تاريخ المحاماة
في
بعض الدول الإسلامية
للشيخ المحامي الدكتور مسلم اليوسف
بسم الله الرحمن الرحيم
نعرض في هذا البحث لتاريخ المحاماة في النظم القانونية اللاتينية و الأنجلوسكسونية لأبرهن للقارئ اللبيب أنّ المحاماة الحالية لم تكن بهذا التطور منذ نشأتها ، بل كانت عبارة عن بذرة حية نمت و ترعرعت عبر العصور فأصبحت بعد تطور مر بمراحل عديدة حتى أصبحت المحاماة الحالية .
أيضاً إن الوكالة المعروفة في الفقه الإسلامي قابلة ، لأن تصبح مهنة متطورة تلائم العصر الحديث ومشاكله إذا ما عالجها علماء أفذاذ فيطورها تطويرا يلائم العصر الحديث و احتياجاته وفق قواعد الشريعة و أوامرها و نواهيها .
أبدأ أولاً بتاريخ المحاماة وهو الفصل الأول :
مقسماً هذا الفصل إلى بحثين .
البحث الأول : نشأة المحاماة في القوانين الوضعية اللاتينية .
وأعرض فيه لنشأة المحاماة في القانون الوضعي الروماني والمحاماة في القانون الفرنسي،ثم نعّرج على المحاماة في القوانين الوضعية الأنجلوسكسونية وأتكلم عن المحاماة في القانون الإنجليزي والقانون الأمريكي .
البحث الثاني: و أبحث فيه نشأة المحاماة في النظم المعاصرة في بعض الدول الإسلامية مثل سورية ومصر و لبنان .
إذن البحث الأول معنون بتاريخ المحاماة في بعض الدول الإسلامية مقسم على النحو التالي:
الفصل الأول : تاريخ المحاماة.
البحث الأول: نشأة المحاماة في النظم القانونية اللاتينية و الأنجلوسكسونية .
البحث الثاني : نشأة المحاماة في النظم المعاصرة في بعض البلاد الإسلامية .
الفصل الأول
تاريـخ المحامـاة
البحـث الأول
نشأة المحاماة في النظم القانونية اللاتينية والأنجلوسكسونية
q الفرع الأول: المحاماة في القوانين الوضعية اللاتينية.
وأبحث في هذا الفرع المحاماة في القانون الروماني ثم المحاماة في القانون الفرنسي .
أولاً : المحاماة في القانون الوضعي الروماني :
وجدت بذرة المحاماة منذ القديم في المجتمعات الرومانية . حيث أحاط أباطرة الرومان هذه المهنة المهمة بكثير من التكريم والتمجيد . لذلك كان أباء الشبان الذين يريدون احتراف هذه المهنة يرافقونهم في مواكب حافلة إلى مقر مجلس الأعيان ويقدمونهم إلى أعضائه الذين يقررون قبول أولئك الشبان في سلك المحاماة وقد بلغ احتفاظ الرومان بقدسية هذه المهنة، واعتبارها مع وظيفة القضاء في كفتي ميزان أن يحلف كل محام وكل قاض عند النظر في كل قضية من القضايا المعروضة ، على ألا يقول المحامي إلا الحق ، و على ألا يقضي القاضي إلا بالحق، وكل منهما يقوم بدوره في جلسة القضاء عند النظر في كل قضية .
بيد أن أباطرة روما أصبحوا ينظرون بعين الارتياب إلى المحاماة ، لأنها تضفي على أصحابها مكانة وجاهاً و نفوذاً في الإمبراطورية . فألزموا المحامين بأن يقنعوا بالتخصص في عملهم ، وبالدفاع عن مصالح موكليهم وظنوا أنهم بذلك يقصونهم عن مناصب الحكم ، ولكن المحامين - برغم من تلك المحاولات - احتفظوا بمكانتهم وجاههم ، فعادت القوانين تقصر عليهم وحدهم وظائف حكام المقاطعات وأباحت للقضاة أن يشتغلوا بالمحاماة بل أن كثيرا من الأباطرة أنفسهم لم يجدوا غضاضة في أن يتقدموا للمحاماة ليتعلموا أنظمتها ويأخذوا عنها كيف يكون توزيع العدل بين الناس .
مهمة المحامي في روما :
لم تكن مهمة المحاماة محصورة في روما في عمل واحد بل مقسمة إلى شقّين وفق طبيعة كل عمل ، فهناك المشورة القانونية وهي للفقيه ، وهناك المرافعة وهي للخطيب .
1. الفقيه : هو الذي يدرس الدعوى ويعطي رأيه فيها على أحسن وجه ويعلم طالب المشورة الدفوع والطلبات القانونية ، ويلقنها إلى الخطيب .
2. الخطيب : هو الذي يرافق صاحب الدعوى ويقف معه أمام المحكمة دون أن يكون وكيلا" عنه ، ويظهر حينئذ مهارته وبراعته في الدفاع أمام القاضي .
ويرى شراح القانون الروماني أن تسمية AdVocotus تمثل مصطلحا" عاما" يندرج تحته كل من الفقهاء والخطباء oratori .
