الدفع
بعدم دستورية نص المادة 398/1 من قانون الاجراءات الجنائية
والمعدلة بموجب القانون رقم 74 لسنة 2007
فـــــــــــى
القضية رقم لسنة جنح مستأنف عابدين
والمقدم بجلسة 9/4/2008
أن الدفاع الحاضر مع المتهم يخصص المذكرة الراهنة لبيان الدفع بعدم دستورية نص المادة لتعارضة مع ما قررته المادة 8 ، 40 ،41 ،67 ، 69 من الدستور.
الدفاع
أولا: مقدمة لابد منها:
ـ النص قبل التعديل " تقبل المعارضة فى الاحكام الغيابية الصادرة فى المخالفات والجنح وذلك من المتهم او من المسئول عن الحقوق المدنية فى ظرف العشرة ايام التالية لاعلانه بالحكم الغيابى خلاف ميعاد المسافة القانونية، ويجوز ان يكون هذا الاعلان بملخص على النموذج الذى يقرره وزير العدل ...... "
ـ النص بعد التعديل " تقبل المعارضة فى الاحكام الغيابية الصادرة فىالجنح المعاقب عليها بعقوبة مقيدة للحرية ، وذلك من المتهم او من المسئول عن الحقوق المدنية فى خلال العشرة ايام التالية لاعلانه بالحكم الغيابى خلاف ميعاد المسافة القانونية، ويجوز ان يكون هذا الاعلان بملخص على نموذج يصدر به قرارمن وزير العدل ن وفى جميع الاحوال لا يعتد بالاعلان لجهه الاداره......."
ويستفاد من استعراض النصين قبل التعديل وبعده , ما قد ادخل على النص من تعديلات جاءت تحوى فى طياتها ويترتب عليها تميز غير مبرر فالنص يحدد الجنح التى تقبل فيها المعارضه على سبيل الحصر وبالتالى ما يخرج عن ذلك فتكون المعارضه فيه غير مقبولة.
ثانيا: الاخلال بحق الدفاع :
ويتبين ان الاحكام الصادرة فى الجنح بعقوبة الغرامة تكون المعارضة فيها غير مقبولة ، فان النص بعد التعديل قد اهدر حق المتهم فى الدفاع حيث منع المتهم من حقة فى ابداء دفاعة امام درجة من درجات التقاضى بالنسبة لعقوبة الغرامة الصادرة بحكم غيابى ، ذلك بالرغم من ان نفس الجريمة التى يعاقب فيها بعقوبة الغرامة يمكن ان تكون المحاكمة فيها على اكمل وجة بدرجتي التقاضى فى حالة علم المتهم فيها بوجودها قبل صدور الحكم الغيابى فقد ميزت المادة بعد التعديل بين الجنح وكذلك بين علم المتهم بوجودها من عدمة .
بل اكثر من ذلك فان النص قد ميز بغير مبرر بين قبول المعارضة امام محكمة اول درجة وبين قبول المعارضة فى الاستئناف ، حيث ان الاحكام الغيابية التى لا تجوز فيها المعارضة يجوز استئنافها مباشرا وتقبل فيها المعارضة الاستئنافية بغير قيد او شرط وذلك طبقا لنص المادة (402) من قانون الاجراءات الجنائية .
فاصبح الافضل للمتهم ان يصدر ضده الحكم الغيابى بعقوبة مقيدة للحرية حتى يتاح له حقة فى تقديم دفاعه من خلال درجتى تقاضى وعدم اهدار احدى حقة فى الدفاع امام احدى درجات التقاضى.
ولما كان القانون رقم 147 لسنة 2006 والصادر بتعديل بعض احكام قانون العقوبات قد نص فى مادتة الثانية على ان
" تلغى عقوبة الحبس فى الجرائم المنصوص عليها فى المواد 182، 185 ، 303 ، 306 من قانون العقوبات ، وترفع الحدود الدنيا والقصوى لعقوبة الغرامة المقررة لهذه الجرائم لمثليها ".
وبذلك يكون المشرع قد اجرى تعديلات فى قانونى العقوبات والاجراءات الجنائية وضعت المتهمين فى هذه الجرائم ومنها السب والقذف فى موقف اسوأ من موقف بعض المتهمين فى الجرائم الاشد خطورة على المجتمع بأن هذه الجرائم اصبح التقاضى فيها على درجة واحدة فى حالة صدور حكم اول درجة غيابيا.
وادعى المشرع ان تلك التعديلات هى تعديلات تصب فى اتجاة حماية حرية الراى والتعبير واهمية دعم النقد الذاتى المباح .
بل بالعكس فان ما ادخلة المشرع من تعديل بحظر اجراء المعارضة فى الاحكام الغيابية الصادره فى بعقوبة الغرامة ، هو ان جعل تلك الاحكام احكام واجبة النفاذ , حيث ان الاستئناف فى عقوبة الغرامة لا يوقف تنفيذها .
مما يتنافى مع مقولة ان التعديلات تصب فى صالح حرية الراى والتعبير واباحة النقد الذاتى .
ـ النصوص الدستوية التى تتناقض مع نص المادة 398 اجراءات جنائية
م (8) من الدستور " تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين "
م (40) من الدستور " المواطنون لدى القانون سواء , وهم متساوونفى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس او الاصل او اللغة او الدين او العقيدة ".
