الوعد بجائزة
ومدى مشروعيته في الفقه الإسلامي
والقـــانون المــدني
أولاً : التعريف اللغوي للوعد بالجائزة
الجعالة أو الجعل أو الجعيلة اسم لما يجعل الإنسان على فعل شيء . أو هي بمعنى التسمية أو الإيجاب أو ما يعطيه الإنسان لأخر على عمل ما أو أمر يفعله .
( القاموس المحيط . والمصباح المنير مادة "" جعل "" 1/137 . لسان العرب 13 / 117 . مختار الصحاح ص 105 . )
ثانياً : تعريف الوعد بالجائزة شرعا ( الجعالة)
لقد عرف جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة الجعالة بعدة تعريفات نذكر منها ما يلي : ـ
1 ـ عرفها المالكية بقولهم ( أن يجعل الرجل للرجل أجرا معلوماً ولا ينقد إياه على أن يعمل له في زمن معلوم أو مجهول بما فيه منفعة للجاعل )
2 ـ عرفها الشافعية بأنها : التزام عوض معلوم على عمل معين معلوم او مجهول عسر علمه أو عسر ضبطه
3 ـ وعرفها الحنابلة بأنها تسمية مال معلوم لمن يعمل للجاعل عملا مباحاً ولو كان مجهولا أو لمن يعمل له ولو كانت مجهولة
4 ـ عرفها بعض الفقهاء المعاصرين بقوله ( أن يلتزم شخص بأجر أو مكافأة لأخر نظير أن يقوم بعمل من غير تحديد وقت القيام به )
ومما سبق من التعريفات نجد أن الوعد بجائزة أو الجعالة لها أركان وشروط وأثار .
التعريف للوعد بالجائزة في القانون المدني
نصت المادة 162 / 2 من القانون المدني على الأتي :
(( من وجه للجمهور وعداً بجائزة يعطيها عن عمل معين التزم بإعطاء الجائزة بمن قام بهذا العمل ولو قام به دون النظر إلى الوعد بجائزة أو دون العلم بها))
وقد عرفها الدكتور عبد الودود يحيي أنها :
(( تصرف قانوني بإرادة منفردة هي ارادة الواعد الذي يعلن للجمهور عن جائزة لمن يقوم بعمل معين ))
مما سبق تبين لنا أن الوعد بجائزة أمر مشترك بين الشريعة والقانون يمكن تعريفه بأنه
( نظام شرعي أو قانوني مؤداه توجيه للجمهور أو فئة معينة بإرادة شخص اخذ العهد على نفسه بمنح جائزة معلومة لمن يقوم بعمل معين )
إلا أن القانون الوضعي يشترط أن يكون التوجيه للجمهور لا إلى شخص بعينه خلافاً للفقه الإسلامي الذي لا يشترط ذلك بل يجوز أن يكون التوجيه إلى شخص أو أشخاص معينين
مشروعية الوعد بجائزة ( الجعالة )
في الفقه الإسلامي والقانون المدني
أولاً : مدى مشروعيتها في الفقه الإسلامي
لقد اختلف الفقهاء في مدى مشروعية الوعد بجائزة في الفقه الإسلامي على رأيين:
الرأي الأول : ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة
إلى مشروعية الجعالة وإباحتها وجواز العمل بها
إلا أن المالكية يقولون أنها جائزة بطريق الرخصة اتفاقاً ، والقياس عدم جوازها بل عدم صحتها للضرر الذي يتضمنه عقدها ، وإنما خرجت عن ذلك إلى الجواز للأدلة التالية :
أدلة الجمهور :
استدل جمهور الفقهاء على مشروعية الجعالة "" الوعد بجائزة "" بالكتاب والسنة والمعقول
1 ـ فمن الكتاب قوله تعالى : في قصة يوسف مع إخوته ( قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم )
أي كفيل وضامن . فسيدنا يوسف عليه السلام قد وعد من عثر على صواع الملك والإتيان به أن يمنحه جائزة أو جعلا على عمله وهذه جائزة "" حمل بعير "" وكان حمل البعير معلوماً عندهم وهو الوسق وهو ستون صاعاً ، وشرع من قبلنا شرع لنا إذا قص علينا من غير نكير ولم يثبت نسخه ومن خالف هذه القاعدة جعله استئناسا .
