أستاذنا الكبير / صالح محمود اسماعيل
دمت وسلمت
لا ريب أن مشكلة البطالة هي على صدر قائمة طويلة من المشكلات التي تواجه المجتمع على مختلف طبقاته ، وهذه المشكلة ليست وليدة هذا العصر الذي نعيشه وإن كانت قد تفاقمت فيه إلى حد كبير ، فمشاكل البطالة من المشاكل التي يواجهها العالم أجمع منذ حلت الالة محل اليد في صناعة مقتنياتنا الاساسية ، فكانت الثورة الصناعية في أوروبا واختراع آلة البخار وآلة الاحتراق الداخلي نقطة تنحول قضت مضاجع الصناع المهرة ، وألهب حماس بعض المثقفين في الشرق والغرب للخروج علينا بنظريات اقتصادية مناهضة لاقتصاد رأس المال ، ولكون هذه النظريات قد خالفت منذ الوهلة الاولى طبيعة الاشياء فسارت عكس الاتجاه الذي فطر الله الناس عليه فقد حققت درجات عالية من الفشل وخيبة الرجاء ، وهذا بالطبع لا يعني أن خلاصنا في نظرية اقتصاد السوق والرأسمالية التي اطلقت على الشعوب حيتانها الغاشمة لامتصاص دم البشر بشكل أو بآخر دون ضابط أو رابط ، بل ربما وجدنا الحل في كتاب الله وسنه نبيه صلوات الله وسلامه عليه وبهذا نكون قد وصلنا لمزيج رائع من الاشتراكية والراسمالية والشفافية وصحوة الضمير.
ولا اجد خير من هذه الابيات لشاعر الشعب بيرم التونسي لادلل بها على أن مشكلة البطالة لها ذاكرة تضرب في اعماق تاريخنا الحديث
في دي الدوسيهات أشغالك وأشـــــــغالي
بقى لها خمسين سنة في وضعها الحالي
فيها معاش أرملة قالــــــت يابو عيـــــــالي
وعرضحــــــال شاب بائس م العمـــل خالي
ومشكلة وقف فاتها خورشــــــــــيد الوالي
حاططها صاحبـــــــــك وبيقول لك ونا مالي
دا حسني بيه المديــــــــر العام باعتها لي
و لسه عايزالها إمضة مستشــــــــار عالي
و لا حاتنزل على الأرشيـــــــــــــف طوالي
أدي النظـــــام اللي خارب بيــــــــت أبو مالي
و مركــــــب الفقر أمثــــــالك وأمثــــــــالي
وفي هذا المقام علينا أن نتذكر الكثير من الروائع التي ساقها لنا هذا الشاعر المقهور حيا والمغبون ميتا بيرم التونسي وفي مقدمتها قصيدة الجماهير التي يحاول فيها التدليل على ضحالة وعي الجمهور وكثرة أميته وهما العاملان الرئيسيان في انقياد الكثير خلف فئة يعلوا في الغالب صوتها وينخفض على طول الخط انتاجها فلا نرى من هذه الفئة غير تجعير لا يصب إلا في نطاق مصالحها الخاصة حيث يقول الشاعر
م المستحيل إنت تخدع أي طفل صغير
و تلف عقله و تعطيه القليل بكتير
لكن بأهون طريقه تخدع الجماهير
لو كنت أغبى غبي تجري وراك و تسير
* * *
خليل يصقَّف , يصقف شعب ويا خليل
من غير ما يسأل عن الأسباب والتفاصيل
* * *
و حمار يغني , وجايب من يقول له: آه
حالاً تقول الخلايق كلها ويّاه
* * *
الحق يخفى وفي وسط الزحام ينداس
وناس في فهم الحقيقه , تتكل على ناس
ويساعدك الحظ ياللي تحسن التجعير
ما أجمل الرجل وما أروع نظمه في ملامسته لواقعنا المر الذي نحياه والذي يبرهن لنا دون أدنى شك أننا لا نزال نعيش ذات الحقبة التي عاشها بيرم التونسي ونظم فيها أروع الروائع ، فهو عليه رحمة الله يصور لنا في قصيدة الجماهير هذه لوحة فنية بالغة الروعة لشريحة من البشر اعتادت ألا تبذل ثمة مجهود في إعمال العقل فتترك رأسها مشاعا للاخرين ، بل وفي أحيان كثيرة نراهم يعيرون اجسادهم لهؤلاء المخادعين ليحركوها في أي وقت واتجاه يشاءون ، فلا يكونوا في ايديهم إلا كالدمى التي تتحرك في يد "الاراجوز"
ولما كان المجال هنا لا يتسع لسرد سيرة هذا المناضل من أجل الكرامة الانسانية واستقلال الشخصية ، فقد أفرد مشاركة مستقلة اتطرق فيها لحياة هذا الرجل الاسطورة.
استاذي الكبير ..
تقبل دائما مني كل الود ، ولا تنسى عويس هذا العام من بساتينكم المثمرة خيرا بإذن ربها
محمد أبواليزيد - الاسكندرية
"خيبتنا في نخبتنا"
|