م (67 ) من الدستور " المتهم بريء حتى تثبت ادانتة فى محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسة. وكل متهم فى جناية يجب ان يكون له محام يدافع عنه " .
م (68 ) من الدستور" التقاضى حق مصون للناس كافة, ولكل مواطن حق الالتجاء الى قاضية الطبيعى, وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعى الفصل فى القضايا, ويحظر النص فى القوانين على تحصين اى عمل او قرار ادارى من رقابة القضاء".
م (69) من الدستور " حق الدفاع اصالة او بالوكالة مكفول . ويكفل القانون لغير القادرين ماليا وسائل الالتجاء الى القضاء والدفاع عن حقوقهم ".
ـ وحيث ان نص المادة 398 اجراءات جنائية ينظم قواعد قبول المعارضة فى الاحكام الغيابية , وحيث ان المعارضة فى الحكم الغيابى هى طريق الطعن العادى ويعرف الطعن فى الحكم بانة النعى علية لمخالفة القانون او الواقع , وقد نظم المشرع طرق يتعين اتباعها للطعن فى الاحكام.
ويقصد بطرق الطعن مجموعة من الاجراءات تستهدف اعادة طرح موضوع الدعوى على القضاء , اوتستهدف تقدير قيمة الحكم ذاتة , وذلك ابتغاء الغائة او تعديلة .
تعد المعارضة هى احد الطرق العادية للطعن فى الاحكام وقد عني المشرع ببيان الاحكام الخاصة بها حيث خصص لها الباب الاول من الكتاب الثالث من قانون الاجراءات الجنائية ـ ولا يوجد تعريف للمعارضة فى القانون .
وقد استقرت محكمة النقض على ان " المعارضة هى تظلم مقدم من المتهم من الحكم الغيابى الصادر ضده "
( طعن 13/11/1930 مجموعة القواعد القانونية ج 2 , رقم 101 ص 69 )
اما عن التعريف الفقهي :
" تعرف العارضة بانها طريق طعن عادى فى الاحكام الغيابية الصادره فى المخالفات والجنح وتهدف الى اعادة طرح الدعوى امام ذات المحكمة التى اصدرت الحكم . ( تعريف دكتور محمود نجيب حسنى )
" وقيل انها طريق عادى من طرق الطعن بقتضاة يتمكن المحكوم علية غيابى من اعادة نظر الدعوى من جديد امام ذات المحكمة التى اصدرت الحكم . ( تعريف دكتور مأمون سلامة )
" ويرى احد الفقة ان المعارضه هى طريق عادى من طرق الطعن فى الاحكام الغيابيه التى تصدر فى المخالفات والجنح بمقتضاها يعاد طرح الدعوى من جديد امام ذات المحكمة التى اصدرت الحكم فكأنها بذل تظلم مقدم من المتهم فى الحكم الغيابى الصادر ضدة . ( دكتور احمد صبحى العطار )
ويتبين من تلك التعريفات الفقهية ان المعارضة من ضمن اهدافها ان تكون ضمانة لمحاكمة عادلة للمتهم الذى صدر ضدة حكم غيابى , ذلك لكونها تعيد النظر فى موضوع القضية مرة اخرى امام ذات المحكمة التى اصدرت الحكم الغيابى ، ولكن اعادة نظر القضية لكى يبدى المتهم دفاعة امام تلك المحكمة التى سبق لها ان ادانتة فى حكمها الغيابى .
وايضا عدم تمكين المتهم من عمل المعارضة فى الحكم الغيابى يفوت علية فرصة الادعاء المدنى المقابل قبل من حرك الجنحة ضدة بطريق الكيد وهذا ما لا يجوز طلبة لاول مرة امام محكمة الاستئناف , وبذلك يكون نص المادة 398 اجراءات جنائية قد اهدر حق المتهم من طلب الادعاء الدنى المقابل .
كل ذلك بالرغم من ان الاصل فى الانسان هو البراءة وان المتهم بريء حتى تثبت ادانتة .
ـ تقرير لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بشأن قرار رئيس جمهورية مصر العربية بمشروع قانون بتعديل بعض احكام قانون الاجراءات الجنائية وقانون حالات واجراءات الطعن امام محكمة النقض
( القانون رقم 74 لسنة 2007)
فى مقدمة التقرير " تشير اللجنة اولا الى ان مشروعات القوانين التى تعرض على مجلسكم الموقر خلال هذه الفترة , خاصة بعد ان نظر مجلسكم الموقر كتاب السيد الرئيس محمد حسنى مبارك بشأن رؤيته حول تعديل بعض نصوص الدستور , انما هى ترجمة واقعية لما اكدة فى برنامجة الانتخابى على ان هذا البرنامج يقتحم المشكلات بجرأة وبحلول خلاقة ويقوم على الالتزام بالتنفيذ وليس بالكلام والوعود , وما اكدة ايضا على مواصلة مسيرة الاصلاح السياسى من خلال اصلاحات دستورية ـ وهو ما اوفى سيادتة بة بشان طلبة تعديل بعض نصوص الدستور ـ وهذه الاصلاحات تستكمل بتحديث التشريعات الحاكمة بما يعزز من فاعلية مسار العدالة وتطبيق القانون "
وفى القسم الاول من تقرير اللجنة جاء التعليق على نص المادة 398 اجراءات جنائية كما يلى :
المادة 398 (فقرة اولى)
وهى تتعلق بالمعارضة فى الاحكام الغيابية الصادرة فى للمخالفات والجنح. والنص القائم كان مطلقا بالنسبة لكافة الاحكام الغيابية سواء كانت من الاحكام الجائز فيها الاستئناف ام تلك التى لا يجوز فيها الاستئناف , الا ان المشرع قصر المعارضة فى الاحكام الغيابية على تلك الاحكام التى لا يجوز استئنافها . ومن ثم فلا يكون من حق من صدر الحكم الغيابى فى حقة ان يعارض فية ما دام يمكنة استئنافة .
