اعتدنا في مصر من حين لآخر علي الحملات الموسمية المسمومة ضد مصر وقادتها ورموزها السياسية والفكرية, وذلك من جانب اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة بالتنسيق مع تجمعات صهيونية في عواصم أوروبية مختلفة, وفي كل هذه الحملات المشبوهة تكاد تكون مقولة عداء مصر والمصريين للسامية قاسما مشتركا أعظم.. علي ألسنة المشاركين فيها وأقلامهم.
كذلك فلقد اعتدنا أن تنطلق هذه الحملات في توقيتات معروفة لدينا, خاصة عند تبلور أي فعالية واضحة للعمل العربي المشترك, أو عند ممارسة مصر لدورها كأكبر دولة عربية, وتحمل هموم العالم العربي, وكذلك قبيل زيارات الرئيس مبارك للولايات المتحدة.
وعلي الرغم من أن هذه الحملات كانت تنتهي دائما إلي فشل ذريع في ضوء تصدي الإعلام المصري لها, وفي ظل التقليد الذي استنه الرئيس مبارك, وهو عقد لقاءات مكثفة مع ممثلي المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي يزورها من أجل التحاور والنقاش, حيث أسفرت هذه اللقاءات غالبا عن تفهم ممثلي الجماعات والتنظيمات اليهودية لحقيقة الموقف, ومن ثم فقد كانوا يتراجعون عما اتخذوه من مواقف عدائية بتأثير الدعاية المغرضة التي تقوم بها جماعات اليمين الصهيوني. كما حرص الرئيس مبارك أيضا علي استمرار التواصل مع هذه القيادات من خلال دعوتها إلي مصر وتوسيع دائرة الحوار والنقاش معهاـ وبرغم كل ذلك لم تتوقف حملات اليمين الصهيوني علي مصر والعرب, وهي حملات مغرضة لا تريد التهدئة وترفض السلام القائم علي العدل, ومن ثم فمصلحتها تتحقق في استمرار التوتر والصراع, الذين يمثلان المناخ النموذجي الذي تعمل فيه هذه الجماعات وتبث فيه أكاذيبها.
وتحرص هذه الجماعات الصهيونية المتطرفة علي ترديد اتهامات لوسائل الإعلام, خاصة الصحف المصرية, تزعم فيها أنها معادية للسامية, وتزخر بالمواد التي تحض علي كراهية
اليهود. وهي اتهامات تتسم بالسخف الشديد, ولا تعدو أن تكون محاولة ابتزاز مكشوفة. فمن ناحية أولي, فقد سبق لنا وأكدنا مرارا ما قاله الرئيس مبارك من أننا كعرب جزء من العرق السامي, ومن ثم فلا يمكن أن نكون معادين لأنفسنا, لأن السامية ليست حكرا علي فئة من فئاتها دون غيرها, وقد تصلح هذه التهمة في حال توجيهها إلي فئات لا تتبع العرق السامي, لكنها لا تجوز معنا كمصريين وكعرب.
ومن ناحية ثانية, فجوهر الاتهام الذي يوجه لنا علي هذا الأساس هو العنصرية, وهناك تعريفات محددة للأفعال والأقوال العنصرية, والتي تتمثل أساسا في تأكيد سمات عرقية ثابتة وغير قابلة للتغير توجه إلي عرق معين مثل: الكذب, الشر, السرقة, العجرفة, الجبن. وإذا أخذنا بهذا التعريف للعنصرية فسوف نجد الاتهامات التي توجه لوسائل الإعلام المصرية بمعاداة السامية أو العنصرية لا أساس لها من الصحة, لأن أغلب ما ينشر ويذاع في الصحف ووسائل الإعلام المصرية وجهات نظر نقدية تجاه سياسة إسرائيل العدوانية ضد أبناء الشعب الفلسطيني, وإبداء الاستياء من أعمال القتل والإرهاب التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي. في حين أننا لو أخذنا بهذا التعريف للعنصرية فإننا نجد علي الجانب الآخر عشرات المقولات التي تفوه بها قادة سياسيون ودينيون في إسرائيل تجاه العرب, مسلمين ومسيحيين, وتمثل في جوهرها عملا من أعمال العنصرية.
