تحت عنوان 'حكومة نظيف تستدين أسبوعياً 1.2 مليار جنيه' خصص الأستاذ/ مصطفى بكرى رئيس تحرير 'الأسبوع' مقاله فى عدد 8 أغسطس 2005، لقضية الدين المحلى وارتفاعه فى السنوات الأخيرة وتسائل أين ذهبت هذه المليارات.
وكان الرد الذى أرسلته الحملة لينشر فى العدد التالى هو
فى البداية يجب أن نذكر أن الاقتراض من المصادر المحلية والأجنبية، كما تعلمون، أحد المصادر الرئيسية التي تعتمد عليها الدول المتقدمة والنامية على حد سواء في تمويل خططها وبرامجها الإنمائية، ويتوقف لجوء الدولة إلى الاقتراض على مجموعة من العوامل فى مقدمتها؛ حجم الموارد الحقيقية للدولة، ومدى قدرة تلك الموارد على الوفاء بمتطلبات مرحلة التنمية التي تمر بها الدولة. ويحدد قدرة الدولة على الاقتراض من المصادر المختلفة قدرتها على الوفاء بأعباء الاستدانة، وأوجه إنفاق القروض التي تم الحصول عليها.
ومع بدء برنامج الإصلاح الاقتصادى توجه المجتمع المصري نحو تقليص الاعتماد على القروض الخارجية، والاستعاضة عنها بالموارد الحقيقية التي يتيحها المجتمع المصرى من المصادر المحلية المختلفة.
ولقد ترتب على هذا التوجه ثباتاً نسبياً في حجم المديونية الخارجية للحكومة في مقابل تزايد في حجم المديوينة الداخلية. وتشير البيانات الرسمية إلى أن مركز الدين المحلي الحكومي قد ارتفع من 147.1 مليار جنيه في عام 1999، إلى نحو 333.3 مليار جنيه في مارس 2005، بزيادة قدرها 186.2 مليار جنيه، وقد وصل إلى 352 مليار جنيه فى يونيو 2005.
تساءلتم فى مقالكم أين صرفت هذه المبالغ، وأين ذهبت هذه المليارات ... ونحن هنا لن نقدم حديثاً مرسلاً، ولكن موثقا بالأرقام الرسمية التى نراها أكثر قدرة على الإيضاح، فالمقابلة بين موارد ونفقات الحكومة خلال الفترة من 1999-2004 تظهر ما يلي:
ـ بلغت جملة الإيرادات العامة التي أتاحها المجتمع من ضرائب عامة، وضرائب مبيعات، وجمارك، وحصيلة الخصخصة، وإيرادات قناة السويس، وإيرادات البترول، والمنح والمعونات التي حصلت عليها الحكومة، والعوائد الأخرى المختلفة نحو 465.0 مليار جنيه.
في المقابـل:
ـ بلغ الإنفاق على الأجور 5.2 مليون موظف بالحكومة 155 مليار جنيه.
ـ التزمت الدولة بمد مظلة التأمينات الاجتماعية ورفع مستوى معيشة أصحاب المعاشات وتحملت في سبيل ذلك نحو 50 مليار جنيه خلال الفترة من 1999-2004.
ـ وصلت الفوائد والأقساط التي دفعتها الحكومة لخدمة المديونية المحلية والخارجية 158 مليار جنيه خلال الفترة من 1999-2004.
ـ أنفقت الدولة على الدعم الموجه لرغيف الخبز والسلع الأساسية والسكة الحديد وهيئات النقل العام وفوائد القروض الميسرة للشباب وغير ذلك من أنواع الدعم المختلفة نحو 50 مليار جنيه خلال نفس الفترة.
ـ المصروفات المرتبطة بالتشغيل وصيانة أصول المجتمع من؛ مدارس، ومستشفيات، وتطهير الترع والمصارف، وصيانة الطرق والكباري، والمحافظة على الأمن واستقراره بلغت 131.5 مليار جنيه خلال نفس الفترة.