راى اللجنة " ترى اللجنة ان هذا النص سوف يسد الباب على اتخاذ الاجراءات لاطالة امد التقاضى وهو ما اسفر عنة العمل, وفى ذات الوقت لم يحرم اى من المتهمين من اللجوء الى الدرجة الثانية التى تناسبة فى التقاضى, وهو بذلك يحقق العدالة الناجزة .
ويتضح من مطالعة راى اللجنة سالفة الذكر انة لم يبحث مدى دستورية النص من عدمة حيث رات اللجنة ان النص يحقق الغاية من النص دون النظر الى كونة متوافق مع نصوص الدستور من عدمة . ودون البحث فى احكام المحكمة الدستورية العليا السابقة والتى اذا ما عرض عليها نزاع موضوعة مماثل لهذا النص قضت بعدم دستوريتة .
وردا على ما جاء برأى اللجنة من ان نص المادة بعد التعديل يسد الباب على اتخاذ الاجراءات لاطالة امد التقاضى ـ ومن احكام المحكمة الدستورية العليا ـ " فأن الحق فى محاكمة منصفة يتضمن -بين مايشمل عليه- الحق فى محاكمة لايكتنفها بطء ملحوظ باعتباره من الحقوق الجوهرية التى لايجوز أن يكون الاتهام معها متراخيا دون مسوغ، معلقا أمدا طويلا بما يثير قلق المتهم، ويعوق بالضرورة مباشرته للحقوق والحريات التى كفلها الدستور".
"كذلك فإن محاكمته بطريقة متأنية تمتد إجراءاتها زمنا مديدا، يعرقل خطاه، ويقترن بمخاطر تتهدد بها فرص الاتصال بشهوده، ويرجح معها كذلك احتمال اختفائهم، ووهن معلوماتهم فى شأن الجريمة حتى مع وجودهم، وهو كذلك يثير داخل كل متهم اضطرابا نفسيا عميقا ومتصلا، إذ يظل ملاحقا بجريمة لاتبدو لدائرة شرورها من نهاية، وقد يكون سببها أن الاتهام ضده كان متسرعا مفتقرا إلى دليل".
وكذلك مردود هذا الزعم "أولا : بأن المتهم حتى بعد أن يعلن إعلانا صحيحا، قد يقوم به عذر يحول دون حضوره ، فلايكون حرمانه من أوجه الدفاع التى يدحض بها الاتهام، موافقا للدستور • وينبغى كذلك أن يكون الفصل فى الدعوى الجنائية محيطا بوقائعها، وأن يكون قاضيها مدركا لأبعادها عن بصر وبصيرة • ولاكذلك أن يكون الحكم الصادر فيها غيابيا، إذ يكون بعده عن الحق مظنونا، وسعيه للحقيقة متكلفا، ورجحان عناصرها فيما فصل فيه متوهما، ومن ثم كان الأصل هو أن يعاد عرض الدعوى عليه من خلال المعارضة التى يتيحها المشرع فى الحكم الصادر غيابيا فيها • ومردود ثانيا : بأن الأحكام الجنائية تقارنها مخاطر تتعاظم وطأتها لاتصالها بالحق فى الحياة والحرية والملكية، وقد تنال منها جميعا أو من بعضها فى آن واحد، فإذا كان الطعن بالمعارضة فيها غير مقبول ، كان ذلك تفويتا للحق فى التقاضى فى المرحلة التى صدر فيها الحكم الغيابى • ومردود ثالثا : بأن قصر التقاضى فى المسائل التى فصل فيها على درجة واحدة، وإن كان يدخل فى إطار السلطة التقديرية التى يملكها المشرع، وبالقدر وفى الحدود الضيقة التى تقتضيها مصلحة عامة لها ثقلها، إلا أن المشرع إذا اختار التقاضى على درجتين، فإن كلا منها ينبغى أن تستكمل ملامحها، وأن يكون استنفادها بعد الانتفاع من ضماناتها دون نقصان، ذلك أن التقاضى على درجتين - وكلما كان مقررا بنصوص آمرة - يعتبر أصلا فى اقتضاء الحقوق المتنازع عليها، ومؤداه أن الخصومة القضائية لاتبلغ نهايتها إلا بعد استغراقها لمرحلتيها بالفصل استئنافيا فيها".
احكام المحكمة الدستورية العليا فى نصوص متماثلة
1 ـ قضية رقم 64 لسنة 17 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
اقيمت هذه القضية بطلب الحكم بعدم دستورية نص المادة 21 من القانون رقم 453 لسنة 1954 فى شأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة، وذلك فيما تضمنته من عدم جواز الطعن على الأحكام الصادرة فى الجرائم التى تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون أو القرارات المنفذة له بطريق المعارضة •
وقد صدر حكم المحكمة الدستورية العليا فى 7/2/1998 والقاضى منطوقة " حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة 21 من القانون رقم 354 لسنة 1954 فى شأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب محاماة".