وفي تقديري أن الأمر بات مثيرا للاستياء, وفي حاجة إلي وقفة شديدة بعد أن كثرت الأصوات التي تردد المقولات الصهيونية بوجود موجة معادية للسامية في الصحافة المصرية, وهو الأمر الذي أشرت إليه في ختام مقال لي عن رحلة الرئيس مبارك الأخيرة للولايات المتحدة, حيث دعوت الإدارة الأمريكية إلي الكف عن ترديد الشكوي الصهيونية من الصحافة المصرية, وإلي التوقف عن مطالبة الحكومة المصرية بالحد من حرية الصحافة, إذ لا يليق أن تأتي دعوة تقييد حرية الصحافة من دولة يفترض فيها أنها قلعة الديمقراطية والحرية في العالم.
ومن الأمثلة الحديثة للحملة الصهيونية, التي تستهدف حرية الصحافة المصرية, تلك القضية التي أقامتها جمعية يهودية فرنسية علي صحيفة الأهرام أمام محكمة باريس, بسبب مقال للكاتب عادل حمودة بعنوان فطيرة يهودية من دم العرب, والمقال في أغلبه منقول من كتاب وضعه مؤلف فرنسي سرد فيه تفاصيل لأحداث تاريخية وقعت في الشام عام1840, ومسجلة في المحكمة الشرعية بحلب وحماه ودمشق, وقد نسخ وقائعها من سجلات المحكمة الشرعية المستشرق الفرنسي شارل لوران, وأصدرها في كتاب بعنوان في حادث قتل الأب توما وخادمه إبراهيم عمارة, وترجم الكتاب إلي العربية الدكتور يوسف نصرالله ونشره في القاهرة عام1898, ويحكي قصة تقدم القنصل الفرنسي في دمشق بشكوي إلي ديوان الوالي عن اختفاء الأب توما المسيحي الديانة عقب دخوله حارة اليهود.. ووقائع التحقيق الذي تضمن شهادة شاهدين يونانيين قالا إنهما رأيا الحاخامات اليهود يقتلون الأب توما, ويستصفون دمه لاستخدامه في صنع فطيرة عيد الفصح. وعلي الرغم من أن المقال في نهاية المطاف يدخل في إطار نقد سياسة الحكومة الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني, فإن الجمعية اليهودية الفرنسية لجأت إلي القضاء الفرنسي ضد الأهرام معتبرة أن ما ورد بالمقال يدخل ضمن' أعمال معاداة السامية', وهو أمر لا يعدو أن يكون نوعا من الإرهاب الفكري, ومحاولة لتقييد حرية الصحافة المصرية والعربية, لاسيما أن ما ورد في المقال ـ محل الشكوي ـ لا يقارن إطلاقا بعشرات المقالات والتصريحات التي ترد علي لسان مسئولين إسرائيليين تسب العرب ليل نهار, وتصفهم بأوصاف عنصرية مزرية.
وأحسب أن الأمر لم يعد يتوقف عند هذا الحد, بل بدأت قطاعات أخري تركب الموجة وتردد المقولات الصهيونية نفسها, فتحت يدي تقرير متداول بين السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية الأجنبية في القاهرة بعنوان شكاوي من اللاسامية: مواد من الصحافة المصرية, وينقسم التقرير إلي جزءين: الأول يرصد ما يراه من مواد لاسامية من الصحافة التي يصفها بأنها موالية للحكومة والثاني من صحف المعارضة. وفي تقديري أن هذا التقسيم ينطوي في ذاته علي رؤية غير سوية, فهم يرون الصحافة
المصرية المسماة بالقومية موالية للحكومة وهو توصيف يوافق' الهوي الصهيوني' حتي يمكن إسناد مسئولية أي مواد نقدية إلي الحكومة, بإلاضافة إلي التشكيك في حرية الصحافة المصرية, وهو أمر لا يمكن أن نقبله.
