أكد الدكتور عصام العريان العضو البارز في جماعة الإخوان المسلمين في مصر أنه لا يستبعد قيام الجماعة بدراسة ومراجعة شعار "الإسلام هو الحل". ومعروف عن إخوان مصر أنها أكثر الجماعات الدينية في العالم العربي الساعية إلى توظيف الدين في الحياة السياسية والاجتماعية، حيث ترفع هذا الشعار بغية توصيل رسالة إلى الشارع المصري وغير المصري (من خلال تنظيماتها الفرعية في مختلف الدول العربية) مفادها أن الدين الإسلامي قادر على أن يكون مرجعا للحياة العامة بمختلف تفصيلاتها وتعقيداتها، وذلك انطلاقا من القاعدة القائلة بأن الإسلام لديه برنامج عمل للدين والدنيا.
ويقول مراقبون أن الكثير من المصريين لا يحبذون استخدام الشعار لكن جماعة الاخوان مصممة على جعل الشعار عنوانا لحملتها لانتخابات مجلس الشعب التي بدأت في التاسع من نوفمبر الجاري. ويقول العضو القيادي في الاخوان عضو مجلس نقابة الاطباء في مصر علي السيد بطيخ أن شعار "الاسلام هو الحل" ليس شعارا حماسيا... انما هو مرتبط ارتباطا قويا بمشروع واسع للاصلاح في جميع مجالات الحياة. ويقول العريان أن الجماعة سوف تجري بعض الإضافات على الشعار لتوضيحه وسوف يذيل بأربع كلمات هي "تنمية وعدل وشورى ومساواة"، في إشارة إلى أن الشعار يحمل رؤى ومشروع عمل ولم يطرح لمجرد دغدغة العواطف الدينية بغية الحصول على أكبر قدر من الأصوات.
وبالرغم من أن هناك أيضا من رفع شعار الله هو الحل وشعار القرآن هو الحل، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل هذه الشعارات والتوضيحات تكفي لرفع الإبهام عما يسعى إليه الشعار من أسلمة المجتمع في ظل سيطرة التفسير الديني المناهض لأسس ومفاهيم الحياة الحديثة، ويأتي على رأسها مفهوم حقوق الإنسان ومبدأ التعددية السياسية والفكرية؟ وبالتالي، هل تلك الشعارات والتوضيحات قادرة على جعل الدين الإسلامي، كما يفسره الإخوان، قادرا على التعايش مع الديموقراطية؟.
يقول حلمي الجزار المتحدث باسم الجماعة في محافظة الجيزة: شعارنا هذا شعار عام فيه من التفاصيل المتصلة بالعقيدة وفيه من الامور التي تخاطب العقل... هو خليط ما بين الأمرين. ويرجع حازم صلاح أبو اسماعيل عضو مجلس نقابة المحامين ومرشح الاخوان في دائرة الدقي بالجيزة غموض شعار "الاسلام هو الحل" الى منع الاخوان من الحديث عنه وشرحه في وسائل الاعلام المملوكة للدولة واغلاق صحف تتحدث بلسان الجماعة ومنع خطباء ينتمون للجماعة من اعتلاء منابر المساجد. ويقول: أن يقولوا ان الشعار هو شعار عاطفي ويمنعوننا من البيان فهذا الكلام هم يردون به على أنفسهم.
ويرفض الباحث بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية محمد السيد سعيد "منهجية المنع والتقييد"، ويقول: في مراحل الانتقال من الافضل أن نأخذ بمعايير ايجابية بمعنى أن نسلط الضوء على الشعار ونخضعه للمناقشة... لدينا من المنع والزجر والتقييد ما يكفي ولا نريد المزيد.
ورغم أن المنع قد قرب كثير من الناس إلى الشعار بوصفه يعبر عن حالة شعورية دينية مفقودة وأحلام إمبراطورية تاريخية اختفت في لحظات التاريخ ولابد من عودتها. لكن آخرين اعتبروا الشعار ضمن مجموعة الشعارات التي تهدف إلى تضليل الواقع بمشكلاته وحلوله، والعودة بالمجتمع إلى صورة الماضي الاجتماعي والديني، والتسلق على دغدغة العواطف لكسب الأصوات، فابتعدوا عنه.
وحسب الدكتور أحمد الربعي، ليس أسهل من ان يقول لك احدهم "الدواء هو الحل" للأمراض، وهذا صحيح ان الدواء هو حل، ولكن السؤال ان هناك امراضا عديدة تحتاج إلي ادوية مختلفة، ولو "لخبطنا" هذه الأدوية التي هي علاج للناس ووضعناها في غير موضعها لأدي ذلك إلي كارثة.
وعلى أن شعار "الإسلام هو الحل" استند إلى النظرية الدينية التقليدية، حيث تنوع في صوره وشروحاته بمثل تنوع الصور والشروحات ووجهات النظر التفسيرية المنضوية في إطار الخطاب الديني التقليدي الراهن، والتي خرجت من تحت عباءتها عدة رؤى وصفت بعضها بالمتشددة وأخرى بالمعتدلة. إلا أن الشعار في النهاية يعبر عن مسعى فكري يهدف لتفعيل الصورة النمطية التاريخية للدين الإسلامي في واقعنا الاجتماعي، حتى لو تعارضت بل وتعادت تلك الصورة مع صور الحياة الحديثة ومضامينها الإنسانية.
فأولا، ما هو نوع "الحل الإسلامي" الذي يطالب به إخوان مصر؟ هل هو مستند إلى رؤية تفسيرية جديدة للدين تراعي الحياة الجديدة ومقومات الجهد العلمي الحديث في التفسير والتحليل والتي من أبرز أسسها النقد واللاتقديس؟ أم هو حل على شاكلة حلول التفسير الديني المتشدد وتجاربها الدينية في المنطقة بدءا من إيران ومرورا بالسودان وباكستان وانتهاء بطالبان أفغانستان، حيث أثبتت التجارب أن الحلول الدينية جعلت تلك الدول في أسوأ حال تنموي وفي أدنى مراتب السلوك الإنساني.
وثانيا، كيف هو "الحل الإسلامي" في ظل انتشار مفاهيم وقيم الحياة الراهنة، ومن أبرزها احترام حقوق المرأة واحترام التعددية الدينية واحترام اختلاف الثقافات واحترام الكرامة الإنسانية والمساواة؟ فالتجربة تؤكد أن المؤسسات القابعة تحت حكم إخوان مصر بل وجميع التنظيمات الدينية في العالم العربي، هي مؤسسات تعيش في ظل ثقافة تاريخية تمجد التمييز الديني وتحارب المساواة وتنظّر لحقوق الإنسان من منظار ذكوري بل وعنصري أيضا، فهل بهذا النوع من الشعارات يريدون أن يتحكموا بالمجتمعات ويحكموها؟.
إن المسلمين هم أشد الناس تمسكا بدينهم، لكنهم الأسوأ في علاقتهم بعصرهم وزمانهم الذي يعتمد مبـدأ "العلـم هو الحل"، كما يقول المتقاعد سيد القمني