تعتبر مسألة تعدد القضاة مع أشتراكهم في الحكم الواحد من المسائل الخلافية في الفقة الاسلامي .
فالماكية لايجيزون ذلك وفي هذا يقول ابن رشد (( شروط القضاء عند مالك أن يكون واحدا ))
وكذلك عند الشافعية ، فقد جاء في تبصرة الحكم لابن فرحون نقلا عن الجواهر (( لا يصح عقد الولاية لحاكمين معا على أن يجتمعا ويتفقا على الحكم في كل قضية ، فان شرط ذلك لم تصح ولايته ))
وأصحاب هذا الرأي يستدلون عليه بفعل النبي صلى الله عليه وسلم اذ أنه لم يعين قاضيين للاشتراك في الحكم في بلد واحد ومكان واحد .
كما يستدلون على ذلك أيضا بأن في تعيين أكثر من قاضي تعطيلا لمصالح ا لمسلمين ، لما يترتب عليه من تعطيل للفصل في القضايا ، فوجود أكثر من قاض للفصل في الدعوى ، غالبا ما يكون مثارا لا ختلاف اجتهاد كل منهم ، واذا وقع هذا الخلاف تعذر اجراء المفاضلة بين هذه الاجتهادات ، اعمالا للقاعدة الشرعية التي ( تقرر أن الاجتهاد لا ينقصه اجتهاد آخر ولا يعلو عليه ) .
وأخيرا فان القضاء هو ( أخبار بحكم الشرع في النزاع على سبل الالزام ، وحكم الشرع هو حكم الله ، وحكم الله واحد لا يتعدد ومن ثم لايجوز تعدد القضاة .
ويذهب رأي آخر الى جواز تولية أكثر من قاض واشتراكهم في الحكم تأسيا على أن القضاء نوع من نوع من الوكالة ، وكما للموكل أن يوكل أكثر من وكيلين ، ويشترط اشتراكهما أو اشتراكهم فيما وكلوا في القيام به ، و كذلك أيضا للخليفة أو ولى الأمر أن ينيب عنه أكثر من قاض ويشترط اشتراكهم في الحكم وألا ينفرد أحدهم به .
وقد قال بهذا الرأي فقهاء الحنفية والحنابلة وبعض الشافعية .
وواضح مما سبق أن نظام تعدد القضاة له ما يسانده من آراء في الفقه الاسلامي ، وفضلا عن ذلك فان الاعتبارات والاسانيد التي يقوم عليها الرأي الذي لايجيزه لم تعد قائمة الآن .
وأول هذه الأسانيد تلك الحجة على أن الاجتهاد لا يبطله اجتهاد آخر ولا يعلو عليه ، وأن القاضي يقضي باجتهاد ، فاذا اجتمع أكثر من قاض وتباين اجتهادهم أو اجتهاديهما استحال حسم الخصومات وتعطلت مصالح الناس ، وهذا الاعتراض لم يعد قائما الآن بذات الدلرجة التي كان قائما بها في الماضي وعند ادلاء الفقهاء المعارضين لآرائهم . اذ يصعب القول بتوفير شروط الاجتهاد فيمن يتولى القضاء بمفهوم الاجتهاد كما حدده فقهاء الشريعة . فضلا عن أن مجال الاجتهاد قد أصبح محدودا نتيجة حركة التقنين التي عمت الكثير من البلاد الاسلامية وتناولت أحكام الشريعة ذاتها في مجلة الاحكام العدلية وغيرها . وما لم يشمله التقنين من مسائل اما أن تكون قد تناولته المصنفات الفقهية العديدة والمنتشرة في جميع انحاء الامة الاسلامية بفضل تقدم وسائل النشر ، واما أن يكون موضوعا لسوابق قضائية أرست فيها المحاكم مبادئ مقررة ، وتكون ميمكن تسميته بالعرف القضائي . وبذلك أصبحت مصادر الأحكام واضحة ومحددة ، وما على القاض الا أن يتصفح مراجع من نصوص مقننه أو مجموعات الأحكام أو كتب الفقه حتى يصل الى القاعدة التى تحكم النزاع المعروض عليه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقال منقول : للمحامى السعودى / زكى راوة .
هل من تعليق ؟؟