحث الرابع
تقويم مبادرة حوض النيل
بالرغم مما حققه مشروع التكونايل فى جعل كل دول الحوض تحت مظلته لتخطى جميع المعوقات التى كانت تحول دائما دون الوصول إلى الهدف المنشود على مر سنين طويلة 0 إلا أن هذا المشروع لا يعتبر فى حد ذاته تنظيما نهريا بالمعنى الدقيق ، ولكن يمكن اعتباره مرحلة انتقالية لتطوير مشروع الدراسات الهيدرومترولوجية إلى إطار تعاونى مؤسسى لدول حوض النيل يكون مقبولا لدى الجميع لتعزيز التنمية المستدامة لحوض النيل وحتى يتم التوصل إلى هذا الهدف يجب أن نركز على بعض النقاط الآتية :-
1) من الملاحظ أن مشروع الإطار القانونى والمؤسسى لم يتوصل إلى إتفاق بشأنه حتى الآن منذ 1997 وللتوصل إلى إطار للتعاون يتطلب اعتماد إطار مؤسسى مقبول يمكن من خلاله ممارسة الدول للعمل الجماعى وتنفيذ برامج المشروعات المشتركة التى تم تحديدها بنجاح حتى هذه اللحظة ، كذلك البدء فى تنفيذ الإطار التعاونى وشعور الدول بالنتائج والفوائد المحققة ، الاستمرار فى التفاوض حول الإطار القانونى من خلال لجان خاصة0
2) لابد من التأكيد على ضرورة عدم تدخل الهيئات المانحة للمعونة بشكل يؤثر على أعمال المبادرة 0
3) أما فيما يتعلق بنقاط الاتصال المقترحة ، فمن الأفضل اتباع نهج اللجان الوطنية المطبق فى حوض نهر الميكونج 0
الفصل الثانى
مقومات الإدارة المتكاملة لحوض النيل
وكما سبق أن أوضحنا أن الهدف الأساسى الذى تسعى إليه دول حوض النيل هو التعاون وتحقيق التنمية المستدامة له ولكن هذا الهدف لا يتحقق بدون توافر القدرات لدى دول الحوض على جميع المستويات الاقليمية والوطنية والمحلية 0
المبحث الأول
بناء الثقة بين دول حوض النيل
مما لا شك فيه أن توفير المناخ الجيد من الثقة بين دول الحوض يؤدى إلى توفير الآلية المناسبة اللازمة لتحقيق عملية الاتصال بين الأطراف المعنية0 لذلك نجد الإعلانات والممارسات الدولية تشير إلى أهمية بناء الثقة مثال إعلان Petersberg – بون فى الفترة من 3- 5مارس 1998م ، كلك تقرير المجلس العالمى للمياه الذى أوضح فيه رؤيته حول مستقبل المياه فى القرن 21 0
لذلك يجب أن نعرف أسباب فقدان الثقة بين دول الحوض المتمثلة في التراث الفكري السيئ الراسخ لدى بعض شعوب الحوض .حتى يتم معالجتها وتجنبها في المستقبل حتى يتم تحقيق التعاون بين دول الحوض.