ـ نفذت الحكومة خلال تلك الفترة استثمارات تقدر بنحو 100.7 مليار جنيه لبناء المدارس والمستشفيات ومياه الشرب والصرف الصحي وشق وتطهير الترع والمصارف ورصف الطرق.
وبمعادلة حسابية بسيطة نجد أن نتيجة المقابلة كما يلى: 465 مليار إيرادات، في مقابل 645.2مليار جنيه نفقات حتمية، مما يخلف عجزاً فى الموارد قيمته 180 مليار جنيه خلال تلك الفترة، الأمر الذى يعنى أن هذا الفارق سوف يتم تغطيته من خلال الاستدانة من الداخل أو الخارج.
ذلك هو ما أنفقته الدولة من مواردها واستدانت من أجله، ولا نظن إن المدارس القائمة، والمستشفيات، ودعم رغيف الخبز والسلع الأساسية هى أمور ثانوية يمكن أن تتغاضى عنها الدولة، ولا نظن أن البنية الأساسية، وأمن واستقرار الوطن هما من البنود التى يمكن أن نتجادل فى جدواها خشية زيادة عجز الموازنة. إنها التزامات أساسية لا مناص منها، بل إن فى الوقت نفسه المجتمع لا يزال يطالب بزيادة النفقات وقد قامت الحكومة بالموافقة على رفع النفقات فى موازنة 2005/2006، بنحو 3 مليارات جنيه إضافية، بناء على رغبة نواب الشعب. ويكفى القول أن الدعم المقدم لرغيف الخبز والسلع الأساسية والمواد البترولية من بوتاجاز وبنزين وغاز طبيعي وغيرها من أنواع الدعم في موازنة 2005/2006 بلغ 35.4 مليار جنيه.
وعلى الرغم مما تظهره نتيجة المقارنة السابقة فإن التحليل العلمي لتطور المديونية بنحو 145 مليار جنيه خلال الفترة (1999-2004) لا يعني أن تلك المديونية ناتجة عن المقابلة السابقة للفترة من 1999-2004، فالتطور في رصيد الدين لا يقاس سنويا لأنه ينتج عن حركة اقتراض من الأوعية الادخارية وإصدار أذون وسندات على الخزانة العامة للدولة في فترات زمنية مختلفة. وبالتالي فإن 145 مليار جنيه هي مديونية ناتجة عن عمليات الإضافة للدين واستهلاكه خلال فترة معينة. ولا يمكن مقابلتها عام بعام.
وبالتالي فإن الحديث عن اقتراض حكومة د.نظيف، 60 مليار خلال سنة ليس دقيقاً فعلى الرغم من الاعتراف بوجود تلك المديونية إلا أنها محصلة نهائية لحركة الإضافة (نتيجة العجز) والخصم (نتيجة سداد المديونية) على مدار سنوات مختلفة وليست بالضرورة مرتبطة بعام معين أو فترة معينة.
معايير الحكم على الدين في مصر:
ولكن ماذا تعنى كل تلك الأرقام؟ ماذا يعنى أن نقول أن إجمال الدين المحلى الحكومى قد وصل فى 30/6/2005، إلى 352 مليار جنيه، وبإضافة الدين الحكومي الخارجي فإن الدين العام الحكومي المحلي والخارجي يصل إلى 415 مليار جنيه. هل هذا رقم كبير أم صغير؟ وللإجابة عن ذلك هناك ثلاثة معايير للحكم على سلامة الدين:
المعيار الأول: نسبة الدين للناتج:
ـ العبرة ليست بحجم الدين وإنما بالقدرة على خدمته ومن ثم فإن زيادة الدين ليست مشكلة في حد ذاتها طالما أن هناك دخل يغطي هذا الدين.
