اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
التاريخ
10/4/2008 4:22:13 PM
  خيبتنا فى نخبتنا ! بقلم منتصر الزيات      

خيبتنا في نخبتنا

 جريدة المصرى اليوم     بقلم   منتصر الزيات    ٤/ ١٠/ ٢٠٠٨

لم يكن الحكم الاستئنافي، الذي صدر بحق صديقنا العزيز إبراهيم عيسي، هو وحده الذي يعكس أزمة النخبة المصرية وهشاشتها وضعفها، بالقدر الذي يعبر عن تسلط وجبروت السلطة الطاغية في مصر.

عيسي يؤدي واجبه في نقل الخبر إلي الرأي العام، والتاريخ يكتب ويسجل، وغداً ستعلم الأجيال الجديدة القادمة من الذي باع وفرط ومن الذي قاوم. نقل الخبر ليس جريمة حتي استحال كذلك بمعرفة الحزب الوطني.

فرق كبير بين نقل الخبر وبين نشر الشائعة، ذلك معلوم في فقه القانون وفقه الشريعة علي السواء، بل في فقه الصحافة والنشر. لست قلقا علي صديقي إبراهيم عيسي بقدر قلقي علينا نحن، علي النخبة المصرية.

قليلون في بلدنا هذا هم الذين يواصلون معاركهم دون تغيير أو تزييف، يعرفون هدفهم واضحا، فيستمرون في طريقهم دون أن تحرفهم عن مسيرتهم معوقات أو تهديدات أو منح أو عطايا.

التبست الصورة، فلم يعد أحد يعرف مَنْ حكومة ومَنْ أهالي. ضاقت الفوارق بين السلطة ومعارضيها حتي صار المطبخ واحدا يصدر «مينيو» محددة لمشهيات ومقبلات، قد تكون «سلطاوية» المذاق حيناً، بينما يقترب مذاقها من طعم المعارضة حيناً.

هكذا صارت السلطة تفرخ معارضة في توليفة مصرية خالصة، أظن أننا لن نجد مثيلا لها في المعمورة علي اتساعها وصيرورة الزمان فيها لقطب واحد هو الإدارة الأمريكية.

أذكر مشهدا ماثلا في مخيلتي لم يذهب بعد، وأظن أنه من الصعوبة أن يذهب لأنه يعبر عن هذه الفكرة تعبيرا واضحا وصادقا، قبيل الغزو الأمريكي علي العراق عام ٢٠٠٢ كانت عواطفنا متأججة نصرة لأشقائنا هناك، حتي في ظل كل الخصومات التي كانت تثور لدي البعض ضد نظام صدام حسين، قبل أن يعودوا للترحم عليه مرة أخري،

وهناك فرق، وخرجت الشعوب العربية بل الإسلامية الأعجمية تملأ الشوارع والطرقات، خرجت الملايين تهتف بلا حذر ولا ترتيب «الموت لأمريكا» وتهتف أيضا «الحياة لبغداد والصمود»،

حتي في عواصم أكابر المجرمين من الحكام الأعاجم- الذين يحاربون بلادنا العربية في واشنطن ولندن ومدريد وباريس- خرجت مسيرات مليونية تندد بغزو بغداد، كان المشهد في القاهرة فقيرا مريضا مؤلما، حتي للشعوب التي خرجت وتمنت لو أن القاهرة وحدها هي التي خرجت، سعت الحكومة الشريفة العفيفة إلي وكالة الإخوان في تنظيم وترتيب مظاهرة «داخل استاد القاهرة» وقالت القوي الوطنية «إشمعني»! عندها سمحت أجهزة الأمن للقوي الوطنية من غير الإخوان بتنظيم مسيرة أو مظاهرة أمام جامعة القاهرة، بينما بقي الطلاب الثوار مكتوفي الأيدي خلف الأبواب المغلقة.

