اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
المأمون
التاريخ
2/17/2007 5:29:31 AM
  الباعث على التعاقد      

سأل أحد الأفاضل السؤال التالي:

(أتفق حمدان مع عباس لتأجير غرفته المطلة علي شارع القصر الجمهوري ليوم واحد فقط و ذلك لمشاهدة موكب عمر البشير صبيحة يوم 30 / 06 / 2006 .
اتفق الطرفان بمبلغ 1500000 ألف و خمسمائة ألف جنيه سوداني علي أن يدفع حمدان مبلغ 800 ثمانمائة ألف جنيه مقدما و الباقي مؤخرا .
صبيحة اليوم أعلنت إزاغة أم درمان إلغاء الموكب . فوقف الطرفان أمامك أحدهما يطالب بالمبلغ المدفوع مقدما و الآخر يطالب بالمبلغ الآجل الدفع . فبماذا تقضي و لصالح أي من الطرفين تدافع ؟؟؟؟؟؟)
 

فأجبته بما يلي:

إذا أراد شخص رؤية موكب حاكم السودان في أي عهد أو زمان فإن الأمر جد سهل بخلاف بلاد الله الأخرى. وإذا أراد أن يراه عن قرب سواء قبل أو بعد أو في أثناء حكمه ، فما عليه إلا أن يلتحق بحزبه ، أيا كان مسماه ، أو يترقبه في المساجد أو المناسبات الاجتماعية من فرح أو ترح والتي يختلط فيها المجتمع بجميع فئاته. ومن ثم لا يحتاج أن يؤجر مكانا معينا خاصة وأن من تطل أماكنهم على الشوارع التي تردادها "المواكب" يتمنون أن لو تغير المواكب اتجاهها..

وبعد،،

فالقضاء شيء والمدافعة شيء آخر..فإما أن يفترض السؤال أن المسئول قاضٍ أو يجعله محام أحد الطرفين.

ويحكم هذه المسألة فيما إذا كان الباعث معلوماً للمؤجر أو كان في إمكانه أن يعلم به. فإن كان الأمر كذلك ، يرد ما استلمه من حمدان بسبب استحالة تنفيذ العقد.

وكما جاء في العنوان فإن السؤال يستند إلى سابقة قضائية إنجليزية وهي قضية كريل ضد هنري حيث وافق كريل بموجب عقد مكتوب أن يؤجر شقته إلى هنري يومي 26 و27 يونيو 1902 لينظر من خلالها موكب احتفالات تتويج الملك إدوارد السابع. وبعد توقيع العقد ودفع ثلث القيمة المتفق عليها والبالغ 25 جنيهاً ، مرض الملك بذات الرئة فألغيت الاحتفالات. ورفع كريل دعواه مطالباً بباقي مبلغ الإيجار. وحكمت محكمة الاستئناف بفسخ العقد ورد ما دفعه هنري. وهذه القضية هي إحدى قضايا يشار إليها بقضايا احتفالات التتويج نشأت بسبب إلغاء الاحتفالات المذكورة وقضت محكمة الاستئناف الإنجليزية في كل قضية حسب وقائعها.

ورأى بعض الزملاء آراء مخالفة على نحو ما هو مبين في الرابط التالي من موقع مدينتي بربر بالسودان. فعقبت بما هو مدون أدناه. ولقد رأيت أن أثير هذا الموضوع في منتدى المحامين العرب حتى استنير بآراء الزملاء الأفاضل هنا. 

وكنت قد قلت في التعقيب:

شكراً لجميع الأخوة على مداخلاتهم المفيدة.. والدليل على ذلك وجهات النظر المختلفة والتي تعتبر إثراء حقيقياً.. وسرني أن اختلفت وجهات النظر ، ولو جاءت بالموافقة لكنا موافقين على ما نعيبه على أصحاب الرأي الثاني والثالث في الدوائر الكسولة ، والذين لا يزيدون على قولهم "أوافق" أو "لا مزيد لمستزيد" أو "لم يترك لي أخي ما أضيفه".

وبعد،،

وكما قال بعض الأخوة ، لكي يكون الباعث أو الدافع على التعاقد أو الغرض منه ملزماً ، يجب أن يكون معلوما للمؤجر أو كان في إمكان المؤجر أن يعلم به وهذا ما ورد صراحة في المسألة حيث قال: وذلك لمشاهدة الموكب. ولا يشترط أن يكون مكتوباً وفي رأي بعض الفقهاء يجب أن يكون صريحاً وفي رأي البعض الآخر لا يشترط أن يكون صريحاً وإنما يكفي أن يستدل به من به ضمناً من واقع التعاقد.

أما عن بماذا يحكم القاضي ، فإن القاضي يطبق القانون الذي يحكم به. وبصرف النظر عن القوانين المكتوبة ، فإن في السودان ثلاث مدارس. وهي مدرسة القانون المدني "المدرسة الحديثة" ومدرسة الشريعة الإسلامية ومدرسة القانون الإنجليزي. وفي كثير من الأحيان تختلط هذه المدارس فيتشرب القانوني بها جميعاً. ولحسن الحظ ، فإن الحكم ، في تقديري المتواضع ، هو حكم واحد بأي من هذه المدارس أخذت.

ففي المدرسة الحديثة يجد الباحث تفصيل المسألة عند البحث عن الباعث الذي يؤخذ به ، ويمكنه الرجوع إلى مؤلف الدكتور السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء الأول الفقرة 173 بعنوان الغلط في الباعث ص 302 وما بعدها. والفقرة 292 بعنوان إبعاد السبب غير الصحيح من دائرة السبب إلى دائرة الغلط ص 477 وما بعدها. وكذلك مؤلف أستاذنا الدكتور جمال زكي ، الوجيز في نظرية الالتزام الفقرة 75 بعنوان الغلط الداخل في نطاق العقد ، ص 126 وما بعدها.

وفي الفقه الإسلامي يبحث عن الباعث في الفصول التي تتحدث عن السبب. والقاعدة العامة: أن كل باعث على التعاقد مباح ما لم يكن محرماً لحلال أو محل لحرام. وتتحدث كتب الفقه عن الأسباب الباطلة بذكر الأمثلة والتعداد. ويمكن أن يراجع مؤلف الدكتور السنهوري مصادر الحق في الفقه الإسلامي مقارناً بالفقه الغربي ، الجزء الرابع ، ص 54 وما بعدها. كما يمكن البحث في فوات الوصف المرغوب فيه ص 110 من الجزء الأول من المؤلف المذكور. ويمكن للباحث أن ينظر في الشرط الصحيح ص 106 من الجزء الثالث من المؤلف المذكور.