ويكشف تصفح التقرير المتداول بين رؤساء البعثات الدبلوماسية الأجنبية في القاهرة أن الغالبية الساحقة من المواد الواردة فيه, ويجري التعامل معها باعتبارها مؤشرات علي معاداة السامية, لا تعدو أن تكون وجهات نظر شخصية للكتاب تجاه السياسة الإسرائيلية, وتجاه جرائم الحرب التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق أبناء الشعب الفلسطيني. ومن بين الأمثلة الواردة في التقرير مقال ذكر مؤلفه أن إسرائيل ترتكب جرائم حرب ضد أطفال المدارس في فلسطين, فأين معاداة السامية في ذلك؟!.. ألم ترتكب إسرائيل مجازر ضد تلاميذ المدارس في فلسطين؟ ألم تقصف الدبابات والطائرات الإسرائيلية التلاميذ خلال تلقي دروسهم؟ ألم يشاهد السادة السفراء الذين يتداولون هذا التقرير مشاهد الدماء وهي تغطي مقاعد تلاميذ المدارس الذين قتلوا في أثناء تلقيهم الدروس؟
كذلك فقد تضمن التقرير مقالا أشار كاتبه إلي أن إسرائيل تمارس الإرهاب, والسؤال هنا, وبماذا يمكن وصف سياسة إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني, وما ارتكبته قوات الاحتلال الإسرائيلي في مخيم مدينة جنين وفي البلدة القديمة بنابلس؟!.. فالمؤكد والثابت أن ما ارتكبته قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد أبناء الشعب الفلسطيني لا يوصف إلا بأنه إرهاب دولة احتلال, وجرائم حرب وجرائم بحق الإنسانية, وإلا لماذا وافق مجلس الأمن الدولي علي مشروع قرار أمريكي قدم كحل وسط بتشكيل لجنة تقصي حقائق دولية بشأن ما جري في جنين ونابلس؟, ولماذا لم توافق إسرائيل علي استقبال اللجنة بعد أن تمت الاستجابة لجميع طلباتها بخصوص عضوية اللجنة وصلاحياتها؟ كذلك فإنني أدعو السادة السفراء الذين يتداولون التقرير فيما بينهم, إلي أن يعودوا إلي ميثاق المحكمة الدولية الدائمة ويقرأوا البند الخاص بالمستعمرات والمستعمرين والذي يقول: إن قيام دولة الاحتلال بنقل جزء من سكانها إلي أراضي الإقليم الواقع تحت الاحتلال يعد جريمة حرب, وإن المستعمرين الإسرائيليين الذين يقيمون في الإقليم الواقع تحت الاحتلال يعتبرون مجرمي حرب يتضمن التقرير أيضا مقالا أشار كاتبه إلي أن' العصابات الصهيونية' قد مارست الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني قبل قيام إسرائيل, وردي ببساطة هنا هو: وهل هذا القول يعد معاداة للسامية؟ ألم يحدث ذلك بالفعل؟ إنها حقائق مسجلة, وقد تفاخر بها قادة العصابات الصهيونية بعد ذلك في مذكراتهم الشخصية, إننا ننصح هنا بقراءة مذكرات قادة العصابات الصهيونية, الذين أصبحوا فيما بعد قادة الدولة, من أمثال: بيجن وديان وشارون, لنري كم الفخار الذي يشعر به هؤلاء القادة بكل ما ارتكبوه من مذابح بحق الشعب الفلسطيني. وأدعوهم أيضا إلي قراءة أعمال المؤرخين الجدد في إسرائيل من أمثال: إيلان بابيه وبني موريس وغيرهما كي يقتنعوا بأن الإرهاب كان جزءا رئيسيا من فكر وحركة العصابات الصهيونية في ذلك الوقت.
كذلك يسجل التقرير مقالا وصف شارون بمجرم الحرب والإرهابي, وأنه لا يقل إجراما عن بن لادن, باعتباره عملا معاديا للسامية, وهذا أمر مثير للحيرة فعلا, ونحن ندعو واضعي ومتداولي التقرير إلي أن يتابعوا القضايا المرفوعة ويقرأوا تصريح شارون بعد مذبحة غزة الأخيرة, فالرجل تفاخر بالمذبحة, وأعرب عن شعوره بالارتياح, واصفا عملية القتل الجماعي للمدنيين الأبرياء, ومنهم الطفلة التي لم يتجاوز عمرها الشهرين, بأنها إحدي أنجح العمليات التي قامت بها إسرائيل وتعهد بمواصلة الدرب وتنفيذ المزيد منها, هذا بينما وصفت السيدة ماري روبنسون مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان السياسة الإسرائيلية بأنها تقف ضد مبادئ دولة ديمقراطية وضد القانون الدولي.