وقد ذكرت المحكمة بحيثيات هذا الحكم " وحيث إن مؤدى النص المطعون فيه امتناع الطعن بالمعارضة فى الأحكام الغيابية سواء فى ذلك تلك التى أصدرتها المحكمة الابتدائية أو الاستئنافية • وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الناس لايتمايزون فيما بينهم فى مجال حقهم فى النفاذ إلى قاضيهم الطبيعى، ولافى نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التى تحكم الخصومة القضائية عينها، ولا فى فعالية ضمانة الدفاع التى يكفلها الدستور أو المشرع للحقوق التى يدعونها، ولافى اقتضائها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروط طلبها، ولافى طرق الطعن التى تنظمها، بل يجب أن يكون للحقوق عينها، قواعد موحدة سواء فى مجال التداعى بشأنها أو الدفاع عنها أو استئدائها أو الطعن فى الأحكام التى تتعلق بها • وحيث إن من المقرر كذلك، أن طرق الطعن فى الأحكام لاتعتبر مجرد وسائل إجرائية ينشئها المشرع ليوفر من خلالها سبل تقويم إعوجاجها، بل هى فى واقعها أوثق اتصالا بالحقوق التى تتناولها سواء فى مجال إثباتها أو نفيها، ليكون مصيرها عائدا أصلا إلى انغلاق هذه الطرق أو انفتاحها، وكذلك إلى التمييز بين المواطنين الذين تتماثل مراكزهم القانونية فى مجال النفاذ إلى فرصها • وحيث إن الوسائل الإجرائية التى تملكها سلطة الاتهام فى مجال إثباتها للجريمة، تدعمها موارد ضخمة يقصر المتهم عنها، ولايوازنها إلا افتراض البراءة مقرونا بدفاع مقتدر لضمان ألا يدان عن الجريمة مالم يكن الدليل عليها مبرءا من كل شبهة لها أساسها • ولايجوز بالتالى إسباغ الشرعية الدستورية على نصوص عقابية لاتتكافأ معها وسائل الدفاع التى أتاحتها لكل من سلطة الاتهام ومتهمها، فلاتتعادل اسلحتهم بشأن إثباتها ونفيها • وحيث إن الدستور بما نص عليه فى المادة 68، من ضمان حق الدفاع - سواء من خلال الأصلاء فيه، أو عن طريق موكليهم - يفترض ألا يكون دور المحامين شكليا أو رمزيا، بل فاعلا فلايعاق، وعلى الأخص من خلال نصوص قانونية يتدخل بها المشرع لإهداره فى مرحلة بعينها من التقاضى • وحيث إن الدستور كفل الحرية الشخصية بنص المادة 41، واعتبرها من الحقوق الطبيعية التى لايجوز الإخلال بها من خلال تنظيمها، وكانت القوانين الجزائية هى التى تفرض على هذه الحرية أخطر القيود وأبعدها أثرا، وكانت القواعد الإجرائية التى يقررها المشرع فى المجال الجنائى، وإن كان تباينها فيما بينها متصورا بالنظر إلى تغاير وقائعها والمراكزالتى تواجهها والأشخاص المخاطبين بها، إلا أن دستورية هذه القواعد تفترض ألا يقيم المشرع بينهم تمييزا غير مبرر، وألا تحول الفوارق بينها دون تساويهم فى الانتفاع بضماناتهم، وعلى الأخص مايتصل منها بحقوق الدفاع. وحيث إن ماتنص عليه المادة 67 من الدستور، من افتراض براءة المتهم إلى أن يدان عن الجريمة المتهم بارتكابها وفق قواعد منصفة لاتخل بحقه فى الدفاع، مؤداه أن القواعد الإجرائية التى ينظم بها المشرع الفصل فى هذا الاتهام، ينبغى أن تؤمن لكل متهم مايتصل بها من الحقوق الموضوعية، فلاتنال منها أو تؤثر فى جريانها، أو تقيد من تكاملها، باعتبار أن غايتها ضمان أن يتحرر الفرد من طغيان السلطة أو إساءة استعمالها فى إطار من الحرية المنظمة • وليس ثمة قاعدة أكثر ثباتا وأعمق نفاذا من ضرورة أن يكون الاتهام متضمنا تعريفا كافيا بالتهمة، محددا لأدلتها، ومقرونا بفرصة كافية يمكن على ضوئها أن يعرض المتهم وجهة نظره بشأنها • وإذا كان من غير المقبول أن يدان شخص عن جريمة لم يتهم بارتكابها، فإن هذا المبدأ يعمل بالقوة ذاتها فى شأن كل اتهام بلادفاع • ولايتصور أن يكون الدفاع فعالا بغير مهلة معقولة لإعداده، ولابغير إنباء المتهم بالشهود الذين أعدتهم سلطة الاتهام إثباتا لدعواها، لإمكان مواجهتهم وتجريحهم، ولابحرمانه من الوسائل الإلزامية التى يؤمن بها مثول شهود لمصلحته ينتقيهم وفق اختياره ودون قيد أيا كان موقعهم من الجهة التى يرأسونها أو يقومون بعمل فيها، ولا أن يكون فقره سببا لإنكار هذا الحق عليه، ولا أن يُرَد َّعن الاطلاع على الوثائق التى قدمتها سلطة الاتهام ومناقشتها، ولا أن يعزل عن الاتصال بمحاميه بطريق مباشر أو غير مباشر، وسواء كان ذلك فى مرحلة الفصل قضائيا فى الاتهام، أو قبلها، أو عند الطعن فى محصلتها النهائية، وإلا صار حق الدفاع محدود القيمة Of little worth • وحيث إن حق الدفاع وثيق الصلة بالدعوى الجنائية من