و مما تقدم يظهر أن مهمة المحامي العصر الروماني لم تكن دراسة القضية والدفاع عن المتهم بل كانت مهمة دراسة القضية لرجل عالم بالقانون ودقائقه، ومهمة الدفاع توكل إلى شخص آخر عليم باللغة وأساليبها فالشخص الأول يعطي صاحب الدعوى رأيه القانوني على شكل دفوع وطلبات يخدمه الثاني عن طريق أسلوبه البلاغي فهو يستعمل كل ما أعطي من قوة لبيان أن الحق مع موكله .
وهكذا فإن القانون الروماني قد عمل على إبراز فكرة المحاماة ووكيل الدعوى في ذلك الزمان .
ثانياً : المحاماة في القانون الفرنسي :
بدأ تنظيم مهنة المحاماة في فرنسا في عهد الملك لويس التاسع الذي فرض على المحامين قيودا" شديدة محتما" عليهم ألا يتقدموا للقضاء إلا بقضايا سليمة و أن يبتعدوا في دفاعهم عن الاعتداء على الخصم و أن يلتزموا القصد في التعبير و ألا تتحرك شفاههم بمذمة أو نقيصة و ألا يتعاقدوا مع أصحاب القضية على أتعاب أثناء نظر الدعوى .
وفي عام 1344 ميلادي وضع برلمان فرنسا قواعد تحدد أسماء من يبقون مقيدين بجدول المحامين ، وبعض تلك القواعد والقيود لم تفقد قيمتها إلى اليوم ومن تلك القيود :
1. أن يؤدي المحامي يميناً بأن يقوم برسالته بإخلاص و ذمّة .
2. ألا يقبل قضية يعرف بطلان الحق فيها .
3. أن يتجنب الإدلاء ببيانات كاذبة .
4. ألا يحاول الحصول من موكليه على مبالغ بأسباب مصطنعة.
وأنشئت اللائحة للمرة الأولى عام 1790 ميلادي في فرنسا وكانت بداية عصرية لنظام المحاماة الذي تعرض في تطوره للرقابة والإشراف من جانب القضاء و خاصّة في عهد نابليون الذي كان من ألد خصوم المحامين .
حتى أنه كان يقول معلّقاً على مشروع المحاماة : ( أنَّه مشروع سخيف لا يترك لنا أي سلطان على المحامين ، مع أنّهم قوم ثوريون مدبروا جرائم و خيانات ، وما دام سيفي بيميني فلن أضع إمضائي على مثل هذا القانون ..... ولوددت لو أستطيع قطع لسان كل محام يستعمله في الطعن على الحكومة .) .
بيد أنّ مهنة المحاماة صمدت و انتصرت على كل من أراد بها السوء . فزالت دولة الظالم و بقيت المحاماة تضيء درب من يريد الدفاع عن الحق و الحقيقة وتوج نضال المحامين بقانون 27 آب 1830م . ثم جاءت التعديلات على قانون المحاماة في الأعوام 1920م 1941م، 1954م ، 1956 م ،1960 م ، وصدر القانون رقم 71/1330 في 31 كانون الأول 1971 ميلادية لتنظيم مهنة المحاماة حيث عمل على إزالة التفرقة بين الأصناف الثلاث للمحامين : المحامونAvoues ، ووكلاء الدعاوى Avocata ، وممثلوا الدفاع أمام المحاكم التجارية .
ونلاحظ أنّ هده التفرقة بين المحامين ووكيل الدعاوى موجودة في القانون الروماني مما يعكس لنا مدى تأثيره على القانون الفرنسي القديم .
ومع مرور الزمن استطاع المتشرع الفرنسي التخلص من هذه التفرقة عن طريق تطوير هذه المهنة بما يلائم العصر ومشاكله .
حيث نص في المادة الأولى :
( يحل التنظيم الجديد للمحاماة محل ذلك المعمول به أمام المحاكم بالنسبة للمحامين ، و وكلاء الدعاوى أمام المحاكم الكبرى ، وممثلي الدفاع أمام المحاكم التجارية الذين يقومون بنشاطهم بصورة فردية أو في نطاق شركة مهنية مدنية )
وبناءً على هذا التنظيم الجديد يعتبر المحامي من أعوان القضاء يمارس مهنته بحرية واستقلال في إطار نقابته، ويتمتع بضمانات خاصة بالنسبة لاحتمال حصول بعض الأخطاء المهنية التي تؤدي إلى مسؤوليته .
و نتيجة لهذا القانون الجديد انتقلت مهنة المحاماة نقلة هامة جداً إذ اعتبرها المتشرع الفرنسي عوناً للقضاء ، لإظهار الحقيقة و نصرة المظلوم ، فأحاط المحامي بحصانة تشبه حصانة القاضي واعتبر الاعتداء عليه وهو يمارس مهنته ،اعتداءاً على القضاء .
و تنص المادة الرابعة من القانون 1971 ميلادي على :
( أن المحامي يمثل الأفراد في الدعوى ، ولكن هذا التمثيل محصور في نطاق إقليمي يرتبط بالاختصاص الإقليمي للمحكمة التي توجد فيها نقابته ، و التي يقيد بها .) .
