استقلال المحاماة
" لو لم أكن ملكاً لفرنسا لوددت أن أكون محامياً "
لويس الثاني عشر
source: www.arablaw.org
مقدمة _ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_ـ_
ترتبط المحاماة بالحياة القانونية ،كما تعيش في المحاكم وفي المجتمع ويقع على المحامي واجب خماسي الأبعاد: واجبه نحو موكله، وواجبه نحو خصمه، وواجبه نحو المحكمة ، وواجبه تجاه نفسه ، وواجبه تجاه النظام القانوني في الدولة .
ولكن الواجب الأعلى والأسمى الذي يقع على المحامي هو واجبه وولاؤه للعدل وأداء العدل .انه من الخطأ أن نعتبر المحامي لسان موكله ،والناطق باسمه فقط يقول ما يريد موكله، وانه أداته لما يرشده إليه، إن المحامي ليس كذلك وإنما هو مدين بالولاء والإخلاص للقضية الأهم وهي قضية العدالة .
والمحاماة وهي من الحماية، تشكل الدعامة الأساسية لتحقيق العدل ، فهي مهنة مستقلة تشكل مع القضاء سلطة العدل ، فلا تنعقد المحكمة تحت طائلة البطلان إلا بوجود محام ، وهي تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدل وتأكيد سيادة القانون .
والإنسان في صراعه من أجل الحياة وبنضاله المستمر في درء الأخطار عن حياته وماله وحريته وكرامته وعرضه بحاجة إلى حماية ، والمحاماة وجدت لحماية أغلى ما لدى الإنسان: حياته وماله وحريته وكرامته وعرضه ، وحماية حقوق الأفراد وحقوق الأمة، والحياة لا تستقيم بدون حماية ، ودون حماية المحاماة .
والناس ــ أكثر من أي وقت مضى ــ يتطلعون إلى القانون لحماية وتعزيز الحقوق الفردية والجماعية وحل مشكلات الأفراد والجماعات ، والحكومات أكثر من أي وقت مضى تعتمد بصورة متزايدة على القانون في تنظيم المصالح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولأنه بتعاظم دور القانون يجب أن يزداد ويتعاظم دور المحامين ودور نقابة المحامين ويجب أن يكون المحامون قادرين على إيصال العدالة للجميع عن طريق السعي لتحسين النظم القانونية وتحسين المهارات المهنية التي تمكن المحامي من تقريب العدالة للناس وعرض قضاياهم على القضاء وتعزيز فهم الجمهور لدور القانون في المجتمع .
والفهم السليم للمحاماة يضعها في مكانها كجزء لا يتجزأ من سلطة العدل بإدراك الترابط العضوي بينها وبين القضاء وبإدراك أن المحامي أصبح جزءاً لا يتجزأ من المحكمة .
أ. فالمحكمة لا تنعقد أساساً إلا بوجود المحامي (المادة63/1 من قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني ).
ب. ومهمة المحامي التعامل مع القاعدة القانونية كيف تفسر وكيف تطبق وتلك هي أيضاً مهمة القاضي .
ج. والقرار القضائي السليم هو الذي يوصل إليه بعد حوار أفكار بين طرفين مهمتهما إجادة الحوار .
د. والقاضي يعطي حكمه ويعتمد في قراره على حقائق القضية التي قدمها المحامون الذين حضروا أمامه والذين قدموا الأدلة والمراجع ذات الصلة بالقضية .
وسنبرز ماهية ومشتملات مبدأ استقلال المحاماة تحت العناوين التالية :
* مفهوم استــقلال المحامــاة .
* مقتضيات استقلال مهنة المحاماة .
* مظاهر استـقلال مهنة المحاماة .
* معـيقات استقلال مهنة المحاماة .