وفي قانون المعاملات المدنية تنص المادة (63)على الآتي:
63_(1)يكون الغلط جوهريا بفوات الوصف المرغوب فيه إذا بلغ حدا من الجسامة بحيث يمنع معه المتعاقدين عن إبرام العقد لو لم يقعا في هذا الغلط. (يبدو أن هناك خطأ مطبعياً وآخر نحوياً فصحة العبارة تكون: بحيث "لا" يمنع معه "المتعاقدان" عن إبرام..الخ.)

(2)يكون العقد قابلا للإبطال :


(أ)إذا وقع الغلط في صفة للشيء تكون جوهرية في اعتبار المتعاقدين أو يجب اعتبارها كذلك لما يلابس العقد من ظروف ولما يجب في التعامل من حسن نية.
(ب)...،
(ج)إذا وقع الغلط في أمور تبيح نزاهة المعاملات للمتعاقد الذي يتمسك بالغلط أن يعتبرها ضرورية للتعاقد.

وتنص المادة 84 على الآتي:

84-(1)السبب هو الغرض المباشر المقصود من العقد.

(2) يجب أن يكون السبب موجودا وصحيحا ومباحا وغير مخالف للنظام العام أو الآداب .

وكنت قد قلت: ويحكم هذه المسألة فيما إذا كان الباعث معلوماً للمؤجر أو كان في إمكانه أن يعلم به.

فإن كان الأمر كذلك ، يرد ما استلمه من حمدان بسبب استحالة تنفيذ العقد. وذلك لأن ما تم الاتفاق عليه استحال تنفيذ بسبب خارج عن إرادة الطرفين . ولو كان الأمر راجعاً للمؤجر لجاز للمستأجر أن يطالب بالتعويض إضافة لطلبه استرداد ما سبق وأن دفعه. وعبارة استحالة التنفيذ يستخدمها الفقه الإنجليزي عندما يتناول السابقة التي اشرنا إليها ويعتبرونها أحسن مثال لها ومن ذلك قولهم:

 The doctrines of impossibility or frustration require that some event must occur, the nonoccurrence of which was a basic assumption of the contract at the time it was made. A good illustration of the frustration doctrine is found in the "Coronation Cases," one of which is Krell v. Henry, 2 K.B. 740 (1903). There, plaintiff made a written contract to rent his apartment to defendant for two days to view the coronation procession of King Edward VII. After the agreement was made the coronation was cancelled because the King fell ill. Defendant then refused to pay the balance of the rent. The court ruled that he was justified in not paying reasoning that the taking place of the processions along the route in front of the apartment was regarded by both parties as the foundation of the contract. At the time of contracting the parties did not contemplate that the procession would not take place.

إن الغرفة محل التعاقد تتميز بموقعها لرؤية الموكب وكان المؤجر يعلم الباعث على التعاقد. وفي السابقة الإنجليزية ، وعلى سبيل الاستطراد قال القاضي ويليامز: فيما لو كان التعاقد تم مع سائق سيارة أجرة لتقل المستأجر للسباق الذي تم إلغاؤه في اليوم المعلن ، فإن المستأجر لا يستفيد من الحكم لأن سائق سيارة الأجرة لم تكن لديه ميزة معينة ، كما بين أن إلغاء الموكب لم يكن أمراً يتوقعه الطرفان عند التعاقد.

وتعميماً للفائدة ، أنقل ملخصاً للسابقة الإنجليزية والتي صدر حكمها في 11 أغسطس 1903م وهو حكم ملزم لمن يطبق القانون الإنجليزي أو يستنير بسوابقه.

مع تحياتي وتقديري لاخوتي الأعزاء.

Facts:

The defendant, C.S. Henry, agreed by contract on June 20, 1902, to rent a flat located at 56A Pall Mall from the plaintiff, Paul Krell, for the purpose of watching the coronation procession of Edward VII scheduled for June 26 and 27. The housekeeper of the premises informed Henry that he would have an excellent view of the procession from the room. The parties agreed on a price of £75, but nowhere in their written correspondence did either of them explicitly mention the coronation ceremony. Henry paid a deposit of £25 to Krell for the use of the flat, but when the procession did not take place on the days originally set (on the grounds of the King’s illness), Henry refused to pay the remaining £50. Krell brought suit against Henry for the remaining balance, and Henry counter sued for his deposit of £25.

Decision:

Judge Williams framed the legal question is this case as whether there was an implied condition to the contract; i.e., whether or not, at the time the contract was made, the two parties knew that the reason behind the contract was for Henry to watch the coronation procession. The principle that an implied condition which ceases to exist voids the contract stems from the case of Taylor v. Caldwell, which in turn was borrowed from Roman law. This principle was extended in later cases to situations in which an underlying condition that was essential to the performance of the contract (rather than simply being a necessary condition) ceases to exist.

Williams held that such a condition (in this cases, the timely occurrence of the coronation proceeding) need not be explicitly mentioned in the contract itself, but rather may be inferred from the extrinsic circumstances surrounding the contract. Thus, the parol evidence rule was inapplicable here. First, he examined the substance of the contract, and then determined whether the contract was founded on the assumption of the existence of a particular state of affairs.

Williams then determined that given the affidavits of the parties, Krell had only granted Henry a license to use the rooms for a particular purpose (watching the coronation). He analogized the situation to one in which a man hired a taxicab to take him to a race. If the race did not occur on the particular day the passenger had thought, he would not be discharged from paying the driver; but unlike the situation in this case, the cab did not have any special qualification, as the room here did (its view of the street). Furthermore, the cancellation of the coronation could not reasonably have been anticipated by the parties at the time the contract was made.