زاوية تجلية جوانبها، وتصحيح إجراءاتها ومتابعتها، وعرض المسائل الواقعية والقانونية التى تؤيد مركز المتهم بما يكفل ترابطها، والرد على مايناهضها، وبيان وجه الحق فيمايكون هاما من نقاطها، وعلى الأخص من خلال المفاضلة بين بدائل متعددة ترجيحا لأعمقها اتصالا بها، وأقواها احتمالا فى مجال كسبها، مع دعمها بما يكون لازما من الأوراق التى توثقها • ولن يكون بلوغ العدل ميسرا أو يصل إلى منتهاه، فى إطار اتهام جنائى يتسم بالتعقيد أو بتداخل العناصر التى يقوم عليها إذا كان الحق فى الدفاع غائبا، أو مقصورا على مرحلة الاتهام أو كيفية الفصل فيه، دون مراحل التحقيق التى يكون التركيز فيها -لا على جريمة لازال أمر وقائعها وبواعثها مشوبا بالغموض- وإنما على شخص محدد مشتبه فيه بارتكابها، محاطا من الجهة التى تتولاه بأسئلتها، وتحفظها عليه • وحيث إن الحق فى محاكمة منصفة يتضمن -بين مايشمل عليه- الحق فى محاكمة لايكتنفها بطء ملحوظ A speedy trial باعتباره من الحقوق الجوهرية التى لايجوز أن يكون الاتهام معها متراخيا دون مسوغ، معلقا أمدا طويلا بما يثير قلق المتهم، ويعوق بالضرورة مباشرته للحقوق والحريات التى كفلها الدستور، وعلى الأخص ماتعلق منها بحرية التعبير وحق الاجتماع، والإسهام فى مظاهر الحياة العامة، وقد يلحق به احتقارا فيما بين مواطنيه أو يفقده عمله • كذلك فإن محاكمته بطريقة متأنية تمتد إجراءاتها زمنا مديدا، يعرقل خطاه، ويقترن بمخاطر تتهدد بها فرص الاتصال بشهوده، ويرجح معها كذلك احتمال اختفائهم، ووهن معلوماتهم فى شأن الجريمة حتى مع وجودهم، وهو كذلك يثير داخل كل متهم اضطرابا نفسيا عميقا ومتصلا، إذ يظل ملاحقا بجريمة لاتبدو لدائرة شرورها من نهاية، وقد يكون سببها أن الاتهام ضده كان متسرعا مفتقرا إلى دليل • وحيث إن الحق فى محاكمة لاتتقاعس إجراءاتها، من الحقوق النسبية التى ينظر فى تحديد وقتها المعقول إلى ظروفها وملابساتها، وعلى الأخص من جهة تعقد الجريمة وخطورتها، وتنوع أدلتها وتعدد شهودها، وبمراعاة أن الأضرار الناجمة عن تأخر الفصل فى الاتهام تفترض، فلايكون إثباتها مطلوبا، وبوجه خاص كلما كان التأخير متعمدا أو جسيما لا عرضيا أو محدود الأثر، إلا أن الحق فى محاكمة لايكون تسويفها معطلا لها، لايعنى تقويض بنيانها من خلال اختصارها واختزال إجراءاتها، بما يفقدها ضماناتها، ويحيل الحكم الصادر فيها إلى قضاء مبتسر • A summary Trial. وحيث إن المشرع أغلق بنص المادة 21 المطعون عليها، طريق الطعن بالمعارضة فى الأحكام الغيابية الصادرة فى الجرائم التى تقع بالمخالفة لأحكام القانون رقم 354 لسنة 1954 المشار إليه، أو لقراراته التنفيذية، مستندا فى ذلك - وعلى ماجاء بالمذكرة الايضاحية - إلى أن أصحاب المحال التى يشملها هذا القانون، يعمدون إلى إطالة إجراءات محاكمتهم من خلال تخلفهم عن حضور جلساتها • وحيث إن المشرع عبر بالنص المطعون فيه، عن اتجاه انفرد به قانون المحال التجارية والصناعية، دون غيرها من المحال العامة التى نظمها القانون رقم 173 سنة 1956 • كذلك خلا كل من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 273 سنة 1956 فى شأن الملاهى، وكذلك القانون رقم 1 سنة 1973 فى شأن المنشآت الفندقية والسياحية، من نص مماثل للنص المطعون فيه • ومن ثم ظل غير مغلق طريق الطعن بالمعارضة فى الأحكام الصادرة فى الجرائم المنصوص عليها فى هذه القوانين جميعها • بل إن النص المطعون فيه خرج كذلك على حكم الفقرة الأولى من المادة 398 من قانون الإجراءات الجنائية التى تقبل الطعن بالمعارضة فى الأحكام الغيابية الصادرة فى أية مخالفة أو جنحة، وذلك من المتهم أومن المسئول عن الحقوق المدنية • وحيث إن مؤدى نص المادة 21 المطعون عليها - وقد صار طريق الطعن بالمعارضة بموجبها منغلقا - أن كل حكم يصدر فى شأن الجرائم المنصوص عليها فى قانون المحال التجارية والصناعية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة، يعامل باعتباره حكما حضوريا يستنفد به المتهمون مرحلة التقاضى التى صدر فيها، سواء أكان هذا الحكم ابتدائيا أو استئنافيا • وما تتذرع به المذكرة الإيضاحية للنص المطعون فيه، من أن المتهمين يعمدون إلى تمديد إجراءات محاكمتهم من خلال تخلفهم عن حضور جلساتها مردود، أولا : بأن المتهم حتى بعد أن يعلن إعلانا صحيحا، قد يقوم به عذر يحول دون حضوره ، فلايكون حرمانه من أوجه الدفاع التى يدحض بها الاتهام، موافقا