وفي هذا النطاق يجب عليه القيام بنشاطه متى طلب منه ذلك ، فنجد أنه يحتكر ممارسة المهنة في هذا المكان .
وتنص المادة الخامسة من نفس القانون على ( أن المحامي يعمل على مساعدة الأطراف عن طريق تقديم طلباتهم إلى المحكمة دون أن يكون مقيداً بذلك الاختصاص الإقليمي للمحكمة . ويجوز له بنفس الحرية أن يقدم الاستشارات القانونية و يصنع الأعمال القانونية للآخرين . وفي هذا النطاق لا يتمتع بذلك الاحتكار المرتبط بأحكام المادة الرابعة ) .
و المادة الرابعة والخامسة تظهر بصورة واضحة أن التقسيم من حيث الوظائف بين الفئات الثلاث مازال قائماً ، فإذا كان للمحامي له احتكار أعمال التمثيل أمام المحكمة الكبرى في حدود الاختصاص الإقليمي ، إلا أن نشاطه يتقلص اتجاه مساعدة العملاء و تقديم الاستشارة القانونية لهم .
وقد نظم المتشرع الفرنسي الشروط المطلوبة للانتساب إلى نقابة المحامين مع العلم بأنه لا يوجد تنظيم لنقابات عامة للمحامين بل هناك نقابات فرعية في دائرة المحاكم الكبرى في فرنسا .
و هكذا لاحظنا مدى تأثر القانون الفرنسي بالقانون الروماني من خلال تصنيف المحامين ووكلاء الدعاوى .
الفرع الثاني..
المحاماة في القوانين الوضعية الإنجلوسكسونية
في هذا الفرع سأتكلم عن نشأة المحاماة في القانون الإنكليزي ثم نعرض للمحاماة في القانون الأمريكي "الولايات المتحدة الأمريكية" .
أولاً:المحاماة في القانون الإنكليزي :
يرى بعض الكتاب أن أصول المحاماة في المملكة المتحدة تعود إلى العصور الوسطى حيث ( كان النزال والتقاتل بالرماح على صهوة الجياد هما الوسيلة الوحيدة للحكم والقضاء لصالح الغالب دائماً والذي يعد بذلك بريئاً ، أما المغلوب فهو المذنب . وهكذا كانت و مازالت العدالة في العصور الوسطى في إنجلترا ومن ينهج نهجها و يدور في فلكها .
و بدأت ممارسات الإنابة للنساء , أعضاء الكنيسة و المستضعفين في الأرض حيث ينوب عنهم فارس ينازل خصمه المدعي أو المدعى عليه بحسب الأحوال ، وبذلك كانت إنابة الفرسان نظاماً يكاد يشبه فكرة المحاماة مع الفارق .)
فالفارس هنا يحامي و يدافع عن طالب النصرة ، و المحامي يدافع و يحامي عن موكله ، بيد أن هناك بوناً شاسعاً ما بين الاثنين فالفارس يعتمد على قوته الجسدية لصرع خصمه ونصرة صاحبه .
أما المحامي فيعتمد على قدراته العقلية و بلاغته الكلامية وثقافته القانونية وربما سلطته القضائية لإحقاق الحق ونصرة موكله .
واستمرت حال النزال هذه إلى أن حرمتها الكنيسة على أساس أنها تخالف التعاليم المسيحية السمحة .
و نتيجة هذا التحريم اضطر طرفا الخصومة القضائية إلى أن يستعينا بصديق له خبرة قضائية و دراية بأعمال القضاء وإجراءاته ، لذلك كان هذا الصديق من يردد العبارات الشكلية الضرورية لإقامة الدعوى أو اتخاذ الإجراءات اللازمة لتقديم الدفاع .
وفي القرن الرابع عشر ظهرت طبقة جديدة مختارة من قبل التاج الملكي الإنكليزي سميت "Sergeants" التي أصبح لها شأن كبير حتى أن القضاة كانوا يختارون منها وصار المتميز منهم يشكل مدرسة يجتمع في منزله الطلبة لتلقي العلم القانوني ، و اتخذ هذا التجمع بعد ذلك شكل الجمعيات و نوادي القانون القائمة حتى الآن ، وتتوزع ممارسة مهنة المحاماة اليوم في إنجلترا بين المحامي ، و يطلق عليه اسم Barristerو وكيل الدعاوى يطلق عليه اسم Sollicitor . ومن المعروف اليوم أنه لا يجوز المثول أمام بعض الهيئات القضائية إلا لمن كان محاميا Barrister حيث يترافع مثلا" أمام مجلس اللوردات ، و اللجنة القضائية للشؤون الخاصة و المحكمة العليا و المحاكم الجزائية في المقاطعات و المحكمة الجنائية المركزية في لندن و التي تعرف باسم .( أولدبيلي ) .
و الجدير بالذكر أنه لا توجد علاقة قانونية مباشرة ما بين العميل و المحامي حيث أن وكيل الدعاوى هو الذي يحمل القضية إلى المحامي الذي يتدرب عادة عنده ، و يطلب منه تقديم المساعدة القانونية إلى العميل و يقدم وكيل الدعاوى القضية على شكل مذكرة مكتوبة تتضمن المعلومات الكافية عن القضية و الأدلة و الأسانيد و المعلمات و الوثائق .
