من هو شخصية هذه الندوة؟ و ما هو دوره في مجال القانون؟
أعدها: هاني الحسياني
الدكتور فهد الدغيثر, من قبيلة بني حنيفة, ولد عام 1363هـ في مدينة الرياض في حي المريقب و هو أحد الأحياء التي ضاعت في زحمة الأحياء القديمة, و ما استجد علها من طرق كبيرة تخترق هذه الأحياء, و لكن ذلك الحي وقتها, كان أحد أرقى الأحياء في الرياض. فقد كانت تسكنه نخب أسر الرياض. ومنها أسرة الدغيثر. حيث كان والده معالي الشيخ/ محمد بن عبد العزيز الدغيثر, رحمه الله, من الشخصيات الوجيهة في مدينة الرياض, وكان حينها يحتل منصب مدير الاتصالات في عهد الملك عبدالعزيز, والذي ترقى في المناصب حتى صار رئيساً للديوان الملكي.
و رغم ولادة شخصية هذه الندوة في أسرة غنية مرموقة تجعل من الإنسان ميالاً إلى الدعة, ساعياً إلى اللهو, بعيداً عن الجد في طلب العلم, إلا أنه كان على خلاف المعتاد, فجاء شخصاً جاداً ساعياً لطلب العلم وبذل الجهد في ذلك, و لم يكن ثراءُ أسرته إلا دافعاً له للتفرغ لعلمه.
درس شخصيتنا مراحله الابتدائية, و المتوسطة, و الثانوية, في معهد الأنجال( أو ما يعرف الآن بمعهد العاصمة النموذجي), و كان حينها أحد أبرز طلاب ذلك المعهد حتى إنه أوكلت إليه مهمة عمل مقابلة صحفية مع الدكتور(جيو نيل) عام 1379هـ و الذي كان حينها رئيساً للمكتب الدولي للثقافة وقام بزيارة للمعهد, و ذلك لنشرها في مجلة الناصرية التي كان يصدرها معهد الأنجال.
بعد إنهاء دراسته الثانوية سافر الطالب فهد إلى لبنان ليدرس الحقوق في جامعة بيروت أو لبنان العربية, و كانت لبنان في سنوات الثمانينات الهجرية أو الستينات الميلادية مسرحاً لتيارات فكرية مختلفة, كان أبرزها التيار القومي العربي, و الذي أثر في شخصية الطالب فهد و جعله يعجب بأفكاره ومبادئه, و لعل سبب ذلك التأثير كان شعور كثير من الطلاب العرب في ذلك الوقت -و مازال- أن الأمة العربية لن يكتب لها النهوض حتى تكون جسداً واحداً. و كان لتلك الفترة أثرها في اختياره لاسم ابنه البكر يعرب واسم ابنه الثاني قحطان.
الراحل في الثلاثين من عمره |
عاد شخصيتنا من بيروت بعد حصوله على شهادة البكالوريوس حاملاً معه هماً بوجوب بذل الجهد لتطوير الفكر القانوني في وطنه الصغير. فعمل مستشاراً قانونياً في وزارة العمل لمدة ثلاث سنوات, ثم قرر أن الوقت حان لإكمال الدارسات العليا, فشد رحاله إلى فرنسا حيث درس الماجستير في كلية الحقوق والاقتصاد جامعة (بزنسون). و في فرنسا أيضاً قدم رسالته للدكتوراه في كلية الحقوق والاقتصاد والعلوم الاجتماعية بجامعة باريس الثانية و التي كان موضوعها: (النظام الدستوري العربي السعودي). حيث حاز درجة دكتوراه الدولة بتقدير امتياز وهي من أعلى الدرجات الأكاديمية في مجال القانون حينها, مع توصية لجنة المناقشة بطباعة رسالته على نفقة الحكومة الفرنسية.
كان ذلك العام هو عام 1407هـ, عندما جاء الدكتور الدغيثر رحمه الله ليعمل أستاذاً في قسم القانون, ثم في عام 1409هـ أصبح مشرفاً على قسم القانون, و لم يأت عام 1415هـ حتى أصبح رئيساً لقسم القانون و ظل في ذلك مدة ثلاث سنوات قبل أن تسوء ظروفه الصحية, و خلال تلك الفترة كان الدكتور الدغيثر مستمراً في تقديم الإنتاج العلمي في مجاله دون كلل أو ملل, فنشر أحد أهم أعماله و هو كتاب رقابة القضاء على القرارات الإدارية (ولاية الإلغاء أمام ديوان المظالم), و الذي سيحدثنا عنه الدكتور الدين الجيلالي بو زيد.
و نشر بحثاً آخرَ بعنوان: المطالبة القضائية أمام ديوان المظالم (دراسة مقارنة), و هو بحث قيم في مجال المرافعات أمام الديوان, و سيحدثنا عنه الدكتور فهد الضويان.
و نشر بحوثاً أخرى هي: وقف تنفيذ القرارات الإدارية أمام ديوان المظالم 'دراسة مقارنة'.
وكذلك مفهوم المنازعة الإدارية المستعجلة أمام ديوان المظالم 'دراسة مقارنة'.
و له بحثان قدمهما إلى المجلس العلمي بالجامعة لنيل درجة الأستاذية وهما: (الولاية الإدارية لديوان المظالم), و (مبدأ المشروعية في القانون العام السعودي. 'دراسة مقارنة').
إضافة إلى مساهمات كثيرة قام بها خلال حياته العلمية و العملية في العديد من اللجان داخل الجامعة و خارجها.
كان الدكتور الدغيثر رحمه الله رجلاً نبيلاً كريماً مع الجميع, و من ذلك كان كتابه المقرر على الطلاب (رقابة القضاء الإداري) و الذي تتجاوز صفحاته الأربعمئة صفحة يباع بسعر زهيد (لا يتجاوز خمسة ريالات) رغبة منه في التيسير على الطلاب, و رغم ذلك فإن هذا المبلغ يذهب تبرعاً لجمعية البر الخيرية. و ذلك شأنه في جميع بحوثه المنشورة, فلم يكن ينتظر مردوداً مادياً من ورائها, بل كان يهديها جميعاً إلى زملائه أو من يلتمس فيهم الجد من طلابه. وحدثني أحد موظفي قسم القانون أنه كان يطلب من السكرتير هواتف الطلاب المبتعثين خارج المملكة, و يتصل بهم ليطمئن على أحوالهم, فمن وجده منهم محتاجاً إلى أي مساعدة مادية, بادر بتقديمها له. و يذكر د. أحمد السعيدان أن الراحل و هو تقدما لطلب بعثة إلى فرنسا فاكتشفها انه لا توجد إمكانية سوى لطالب واحد فما كان من الدغيثر إلا أن تركها لأحمد السعيدان مؤثراً صديقه على نفسه.
أحب الدكتور فهد الدغيثر التدريس الجامعي, و في سبيلها ضحى بوظيفة مرموقة كانت عرضت عليه في وقت سابق. في العام الماضي كان أكمل الستين من عمره, فلم يطب خاطره بترك المهنة التي أحبها فطلب أن يمدد له, خمس سنوات لم يكن يعلم مقدار عمره منها, فكان أن قُبل طلبه و لكن القدر كان حائلاً دون أن يكمل سنته الأولى منها.
يوم الجمعة في الثامن من شهر رجب المعظم ترجل الفارس من فوق صهوة جواده, لا راضياً, ولكنه كان حكم القدر الذي ليس له عنه مناص:
كَأَنَّ المَوتَ لَم يَفجَع بِنَفسٍ وَلَم يَخطُر لِمَخلوقٍ بِبالِ
|