المطلب الأول
أزمة التراث الفكرى بين دول حوض النيل
ويمكن إجمال العوامل التى أدت إلى خلق أزمة التراث الفكرى بين دول حوض النيل وهى :-
1) العامل الدينى :- أن المراجع للتاريخ يجد أن الأديان السماوية كان لها دور بارز فيما أرسته من مبدأ التعاون، أما الصراع بين الإسلام والمسيحية فقد كان صراعا مفتعلا حيث كان الدين دائما هو الستار المصطنع الذى تستتر خلفه أطماع الحكام ، والقوى الأجنبية التى جاءت من خارج المنطقة تبحث عن النفوذ والسيطرة والتوسع ، بدءا من الامبراطوريتين البرتغالية والعثمانية فى القرن السادس عشر، وحتى عودة الاستعمار فى شكله الجديد متمثلا فى القوتين الشرقية والغربية وكانت أفريقيا تمثل لهما منطقة الصراع والتنافس الساخنة 0 ولعل أهم هذه الصراعات المتعلقة بالعامل الدينى فى حوض النيل نجدها بين مصر وأثيوبيا حيث أنهما الدوليتان الوحيدتان اللتان كان لهما ثقل اقليمى حيث كانت أُثوبيا ترى مصر دائما الدولة الاستعمارية التى لا تبغى إلى تحقيق مصالحها فقط ولو على حساب الدول الأخرى0
2) الحملات العسكرية لتأمين منابع النيل :- ويمكن القول بأن محمد على والى مصر هو أول من وضع الاستراتيجية المصرية فى أهمية تأمين منابع النيل ومنع أى قوة معادية من التأثير عليها 0
وعندما بدأ صراع القوى الأوربية للاستيلاء على أفريقيا فى منتصف القرن 19، رأت مصر التى كانت قد أدخلت فى ذلك الوقت نظام الرى المستديم أن تعمل على تأمين منابع النيل قبل أن تسقط فى قبضة القوى الأجنبية وبالفعل قامت بحملات عسكرية ساعدت فى الكشف عن منابع النيل 0 غير أن دخول الاحتلال إلى دول القارة الأفريقية بما فيها مصر أدى على تحويل القارة على حلبة مصارعة بين الدول الأوروبية لإقتسام الدول الأقريقية 0
3) الأطماع الصهيونية فى مياه النيل :- ويظهر ذلك واضحاً من خلال إثارة الفتن وتوتير المناخ العام لعلاقات دول الحوض، للحصول على مياه النيل إن لم يكن من مصر مباشرة فمن خلال الالتفاف والحصول عليها من دول المنابع ويظهر ذلك واضحاً من بروتوكولات صهيونية حيث يقولوا "من النيل إلى الفرات يا إسرائيل" هذا هو الشعار الصهيونى 0
4) عدم الاستقرار السياسى :- من البديهى أن أى توتر سياسى يؤدى إلى عدم استمرار وتحقق المبادرة التعاونية سواء كان هذا التوتر فى صورة داخلية أو فى علاقات الدول حيث أن من شأن ذلك أن يعوق المشروعات التنموية وكذلك تراجع المنظمات المانحة عن تقديم المعونات اللازمة لإتمام المشروعات، وتعتبر دول حوض النيل كلها تقريبا منهكة فى الصراعات الداخلية 0
لذلك لابد من التوصل إلى اتفاق سياسى فيما يتعلق بالتعاون الاقليمى وللوصول إلى ذلك لابد من توافر الإرادة السياسية اللازمة 0 وفى حالة الوصول إلى هذا الاتفاق رغم أنه قد يحتاج وقتا ليس قصيرا يقترح أن يشمل هذا الاتفاق السياسى القواعد الآتية
أ) الاعتراف بوحدة التراب الوطنى لكل دولة وتثبيت الحدود السياسية الموروثة والراهنة 0
ب) الالتزام والأخذ بالديمقراطية لحل المشكلات الداخلية لكل دولة 0
ج) المفاوضات والاتصالات المتبادلة بين حكومات الدول لدعم التعاون بينهم0
د) عدم بسط النفوذ عن طريق استخدام شعارات ومطالب قومية أو دينية أو000الخ
المطلب الثانى