ومن بين المقالات التي يرصدها التقرير, مقال يري كاتبه أن إسرائيل تسعي إلي إبادة الشعب الفلسطيني, فأين معاداة السامية في هذا الرأي؟ إن تنظيمات إسرائيلية عديدة تنهض علي فكرة طرد الشعب الفلسطيني وإبادته, فحركة كاخ التي أسسها الحاخام مائير كاهانا ودخلت الكنيست- البرلمان- كانت تنهض علي فكرة طرد العرب الذين وصفهم كاهانا, في كتاب له بعنوان شوكة في عيونكم بالسرطان الذي يسري في جسد الدولة اليهودية والذي ينبغي استئصاله قبل أن يستشري في جسد الدولة. أيضا برنامج حزب' موليديت' الذي كان يتزعمه وزير السياحة الإسرائيلي السابق رحبعام زئيفي كان يقوم علي نقطة واحدة فقط هي طرد العرب خارج أرض إسرائيل, والرجل حصل, بموجب هذا البرنامج, علي عضوية الكنيست, وشارك في حكومة شارون الحالية, وأطلق تهديداته الشهيرة بقصف السد العالي, قبل أن يجري قتله علي يد شاب فلسطيني ينتمي إلي الجبهة الشعبية.
ونأتي بعد ذلك إلي مجموعة من المقالات يراها التقرير تمثل جوهر معاداة السامية, وهي مقالات تدور حول وصف سياسات إسرائيل بالنازية, وتشبيه شارون بهتلر, وأعلم تماما ما يمكن أن تمثله هذه الأوصاف بالنسبة لعقل الأوروبي الواقع تحت أسر تجربة النازية, ولكن ما ينبغي أن يعرفه الجميع هو أننا في مصر والعالم العربي لسنا أسري لهذه التجربة, فالنازية كانت حركة عنصرية وارتكبت مجازر بحق الإنسانية, ومن ثم فهي لا تعني بالنسبة لنا أكثر من أنها حركة عنصرية ارتكبت جرائم بشعة في أوروبا, ومن ثم فمن حق أي كاتب أو صاحب رأي أن يري في سياسات شارون تشابها مع سياسات النازية من حيث المحصلة, حتي ولو ظل الفارق بينهما في كم الضحايا وليس في الكيف, فمن حيث الكيف ليست هناك فوارق كبري بين منطلقات النازية ومنطلقات الجماعات الصهيونية المتطرفة, وهذا ليس رأيا شخصيا أو رأيا مقصورا علي الكتاب العرب, بل سبق وذهب إليه المفكر الإسرائيلي الراحل إسحاق شاحاك في كتابه الأصولية اليهودية, فقد هال الرجل أن يري مقولات عنصرية من جماعات يهودية ضد العرب والفلسطينيين, وتحديدا من أتباع الحاخامين كوك الأب والابن, ومنهم الحاخام شمر ياهو أريلي الذي كتب يقول: إن حرب1967 كانت تحولا ميتافيزيقيا وإن الانتصارات الإسرائيلية حولت الأرض من قوة للشيطان إلي دائرة إلهية. ومن ثم فإن' أي انسحاب من هذه الأرض ستكون له عواقب ميتافيزيقية يمكن أن تؤدي إلي استعادة الشيطان لسلطته علي هذه الأرض'.
وقد بررت الحركة المذابح التي ترتكب ضد أبناء الشعب الفلسطيني علي أساس أن هذه الأعمال تأتي من منطلق' تطهير الأرض من الشيطان ومن الإثم الذي يغضب الله. وعلق إسحاق شاحاك علي فكر الحركة بالقول: إن تغيير كلمة اليهودي إلي الألماني أو الآري وغير اليهودي إلي اليهودي يحول موقف الحركة إلي المذهب الذي جعل أوشفيتس ممكنا في الماضي'. ويضيف' إن أوجه الشبه بين الاتجاه المسياني السياسي اليهودي والنازية الألمانية ساطعة كالشمس, فالأغيار ـ غير اليهود ـ بالنسبة لأصحاب الاتجاه المسياني هم في منزلة اليهود بالنسبة للنازيين'.