و هناك صراع دائم بين خريجي الجامعات الإنكليزية و خريجي جمعيات المحامين يعاني منه المجتمع الإنكليزي .
و هكذا نرى أن المحاماة في المملكة المتحدة مقسمه بين أكثر من مجموعة أشخاص ، فهناك وكلاء الدعاوى المنضمون إلى جمعيات المحامين وهم الذين يتعاقدون مع العملاء ، وتدور علاقاتهم في أعمال الوكالة .
وهناك المحامون الذين يدرسون القضايا المفروضة عليهم دراسة قانونية . و يعطون آراءهم على شكل مذكرات مدونة بها الدفوع و الطلبات و غيرها من الأمور القانونية المحضة .
و مازالت قبضة المحامين شديدة على كل من وكلاء الدعاوى و خريجي كليات الحقوق ، ويوجد مجلس عام للمحامين منذ العام 1894م ميلادي يختص بمراعاة آداب المهنة و إصدار التعليمات في شأنها و يعمل على تطوير الثقافة المهنية للمحامين .
لا جرم بأن المحاماة في الولايات المتحدة الأمريكية متأثرة تأثراً مباشراً بالتقاليد الإنكليزية نتيجة احتلال إنكلترا للولايات المتحدة لفترة ليست بالقصيرة .
و ظهرت في بعض الأحيان بعض النظم الشبيهة بتلك التي ظهرت في إنكلترا كما هي الحال بالنسبة لصديق المتهم AMICUS الذي يعمل من تلقاء نفسه ليقدم اقتراحاُ للمحكمة في مسائل الوقائع و القانون التي في علمه .
و لاشك في أن السماح لصديق المتهم بالدفاع عن صديقه كان نتيجة حتمية لعدم وجود المحاماة في الولايات المتحدة الأمريكية يومئذ :
ينص في دستور ولاية إنديانا لعام 1851 ميلادي على أن : ( كل فرد يتصف بصفات خلقية طيّبة وحائز للحقوق الانتخابية يجوز قبوله أمام القضاء والأجهزة القضائية في أي درجة للدفاع عن المتهم ) .
ومن هذا النص تتبين الشروط المطلوبة للمحاماة في ولاية إنديانا و هي :
1- الأخلاق الطيبة ، مع العلم أن هذا الشرط غامض نتيجة اختلافه من بيئة لأخرى ومن عصر لآخر .
2- حيازة الحقوق الانتخابية ، أي غير مجرّد من هذه الحقوق نتيجة لارتكابه جرم على درجة معينة تحدده القوانين المعنية ويلاحظ أن هذا القانون لم يشترط درجة علمية بل اشترط الطيبة وعدم التجرد من الحقوق الانتخابية .
ومازال هذا النص موجوداً في دستور هذه الولاية بيد أنه أصبح يفسر تفسيراً يلائم التطورات التي حصلت في الولايات أي أن شرط الخلق أصبح يفسر بالإعداد العلمي المناسب للمحامي .
النقابات والجمعيات المنظمة للمحاماة :
هناك جمعيات ونقابات عديدة في الولايات المتحدة الأمريكية بلغت مائة جمعية تعمل للإشراف على مهنة المحاماة عن طريق تقنين المبادئ الخاصة بأخلاقيات المهنة .
و تعتبر غالبية الجمعيات في الولايات المتحدة جمعيات خاصة تطوعية ، وهناك نقابات معتمدة في ( 25) ولاية تعرف باسمBar Associations ينضم إليها المحامون بصورة إلزامية في الولاية التابعين لها .
والجدير بالملاحظة أن الحياة الاجتماعية في الولايات المتحدة القائمة على الحريات - وفق المفهوم الأميركي - ، عملت على جعل كل ولاية تنظم مهنة المحاماة وفق مصالحها الخاصة .
ذلك أن المحاماة في الولايات المتحدة تعتبر مهنة تنظمها القواعد العرفية ، وتقوم الهيئات المحلية على تطبيقها والفقه والقضاء يعتبران المحامي موظفا" في الجهاز القضائي .
ونتيجة لذلك فإن التشريعات التي تعمل على تقييد الاختصاص في هذا المجال تعد غير دستورية .
فالقضاء ذاته وقف موقفاً معادياً للتشريعات التي تعمل على تقييد ممارسة المهنة واعتبرها غير دستورية . بل رفض في أحكامه اختصاص الأجهزة التشريعية في محاولتها إصدار تشريعات تقيد النشاط القضائي . وقد قضت هذه المحاكم بأنها هي التي تختص بتقرير الجزاءات حتى دون أن ينص عليها القانون.
البحث الثاني
نشأة المحاماة في النظم المعاصرة في بعض البلاد الإسلامية
لم تكن المحاماة معروفة لدى العرب قبل الإسلام بل كان هناك ما يسمى بـ ( حجاجاً أو حجيجاً ) فإذا حدث نزاع بين رجلين جاز لأي منهما أن يوكل عنه حجاجاً، وكانت صيغة الوكالة هي أن يقول الموكل لوكيله : وضعت لساني في فمك لتحج عني .