آليات بناء الثقة بين دول حوض النيل
وتتمثل آليات بناء الثقة وفقا لما اقترحه المشروع الخامس من برنامج الرؤية المشتركة والخاصة ببناء الثقة ومشاركة المنتفعين فيما يلى:-
1) المعلومات العامة :- فيجب أن يتم خلق بيئة صالحة لاستقبال وتنفيذ المشروعات التنموية التعاونية المقترحة فى برامج عمل المبادرة كتشجيع التفاعل السياسي- تعزيز الحوار حول التنمية الإقليمية – رفع درجة الوعي العام والفهم الجيد للمبادرة ، وبذلك يكون لهذه الآلية هدفين هما :-
أ) على المدى القريب :- معرفة المنتفعين بالمبادرة وأهدافها ومشروعاتها والنتائج المتوقعة لها 0
ب) على المدى البعيد :- رفع درجة الوعي لدى جميع المستخدمين- إدراك ضرورة الإدارة المتكاملة – تحقيق الأمن والسلام والاستخدام العادل والمنصف للجميع0
ويمكن تشجيع القطاعين العام والخاص على تحسين أداء تلك العملية فى جميع دول الحوض للمساهمة فى نشر المعلومات حول المبادرة وخلق تعاون بين الحكومات والمنظمات غير الحكومية0
2) تطوير وتفعيل وسائل الإعلام :- ويتم ذلك من خلال :-
أ) الاستعانة بالخبراء المتخصصين فى المنطقة للقيام بجولات فى دول الحوض0
ب) إعداد تقرير لقدرات وسائل الإعلام فى قطاع المياه وغيره من القطاعات الاجتماعية ذات الصلة ، كالزراعة – الصحة 0
كذلك تفعيل وسائل الإعلام وإشراك المنتفعين حيث يؤدى ذلك إلى تقنيات المشاركة الجماهيرية وتفعيل دروها فى صنع القرارات المتعلقة بإدارة الموارد المائية ونجد أن إدارات بعض الدول تتباين فى هذا الشأن فيرى البعض أن تلك العملية لا تعنى أكثر من مجرد الاستشارة الضمنية لقدر ضئيل من المستفيدين من المشروع، والبعض الآخر يعتبرها عملية مشاركة فعالة على مدى واسع بين المنظمات المدنية 0
لذلك يجب تفعيل سياسة الحوار على المستويين الوطني والإقليمي والبحث عن إجابات وحلول لما قد يواجه المشروع قبل البدء فيه 0
وقد نالت عملية إشراك المنتفعين تأييد وتأكيد العديد من الإعلانات والممارسات الدولية
المبحث الثاني
بناء القدرة فى دول حوض النيل
إن أهم ما يؤدى إلى نجاح نظام الإدارة للنيل هو توافر القدرات اللازمة لتنفيذ المشروعات التنموية التعاونية المستدامة 0 حيث أنه إذا لم توجد هذه القدرات لم نصل إلى المستوى والنتيجة المرجوة وهذه القدرات تشمل القدرات المؤسسية والاجتماعية والتشريعية والمالية والاقتصادية 0
المطلب الأول
المشكلات التى تواجه بناء القدرة فى دول حوض النيل
1) تغير النظام العالمي :- ويظهر ذلك واضحا فى القارة الأفريقية بسبب التحولات التى حدثت على مستوى القوى العظمى فى العالم وخاصة انتهاء الاتحاد السوفيتى وما نتج عنه من وجود أمريكا وحدها وما نتج عن ذلك من بدء ظهور التجمعات الدولية الإقليمية 0
لذلك أكد مؤتمر القمة الأفريقية 28 الذى انعقد فى داكار فى الفترة من 29 يونيو – أول يوليو 1992م على ضرورة إيجاد حل للخروج من الأزمة الاقتصادية التى تعتصر أفريقيا خاصة مع زيادة حجم المديونية الأفريقية وزيادة أعباء خدمتها وعجز الحكومات الأفريقية على حسم الموقف فى ظل تدني الأحوال الاقتصادية وانخفاض مستوى المعيشة وزيادة معدل البطالة وتفشى المجاعات والجفاف والتصحر فى الأراضي الأفريقية 0