مما سبق يتضح لنا أن الجعالة مشروعة بنص الآية السابقة وأن القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه قد أقرها .
ومن السنة : حديث رقية الصحابي بالفاتحة أم بالقرآن الكريم وجواز أخذ الأجر عليها . وهو ما روي عن أبي سعيد ألخدري : ( أن أناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوا حيا من أحياء العرب ، فلم يقروهم "" لم يضيفوهم "" فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك القوم فقالوا :
هل فيكم من راق ؟
فقالوا : لم تقرونا ، فلا نفعل إلا أن تجعلوا لنا جعلا ، فجعلوا لهم قطيع شاه ( من الغنم ) فجعل رجل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل ، فبرئ الرجل فأتوهم بالشاه ، فقالوا : لا نأخذها حتى نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فضحك وقال : ( ما أدراك إنها رقيه ؟ خذوها واضربوا لي معكم بسهم . )
ثانياً : مشروعية الوعد بجائزة في القانون المدني .
إن الوعد بجائزة أمر مشروع في القانون الوضعي دون خلاف بين شراحه فهو التطبيق المباشر أو الصريح الذي ذكره القانون المدني الكويتي للإرادة المنفردة باعتبارها مصدر الالتزام الإداري .
( النظرية العامة للالتزام وفقاً للقانون الكويتي دراسة مقارنة د/ عبد الحي حجازي ، تحقيق د/ محمد الألفي ـ الجزء الأول مصادر الالتزام ـ المجلد الثاني ص 1109 وما بعدها 1982 ـ إصدار جامعة الكويت )
أما بالنسبة للدليل على شرعية الوعد بجائزة هي نصوص القانون التي وردت بشأنه .
فقد نص القانون المدني المصري في المادة 162/ 1 على أن ( من وجه للجمهور وعداً بجائزة لمن قام بهذا العمل ، ولو قام به دون نظر إلى الوعد بالجائزة أو دون علم بها).
ونص القانون المدني العراقي في المادة 185/1 على ( الوعد بجعل ) باعتباره التطبيق المباشر للالتزام بالإرادة المنفردة فقال : ( من وعد بجعل يعطيه لمن يقوم بعمل معين التزم بإعطاء الجعل لمن قام بهذا العمل حتى لو قام به دون نظر إلى وعد )
مع ملاحظة ان المادة هنا لم تضف ماذكر في عجز المادة 162/1 مدني مصري في قولها أو ( دون علم ) .
وقد بين القانون المدني الكويتي الجديد في المواد 221 / 226 أحكام (الوعد بجائزة للجمهور) باعتبارها التطبيق المباشر للالتزام بالإرادة المنفردة . فنصت المادة 221 بأن ( من وجه للجمهور وعداً بجائزة يعطيها عن عمل معين التزم بإعطاء الجائزة لمن قام بهذا العمل ، وفقا للشروط المعلنة ، ولو كان أداه قبل الوعد أو دون النظر إليه أو دون العلم به " مثل من وعد بجائزة لمن يعثر على أشياء مفقودة أو لمن يرسم أحسن لوحة فنية أو يكشف دواء لمرض معين أو لمن يؤلف أحسن كتاب في الثقافة الإسلامية ...... الخ )
ومن هنا يتبين لنا مدى إجماع القوانين الوضعية على مشروعية الوعد بجائزة
ونكتفي بهذا القدر مع اللقاء في بيان أركان الوعد بجائزة
وتقبلوا تحياتي
محمد شلبي