وسنتناول كلاً من هذه الموضوعات من حيث المضمون النظري ونركز على استظهار التطبيقات من خلال نصوص القانون المنظم للمحاماة في الأردن { قانون نقابة المحامين الأردنيين والنظام الداخلي للنقابة } مشيرين إلى موقف القوانين العربية الأخرى والإعلانات الدولية ذات العلاقة ، وفقاً لمقتضيات العرض وكلما كان ذلك متاحاً .
1. مفهوم استقلال المحاماة .
المحاماة من الحماية ، وهي رسالة نصرة الحق والدفاع عن المظلوم واستقصاء العدل، والمحامون ( شركاء للقضاة اتخذوا مهنة لهم تقديم المشاركة القضائية والقانونية لمن يطلبها) ، وإذا كان البعض يذهب إلى اعتبار المحاماة فناً رفيعاً لازماً لتحقيق العدالة ، وهي كذلك ، إلا أن دور المحامي وطبيعة مهامه وعلاقته بموكله والقضاء والآخرين أوجد التحديد المتفق علية من أن((المحاماة مهنة حرة مستقلة تشارك السلطة القضائية تحقيق العدالةــ التي هي جوهر القانون ومرتكزه )) ولا تناقض بين مفهوم المحاماة كمهنة مستقلة ومفهومها كرسالة وفن رفيع ، لأن نشوء المحاماة بعيداً عن سلطات الدولة ودونما خضوع لما تخضع له هذه السلطات، وانطلاقها من واجب الدفاع وتقديم المساعد القانونية والقضائية ، وتطلبها المعرفة والعلم والتأهيل الجيد، حدد مفهومها كمهنة حرة مستقلة،وحدد غرضها ودورها كأداة للدفاع عن المحتاج، وحدد مكانتها كفنٍ رفيع جعلها بحق رسالة نصرة الحق وتحقيق العدالة .
ومفهوم المحاماة بالمعنى المتقدم جعل استقلالية المحاماة أهم مقومات وجودها وفعاليتها في أداء دورها ، وإذا كان استقلال مهنة المحاماة جزءاً من استقلال القضاء وكلاهما (استقلالية القضاء والمحاماة) جزءان لا يتجزءان لازمان لإقامة العدل، فإن لاستقلالية المحاماة، معنى ومفهوماً يختلف عن مفهوم ونطاق استقلال القضاء ، ومرد ذلك إلى أن المحاماة ليست سلطة كسلطة القضاء أو سلطة كبقية سلطات الدولة ( التنفيذية والتشريعية ) ، فالمحاماة منذ نشأتها هي مهنة معاونة القضاء تكمل وتشاطر القضاء مهمة إقامة العدل ، ومن هنا اعتبر استقلال المحاماة جزءاً من استقلال القضاء ، ومن هنا أيضاً أعتبر أن وجود النظام القانوني العادل والناجع لإقامة العدالة والحماية الفاعلة لحقوق الإنسان وحرياته يتوقفان على استقلال القضاة واستقلال المحامين ،وهذا المفهوم جرى تكريسه وتحديد مظاهره وعناصره في تشريعات المحاماة العربية بوجه عام .
ويقصد باستقلال المحاماة بوجه عام قيام المحامين بأداء دورهم متحررين من كل تأثير أو ضغط من أي جهة كانت ، وأن تكون كل السبل ميسرة أمام الجمهور للاستعانة بالخدمة التي يقدمها المحامون .
فالمحامي في أدائه لمهمته وواجبه لا يخضع لغير ضميره الحر المستقل ، واستقلالية المحاماة باعتبارها مستمدة من طبيعة وظيفته الاجتماعية كمشارك للقضاء في إقامة العدل تعني حرية ممارسته لمهنته واستقلاليته في آلية الدفاع عن موكله ، ولعل هذا المفهوم لاستقلالية المحاماة هو الذي دفع للقول بأن ( المحاماة دعامة العدل باعتبار أن العدل أساس الملك ولا عدل بغير قضاء ولا قضاء بغير محاماة ) .