2) مشكلة الفقر :- الفقر من أهم العوامل التى حددها المجلس العالمي للمياه فى رؤيته الخاصة بنهر النيل والتى اعتبرها من أهم المعوقات فى سبيل تحقيق التنمية المستدامة لدول الحوض0
ومن المعروف أن قارة أفريقيا تعتبر القارة الأقل نماء فى العالم وبها تقع 22دولة من 34دولة الأقل نماء فى العالم ، وينتشر بها الفقراء الذين يقل دخلهم عن دولار واحد يوميا 0 ومن أهم مشكلات الفقر هى أزمة هجرة سكان الريف على المدن مما أدى إلى زيادة الضغط على مصادر المياه ، واستنزاف مرافق الصرف الصحي فى المدن ، كذلك تراجع الاقتصاد الإفريقي بشكل عام خلال فترة السبعينات لذلك يجب المبادرة على التعاون إضافة على بناء الثقة التى سوف تساعد على إنجاح المسارين السياسي والاقتصادي 0
المطلب الثاني
مفهوم بناء القدرة
إن المشروعات التى تقوم بها الحكومة تهدف غالبا إلى توفير الخدمات بشكل مستدام، لذلك لابد وأن تمتد عملية بناء القدرات لتشمل التدريب، التنمية المؤسسية، المواد والبشرية، مشاركة المنتفعين وتطوير السياسات التعليمية بشكل عام لرفع درجة الوعى وبشكل خاص لخلق أجيال قادرة على الإدارة الكاملة للموارد المائية بكفاءة 0
وتتضح الحاجة إلى بناء القدرة إذا ما أرادت الحكومات الشروع فى الإعداد والتجهيز للقيام بأعمال تتخذ طابع الاستدامة فعندئذ لابد من التأكد من توافر القدرات المؤسسية والبشرية اللازمة لإدارة المشروع بشكل مستدام، وأهم هذه القدرات تتمثل فى صناع القرار ومدير المؤسسات المائية يليها السياسات المائية والقوانين ذات الصلة بالإضافة إلى أهم هذه العناصر وهو المستخدم نفسه الذى يؤدى إلى نجاح أو فشل العملية – لذلك يجب معرفة المهارات والقدرات التى يمكن تطويرها من خلال التدريب كذلك الوعى العام من خلال مناهج ووسائل المشاركة الجماهيرية وأيضا العوامل الاقتصادية ودعم البنية التحتية من خلال تحقيق مبدأ العدالة فى توزيع ثروات الدولة ودعم البنية التحتية من خلال توفير وسائل النقل والاتصالات والكهرباء 0
المطلب الثالث
مراحل ووسائل بناء القدرة
1) مراحل بناء القدرة :- يتطلب تنفيذ أحد المشروعات المعينة وجود مؤسسات جديدة ذات قدرات خاصة ويتطلب ذلك المرور بعدة مراحل هى :-
أ) تحديد مستوى الخدمة المطلوب واختيار الوسائل التكنولوجية اللازمة للتنفيذ 0
ب) التخطيط لبرنامج بناء القدرة ويفضل أن يوضع بمشاركة الحكومة المحلية وأفراد المجتمع 0
ج) الرقابة والتقييم :- أن زيادة وتطوير القدرات من خلال برنامج بناء القدرة يسهل من عملية تقييم الأداء الخاص بالقدرات وبالوكالات القائمة على التدريب ، أما الرقابة على مدى التقدم في عملية بناء القدرة فيمكن أن تتم عن طريق الحكومات المحلية ، وأيضا من خلال جماعات المنتفعين بناء على نظام محدد ومعايير واضحة 0
2) وسائل تنفيذ برنامج لبناء القدرة :- لابد أن تقوم الوسائل على أساس واقعى وبشكل يتناسب مع ظروف السكان والقائمين على العملية بحيث يمكنهم من أداء مهمتهم على أفضل شكل ممكن وتعتبر أهم الأدوات المطلوبة لبناء القدرة الأتي :-
أ) المساعدات الفنية المحلية والدولية لإعداد تقارير تقدير لمناطق القوة والضعف 0
ب) عقد ورش العمل والندوات اللازمة لإعداد فريق عمل كفء0