Judges Romer and Stirling concurred in the judgment

 سابقة قضائية

 


  محمد الشهيدى    عدد المشاركات   >>  512              التاريخ   >>  17/2/2007



الاستاذ الفاضل / المأمون  

المستأجر حمدان ملتزم بسداد باقى القيمة الايجارية للغرفة المملوكة لعباس  ولا يستطيع حمدان الاحتجاج بالغاء موكب الرئيس لامتناعه عن سداد الباقى او المطالبة بما دفعه لانه لم يقع فى غلط او تدليس او اكراه او اى عيب من عيوب الارادة

وهذا هو حكم القانون

مع تحياتى

محمد الشهيدى المحامى



  المأمون    عدد المشاركات   >>  9              التاريخ   >>  22/2/2007



أخي الكريم الأستاذ محمد الشهيدي،،
 
لقد سررت بمطالعة رأيك..
وسرني أنك تبنيت وجهة النظر التي احترمها ولكني اختلف معها ، وفي هذا إذكاء للحوار.
واتطلع لقراءة آراء الزملاء الأفاضل للترجيح بين وجهتي النظر ، وفي ذلك إثراء للبحث.
 
دام فضلك.

مذاكرة الرجال تلقيح لألبابها


  المحامي رحيم صباح عوض الكبيسي    عدد المشاركات   >>  2              التاريخ   >>  4/4/2007



  إقتباس : مشاركة محمد الشهيدى


الاستاذ الفاضل / المأمون  

 

المستأجر حمدان ملتزم بسداد باقى القيمة الايجارية للغرفة المملوكة لعباس  ولا يستطيع حمدان الاحتجاج بالغاء موكب الرئيس لامتناعه عن سداد الباقى او المطالبة بما دفعه لانه لم يقع فى غلط او تدليس او اكراه او اى عيب من عيوب الارادة

وهذا هو حكم القانون

مع تحياتى

محمد الشهيدى المحامى

حقيقة  ليس هناك قيمة ايجارية وانما هناك بدل ايجارهذا اولا وافق الاستاذ بردة ،اما قول صاحب الموضوع بردة انة يختلف معة ،فهل لة مشكورا بيان  وجهة الاختلاف،فلا نرى وجها لذلك ونؤيد ما قالة


  المحامي رحيم صباح عوض الكبيسي    عدد المشاركات   >>  2              التاريخ   >>  4/4/2007



  إقتباس : مشاركة محمد الشهيدى


الاستاذ الفاضل / المأمون  

 

المستأجر حمدان ملتزم بسداد باقى القيمة الايجارية للغرفة المملوكة لعباس  ولا يستطيع حمدان الاحتجاج بالغاء موكب الرئيس لامتناعه عن سداد الباقى او المطالبة بما دفعه لانه لم يقع فى غلط او تدليس او اكراه او اى عيب من عيوب الارادة

وهذا هو حكم القانون

مع تحياتى

محمد الشهيدى المحامى

حقيقة  ليس هناك قيمة ايجارية وانما هناك بدل ايجارهذا اولا واوافق الاستاذ بردة ،اما قول صاحب الموضوع بردة انة يختلف معة ،فهل لة مشكورا بيان  وجهة  الاختلاف،فلا نرى وجها لذلك ونؤيد ما قاله الاستاذ الشهيدي


  hmohandes    عدد المشاركات   >>  181              التاريخ   >>  8/4/2007



الزملاء الأعزاء

 

شكراً للأستاذ المأمون على طرحه لهذه القضية المثيرة للإهتمام والمستفزة للتفكير والتمحيص

 

ولو كنت انا القاضى لأصدرت حكماً بإلزام حمدان (المستأجر) بان يدفع لعباس (المؤجر) باقى مبلغ الإيجار المتفق عليه. وارانى فى ذلك متفقا مع الراى الذى ذهب إليه الأستاذ محمد الشهيدى وايده الاستاذ  صالحا الكبيسى

 

ولبيان أسباب هذا القضاء ، أعرض فيما يلى مناقشة للمسائل القانونية التى تثيرها القضية

 

المسألة الاولى : الغلط   كسبب لتقرير البطلان

 

من المقرر قانونا ان الغلط الذى يسوغ الحكم ببطلان التعاقد هو الغلط الجوهرى الجسيم ، الذى يقع- على الاخص- فى صفقة جوهرية – فى اعتبار المتعاقدين- للشىء محل التعاقد ، أو يجب اعتبارها كذلك لما يلابس العقد من ظروف ( المادة 120 مدنى مصرى)

 

والغرفة محل التعاقد هى بالفعل مطلة على شارع القصر الجمهورى وهى الصفة الجوهرية التى كانت محل اعتبار عند التعاقد، فلا يوجد اى غلط جوهرى فى الشىء محل التعاقد باعتبار باعث المستأجر إلى تأجيرها كى يتمكن من مشاهدة الموكب . فهى تمكنه بالفعل من مشاهدة الموكب عند مروره.

 

متى كان ذلك ، فإن العقد لحظة انعقاده، يكون قد نشأ صحيحاً لم تشبه أى شائبة غلط. ولا يمكن قانوناً بعد ان قام العقد صحيحاً ان نقرر بعد ذلك ببطلانه أى بإنعدامه منذ لحظة نشاته ، اى اعتبار انه هو والعدم سواء ولم يكن موجوداً فى أى وقت. فالصحيح لا ينقلب باطلاً أبداً.

 

وتنص المادة 136 من القانون المدنى المصرى على أن : " إذا لم يكن للإلتزام سببا او كان سببه مخالفا للنظام العام والآداب كان العقد باطلا"

 

ويذهب الفقه والقضاء إلى اعتبار وجود السبب ومشروعيته وقت التعاقد لا فى أى تاريخ لاحق لإنعقاد

 

وفى هذا المعنى تقرر محكمة النقض: " الهدايا التى يقدمها أحد الخاطبين للآخر أبان الخطبة و منها الشبكة ، تعتبر - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من قبيل الهبات فيسرى عليها ما يسرى على الهبة من أحكام فى القانون المدنى ، و لما كان السبب ركناً من أركان العقد و ينظر فى توفره أو عدم توفره إلى وقت إنعقاد العقد و كان العقد قد إنعقد صحيحاً بتوفر سببه فإنه يمكن القول بعد ذلك بتخلف هذا السبب بعد وجوده  ، و من ثم فإذا كانت الخطبة هى السبب فى هذا النوع من الهبات و ذلك بإعتبارها الباعث الدافع للتبرع فإن فسخها لا يمكن أن يؤدى إلى إنعدام هذا السبب بعد أن تحقق و تظل الهبة صحيحة قائمة رغم العدول عن الزواج ."                  ( الطعن رقم 62 لسنة 39 ق ، جلسة 26/5/1974)

ونعرض مثالا آخر لحالة مغايرة يكون فيها التعاقد قد تم فى اليوم الخامس من الشهر ، ثم يتضح بعد ذلك ان الموكب كان قد تقرر إلغاؤة فى اليوم الثانى من الشهر . أى فى تاريخ سابق على التعاقد. هنا يكون العقد باطلاً ، على أساس الغلط فى وجود السبب ،  إذا كان المتعاقد الآخر (المؤجر  ) قد وقع مثله فى هذا الغلط او أو كان على علم به او كان من السهل عليه أن يتبينه . وهذه الحالة تشترط أن يكون المؤجر عالماً بالباعث الذى دفع المستأجر إلى التعاقد ، فإن لم يكن يعلم بذلك الدافع فلا بطلان.