ويرى بعض الكتاب أن نشأة الدفاع في العصر الجاهلي كان يمارسه الشعراء الذين كانوا لسان الحق و محاموا الخصم . بيد أن هذه الدعوى أشك بصحتها إذ لو كانت صحيحة لوجد ذلك في كتب الشعر والأدب .
وعندما جاء الإسلام ، أخضع العرب و من كثير من العجم لحكم الله تعالى ، بعد أن كان يحكم بالسيف والرمح فعين رسول الله صلى عليه وسلم قضاة على الأمصار الخاضعة لحكم الله .
ولا جرم أن وجود القضاء يعني وجود الوكلاء ، ومن هنا نشأت بذور المحاماة في الإسلام مع نشوء القضاء وفرض أحكام الشريعة على الجميع . وظل نظام الوكالة على ما هو عليه من غير تنظيم إلى أواخر العهد العثماني وأصبحت الخلافة الإسلامية رجلاً مريضاً تداعت عليها الأمم من كل جانب مما جعلها تمشي غير متوازنة ، فأنشأت عام 1846 م جامعة في الآستانة دعتها دار الفنون ضمت معهداً عرف بمكتب الحقوق الشاهاني ، اشترط العثمانيون فيمـن يرغب بمزاولة مهنة المحاماة أن يكون من حاملي شهادة مكتب الحقوق العثماني ذاك ، ويحسن اللغة العثمانية قراءة وكتابة (1) .
ونلاحظ هنا أن العثمانيين قد اشترطوا لممارسة مهنة المحاماة أن يكونوا من خريجي مكتب الحقوق العثماني مع إتقانه اللغة العثمانية (2) قراءة وكتابة ، هذا بالنسبة لقلب الخلافة الإسلامية .
أما بالنسبة لباقي ولايات السلطنة فسوف نتكلم بصورة مستقلة عن كل ولاية بادئين أولاً بمصر ثم سورية فلبنان .
(2) : تختلف اللغة العثمانية اختلافاً جذرياً عن اللغة التركية فاللغة العثمانية تحتوي على كثير من المفردات العربية بالإضافة إلى الحرف العربي أما اللغة التركية فهي لغة جامدة متأثرة باللغات الأوربية .
الفرع الأول
نشأة المحاماة في مصر :
بعد إتمام فتح الشام استعد المسلمون لفتح مصر ، وكلف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمرو بن العاص (1) - رحمه الله - لفتحها فبدأ الزحف عليها في أواخر عام 18 هجرية 639م بجيش قوامه (4000) مجاهد استولوا على رفـــح والعريش ، ثم وصلتـهم الإمــدادات بقيادة الزبير بن عوام (2) فاستطاعوا بفضل الله تعالى فتح حصن بابليون ، ثم اتجهوا نحو الإسكندرية عاصمة مصر في ذلك الحين .
وبسقوط العاصمة تحت سيطرة المسلمين على مصر(3) أقام المسلمون العدل والسلام ، فعرف المصريون الشريعة الإسلامية ، وعرفوا بالطبع نظام الوكالة بالخصومة ، وهي الأم الخصب للمحاماة الشرعية .
وبقيت الوكالة بالخصومة من دون أي تنظيم إلى عهد محمد علي باشا والي مصر في العهد العثماني الذي فكر في ترتيب مجالس العدالة . فبدأ بترتيب مجالس التجار بأنه سن لائحة ظهرت في22 جمادى سنة 1261 هـ /1845 م جاء في البند السادس منها:
( أن كل من له دعوى على شخص ، يريد إقامة دعوى عليه والنظر فيهابالمجلس المذكور يلزم أن يعرض أولاً لسعادة مدير الديوان ، فإذا صدر أمر سعادته بقبول سماع الدعوى المذكورة بالمجلس ، وفصلها بمقتضى الأصول المجرية . فيحضر بالأمر المشار إليه بيده بالمجلس أو يسلمه إلى حضرة الريس لأجل أن يجري فيه الحال على مقتضى ما ذكر في البند الثاني و حينئذ يحضر كل من المدعي ، والمدعى عليه في الوقت الذي يتعين لحضورهما من طرف المجلس وتقام الدعوى على ما سلف شرحه بالبند الرابع بشرط أن يكون التداعي بين شخص كل من المدعي والمدعى عليه بدون أن يقبل توكيل أحدهما لشخص آخر بدلاٌ عنه ما لم يكن أحدهما غائب عن المجلس بسبب عذر ثابت من كافة الأعذار التي تقبل بمقتضى الأصول وبواسطتها يسوغ التوكيل . عند ذلك يمكن لكل منهما أن يقيم وكيلاً عنه على حسب ما يوافق الأصول (1) ) .
ولعل هذه اللائحة هي أول وثيقة رسمية نصت على جواز التوكيل أمام المجالس وسبّب تسامح الحكومة في قبول التوكيل أمام مجالس التجّار دون غيرها بأن أصبحت تلك المجالس مجالس مختلطة الجوانب ، للأجانب فيها شأن عظيم ومصالح كبيرة فكان لابد لهم من الاستعانة بوكلاء وتقرر جواز التوكيل لمن كان غائباً لعذر شرعي مقبول .