ج) اكتساب المهارات من خلال التعليم وتطبيق المناهج الجديدة فى الإدارة0
د) تطوير القدرات البحثية ، وأنظمة البيانات والمعلومات0
هـ) توفير وسائل رفع القدرة مثل المراجع العلمية وأجهزة الكمبيوتر 0
§ ومن أهم العوامل التى يجب الانتباه إليها حتى يمكن نجاح برامج بناء القدرة اللازمة لتحقيق الإدارة المتكاملة للموارد المائية :-
أ) توفير الدعم المطلوب لعملية بناء القدرة من الحكومات والوكالات لدعم الخارجية والمنتفعين 0
ب) إعداد تقارير تقدير واضح ومناسب لمتطلبات بناء القدرة على المستوى الوطني وخطة بعيدة المدى لمعالجة المشكلات المستقبلية المحتملة من جانب الدول 0
ج) توفير الدعم للجامعات والمنتفعين من خلال وكالات الدعم الخارجية وعدم وقف تعاملها على الحكومات فقط 0 نظرا للدور المحتمل لتلك الجهات فى المستقبل من حيث التدريب والتأهيل للتعامل مع قطاع المياه بشكل كفء0
الخـــاتـمــة
لقد أشرنا فى هذا البحث موضوعا مهم جدا وهو محاولة الوصول لآلية استخدام الأنهار الدولية بصفة عامة ونهرا لنيل بصفة خاصة 0
ويظهر لنا الآن مما سبق أن للمياه أهمية بالغة فهي تعد مصدر لا بديل عنها للدول كلها وبالأخص مصر نظرا لعدم وجود مورد آخر لها سواه لذلك كانت مصر وستظل دائما تحرص على دبلوماسية المفاوضات لتجنى ثمرة التعاون حتى يتحقق التنمية المستدامة وتطوير نظام الإدارة المتكاملة لنهر النيل 0
كذلك فإن أهمية المياه كمورد حيوي تزداد, نتيجة لارتباط جميع عمليات التنمية بهذا المورد سواء كانت عمليات صناعية أو زراعية أو لتلبية الاحتياجات البشرية من مياه الشرب وتوفير الحماية الصحية 0
فبالرغم من اختلاف الأيدلوجيات والأنظمة الداخلية من دولة لأخرى وكثرة الاختلافات بينهم مما يؤدى إلى صعوبة الوصول لإدارة واحدة يلتزم بها الجميع إلا أن الواقع يحتم علينا أن نبحث عن وسيلة للتعاون للوصول إلى التنمية المستدامة 0
لذلك نرى أن التنظيم الاتفاقى هو أول الوسائل الذى لجأت إليه دول حوض ا لنيل لتنظيم استخدام حوض النيل فى العهد الاستعماري ثم يأتي بعد ذلك مرحلة التنظيم المؤسسي ولكن هذه التنظيمات باءت بالفشل وذلك لعدم توافر المقومات اللازمة لتحقيق الإدارة المتكاملة المتمثلة في التعاون والعمل الجماعي من جانب الجميع وهذا لن يتم إلا بالتزام جميع الدول المشاطئة بالقانون الدولي للمياه الخاصة بالانتفاع بمياه الأنهار الدولية واحترام الحقوق التاريخية والانتفاع العادل والمنصف بمياه النهر الدولي وعدم تسبب الدول في أضرار جسمه لدول الجوار وكذلك مبدأ حسن النية وحسن الجوار 0
فهذه هي المبادئ التي يجب أن تكون موضع التفكير إذا أردنا أن نصل لآلية متكاملة لحوض النيل حتى يستفيد الجميع من النيل دون تفضيل لدولة عن دولة ولن يتم الوصول لهذه الآلية إلا من خلال التعاون والعمل الجماعى0
كذلك يجب أن نشير أن التنمية المستدامة تقتضى توافر التخطيط الكفء للتنمية من حيث أهداف هذا التخطيط وأنواع الخطط المستخدمة في عمليات التنمية إضافة للشروط الواجب توافرها لنجاح عملية التخطيط وإتمامها على أكمل وجه 0 كذلك النظر إلى ما بعد إتمام التخطيط وما سيظهر من مشكلات يمكن أن تؤثر سلبا على نجاح خطة التنمية0