 

المسألة الثانية: الفسخ : وهو حكم المحكمة الإنجليزية المعروض ، وهو ما لا يمكننى الموافقة عليه ، فى ضوء تطبيقات القانون المصرى ، أو حتى أى قانون آخر

 

حيث إنه طبقا للقواعد القانونية العامة ، فإن الفسخ لا يرد على عقد باطل أى معدوم لا وجود له ، وإنما يقع الفسخ على عقد صحيح قائم منتج لآثاره ،  فإذا قررنا بوقوع غلط ، فإن ذلك يؤدى إلى بطلان وإنعدام العقد ، مما يمتنع معه قانوناً ، تطبيق جزاء الفسخ على معدوم.  ذلك ،إضافة إلى ان الفسخ إنما هو جزاء لإخلال أحد المتعاقدين بإلتزامه التعاقدى . والحال ان أمامنا عقد إيجار ، يلتزم فيه المستأجر بدفع قيمة الإيجار ويلتزم المؤجر بتمكين المستأجر من الإنتفاع بالغرفة ولا توجد أى التزامات اخرى خلاف ذلك ، وهو الأمر الذى لم يخل به المؤجر فلا يمكن ان ينسب إليه أى إخلال بالإلتزام. فلا يسوغ لحمدان طلب الفسخ.

 

المسألة الثالثة: إستحالة التنفيذ

 

هنا ايضا ، "إستحالة التنفيذ " لا ترد إلا على عقد صحيح قائم قانوناً ، لم يشب إرادة المتعاقدين فيه أى غلط يعدم العقد ويجعله غير قائم أصلا. فالحديث عن  استحالة التنفيذ يفترض بالضرورة التسليم  بصحة العقد.

 

وكمما تقدم فإن التزامات الطرفين –فى عقد الإيجار-  لم يشبها أى إخلال او استحالة تنفيذ.

 

ونضيف هنا نقطة هامة ، وهى أن الأثر القانونى لاستحالة التنفيذ ليس الفسخ ، وإنما الإنفساخ ( المادة 159 مدنى مصرى)

 

ونضيف أيضاً مثالاً إيضاحيا ، فنقرر إن موضوع عقد الإيجار الماثل هو إستعمال الغرفة المطلة على شارع القصر الحمهورى.

 

ونفترض مثلاً أن الموكب لم يلغ ، وإنما أصيب حمدان بوعكة صحية الزمته الفراش فلم يتمكن من الوصول للشرفة لمشاهدة الموكب ، فإنه –تطبيقا لما تقدم -  لا يوجد أى سند قانونى للمطالبة بإبطال او فسخ او انفساخ العقد.

 

ونضرب مثالا مغايراً ، لحالة شخص (س )يتعاقد مع صاحب مسرح (ص) ، فيشترى منه بطاقة لمشاهدة مسرحية يقوم ببطولتها الممثل (ع ). فالتعاقد هنا – خلافا للقضية المعروضة- موضوعه ليس تمكين س من دخول المسرح ولا تمكينه من الجلوس على أحد المقاعد ، فالعقد ليس لإيجار المسرح او المقعد وإنما موضوعه هو مشاهدة المسرحية

 

وفى اليوم المحدد للعرض ، توفى الممثل (ع) فتم إلغاء العرض.

 

هنا الحالة لا تتضمن أى بطلان لغلط او إنعدام السبب ، فقد نشا العقد صحيحا ، كذلك لم يخل صاحب المسرح باى التزام ، فلا مجال لتطبيق حكم الفسخ ، وإنما نشات استحالة لتنفيذ إلتزام صاحب المسرح ( وهو عرض المسرحية وتمكين (س) من مشاهدتها ) ، نتيجة لسبب خارجى ليس له أى دخل فيه ( وفاة الممثل) . وهذا يترتب عليه إنفساخ العقد . ويحق لـ (س) المطالبة باسترداد ما دفعه مقابل بطاقة الدخول.

 

هذه هى وجهة نظرى المتواضعة فى المسألة لتكون محلاً للتعليق والنقد

 

هشام المهندس

 

 

 


هشام المهندس

 لا تنه عن خُلُقٍ وتأتى مثله* عار عليك إذا فعلت عظيم


  hmohandes    عدد المشاركات   >>  181              التاريخ   >>  8/4/2007



إعتذار

أعتذر عن الخطأ فى كتابة اسم الزميل الأستاذ/ رحيم صباح عوض الكبيسي ، فأرجو قبول المعذرة

هشام المهندس


هشام المهندس

 لا تنه عن خُلُقٍ وتأتى مثله* عار عليك إذا فعلت عظيم


  المأمون    عدد المشاركات   >>  9              التاريخ   >>  15/4/2007



تحياتي للأستاذ رحيم صباح عوض الكبيسي من العراق العريق..
 
العراق الذي أنجب أئمة اللغة والنحو والبلاغة والشعر.. الخليل بن أحمد الفراهيدي وسيبوية وأبا عمرو بن العلا والمازني وثعلبة والكسائي والمبرد وأبا الطيب المتنبي وذروة سنام تلك القمم الجاحظ والذي استعرت من كتبه توقيعي أدناه..
العراق الذي رُدت إليه بضاعته عندما حاضر فيه الأستاذ أحمد حسن الزيات في ثلاثينيات القرن الماضي عن الأدب العربي والتي ضمنها كتابه "في أصول الأدب". والعراق الذي أوحى إلى الدكاترة زكي مبارك روائعه التي أودعها كتابه "ليلى المريضة بالعراق".. ولا يزال العراق ينفحنا من تلك الرياض العبقة بعلم الأساتيذ وعلى رأسهم الدكتور الكبيسي الذي يحلق بنا في سماء الأدب والفكر من قناة دبي الفضائية مساء كل جمعة.
 