واستقلالية المحامي بالمقابل ليست امتيازاً له يتيح تبرير الخروج على القانون أو التعدي على القضاء حتى في إطار خدمته لمصالح موكله ، فالاستقلالية أداة حماية استوجبها طبيعة الترابط العضوي بين مهمة القاضي والمحامي في إقامة العدل وتنطلق من واجب مقدس أوجبه حق الدفاع المقدس ، ودور المحامي في إطار ذلك هو دور نزيه ملتزم بالقانون متفق مع واجبه في حماية حقوق الناس والدفاع عن الصواب وإقامة العدل وتحقيق المحاكمة العادلة . لهذا فإن محاولة البعض إصباغ صفة الفن بالمعنى المجرد على المحاماة لتبرير استقلال المحامي في خدمة مصالح موكله بعيداً عن املاءات القانون والضمير والعدالة لا يتفق ومفهوم الاستقلالية الذي أوجده نضال المدافعين الحقيقيين عن الحرية والحق في العدالة . وإذا كان مفهوماً أن استقلال المحامي ليس كمثل استقلال القاضي لوجود التزام قانوني بين المحامي وموكله في الدفاع عن مصالح الأخير ، فإن ذلك لا يغير من وجوب أن يكون بذل المحامي أقصى جهده في الدفاع عن موكله وضمان مصالحه المشروعة وحقوقه القانونية أو وضعه في مركز أفضل مما هو فيه ، إنما يجب أن يتم ضمن إطار القانون وآداب مهنة المحاماة وآداب الترافع وقواعد السلوك القويم في العلاقة مع الموكل والقضاء والغير ، وإدراك الترابط العضوي بين القضاء والمحاماة في أداء العدل .
واستقلال مهنة المحاماة يعني أداء المحامي واجباته لخدمة موكله على نحوٍ مستقل ونزيه متحرر من التدخل في شؤونه من قبل السلطات التنفيذية والتشريعية وحتى سلطة القضاء ، ومن قبل أي كان دون خوف ووفقاً لما يمليه عليه ضميره وأخلاقيات مهنته ، ولهذا فإن مفهوم الاستقلالية في أفضل تعبير هو (( .. الكفاية الذاتية الوظيفية المصحوبة بأشكال المسؤولية التي تضمن أداء المحامي وظيفته بشكل يطمئن المتقاضين إلى من يمثلونهم ويثقوا فيهم وتخلق لدى المحامين القدرة على مقاومة كافة الضغوط والتدخلات من أي مصدر كان))
الاهتمام الدولي والإقليمي بمبدأ استقلال مهنة المحاماة
يؤخذ على المواثيق الدولية عدم إيلائها الاهتمام الكافي لمبدأ استقلال المحاماة ، إذ بالرغم من أن المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أوجب توفير سائر الضمانات اللازمة للدفاع عن المتهم في محاكمة عادلة وكرست ذات المبدأ ، المادة 14/3 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، وبالرغم من أن ضمانة هذا الحق تتطلب تنظيم الحماية الدولية لمبدأ استقلال المحاماة الذي يكفل قيام المحامي بواجبات الدفاع ، بالرغم من ذلك فقد تأخر الاهتمام الدولي باستقلال المحاماة ـ على عكس استقلال القضاء ـ ولم يتخذ بعد الموضع المطلوب ضمن اهتمامات المجتمع الدولي .