ولن يكفى العمل الجماعي والتعاون فقط للوصول لآلية متكاملة بل لابد من وجود العناصر الفعالة الكفء المدربة على الإدارة المتكاملة حتى يتم إدارة الحوض من خلالهم 0
كذلك يجب تحديد الإطار القانوني والمؤسسي حيث أن هذا الإطار سيساعد دول الحوض في تحديد شكل وأسلوب التعاون الذى تقبله جميع الدول وتقره0 وهذا الإطار يتم الوصول إليه من خلال النمط السلوكي لدول الحوض ومدى قابلية تقبلهم للإطار القانوني 0
وهذا من الأسباب التي كان لها السبب الرئيسي في عدم الوصول إلى اتفاق قانوني حتى الآن رغم كل المحاولات السابقة لإقامة آلية متكاملة لحوض النيل والسبب أنه من الصعب وضع قانون يلتزم به جميع الدول لاختلافهم عن بعض- لذلك فأنا أرى أنه لا سبيل أمامنا إلا دبلوماسية التفاوض عسى أن نصل إلى اتفاق قانوني يلتزم به الدول وإن كان هذا التفاوض قد يستغرق كثيرا من الوقت إلا أنه لا يوجد طريق أفضل منه 0
كذلك يجب أن تنتبه دول الحوض من تدخل الهيئات المانحة للمعونة بشكل قد يؤثر على علاقاتهم ببعض مما يؤدى إلى إعاقة الإدارة المتكاملة والتنمية المستدامة 0
فقد تسببت بعض هذه الهيئات أن تزرع في إثيوبيا بذرة كره وحقد من مصر واعتبار مصر دولة استعمارية تريد السيطرة على نهر النيل مما أدى إلى خلق معوقات كثيرة تقف عائقا دوما أمام الجهود التي تبذلها بعض دول الحوض لإتمام نجاح الإدارة التعاونية المتكاملة لهذا النهر العظيم0
لذلك لابد من بناء الثقة بين دول حوض النيل وبناء القدرة للوصول في النهاية إلى آلية إقليمية لتنظيم استخدام حوض النيل0 وبالتالي
فإنه يجب العثور على الحلقة المفقودة من دول حوض النيل حتى لا تؤدى هذه الحلقة المفقودة إلى إهدار هذه الثروة المائية الهائلة0 وقد حرصت برلمانات الدول العشر في الأيام الأخيرة على أن يكون للدبلوماسية الشعبية دورا في هذا المجال وذلك بحضور الاجتماع الأول للمنتدى البرلماني لدول حوض النيل الذى دعي إليه د/ فتحي سرور رئيس مجلس الشعب المصرى0 بمبادرة مصرية خالصة0
وجدت الاستجابة القوية لها عندما تم طرحها على هامش اجتماع المؤتمر البرلماني الدولي في جنيف 2004 وما ذلك إلا لأن الدول الأفريقية تنظر لمصر على أنها الدولة الأم صاحبة الريادة في أفريقيا كلها منذ فجر التاريخ، وهى صاحبة الفضل الأول في دعم حركة التحرر الأفريقى0 "وبهذا فإن الحرص على دعم العلاقات مع الشعوب هو أفضل وسيلة لدعم العلاقات الرسمية على مستوى الدول " فعندما مرت علينا فترة كان الحرص فيها على العلاقات الرسمية على مستوى الدول أو حكومات أفريقيا فقط، حدث تذبذب وتراجع كبير في هذه العلاقات التي كانت تتراوح قربا أو بعدا باتجاهات الحكومات المتغيرة دوما، وتعطلت بسببها مشروعات مصرية عديدة في حوض النيل، كانت تهدف إلى تعظيم الاستفادة من المياه وعـدم إهدارها، وأبرز مثال على ذلك مشروع قناة جونجلى في جنوب السودان، وغيرها من مشروعات في أُيوبيا وأوغندا ودول أخرى في الحوض0
ولقد لعب الاستعمار دورا شديد الخطورة في الإيعاز إلى الحكومات بتقليص الدور المصري، حتى تأخذ هي مكانة لإحياء دورها الاستعماري القديم في استغلال موارد القارة الأفريقية والوقيعة بين القبائل لتبديد بعضها البعض، حتى يخلو الجو للدول الاستعمارية التي دفعت بإسرائيل و ساعدتها لتكون رأس حرية لها 0