إلا أنه من الملاحظ أن لائحة العام 1261هـ لم تضع نظام للوكلاء ولم تبين شروط أهلية الوكلاء كما لم تبيّن الأعذار التي تقبل لتبرير إقامة الوكلاء .
وفي عام 1272 هـ اتفقت الحكومة المصرية مع قناصل الدول على تشكيل مجالس استئناف للمسائل التجارية وعملت لائحة صـدر بها أمر عدلي بتاريخ 12 شعبان عام 1277 هـ جاء في البند الخامس منها أن :
( تعاطي الدعاوي في مجلس التجارة لا يجيز دخول أبوكاتيه والجهتين المتداعيتين يقدمون دعاويهم بالذات أو بوساطة وكيل بموجب سند توكيل فيما يطلبونه ، وما يستنسبونه بالكتابة (2) ) .
وفي سنة 1278 هـ /1661 م اتفقت الحكومة المصرية مع قناصل الدول الأجنبية على إنشاء مجلس ينظر في الدعاوى المرفوعة من الأجانب على المصريين سموه ( مجلس قوميون مصر ) على أن التقارير التي تقدم للمجلس يجب أن تكون مشتملة على كل محل تواطن المدعي أو وكيله إذا ما أراد أن يقيم وكيلاً عنه في دعواه .
وورد في البند السابع منه على أنه :
( يجب على المدعي عليه أن يقدم جوابه إلى حضرة رئيس مجلس القوميون بواسطة ديوان محافظة مصر، وفي نفس المدة المذكورة ينبغي له أن يحضر إلى المحروسة بنفسه ويسكن بها لغاية انتهاء الدعوى المقامة عليه ، أو يقيم وكيلاً من طرفه يكون مستوفياٌ لجميع الشروط يتصرف ويقوم مقامه أمام أرباب مجلس القوميون في كل كلية وجزوية . ) ( 2 ) .
وفي سنة 1875 أجبرت الحكومة المصرية على إنشاء المحاكم المختلفة ووضعت الدول الأجنبية شرط المحاماة وفق قانونها الوضعي لتضمن سيطرتها على مصر ، فجعلت أفراد المجتمع يجرون وراء القانون الوضعي لتضمن سيطرتها على مصر ، فجعلت أفراد المجتمع يجرون وراء القانون الوضعي كي ينالوا المراتب القانونية المرموقة ( القضاء ، المحاماة ، ضابط شرطة الخ ) فالقاضي لا يمكن أن يكون قاضياً إلا بحصوله على إجازة جامعية من إحدى كليات الحقوق وكذلك المحامي وغير ذلك من الوظائف الهامة .
بهذا استطاعت الدول الأجنبية تحجيم الشريعة الإسلامية وإبعادها عن الحكم بل حصرها في الأحوال الشخصية ولو استطاعت القضاء على الشريعة الإسلامية كلها لفعلت .
بيد أنها اكتفت بما حققته على أن يقضي على ما تبقى على أيدي المنتسبين إلى الإسلام .
ونصت المادة (17) من لائحة ترتيب المحاكم المختلفة على أنه :
( لا يقبل وكيل ولا مدافع عن أرباب الدعاوى أمام محكمة الاستئناف إلا من يكن حائزاً على الشهادة الدالة على كونه أفوكاتياً ، أما أمام المحاكم الابتدائية فلم يتشددوا في أهلية الوكلاء ، وقبلوا من مارس الصناعة أمام المحاكم القنصلية مدة خمس سنوات على الأقل ، وثبت أنه ملم بلغتين من اللغات المقررة رسمياً أمام المحاكم المختلفة ، ونجح في الامتحان الكتابي والشفهي الذي تقرر عقده في بحر ستة شهور من تاريخ 18 أكتوبر سنة 1875م في القانون المدني وقانون العقوبات ، وقانون التجارة ، و قانون المرافعات ، وقانون تحقيق الجنايات على أن يكون لكل ممتحن في أن يوجه إلى الطالب سؤالا" في الامتحان التحريري ، ويمتحنه مدة نصف ساعة في الامتحان الشفهي .
وعللوا تشددهم في قبول التوكيل عن الخصوم أمام محكمة الاستئناف بأن محكمة الاستئناف هي الدرجة النهائية للتقاضي وأن المصرين يجهلون القوانين الجديدة ويجهلون طرق التقاضي أمامها وأنّه من العدالة أن تتوفر في وكلائهم أمام محكمة الاستئناف الأهلية الكافية علماً وخبرة .) ( 1 ) .
ويلاحظ أنّ الحكومة المصرية أطلقت على من أراد أن يعمل في التوكيل عن الخصوم اسم وكلاء أو آفوكاتيه ولم تسمهم باللفظ المعاصر » المحامون « إلاّ في عام 1916 م عندما أصدر القانون رقم (15) حيث سمتهم المحامين وسمت لائحتهم لائحة المحاماة .