ويضع التقرير مقالات رأي عديدة ضمن ما يراه معاداة السامية في الصحافة المصرية ويكفي أن أقول لكم إن ضمن هذه المقالات دعوة بعض الكتاب للحكومة المصرية إلي قطع علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل, وانتقادات موجهة للولايات المتحدة بسبب دعمها لإسرائيل.!!!
وبعد ذلك أضع بين يدي السادة السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية في القاهرة ما يعتبر بحق, وحسب تعريف العنصرية, أقوالا شديدة العنصرية, ولم تتوقف عند حدود كونها أقوالا, بل صحبتها الأفعال العدوانية. ولن اقتبس هنا مقولات وعبارات من كتابات عربية, بل من كتابات إسرائيلية يهودية, كتبها إسرائيليون يهود, ومن منطلق الحرص علي إسرائيل والرغبة في رؤية إسرائيل دولة طبيعية. في هذا السياق يقول إسرائيل شاحاك ونورتون كتسفينسكي في كتاب لهما بعنوان الأصولية اليهودية في إسرائيل والصادر باللغة الإنجليزية, والذي صدرت ترجمة له بالعربية عن دار روز اليوسف, إن الأصولية اليهودية تبيح قتل غير اليهود وتري القتل عملا من أعمال البر والتقوي, وفي هذا السياق, قام الحاخام إسحاق جينسبرج بتبجيل باروخ جولدشتاين- مرتكب مذبحة الحرم الإبراهيمي في فبراير1994 وكتب يقول: إن قتل اليهود لغير اليهود لا يعتبر جريمة تبعا للديانة اليهودية, وإن قتل العرب الأبرياء بغرض الانتقام منهم يعتبر فضيلة يهودية. أما الحاخام شلومو أفنيري فأنه يجيز قتل الأطفال العرب, حيث يقول: إن إلقاء حجر علي سيارة مارة ليهودي من جانب طفل عربي يعتبر في
هذه الحالة عملا من أعمال الاضطهاد لليهود, ويجب أن يقتل هذا الطفل, فقتل الطفل غير اليهودي في هذه الحالة ضروري لإنقاذ حياة يهودي.
وينقل إسرائيل شاحاك عن الحاخام عوفاديا يوسف, الزعيم الروحي للأصولية اليهودية الشرقية, والذي سبق أن دعا حكومة بلاده إلي ضرب العرب بالصواريخ, بعد أن وصفهم بالأفاعي والصراصير, قائلا: إن الله جل جلاله, قد' ندم بعد أن خلق العرب'. ينقل شاحاك عنه القول- في ص54 من الترجمة العربية-' في الأزمنة المسيانية سوف يكون اليهود أكثر قوة من غير اليهود, ويكون لزاما عليهم فتح أرض إسرائيل وطرد غير اليهود وتدمير الكنائس المسيحية الوثنية', مضيفا' إن اليهود حينما يكونون أقوياء بما فيه الكفاية فإنهم ملزمون دينيا بطرد غير اليهود من البلد وتدمير كل الكنائس'.
وينقل شاحاك عن الحاخام شلومو مين هائار قوله ـ في ندوة برعاية وزارتي الشئون الدينية والتعليم عام1992, ونشرت في صحيفة' هآرتس' بتاريخ14 أكتوبر1992 إن العالم الإسلامي بأكمله عبارة عن مستودعات نقود خربة وحقيرة وعاجز عن فعل أي شيء.( ص147).