للدستور • وينبغى كذلك أن يكون الفصل فى الدعوى الجنائية محيطا بوقائعها، وأن يكون قاضيها مدركا لأبعادها عن بصر وبصيرة • ولاكذلك أن يكون الحكم الصادر فيها غيابيا، إذ يكون بعده عن الحق مظنونا، وسعيه للحقيقة متكلفا، ورجحان عناصرها فيما فصل فيه متوهما، ومن ثم كان الأصل هو أن يعاد عرض الدعوى عليه من خلال المعارضة التى يتيحها المشرع فى الحكم الصادر غيابيا فيها • ومردود ثانيا : بأن الأحكام الجنائية تقارنها مخاطر تتعاظم وطأتها لاتصالها بالحق فى الحياة والحرية والملكية، وقد تنال منها جميعا أو من بعضها فى آن واحد، فإذا كان الطعن بالمعارضة فيها غير مقبول ، كان ذلك تفويتا للحق فى التقاضى فى المرحلة التى صدر فيها الحكم الغيابى • ومردود ثالثا : بأن قصر التقاضى فى المسائل التى فصل فيها على درجة واحدة، وإن كان يدخل فى إطار السلطة التقديرية التى يملكها المشرع، وبالقدر وفى الحدود الضيقة التى تقتضيها مصلحة عامة لها ثقلها، إلا أن المشرع إذا اختار التقاضى على درجتين، فإن كلا منها ينبغى أن تستكمل ملامحها، وأن يكون استنفادها بعد الانتفاع من ضماناتها دون نقصان، ذلك أن التقاضى على درجتين - وكلما كان مقررا بنصوص آمرة - يعتبر أصلا فى اقتضاء الحقوق المتنازع عليها، ومؤداه أن الخصومة القضائية لاتبلغ نهايتها إلا بعد استغراقها لمرحلتيها بالفصل استئنافيا فيها • ويقتضى ذلك بالضرورة أن يكون حق الدفاع منسحبا إليهما معا، وأن يكون بصره بهما حديدا، إذ هما حلقتان متكاملتان، ومحددتان معا للخصومة القضائية محصلتها النهائية، فلايكون لحقائق العدل من سواء إذا انغلق طريق إحداهما • وحيث إن انفتاح طرق الطعن فى الأحكام أو انغلاقها، إنما يتحدد وفق أسس موضوعية لايندرج تحتها مجرد سرعة الفصل فى القضايا بما يناقض طبيعتها، وعلى الأخص فى مجال إعمال قوانين جزائية تنال بعقوباتها من الحق فى الحياة أو الحرية أو الملكية • وحيث إن من المقرر أن النصوص القانونية - وأيا كان مضمونها - تعتبر مجرد وسائل تدخل بها المشرع لتنظيم موضوع محدد • ومن خلال ربطها بأغراضها -وبافتراض مشروعيتها - واتصالها عقلا بها، تتحدد دستوريتها، وكانت المادة 21 المطعون عليها، تفيد بالضرورة معاملتها حكما قضائيا صدر بلادفاع، باعتباره سويا منتجا لآثاره"
2ـ قضية رقم 9 لسنة 16 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
اقيمت هذه القضية بطلب الحكم بعدم دستورية المادة 50 من قانون حماية القيم من العيب رقم 95 لسنة 1980فيما تقضى به من عدم جواز الطعن فى الأحكام النهائية الصادرة عن المحكمة العليا للقيم، فى شأن منازعات الحراسات المدنية المحالة إلى قضاء القيم، وفقا لأحكام القرار بقانون رقم 141 لسنة 1981بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة •
وقد صدر حكم المحكمة الدستورية العليا فى 5/8/1995 والقاضى منطوقة " حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة 50 من قانون حماية القيم من العيب الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1980 وذلك فيما تضمنته من حظر الطعن -بغير طريق إعادة النظر- فى الأحكام النهائية الصادرة عن المحكمة العليا للقيم فى شأن المنازعات المحالة إلى قضاء القيم وفقاً لنص المادة 6 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 141 لسنة 1981 بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة• وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة•"
وقد ذكرت المحكمة بحيثيات هذا الحكم " وحيث إن المواثيق الدولية -وفى مقدمتها ميثاق الأمم المتحدة- تؤكد عزم الدول على إرساء مفهوم للعدالة لاينفصل عن محتواها، ويكون كافلا لملامحها، لازما لإنفاذ متطلباتها، ضمانا لحقوق مواطنيها وتأمينا لحرياتهم• كذلك فإن الأسس الموضوعية لقواعد إدارتها، ينافيها كل تمييز ينال منها •