ويمكن رصد الجهود الدولية والإقليمية منذ إعلان أثينا الصادر عن اللجنة الدولية للحقوقيين حول سيادة القانون عام 1955 حيث أكد هذا الإعلان على استقلال مهنة المحاماة وتحررها من التدخل الخارجي لضمان احترام سيادة القانون . وأبرز المجهودات الدولية في هذا الميدان الاعلان العالمي حول استقلال العدالة الذي تبنته الدورة العامة الختامية لمؤتمر مونتريال حول استقلال العدالة عام 1982 والذي أكد على أن العدالة تشكل الدعامة الرئيسة للحرية ، وأكد على استقلال السلطة القضائية والمحامين . وقد مثلت مؤتمرات الأمم المتحدة منع الجريمة ومعاملة السجناء موقعاً رحباً لبحث استقلال المحاماة وإقرار إعلانات تضمنت تأكيد المبدأ وتحديد مظاهره وعناصره ومتطلبات حمايته ، وقد تناولت هذه المؤتمرات منذ ميلانو 1985 هذا الموضوع بالبحث والمتابعة وفق توجيهات المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة وتوصل المؤتمر الثامن للأمم المتحدة لمع الجريمة المنعقد في هافانا ــ كوبا إلى إقرار المبادئ الأساسية بشأن استقلال ودور المحامين تضمن التأكيد على استقلال المحاماة واستقلال تنظيمات المهنة في تولي شؤونها وحددت المبادئ واجبات وحقوق المحامين وواجبات الدولة في ميدان حماية استقلال المحاماة التي تمثل الحد الأدنى من معايير احترام وتعزيز استقلال المحاماة .
أما اتحاد المحامين العرب فقد أولى مسألة استقلال المحاماة واستقلال القضاء اهتماماً خاصاً ،إذ انطلق مما قرره القانون الأساسي للاتحاد من عمل الاتحاد على تأمين استقلال القضاء والمحاماة ، فعقد عام 1980 مؤتمره الرابع عشر في الرباط تحت عنوان استقلال المحاماة ضمانة أساسية لحق الدفاع ، وأسس الاتحاد من بين لجانه لجنة لاستقلال المحاماة والقضاء جرى إعادة تنظيمها كلجنة دائمة بناءً على توصية المكتب الدائم للاتحاد المنعقد بالدار البيضاء عام 1990 ، وأجرت اللجنة دراسة مسحية لواقع المحاماة والقضاء في الوطن العربي من خلال الاستبيان الذي وجهه الاتحاد في شباط 1991 إلى جميع نقابات المحامين في الوطن العربي تضمن الاستيضاح عن مظاهر وواقع استقلال المحاماة والقضاء في الأقطار العربية ، ويكرس الاتحاد من بين أعماله بنداً خاصاً لمتابعة هذا الموضوع كما يوليه الاهتمام في صحافته حيث ينشر بشكل متواصل الأبحاث والدراسات المتعلقة بهذا الموضوع .
2. مقتضيات الاســـتقـلال .
إن المقصود بالعنوان المتقدم تحديد متطلبات مبدأ استقلال المحاماة ، بمعنى تحديد أساس مشروعية المبدأ ومبرر وجوده ، إذ ــ كما ذكرنا ــ ليست الاستقلالية مجرد حرية قيام المحامي بما يريد ، إنما هي أداة لحماية المحامي في أدائه المشروع لواجبه ، لهذا فإن استقلالية المحاماة تتطلب ابتداء انطلاقها من واقع يكفل هذه الاستقلالية ممن يتمتع بها ويبررها في مواجهة منكريها. إن مفهوم الاستقلالية كما رأينا حدده طبيعة المحاماة كشريك للقضاء في إقامة العدل وتأكيد سيادة القانون ، وهذا ما يتطلب ويستوجب أن يكون المحامي نزيهاً في ممارسته لمهنته ، وبذات الوقت يتطلب أن يكون قادراً على ممارسة المهنة .