وشرطت على من يريد أن يشتغل بالمحاماة أمام المحاكم الشرعية أن يكون حاصلاً على شهادة عالمية من إحدى المعاهد المبنية من قانون الأزهر أو على شهادة الدراسة النهائية من المدرسة السلطانية ( 2 ) .
أو أن يكون قد اشتغل بوظيفة القضاء في المحاكم الشرعية مدة أربع سنوات ( 3 )
وتوالت القوانين التي حاولت تطوير مهنة المحاماة عن طريق تقليد المحاماة في
فرنسا ، فصدر قانون عام 1912م منشأ نقابة المحامين ، ثم صدر القانون رقم 61 لعام 1968م المعدل بالقانون رقم 65 لسنة 1970م محاولاً الارتقاء بالمحاماة عن طريق كفالة كرامة المحامي وحقوقه .
أعطى القانون الوضعي للمحامين دون غيرهم حق الحضور عن ذوي الشأن أمام كافة الجهات واللجان ، قضائية كانت أم إدارية وحظر التقنين تعطيل هذا الحق في أيّة صورة أو لأيّ سبب كان ( 1 ) . وأوجب على تلك الجهات أن تقدّم للمحامي كافة التسهيلات للقيام بعمله على خير وجه .
كما أستحدث التقنين نصاً مؤداه عدم جواز القبض على المحامي أو حبسه احتياطياً بسبب ممارسة عمله كما نصّ أيضاًً على عقاب من أهان محامياً بالإشارة ، أو القول ، أو بالتهديد أثناء القيام بعمله ، وبسببه بذات العقوبة المقررة في القانون على من يرتكب هذه الجريمة على أحد أعضاء هذه المحكمة
كما أحاط القانون مكتب المحامي بضمانات جديدة ، فمنع الحجز على ما يضمنه من كتب وأثاث .
كما ساوى التقنين المذكور المحامين بالهيئات والمؤسسات العامة ، والوحدات الاقتصادية والجمعيات ، وسائر الحقوق والواجبات المنصوص عليها في قانون المحاماة ذاته ، وذلك درء اً لأي لبس ، وتأكيداً للمساواة الكاملة بين المحامين .
الفرع الثاني
نشأة المحاماة في سوريّة
يعود تاريخ المحاماة في سورية إلى أول يوم من دخول المسلمين أرض بلاد الشام حين أنشأ المسلمون المحاكم الشرعية .
ومع وجود المحاكم وجدت المحاماة الشرعية أي الوكالة بالخصومة ( 1 ) .
وبقيت الوكالة بالخصومة من دون أي تطور نتيجة عدة عوامل ، كان من أهمها قفل باب الاجتهاد وإدّعاء عدم وجود المجتهدين ، والركود الاقتصادي والعسكري للمسلمين ،( 2 ) على الرغم من أن السلطة العثمانية كانت قد أصدرت قانون في عام 1884م عمل به في الأستانة بيد أنّه لم يطبق في سورية وباقي الولايات العثمانية .
وفي العهد الفيصلي لم يتسع المجال أمام الحكومة العربية - بعد فصل سورية عن الخلافة الإسلامية - لدرس قضية تنظيم وتطوير المحاماة ، فظلّ محترفوا هذه المهنة وكلاء دعاوي يمارسونها دون أي نظام .
وعندما وقعت البلاد فريسة بين أنياب الاستعمار أخذ المستعمرون يضعون القوانين لتنظيم مهنة المحاماة وفق القوانين الفرنسية والقضاء على أحكام الشريعة الإسلامية .
وعندما حاولت الحكومة الموالية لفرنسا تطبيق مشروعها هذا وجدت صعوبة كبيرة ، فعمدت إلى تأليف لجنة للقيام بالمهام التالية : ( 3 )
q تعين هيئة إدارية مؤقتة من المحامين يعهد إليها إنشاء النقابة في دمشق .
q تدقيق طلبات تسجيل المحامين .
q وضع لائحة لممارسة المحاماة .
وقد أُلّفت هيئة من عشرة محامين لوضع لائحة تتضمن شروط ممارسة المحاماة وواجبات وحقوق المحامي .
هذا بالنسبة إلى المحامي في نقابة دمشق أمّا في حلب الشهباء فكان قد شرع في العهد العثماني في تأليف نقابة للمحامين على نمط نقابة الأستانة ووضعوا لها نظاماً خاصّاً لم يتمكنوا من تنفيذه حتّى أصدرت دولة حلب قراراً ( 1 ) بتنظيم نقابة محاماة حلب . واستمر تطبيق القرارين الخاصّين بين حلب ودمشق حتى (2) حزيران 1930 م فيه صدر القرار 2117 الذي كان بمثابة قانون عام لتنظيم مهنة المحاماة .
وفي عام 1953 ميلادي صدر المرسوم رقم (51 ) ألغيت بمقتضاه جميع القوانين والأنظمة السابقة المتعلقة بتنظيم مهنة المحاماة وقضت أحكامه بوضع نظام جديد على أساس وجود ثلاث نقابات للمحامين هي دمشق ، وحلب ، واللاذقية .