وحيث إن الدستور بما نص عليه فى المادة 68 منه، من ضمان حق كل مواطن فى اللجوء إلى قاضيه الطبيعى لرد ما قد يقع من عدوان على الحقوق التى يدعيها، قد دل على أمرين• أولهما: أن لكل مواطن أن يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف العناصر التى لابستها، مهيأ دون غيره للفصل فيها• ثانيهما: أن الناس جميعا لايتمايزون فيما بينهم فى مجال حقهم فى النفاذ إلى قاضيهم الطبيعى، ولا فى نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التى تحكم الخصومة القضائية عينها، ولا فى فعالية ضمانة الدفاع التى يكفلها الدستور والمشرع للحقوق التى يدعونها، ولا فى اقتضائها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروط طلبها، ولا فى طرق الطعن التى تنتظمها • بل يجب أن يكون للحقوق عينها، قواعد موحدة سواء فى مجال التداعى بشأنها ، أو الدفاع عنها، أو استئدائها، أو الطعن فى الأحكام التى تتعلق بها• ولايجوز بالتالى أن يقيم المشرع فيما بين المواطنين، تمييزا غير مبرر فى شأن إعمال هذه القواعد، بما يعطلها لفريق من بينهم أو يقيدها، وبوجه خاص على صعيد الفصل بطريقة منصفة فى حقوقهم المدنية والتزاماتهم • يؤيد ذلك أن طرق الطعن فى الأحكام لاتعتبر مجرد وسائل إجرائية ينشئها المشرع ليوفر من خلالها سبل تقويم اعوجاجها، بل هى فى واقعها أوثق اتصالا بالحقوق التى تتناولها، سواء فى مجال إثباتها أو نفيها أو توصيفها ، ليكون مصيرها عائدا أساسا إلى انفتاح هذه الطرق أو انغلاقها، وكذلك إلى التمييز بين المواطنين المتحدة مراكزهم القانونية identically situated فى مجال النفاذ إلى فرصها•
وحيث إن السلطة التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، وإن كان الأصل فيها هو إطلاقها، إلا أن القيود التى قد يفرضها الدستور لصون هذه الحقوق من صور العدوان المحتمل عليها، هى التى تبين تخوم الدائرة التى لايجوز أن يتداخل التنظيم التشريعى فيها هادماً للحقوق التى يكفلها الدستور، أو مؤثراً فى محتواها بما ينال منها • ومن ثم تمثل هذه الدائرة مجالاً حيوياً لايتنفس الحق إلا من خلالها، ولايكون تنظيم هذا الحق ممكناً من زاوية دستورية إلا فيما وراء حدودها الخارجية، ليكون اقتحامها مجانبا لتنظيمه، وعدوانا عليه أدخل إلى مصادرته أو تقييده • كذلك لايجوز أن تنفصل النصوص القانونية التى نظم بها المشرع موضوعا محدداً عن أهدافها، بل يجب أن تكون هذه النصوص مدخلاً إليها، وموطئاً لأشباع مصلحة عامة لها اعتبارها• ومرد ذلك، أن كل تنظيم تشريعى لايصدر عن فراغ، ولايعتبر مقصوداً لذاته• بل مرماه إنفاد أغراض بعينها يتوخاها، وتعكس مشروعيتها إطاراً للمصلحة العامة التى أقام المشرع عليها هذا التنظيم باعتباره أداة تحقيقها، وطريق الوصول إليها•
وحيث إن ما نص عليه الدستور فى المواد 1 و 3 و 4 من قيام نظام الحكم على أساس ديموقراطى، ومباشرة الشعب لحقوق السيادة فى الحدود التى نص عليها، قد دل على أنه فى مجال حقوق المواطنين وحرياتهم، فإن مضمون القاعدة القانونية التى تسمو فى الدولة القانونية عليها، و تتقيد هى بها، إنما يتحدد على ضوء مستوياتها التى التزمتها الدول الديمقراطية باطراد فى مجتمعاتها، واستقر العمل فيما بينها على انتهاجها فى مختلف مظاهر سلوكها، باعتبار أن التقيد بها مفترض أولى لتوكيد خضوعها للقانون ، وبما لا إخلال فيه بتلك الحقوق التى يعتبر التسليم بها فى الدول الديمقراطية -ووفقاً لمعايير تطبيقها لديها- معبراً عن إقرارها لضماناتها، ونزولها بالقيود عليها إلى الحدود التى تقتضيها الضرورة، وبما لايعطل جوهرها essential core ، إنفاذاً لفعاليتها، واستيفاءً لدورها فى مجال إشباع المصالح المرتبطة بها • ويندرج تحتها أن يكون لكل شخص حق مكتمل ومتكافئ مع غيره، فى محاكمة علنية ومنصفة، تقوم عليها محكمة مستقله محايدة، تتولى الفصل فى حقوقه والتزاماته المدنية، بما يعكس المقاييس المعاصرة التى تلتزمها الأمم المتحضرة فى تنظيماتها، وبوجه خاص تلك التى تتصل بتشكيل محاكمها، وقواعد إدارتها، والأشكال الإجرائية المعمول بها أمامها، وكيفية تطبيقها عملاً، والتكلفة المطلوبة لخدماتها، وبما لايخل فى إطارها بضمانة الدفاع التى تتكافأ للخصوم معها أسلحتهم، equality of arms ، ويؤمن المحامون على ضوئها مصالح موكليهم ، ويرعون حدودها، وفق أصول المهنة ومتطلباتها، وبما لاينحدر بضوابط ممارستها إلى حد إهدار مستوياتها الموضوعية التى يفترض أن يكون التقيد بها، كافلاً لدورهم بوصفهم شركاء للسلطة القضائية فى النهوض برسالتها • وإذ كان الدستور -بالنصوص التى صاغها لإرساء ضمانة الدفاع- يفترض ألا يكون دور المحامين شكلياً أو رمزياً، متخاذلاً أو قاصراً عن أن يقدموا لموكليهم تلك المعاونة الفعالة التى يقتضيها صون حقوقهم، فإن التدخل تشريعياً بما يعوق إنفاذ موجباتها - كإغلاق طريق الطعن بالنسبة إلى فئة ممن يملكون، وحرمان أفرادها بالتالى من فرص الدفاع عن حقوقهم أو من بعض جوانبها- يكون كذلك ممتنعاً دستورياً