كتبت ما تقدم ، لأن في نفسي شيء ليس من حتى كما قال الفراء ، وهو ممن أنجبهم العراق وقال فيه ابن خلكان في فوات الأعيان: كان أبرع الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب ؛ ولكن في نفسي شيء من "لوحة المفاتيح"..
 
وبعد،،
 
فمصطلح قيمة إيجاريه والذي استخدمه الأستاذ الشهيدي ، هو مصطلح صحيح وهو مرادف للإيجار ومقابل الإيجار.
 
أما اختلافنا ، فإن الأستاذ الشهيدي يرى أن على حمدان "المستأجر" أن يدفع باقي المبلغ المتفق عليه. وفي تقديري أن ليس عليه أن يدفع شيئاً بل له أن يسترد المبلغ الذي سبق وأن دفعه. ولقد وضح كل منا الأسباب التي يستند إليها. والمأمول من زملائنا الترجيح ما بين وجهتي النظر.
 
ولقد انبرى لذلك أخي الأستاذ هشام المهندس. وهشام لا تحصره لغة ولا يعييه فهم. وهو يعتق الرأي قبل أن يدفع به.
وقال ابن هبيرة وهو يؤدّب بعض بنيه‏:‏ لا تكوننّ أول مشيرٍ وإياك والرأي الفطير وتجنَب ارتجالَ الكلام.
وأرادوا عبدَ اللَّه بنَ وهبٍ الراسبيَّ على الكلام يومَ عَقدتْ له الخوارجُ الرِّياسة فقال‏:‏ وما أنا والرأي الفطير والكلامَ القضيب ولمّا فرَغُوا من البَيعة له قال‏:‏ دعُوا الرأي يَغِبُّ فان غُبُوبَه يكشِف لكم عن مَحْضِهِ. وازدحام الجواب مضلة للصواب، وليس الرأي بالارتجال، ولا الحزم بالاقتضاب، فلا تدعونكم السلامة من خطأ موبق ، وغنيمة نلتموها من غير صواب إلى معاودته والتماس الربح من جهته. إن الرأي ليس بنهنهي ، ولا هو ما أعطتك البديهة، وإن خمير الرأي خير من فطيره، ورب شيء غابه خير من طريئه، وتأخيره خير من تقديمه.وكان يَستعيذ باللّه من الرأي الدَّبَريّ الذي يكون من غير رويَّةٍ وكذلك الجواب الدَّبَريّ.
وكان عامر بن الظرب حاكم العرب يقول: دعوا الرأي يغب حتى يختمر، وإياكم والرأي الفطير.
وقيل لابن التَّوام الرَّقاشيّ‏:‏ تكلّمْ فقال‏:‏ ما اشتهي الخُبزَ إلا بائِتا.ً
 وقال البعيث الشاعر وكان اخطَبَ النّاس‏:‏ إني واللَّه ما اُرسل الكلامَ قضيباً خشيباً وما أريد أن اخطُبَ يوم الحَفْل إلا بالبائِت المحكَّك .
وقال بعضُ الشُّعراء لرجُلٍ‏:‏ أنا أقول في كلِّ ساعةٍ قصيدةً وأنت تَقرِضُها في كلِّ شهرٍ فلم ذلك قال‏:‏ لآني لا اقبل من شيطاني مثلَ الذي تقبَلُ من شيطانِك.
وقال سحبانُ وائلٍ‏:‏ شرُّ خليطَيكَ السَّؤُوم المحزَّمُ لانّ السَّؤوم لا يصبر وإنما التفاضل في الصبر والمحزَّم صَعبٌ لا يُعرفُ ما يُرَاد منه وليس الحزم إلا بالتجارب وبان يكون عقلُ الغريزة سُلَّماً إلى عقل التجربة.
وقال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه‏:‏ رأي الشَّيخ أحب إلينا من جَلَدِ الشابّ.
وقال الجاحظ: ولذلك كرِهوا ركوبَ الصَّعب حتى يَذِلّ والمُهرِ الأرِنِ إلا بعد رياضة ولم يحوّلُوا المَعانيق هماليجَ إلا بعد طول التَّخليع ولم يَحلُبوا الزَّبون إلا بعدَ الابساس.
 
وبين يدي بعض شواغل ، وسأعود لأخي هشام ببعض كلام.
 
وللجميع سلام.

مذاكرة الرجال تلقيح لألبابها


  المأمون    عدد المشاركات   >>  9              التاريخ   >>  18/4/2007



حديث هشام
ما أن أقرأ للأستاذ هشام المهندس ، إلاّ وتتمثل أمامي قضيته. تلك القضية التي خاض غمارها على كل الأصعدة والدرجات. ويعجبني المهندس يشيد بناء متفرداّ كما يعجبني المحامي يدافع عن قضية غير مسبوقة.
ولمثل هشام ، يجب أن يكون الحديث معتقاً ..
 
و لكي يكون نقاشنا مفيداً ، لا بد من أن نصطلح على الوقائع ونتفق على المصطلحات. فوقائع المسألة تقول أن حمدان استأجر الشرفة لكي يرى الموكب. فلم يكن الباعث على التعاقد هو مجرد إطلال الغرفة على شارع القصر ، وإنما هو رؤية الموكب.
وإني أوافق الأستاذ المهندس على أن المسألة يحكمها في القانون المصري المادة 120 من القانون المدني. وأضيف إليها المادة 121 من نفس القانون. ونصهما:
م 120) إذا وقع المتعاقد في غلط جوهري جاز له أن يطلب إبطال العقد ‘ إن كان المتعاقد الآخر قد وقع مثله في هذا الغلط ، أو كان على علم به ، أو كان من السهل عليه أن يتبينه.
م 121/1) يكون الغلط جوهرياً إذا بلغ حداً من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط.
2) ويعتبر الغلط جوهرياً على الأخص:
(أ) إذا وقع في صفة للشيء تكون جوهرية في اعتبار المتعاقدين ، أو يجب اعتبارها كذلك لما يلابس العقد من ظروف ولما ينبغي في التعامل من حسن نية.
 
(ب) إذا وقع في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته ، وكانت تلك الذات أو هذه الصفة السبب الرئيسي في التعاقد.
 