وذهب كاتب يهودي آخر إلي ما هو أكثر من ذلك عمومية في تأكيد عنصرية رؤية التنظيمات الصهيونية, والأصولية منها تحديدا, فقد أشار سيفي راكلسفكي في كتابه اليمين الديني الجديد في إسرائيل الصادر بالفرنسية والذي صدرت ترجمة له بالعربية عن الهيئة العامة للاستعلامات- إلي القول: إن التنظيمات الأصولية اليهودية تري أن العالم خلق فقط من أجل اليهود ووجود غير اليهود هو أمر ثانوي وفي الكتاب نفسه ينقل راكلسفكي عن الحاخام كوك, الأب الروحي للنزعة المسيانية في الأصولية اليهودية قوله: إن الفرق بين روح اليهود وأرواح غير اليهود علي مختلف المستويات أكبر وأعمق من الفرق بين روح الإنسان وأنفس البهائم. وفي السياق نفسه ينقل إسرائيل شاحاك عن الحاخام حاييم فيتال قوله: إن غير اليهود لديهم أرواح شيطانية, إن أرواح غير اليهود تأتي جميعا من الجانب المؤنث من الدائرة الشيطانية, ولهذا السبب فإن أرواح غير اليهود هي شر وخلقت دون علم إلهي.
ولم يقتصر الأمر علي رجال الدين أو رموز المؤسسة الدينية هناك أو قادة التنظيمات الأصولية, بل أمتد إلي قادة الأحزاب السياسية, وإذا كان معروفا عن قادة أحزاب اليمين واليمين المتطرف أقوالها وأفعالها العنصرية ضد العرب, فإن قادة الأحزاب المسماة يسارية, قد شاركوا في إطلاق أقوال عنصرية بغيضة ضد العرب, وسوف أكتفي هنا بالإشارة إلي تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك التي تضمنت سبا وقذفا ضد العرب والمسلمين عامة, ففي حوار له مع مجلة' ريفيو أوف بوكس' الأمريكية, وسجله صحفي إسرائيلي يهودي هو يهودا ليطاني في صحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ23 مايو2002, فقد قال باراك حرفيا واصفا الفلسطينيين' إنهم نتاج ثقافة لا يسبب فيها قول الكذب أي شعور بعدم الانسجام, إنهم لا يعانون من المشكلة التي يسببها قول الكذب في الثقافة اليهودية المسيحية, ثمة فقط ما يخدم الهدف وما لا يخدمه. إنهم يرون أنفسهم رسل حركة قومية يجوز لهم فعل كل شيء لا يوجد لديهم شيء اسمه الحقيقة'. وأضاف باراك أنه سمع ذات مرة من نائب مدير جهاز الـ إف بي آي: أن ثمة مجتمعات لا ينفع معها جهاز كشف الكذب, لأن قول الكذب لا يثير أي شعور بعدم الانسجام ينكشف في الفحص. ويعلق الكاتب الإسرائيلي يهودا ليطاني نفسه علي أقوال باراك بالقول: إن باراك بتعميماته العنصرية هذه يسير علي درب المحرضين اللاساميين في القرن التاسع عشر, ويحدد استنادا إلي تبريرات يزعم أنها علمية- قصة جهاز كشف الكذب- بأن للفلسطينيين سمات عنصرية ثابتة وغير قابلة للتغير, إنهم نتاج ثقافة الكذب, ولكن لدينا نحن اليهود مشكلة في الكذب لأننا نتاج الثقافة اليهودية المسيحية. ويضيف: إن الربط بين الثقافتين اليهودية والمسيحية ينطوي ليس فقط علي اتهامات ضد عرفات والفلسطينيين, بل ضد كل من لا ينتمي إلي الثقافتين اليهودية والمسيحية, أي المسلمين.
ومرة أخري نقول: إننا في مصر والعالم العربي لا يمكن أن نكون معادين للسامية, لأننا ننتمي إلي العرق السامي, وكل ما يثار حول هذا الموضوع لا يعدو أن يكون عملا مثيرا يستهدف الضغط علي مصر لتغيير سياساتها من ناحية, ولتقييد حرية الصحافة المصرية من ناحية أخري, هذا بينما تكشف قراءة من يكتب في الصحف العبرية, وما ينطق به قادة التنظيمات الأصولية اليهودية, وما يقوله الساسة هناك, عن درجة عالية من العنصرية بحسب التعريف العلمي الدقيق للعنصرية, وما أقوال باراك الأخيرة إلا نموذج لما يصدر من ساسة إسرائيل من مقولات عنصرية جوفاء.