ولقد كشف النقاش في المنتدى البرلماني لدول حوض النيل عن روح جديدة تسرى بين الشعوب وهى الحرص على التواصل والتعاون مع الأشقاء المخلصين من أجل تحقيق التنمية المشتركة وتبادل المنافع "لأن ما عند أخي كأنه عندي، حيث لا يوجد مانع من طلبه منه عند الحاجة إليه" 0
ولقد أشار السيد / ديفيد موسيلا- رئيس الوفد البرلماني الكيني أن التعاون مع مصر دائما يعود بالخير على بلادنا وعلى هذا النهج جاءت كلمات كل الوفود البرلمانية المشاركة في هذا المنتدى 0
وقد أيدت هذه الوفود مشروع النظام الأساسي للمنتدى الذي طرحه الجانب المصري، بحيث يتحول المنتدى بعد ثلاث سنوات إلى جمعية برلمانية، تعمل على دعم أواصر التعاون والتكامل في مختلف المجالات بين شعوب دول الحوض من أجل تحقيق التعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية 0
ويبدو لنا للوهلة الأولى أن " نواب الشعوب بدءوا يشعرون بأهمية أن يكون لديهم دبلوماسية شعبية يكون لها دور هام في مجال العلاقات الدولية وبالأخص في حوض النيل وذلك من خلال المنتدى الأول البرلماني لدول الحوض ونأمل أن يستمر العطاء حتى يتم الوصول إلى حل لما لم تستطيع الحكومات الرسمية للدول في الوصول إليه في مجال الإدارة المتكاملة لاستخدامات حوض النيل وتحقيق التنمية المستدامة له () " 0
وبهذا أكون قد انتهت من عرض رسالة الدكتوراه "نحو آلية إقليمية لتنظيم استخدامات حوض النيل" المقدمة من د/ حسام الدين ربيع راغب الإمام 0
متمنيا من الله أن لا أكون قد أخطأت في عرض هذه الرسالة وإن كان هناك خطأ فمنى وإن كان تبسيط وتسهيل فمن الله والحمد لله ، وفى النهاية أتوجه بالشكر للدكتور حسام الدين راغب لما أفادني به من فهم لحقائق استخدام حوض النيل 0
المراجــع
§ رسالة الدكتوراه المقدمة من
§ د/ حسام الدين ربيع راغب الإمام
§ بعنوان: نحو آلية إقليمية لتنظيم استخدامات حوض النيل 0
الفهرس
المقدمة : 3
الباب التمهيدى : التطور التاريخي للتنظيم الإقليمي لحوض النيل 5
الفصل الأول : التنظيم الاثفاقى لحوض النيل 0 5
الفصل الثاني : التنظيم المؤسسي في حوض النيل 0 11
الباب الأول : الإدارة المتكاملة للنهر الدولي 0 15
الفصل الأول أسس الإدراة المتكاملة 15
المبحث الأول : حقوق الدول وأحكام القانون الدولي للمياه 0 15
المبحث الثاني : الالتزام بعدم التسبب في ضرر جسيم 0 19
المبحث الثالث : مبدأ حسن النية وحسن الجوار 0 23
المبحث الرابع : الالتزام بحماية النظام النهري 0 24
المبحث الخامس : جمع وتبادل البيانات والمعلومات 0 26
الفصل الثاني : أهداف الإدارة المتكاملة 28
المبحث الأول : التعاون والعمل الجماعي 28
المبحث الثاني : التنمية المستدامة 30
الباب الثاني : الإدارة المتكاملة لحوض النيل 33
الفصل الأول : الإطار التنظيمي للتعاون بين دول حوض النيل 33
المبحث الأول : النظام القانوني والمؤسسي 34
المبحث الثاني : الأهداف 39
المبحث الثالث : التمويل 40
المبحث الرابع : تقويم مبادرة حوض النيل 41
الفصل الثانى : مقومات الإدارة المتكاملة لحوض النيل 42
المبحث الأول : بناء الثقة بين دول حوض النيل 42
المبحث الثانى : بناء القدرة فى دول حوض النيل 45
الخاتمة 49
المراجع 53