ويشرح أستاذ أساتذتنا الدكتور السنهوري ، يرحمه الله ، ذلك بقوله:
 ويتبين من هذه النصوص أن القانون "الجديد" قد أخذ بالمعيار الذاتي. فالغلط الجوهري عنده هو الغلط الذي يبلغ ، في نظر المتعاقد الذي وقع في الغلط ، حداً من الجسامة بحيث كان يمتنع عن إبرام العقد لو لم يقع في الغلط..
 
ويقول الأستاذ العلامة:
والغلط الجوهري ، على النحو الذي أسلفناه ، يصح أن يقع ، لا في صفة الشيء وفي الشخص فحسب ، بل أيضاً في القيمة والباعث..
 
ثم يشرح ، الأستاذ البحر ، الغلط في الباعث ويبين كيف أن النظرية التقليدية تميز بين الغلط في السبب والغلط في الباعث ، كما يوضح كيف أن النظرية "الحديثة" يختلط فيها الغلط في السبب بالغلط بالباعث. وينتهي إلى القول بأن القانون المصري "الجديد" قد أخذ بالنظرية الحديثة في كل من الغلط والسبب . وانبنى على ذلك وجود هذه المنطقة المشتركة ، فزحزحها من منطقة السبب إلى منطقة الغلط ، وجعل نظرية الغلط وحدها هي التي تنطبق أحكامها على هذه المنطقة ، فيكون الغلط في كل من السبب والباعث من شأنه أن يجعل العقد قابلاً للإبطال.
 
ويقول أستاذ أساتذتنا: ومن أمثلة الغلط في الباعث ما يظهر فيه لأول وهلة أن الغلط ينبغي أن لا يؤثر في صحة العقد. فلو اشترى شخص سيارة معتقداً أن سيارته القديمة قد كُسرت في حادث اصطدام ثم يتضح عدم صحة ذلك ، أو استأجر موظف منزلاً في مدينة معتقداً أنه سينقل إليها ثم يتبين بعد ذلك أنه لم ينقل ، كان هذا غلط في الباعث ، وينبغي ألا يؤثر في صحة العقد وإلا تعرض التعامل لخطر التزعزع وعدم الاستقرار. ولكن هذه النظرة الأولى غير دقيقة ، فإن الذي يعرض التعامل للتزعزع في مثل هاتين الحالتين ليس هو أن الغلط في الباعث يكون غلطاً جوهرياً ، بل إن المتعاقد الآخر لا يكون له اتصال بهذا الغلط.. فلا يزعزع التعامل في شيء أن يكون أن يطلب مشتري السيارة أو مستأجر المنزل ، في المثلين المتقدمين ، إبطال العقد ، مادام المشتري في المثل الأول يستطيع أن يثبت أن بائع السيارة كان يعتقد مثله أن سيارته القديمة قد كُسرت في حادث اصطدام وأن هذه الواقعة الموهومة هي التي دفعت المشتري إلى الشراء. أو أن البائع كان على علم بأن الواقعة التي دفعت المشتري إلى الشراء إنما هي واقعة موهومة ، أو كان من السهل عليه أن يتبين ذلك – ومادام المستأجر ، في المثل الثاني ، يستطيع أن يثبت أن المؤجر كان يعتقد مثله أنه نقل إلى المدينة التي استأجر فيها المنزل وأن هذا هو الدافع للاستئجار ، أو أن المؤجر كان على علم بأن النقل الذي دفع الموظف إلى استئجار المنزل إنما هو واقعة موهومة ، أو كان من السهل عليه أن يتبين ذلك.
وبالاستنارة بالأنوار السنهورية ، يمكننا القول بأن إلغاء الموكب ، والذي ليس لأي من المتعاقدين يد فيه ، فوت على حمدان باعثه المعلوم للمؤجر  ، ومن ثم أمكن حمدان أن يطالب بإبطال أو فسخ العقد. (إبطال على مذهب القانون العربي وفسخ على مذهب القانون الإنجليزي الأب الشرعي للسابقة القضائية محل البحث).
لم أقل كما لم يقل غيري أن العقد باطل وإنما كان قولي: إن المسـتأجر له أن يطلب استرداد ما دفع.
وقال الأستاذ هشام:
"من المقرر قانونا ان الغلط الذى يسوغ الحكم ببطلان التعاقد .." ثم قال:
"فإذا قررنا بوقوع غلط ، فإن ذلك يؤدى إلى بطلان وإنعدام العقد.."
 وهاتان  العبارتان محل نظر ، لأن الغلط يمنح من وقع فيه ، إذا توفرت شروطه ، أن يطالب بإبطال العقد دون أن يوصف العقد بأنه باطل.
وقال الأستاذ هشام:
"ونضيف هنا نقطة هامة ، وهى أن الأثر القانونى لاستحالة التنفيذ ليس الفسخ ، وإنما الإنفساخ ".
قلت: هذا كلام صحيح فقهاً ولكن في الواقع ، لجأ المستأجر هنري إلى المحكمة ، وهي لا تحكم بالانفساخ ، وحكمت له بالفسخ ومن ثم استرداد ما دفعه ، على نحو ما هو مثبت أعلاه.
وقال الأستاذ هشام:
"المسألة الثانية: الفسخ : وهو حكم المحكمة الإنجليزية المعروض ، وهو ما لا يمكننى الموافقة عليه ، فى ضوء تطبيقات القانون المصرى ، أو حتى أى قانون آخر "
قلت: بالنسبة للشق الأول من قول الأستاذ المهندس ، يمكن للمرء أن يتفق معه فيه. أما بالنسبة للشق الثاني ، فإنه لا يمكن أن تطبق قانونا معيناً إلا وأنت مستوحياً روحه وأجواءه وثقافته. ومن ثم ، فإن عرضت قضية مماثلة ، فإن المحاكم التي تطبق القانون الإنجليزي تلتزم بالسوابق ضربة لازب ، لا تحيد عنها إلا بحكم يصدره مجلس اللوردات ينسخ السابقة المذكورة. ولإقناع مجلس اللوردات ، عليك أن تحاجه بالمنطق الذي يفهمه!!.
ولقد سرني حديث الأستاذ هشام ، وإن اختلفت رؤانا فذلك أمر طبعي ، فما نحن إلاّ بشر نناقش قول بشر.
 
ودام فضلكم.