قادتني قدماي إلي هناك لأشارك الجمع موقف النصرة لشعبنا العربي في العراق، وعندما وصلت وجدت بعض زملائي من الرموز المعروفة يتشاطرون «مايكات» الفضائيات المختلفة.. هذا مع «الجزيرة» وذلك مع «العربية»

وهكذا، سائر الفضائيات تتقاسم الرموز والقادة الذين يتبادلون الأماكن في رشاقة يحسدون عليها، بينما الطلاب الثوار خلف الأبواب المغلقة يزأرون داخل جامعة القاهرة، وكانت هناك قوات مكافحة الشغب ومكافحة الإرهاب، وكل المكافحات التي في الدنيا تجمعت هناك وغلّقت الأبواب دون الطلاب، الذين استطاعوا بفعل التدافع والحماسة تحطيم الأغلال والقيود والخروج إلي باحة ميدان نهضة مصر،

ولم تكد قوات الأمن تطلق قنابل الدخان حتي سارع الجمع في الهرولة والانصراف، لم أجد أحداً من هذه الصفوة، ووجدت المسكين الراحل يوسف شاهين علي الأرض وقد احتبست أنفاسه، حملناه لخطوات تبعد عن جمهرة الساعين، وبينما أتحسب طريقي للعدو وجدت ضابطا يرقب خطواتي، فسارعت خطاي دون الجري، لأحفظ ماء وجهي بيني وبين نفسي وماذا يمكن أن أفعل لو وقفت !!

تركت هذه المظاهرة في نفسي شرخا عميقا دفينا .. وبعدها بيوم أو أكثر، لا أذكر، تنادي الجمع لمظاهرة أخري في ميدان التحرير بجوار المجمع، بالطبع تجاهلتها، لكن بينما أعدو بسيارتي في شارع عبدالخالق ثروت أمام نقابة المحامين، استوقفني أحد ضباط مباحث أمن الدولة المنوط بهم متابعة النقابات المهنية وسألني: ألن تتوجه للمشاركة في المظاهرة؟

واستطرد الرجل مبتسما ابتسامة ذات مغزي لم يعبأ بإجابتي: «روح خد لك لقطة الاخوة كلهم هناك والأمور مرتبة»!! وما أسهل أن نسمع كلاما ساقعا منمقا من أنصار هذه النظرية، في ضرورة التنظيم والترتيب والتنسيق، حتي لا نقع في فخ الفوضي الخلاقة التي تدعو إليها الإدارة الأمريكية!! وهكذا انقسمنا وصرنا نحن ننظر إلي بعضنا شزرا، فمجدي حسين لدي البعض منا عطَّل مسيرة حزب «العمل» بحماقته!! وعبدالحليم قنديل مجنون ليس لديه وسط أو توازن!!

و«كفاية» قلة متهورة مهووسة، وهكذا حتي لم يعد لدينا رمز أو قدوة صالحة الاستعمال، وأصبح دعاة التوازن واللعب علي الأحبال هم أبطال المرحلة.

كثيرون أيضا يتساءلون عن أسباب صمت الشعب المصري، خصوصا مع زيادة الأسعار والغلاء بشكل بشع، فقد كان الرهان أن الشعب سيتحرك إذا تهدد في رغيف الخبز أو لقمة عيشه، غير أن الأسعار ارتفعت فعلا وتهدد رجل الشارع في لقمة عيشه ولم يتحرك أيضا!

الذي أثق فيه يقينا أن السبب ليس ثقة في الحزب الوطني أو حكومته وسياساتها، ولكن السبب هو فقده الثقة في نخبته المثقفة، كما قال صديقي محمد أبواليزيد في ديباجته، التي يوقع بها كل مشاركاته علي شبكة الإنترنت «خيبتنا في نخبتنا»، الحكاية يا سادة أنه ليس أمام الشعب أحد يقنع الشعب به، ليس هناك أحد قادر علي تحمل كلفة الصدع بالحق من سجن أو اعتقال أو الحرمان من التسهيلات والامتيازات.. بس خلاص.


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 1281 / عدد الاعضاء 62