يؤيد ذلك، أن السلطة - أيا كان موقعها أو توجهها - لم تعد امتيازاً شخصياً لأحد يمارسها تعالياً أو استبداداً، بل يباشرها من يتقلدها نيابة عن الجماعة ولصالحها، وتقيداً بقيمها، وكان من الحتم بالتالى أن يقوم بنيان الدول جميعها - ومن خلال التزامها بالمفهوم المعاصر للديمقراطية، وسعيها لبناء الشخصية المتكاملة لمواطنيها - على مبدأ مشروعية السلطة ُThe principle of de jure legitimate authority، معززاً بمبدأ الخضوع المتكافىء للقانونEqual subjection to the rule of law، ليعملا معاً كمبدأين متكاملين متساندين، ضمانا لتنظيم السلطة وفق أسس محددة، لاتخرج بها عن أهدافها انحرافا، ولاتميل بممارستها عدواناً، لتظل القاعدة القانونية محوراً لكل عمل، وإطارا يبين حدود الدائرة التى لايجوز لأحد أن ينال منها، ورادعا ضد العدوان • ولأن الدولة القانونية دون غيرها، هى التى يتوافر لكل مواطن فى كنفها - ومن خلال نظمها - الضمانة الأولية والمبدئية، لصون الحقوق والحريات التى كفلها الدستور والقانون، فلا تختص فئة ممن يملكون بحقوق يستقلون بها، ولو كان من حرموا منها يساوونهم فيها • ثانيهما: أن مبدأ المساواة أمام القانون، أساس للعدل، وهو أدخل إلى جوهر الحرية، وأكفل لإرساء السلام الاجتماعى• ولئن جاز القول بأن الأصل فى كل تنظيم تشريعى أن يكون منطويا على تقسيم أو تصنيف Classification أو تمييز من خلال الأعباء التى يلقيها على البعض، أو المزايا التى يمنحها لفئة دون غيرها ؛ إلا أن اتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور، يفترض ألا تنفصل النصوص القانونية التى نظم بها المشرع موضوعا محددا، عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التى توخاها، بالوسائل إليها، منطقيا، وليس واهيا أو واهنا، بما يخل بالأسس الموضوعية التى يقوم عليها التمييز المبرر دستوريا• Classification is inherent in legislation in that legislators may select different persons or groups for different treatment . However, the state may not rely on a classification whose relationship to an asserted goal is so attenuated as to render the distinction arbitrary or irrational كذلك فإن صور التمييز التى تناقض مبدأ المساواة أمام القانون، وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد، ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التى كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بأنكارأصل وجودها، أو من خلال تقييد آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم من المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً للانتفاع بها • Equality before the law requires an abscence of discriminatory treatment except for those in different circumstances . ولا شبهة فى أن من يملكون، يجب أن يكونواً جميعا محاطين بالوسائل الإجرائية عينها التى يقتضيها الدفاع عن حقوقهم، ذلك أن حرمان بعضهم منها دون مسوغ، عدوان على حق الملكية من خلال تقليص فرص حمايتها •
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه، قد اختص الفئه التى تعلق بها مجال تطبيقه، بمعاملة استثنائية جائرة تفتقر إلى الأسس الموضوعية التى تسوغها، بأن حرمها من فرص الطعن فى الأحكام النهائية الصادرة عن المحكمة العليا للقيم، لتقويم مايكون قد اختل من قضائها فى مجال تطبيقها للقانون على النزاع المعروض عليها، وكان انغلاق طريق الطعن فيها بالنسبة إلى هذه الفئة، مؤداه تجريد أموالها من صورة بذاتها من صور الحماية التى كان ينبغى بسطها عليها، ليكون المتماثلون فى مراكزهم القانونية، متمتعين بالحقوق عينها، وكان النص المطعون فيه -فوق هذا- قد أخل بضمانة الدفاع فى بعض جوانبها، وبضرورة الفصل فى حقوق المواطنين والتزاماتهم المدنية وفق قواعد تكون منصفة فى ذاتها، وبمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، وبخضوع الدولة لأحكامه ، فإن هذا النص ، يكون مخالفاً لأحكام المواد 32 و 34 و 40 و 64 و 65 و 68 و 69 و 165 من الدستور"•
بناء علية
يتمسك الدفاع الحاضر عن المتهم بوقف سير الدعوى والتصريح برفع الدعوى امام المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية نص المادة ( 398 ) من قانون الاجراءات الجنائية لمخالفتها لنصوص الدستور المذكورة بصدر المذكرة.
.
وكيل المتهم
حسام حداد
المحامى