مذاكرة الرجال تلقيح لألبابها


  hmohandes    عدد المشاركات   >>  181              التاريخ   >>  21/4/2007



الأخ الأستاذ المأمون

 

أشكركم على كريم اهتمامكم بالتعقيب على ما ورد بمداخلتى ، وأستأذنكم فى تعقيب بسيط

 

أولا: رؤية الموكب

 

نعم .. رؤية الموكب كانت هى الباعث الدافع للتعاقد ، إلا أن هذا الباعث لم يكن محل أى غلط فى لحظة اتمام التعاقد لأن الموكب لم يكن قد تقرر إلغاؤه بعد ، وبالتالى فإن الباعث كان موجوداً وصحيحاً ولم يشبه اى غلط ، فلا يجوز بعد ذلك ان نعتبره غير موجود او غير صحيح فى تاريخ لاحق لانعقاد العقد

 

ثانيا: العقد الباطل والقابل للإبطال

 

الغلط يجعل العقد قابلاً للإبطال ، هذا تعبير صحيح تماماً ولا خلاف عليه ، ولكن لا خلاف أيضاً على أنه عندما يتقرر بطلان العقد القابل للإبطال ، فإن لهذا التقرير اثر كاشف لا منشىء ، أى انه يكشف عن  بطلان وانعدام العقد منذ لحظة نشاته ، وكل ما فى الأمر ان العقد القابل للإبطال ، هو مشوب ببطلان يقبل الإجازة ممن له الحق فى التمسك بذلك البطلان . والحالة الماثلة تم فيها التمسك بالبطلان ، ولذلك فإن ثبوت الغلط يقضى بالضرورة إلى تقرير بطلان العقد منذ لحظة نشاته. وهذا تحديداً ما عنيته من تعبير "بطلان العقد "

 

ثالثا: الفسخ والإنفساخ

 

أتفهم معكم تماما ما ذهبت إليه المحكمة الإنجليزية ، إلا ان قضاءها لا يجوز تطبيقه أو التمثل به إلا فى انجلترا إعمالا لقوانينهم، أما والحال ان القضية معروضة علينا كقضاة او محامين نترافع امام محاكمنا  فإننا لا نتمسك إلا بقوانينا نحن . وأوضح لسيادتكم اننى لم أقصد المجادلة فى قضاء المحكمة الإنجليزية ، ولكننى قصدت فقط استبعاد ذلك القضاء كسند او كحجة للدفاع امام محاكم تطبق قوانيننا المحلية، واستبعاد تطبيق القانون الإنجليزى الذى استندت إليه المحكمة على الحالة المعروضة علينا محلياً

 

وتقبل اطيب تحياتى

 

هشام المهندس

 


هشام المهندس

 لا تنه عن خُلُقٍ وتأتى مثله* عار عليك إذا فعلت عظيم


  البريتور     عدد المشاركات   >>  2              التاريخ   >>  25/4/2007



                                      بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

أود في البدء أن اشكر أستاذنا العالم المأمون على طرح هذا الموضوع الشيق، وأبدأ مداخلتي بالتأكيد على أن موضوع السبب أو الباعث على التعاقد موضوع جدير بالبحث والاهتمام، وقد ناقش أستاذنا المأمون بإقتدار المسائل القانونية التي تثيرها القضية المعروضة وتعرض لها كذلك بالبحث أيضاً وبإقتدار الزميل هشام المهندس. ولكن أرجو أن يسمح لي الزملاء الأفاضل أن أتعرض إلى بعض الجوانب العامة المرتبطة بالموضوع وهي تلك المتعلقة بموقف الأنظمة القانونية، التي أشار إليها أستاذنا المأمون، من الموضوع محل البحث وهي النظام الأنجلوسكسوني والنظام اللاتيني والشريعة الإسلامية. وسوف أكتفي بالإشارة الموجزة إلى الفوارق الجوهرية المؤثرة على طبيعة النظام دون الدخول في التفاصيل حيث أن الزملاء الأفاضل أوردوا كل ما يتعلق بالموضوع من نصوص وآراء فقهية ولم يبق لنا إلا توضيح الموقف العام للنظام القانوني من الموضوع. وبادئ ذي بدء نقرر بأننا سوف نبدأ بالتعليق على موقف قانون المعاملات المدنية السوداني لسنة 1984م وذلك كما يلي:

 

أولاً: لا شك أن الناظر إلى قانون المعاملات المدنية السوداني يلحظ بوضوح تأثره بالقوانين ذات الأصل اللاتيني. وينسحب هذا الأثر بصفة خاصة على المفاهيم الناشئة عن نظرية الإلتزام في الفقه اللاتيني وتقسميها لمصادر الإلتزام وما يترتب على هذا التقسيم. وقد كان الإتجاه السائد للمحاكم السودانية قبل صدور قانون المعاملات المدنية، هو تغليب مبدأ إستقرار التعامل وتقديمه على حماية حقوق الأفراد. وهو موقف يمثل تبنياً لموقف القانون الإنجليزي الذي يغلب إستقرار التعامل على حقوق الأفراد عند التعارض حفاظاً على حرية المعاملات. فالإنجليز بطريقتهم الواقعية يتكلمون عن شروط العقد Terms of the contract  أو مضمون العقد Contents of the contract من جهة، وعن العقود غير المشروعة والمخالفة للنظام العام والآداب من جهة أخرى. وعلى عكس ذلك تماماً جاء قانون المعاملات المدنية ليعلي من حقوق الأفراد على حساب إستقرار التعامل وهو أمر يتسق مع الفلسفة العامة للشريعة الإسلامية.

 

ويبدو ذلك جلياً إذا نظرنا إلى العديد من مواد هذا القانون والتي يهمنا منها هنا مسألة الإرادة وعيوبها وهو أمر وثيق الصلة بمبدأ تغليب حقوق الأفراد على إستقرار التعامل. وكذلك مسألة تبني القانون المذكور لنظرية السبب، فقانون المعاملات عالج هذه النظرية في المادتين 84 و 85 منه، وجعل السبب ركناً أصيلاً لتمام صحة العقد في المادة 86. وعلى الرغم من تبني القانون السوداني للنظرية الحديثة في تعريف السبب بأنه الباعث على التعاقد إلا أن هذا لا يزيل الغموض عن هذه النظرية التي لايزال فقهاء النظام اللاتيني حتى الآن، وكما هو معلوم، سواء في فرنسا الوطن الأم أم في مصر، على خلاف عميق حول ماهية السبب. وهذا يدعونا إلى التأكيد على ما أشار إليه أستاذنا المأمون نقلاً عن العلامة السنهوري حيث ذكر بأن أخذ القانون المصري بالنظرية الحديثة في كل من الغلط كعيب من عيوب الإرادة والسبب كباعث للتعاقد إنبنى عليه وجود منطقة مشتركة بينهما وإن كان القانون قد جعل نظرية الغلط وحدها هي التي تنطبق على هذه المنطقة، مما يعني أن الغلط في كل من السبب والباعث من شأنه أن يجعل العقد قابلاً للإبطال.