وفي عام 1972 صدر المرسوم رقم (14) الذي دمج النقابات الثلاث بنقابة واحد مركزها دمشق على أن تتخذ لها فروع في مركز كل محافظة حسب الحاجة ، فكان هناك فرع حلب ، وحمص ، وحماة ، اللاذقية ، طرطوس و دير الزور والحسكة ، وإدلب وفي الوقت الحاضر تخضع مهنة المحاماة لأحكام القانون رقم 39 المؤرخ في 21 /8/1981.
الفرع الثالث
نشأة المحاماة في لبنان
ارتبطت المحاماة ارتباطاً وثيقاً ومباشراً بالقضاء بحيث أن الحديث عن القضاء ونشوئه هو حديث عن نشوء المحاماة وتطورها أيضاً .
تتميز البنية القضائية للبنان ( 1 ) بأنها طائفية أي أن لكل طائفة من الطوائف اللبنانية قضاءً مذهبياً خاصّاً به هذا التفكك والتشرذم لم يكن على مر العصور بل تكونّ بنتيجة عوامل خارجية وداخلية سعت إلى القضاء على الإسلام والخلافة الإسلامية ، فزرعت عدة طوائف فيه ثم عملت على تفريق أبناء الطائفة الواحدة فأصبح أهل السنة والجماعة قلّة لا يشكلون في لبنان إلاّ الثلث تقريباً مع العلم بأن الطائفة السنية تتعرض إلى هجمة عنيفة من عناصر خارجية وداخلية عميلة للقضاء عليها عن طريق جعلها فرقاً وأحزاباً.
وسوف نتحدّث في هذه الفقرة عن القضاء عند السنة والشيعة والقضاء عند الدروز والموارنة .
كان قضاء أهل السنة هو الشريعة العامة المسيطرة على كل الطوائف اللبنانية في القضايا المدنية والجزائية والتجارية عبر المذهب الحنفي ( 2 ) مذهب الخلافة الإسلامية لبني عثمان .
أما قضايا الأحوال الشخصية فلم تفرض الخلافة أحكام الشريعة على الفرق غير الإسلامية . فالطائفة المارونية تركت لها حرية الاختيار لتنظيم شريعتها وفق فرقتهم ، فجاء قانون الموارنة متأثراً بالفقه الإسلامي والقانون الروماني والكتاب المقدّس بعهديه القديم والحديث والمجامع المسكونية وغيرها من كتبهم الفقهية ككتاب مختصر الشريعة للمطران عبد الله قزاعلي وكتاب الفتاوى الشرعية المطران قزاعلي أيضاً ، وكتاب الهدى وهو دستور الطائفة المارونية عرّبه عن السريانية المطران داود الماروني .
أما بالنسبة للشيعة الجعفرية فالخلافة الإسلامية لم تعترف بهم كمذهب له محاكمه الخاصة بل جعلتهم يرجعون إلى القاضي الحنفي في كافة شؤونهم . وبقيت الحال على هذا المنوال إلى أن ألحق جبل عامل وغيره في لبنان فأصبح المذهب الجعفري من المذاهب الرسمية فيه وصار له قضاة في صيدا وصور ومرجعيون والنبطية وبعلبك والهرمل وبرج البراجنة وتحددت لهم صلاحياتهم كما صار للمذهب محكمة استئناف في بيروت العاصمة .
أما بالنسبة للطائفة الدرزية ( 1 ) : فقد اتبع الدروز أحكام الشريعة الإسلامية فيما عدا الأحوال الشخصية فقد طبقوا أحكام طائفتهم الخاصة بهم ( 2 ) .
وبعد هذا المرور السريع على الطوائف الرئيسية في لبنان نقر بأن الوكالة بالخصومة كانت معروفة ، ولا يستغنى عنها على الإطلاق وعلى الرغم من وجود مكتب الحقوق العثماني : إلا أن المحامين ( الوكلاء ) في متصرفية جبل لبنان كانوا يتعاطون المهنة من دون شهادة صادرة عنه أما في بيروت وطرابلس وبعلبك وصور وصيدا فقد كانت ملحقة مباشرة بالسلطة العثمانية التي فرضت على من يريد ممارسة المحاماة أن يكون من خريجي مكتب الحقوق العثماني أو من معهد أجنبي أو أن ينجح في امتحان تجريه وزارة العدل وفقاً لقانون الوكلاء الصــادر في 26 ذي الحجـة 1292 هـ ثم لقـانون أول ذي الحجة عام 1301 هـ ( 3 ) .
وفي عام 1919 م أصدر وكيل الحاكم الإداري في لبنان القرار 192 المؤرخ في 26 / 5 / 1921 منظماً مهنة المحاماة ومنشئاً نقابة للمحامين في كل من بيروت وطرابلس .
وفي 23 / 5 / 1935 صدر قانون اشترط على الطالب القيد في جدول المحامين إبراز شهادة ليسانس في الحقوق من معهد حكومي واعتباراً من عام 1936 م صار لازماً على الطالب القيد في جدول المحامين أن يبرز علاوة على شهادة الليسانس شهادة البكالورية اللبنانية ( 4 ) أو ما يعادلها ( 5 ) .
و الحمد لله رب العالمين