ـ يؤكد الفكر الاقتصادي على انه كلما تمتع الاقتصاد بمعدلات نمو تفوق معدلات خدمة الدين فلا خوف من تزايد هذا الدين.
ـ أهم مؤشر يمكن الحكم به على سلامة مركز الدين هو نسبته للناتج المحلي.
ـ الدين العام الحكومي للناتج المحلي في مصر تتراوح الآن حول 76%.
ـ والقول بان تلك النسبة هي نسبة مرتفعة احتجاجا بالمعيار الذي وضعه الاتحاد الأوروبي للدين العام كنسبة من الناتج وهو 60% هو قول مردود عليه، فالنسبة تختلف من دولة إلى أخرى حسب طبيعة مرحلة التنمية التي يمر بها المجتمع.
ـ الاقتصاد المصري، وأي اقتصاد نامي، ينمو بمعدلات تفوق في المتوسط معدلات النمو في الاتحاد الأوروبي، وذلك أمر طبيعي. الأمر الذي يعني أن الدول التي تمتلك طاقات اكبر للنمو يمكن ان تزيد فيها نسبة الدين للناتج عن 60%.
المعيار الثاني: المقارنة مع الدول الأخرى ذات الظروف المشابهة:
ـ نسبة الدين الحكومى للناتج تصل إلى 164% في الفلبين، وإلى 99% في المغرب، والى 86% في الأردن في مقابل 76% في مصر.
المعيار الثالث: المقارنة مع الماضى:
ـ بمقارنة نسبة الدين للناتج في مصر في فترة تاريخية نجد انه في بداية عهد مبارك كانت النسبة 164% في مقابل 76% الآن.
ولا يعني كل ما سبق، عدم الاعتراف بحاجة المجتمع المصري بل وحقه في المزيد من الإنفاق لاستكمال منظومة التحديث التي بدأها المجتمع. من اجل ذلك، وفي ضوء تزايد عجز الموازنة في السنوات الأخيرة وما استتبعه ذلك من تزايد في الدين المحلي، ارتأت حكومة الحزب الوطني مواجهة ذلك التحدي بفكر جديد يستهدف إحداث نقلة نوعية في الفكر الضريبي إيمانا منها بان الاستثمار المحفز للنمو والتشغيل وهو الضامن الحقيقي لوجود حصيلة مالية متنامية ومستدامة لخزانة الدولة على نحو يقلل اللجوء إلى الاقتراض وزيادة الدين العام.
من اجل ذلك تبنت حكومة الحزب الوطني منظومة إصلاح ضريبي شامل تمثلت أهم ملامحها في:
ـ هيكل جديد للتعريفة الجمركية يتضمن تغيير شامل في فلسفتها وأهدافها.
ـ إصلاح جذري لمنظومة الضرائب على الدخل من خلال القانون الجديد للضرائب على الدخل الذي اختتمت به الدورة البرلمانية الأخيرة.
ـ إلغاء الضريبة على المبيعات من السلع الرأسمالية.
هذه المنظومة الإصلاحية سوف تؤتى ثمارها فى المستقبل القريب وينتظر أن تحقق نقلة في الحصيلة المالية لخزانة الدولة على نحو يقلل من حجم الاقتراض ويمكن الحكومة من استكمال منظومة التحديث في المجتمع المصري.
ملحوظة:
بلغ إجمالى الدين العام المستحق على الحكومة بإضافة ديون الهيئات الاقتصادية والخدمية فى 30/6/2005، نحو 674 مليار جنيه. وجدير بالذكر إن خدمة دين الهيئات الاقتصادية لا تحمل على الموازنة العامة للدولة إلا فى حدود الدعم أو المساهمة التى تقدم من الموازنة لعدد من تلك الهيئات. ولأن هذا الدين تقابله أصولاً منتجة وعوائد للنشاط الاقتصادى لتلك الهيئات فلا يؤخذ فى الاعتبار حيث أنه لا يؤثر على تدفقات الموازنة |