 

وحتى يكون الأمر أكثر وضوحاً نعود إلى موقف النظرية الحديثة من فكرة الغلط فوفقاً لهذه النظرية فإن معيار تحديد الغلط هو معيار شخصي قوامه تقدير المتعاقد لأمر معين يكون هو الدافع الأساسي للتعاقد وهو ما يعبر عنه في القانون المصري بوجوب أن يكون الغلط جوهرياً وهو نفس المعيار المأخوذ به في الفقه الإسلامي والذي يعبر عنه بفوات الوصف المرغوب فيه في ضوء ماتدل عليه الإرادة الصريحة في العقد أو الملابسات وظروف الحال أو طبائع الأشياء أو العرف. وهذا هو موقف القانون السوداني ايضاً الذي أشار بوضوح في المادة (63) إلى أن: يكون الغلط جوهرياً بفوات الوصف المرغوب فيه إذا بلغ حداً من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقدين عن إبرام العقد لو لم يقعا في هذا الغلط" وأضاف في الفقرة (2) من المادة المشار إليها بأن: يكون العقد قابلاً للإبطال:

 

أ- إذا وقع في صفة الشئ تكون جوهرية في إعتبار المتعاقدين أو يجب إعتبارهما كذلك لما يلابس العقد من ظروف ولما يجب في التعامل من حسن نية.

 

ج- إذا وقع الغلط في أمور تبيح نزاهة المعاملات للمتعاقد الذي يتمسك بالغلط أن يعتبرها ضرورية للتعاقد.

 

ونخلص مما سبق إلى أن الشريعة الإسلامية والقانونين السوداني والمصري إتخذوا فكرة الغلط الدافع إلى التعاقد أساساً لتحديد ما إذا كان الغلط مؤثراً أو غير مؤثر، وإن زاد القانون المصري شرطاً إضافياً يتمثل في كون الغلط متصلاً بالمتعاقد الآخر. وفي تقديري أن المشرع المصري قصد بإضافة هذا الشرط الحرص على إستقرار المعاملات، بحيث لا يجوز إعمال فكرة الغلط ويبقى العقد بعيداً من دعوى الإبطال، حتى ولو كان الغلط جوهرياً، طالما أن المتعاقد الآخر بعيداً عن الغلط ولم يتصل به بأي شكل كان.

 

أما قانون المعاملات المدنية السوداني ففي تقديري أن تبنيه لنظرية السبب المختلف حولها، كما ذكرنا، دون تحديد وتوضيح للأسباب التي دفعته إلى ذلك فيه إهدار للتراث القانوني السوداني المبني على فكرة عملية هي فكرة المقابل الذي يعامل العقد على أنه صفقة ناتجة عن مساومة Bargain. فقانون العقود السوداني (الملغي) لسنة 1974 مثلاً عرف العقد في المادة (4) منه ولم يرد في هذا التعريف أي ذكر للمحل أو السبب بل إشتمل على عناصر الصحة وإشتراط وجود مقابل للإتفاق وهذا الموقف العملي فيه تبني واضح للقانون الإنجليزي كما ذكرنا ذلك من قبل حيث يتم التركيز على محتوى العقد وشروطه دون النظر إلى الباعث وهذا ما يدعونا إلى الإنتقال إلى مناقشة موقف القانون الإنجليزي في ضوء السابقة التي أوردها أستاذنا العالم المأمون.

 

ثانياً: بالنسبة لموقف القانون الإنجليزي أو النظام الأنجلوسكسوني بصفة عامة، فكما أشرت آنفاً فإن هذا النظام يغلب عليه الطابع العملي فينظر إلى شروط العقد ومضمونه ولا ينظر إلى السبب الباعث على التعاقد، ويظهر هذا جلياً في السابقة التي أوردها أستاذنا المأمون حيث أن القاضي وليامز لم يشر ـ حسب فهمي للنص ـ إلى الباعث أبداً وإنما بنى حكمه على أساس التساؤل حول مدى إمكانية وجود شرط في العقد ولو كان ضمنياً يمكن معه القول بأنه كان أساس التعاقد أو كان شرطاً جوهرياً أكثر منه ضرورياً لقيام العقد أو العمل بمقتضاه Essential to the performance of the contract. لذلك فإن حكمه بفسخ العقد ـ في تقديري ـ كان مبنياً على وجود هذا الشرط وليس على الباعث لأن الإنجليز كما ذكرنا لا ينظرون إلى الباعث بل لا يعرفون أصلاً فكرة السبب لذلك كان قرار القاضي بعدم إنفاذ العقد لوجود الشرط.

 

ختاماً أتمنى أن أكون قد أوضحت في هذه العجالة الفروق الجوهرية بين الأنظمة القانونية المختلفة لحكم المسألة موضوع البحث.

 

وفي ضوء ما سبق ذكره فإنني لو كنت قاضياً سودانياً أو مصرياً لحكمت بإبطال العقد بناءً على طلب حمدان ما دام أنه قد ثبت أمامي أن مشاهدة الموكب كانت هي الدافع الأساسي للتعاقد وأن إلغاءه قد فوت عليه باعثه في المشاهدة. خاصةً وأن الغلط الذي وقع فيه حمدان كان داخلاً في نطاق التعاقد أي متصلاً بالمتعاقد الآخر الذي يعلم باعث حمدان على التعاقد. متفقاً في ذلك مع أستاذي العالم المأمون أما لو كنت قاضياً إنجليزياً لحكمت بفسخ العقد ورد ما سلمه حمدان للمؤجر وذلك لوجود شرط صريح في العقد هو مشاهدة الموكب، متفقاً في ذلك أيضاً مع أستاذي المأمون مع إختلاف في التخريج.

 

تحياتي للجميع

 


د.عادل الزين


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 2285 / عدد الاعضاء 62