فأول ضرورات استقلالية المحاماة أن يتحلى المحامي بكافة الصفات التي يلتزم بها القاضي من حيث النزاهة والحيدة والالتزام بالقانون والخضوع للضمير والاعتدال والأدب في عرض الموقف وفي القول والمرافعة والبعد عن التحيز والتعصب ، ليس في ممارسته لمهنته بل في سائر شؤون حياته ، لأن أول مقومات المحامي الالتزام الأخلاقي الرفيع الذي يضعه في انسجام مع دوره في أداء رسالة الدفاع المقدس ومشاركته وظيفة إقامة العدل . وقد نصت جميع التشريعات المنظمة لمهنة المحاماة على وجوب توفر مثل هذه الصفات فيمن يمارس مهنة المحاماة ، بل اعتبرتها التشريعات شرطاً من شروط مزاولة المهنة واستلزمت استمرار توفره ، واتجهت إلى زوال الحق في ممارسة المهنة عند انتفاء هذا الشرط . فالمادة 8 من قانون نقابة المحامين الأردني تطلبت في المحامي الراغب بمزاولة المهنة أن يكون محمود السيرة والسمعة غير محكوم بجريمة أخلاقية أو تأديبية لأسباب ماسة بالشرف والكرامة كما أوجبت المادة 23 على المحامي قبل اشتغاله بالمهنة أداء القسم القانوني بأداء أعماله بأمانة وشرف وفق القوانين والأنظمة واحترام قوانين وتقاليد المهنة ، وأوجبت المادة 54 على المحامي أن يتقيد في سلوكه بمبادئ الشرف والاستقامة والنزاهة وأن يقوم بجميع الواجبات التي يفرضها عليه قانون النقابة وأنظمتها وتقاليد المهنة .
ونظمت لائحة آداب مهنة المحاماة وقواعد سلوك المحامين الأردنيين الأحكام التي تكفل التزام المحامي الخلقي في عمله وحياته وفي الحفاظ على سمعة وشرف وكرامة المهنة كما أكدت مواد النظام الداخلي على ذات الأحكام التي تضمنها القانون .
إن نزاهة المحامي والتزامه بالقانون تتطلب أيضاً احترام إجراءات التقاضي والبعد عن كل ما يعطلها وعن أي مسلك غير متفق معها في مواجهة خصمه ، كما تقتضي أن يبتعد عن كل إجراء من شأنه إعاقة العدالة أو مساعدة موكله على مخالفة القانون وفي ذلك قضت المادة 56 من القانون الأردني على وجوب تجنب المحامي كل إجراء أو قول يحول دون سير العدالة وبينت لائحة السلوك العديد من الأحكام التفصيلية في هذا الصدد .
والنزاهة تستوجب من المحامي الابتعاد عن جميع وسائل ومظاهر استجلاب الزبائن والدعاية التجارية ووسائل الخداع وفي الحصول على الدعاوى و الإساءة لزملائه لتحقيق ذلك ، وفي ذلك قضت المادة 60 من القانون الأردني بحظر السعي لجلب أصحاب القضايا وحظر الإعلان التجاري أو استخدام الوسطاء لذلك ومنع شراء القضايا والحقوق محل النزاع وتضمنت مختلف تشريعات المهنة العربية ذات الحكم .
وحفاظاً على الحيدة والنزاهة ، والتزاماً بمفهوم المحاماة ودورها فإن المحامي يجب أن يمتنع عن ممارسة أي عمل إلى جانب المحاماة من شأنه التأثير على نزاهته أو أدائه ، ومن هنا تتفق تشريعات المهنة في حظر الجمع بين المحاماة وبين عدد من الوظائف والمهام والأعمال ، فالمادة 11 من القانون الأردني تحظر الجمع بين المحاماة ورئاسة السلطة التشريعية أو الوزارة أو الوظائف العامة أو الخاصة الدائمة أو المؤقتة أو احتراف التجارة أو منصب مدير أية شركة أو مؤسسة رسمية أو أية أعمال تتنافى مع استقلال المحامي أو تتعارض مع كرامة المحاماة وقد استثنت المادة الذكورة الاشتغال في تدريس القانون أو العمل في نقابة المحامين أو في الصحافة الحقوقية والثقافية .
أما المتطلب الثاني لاستقلال مهنة المحاماة ، فيتمثل بالتأهيل القانوني الكفيل بأداء المحامي لمهنته بكل اقتدار وكفاءة ، فالمحاماة مهنة علمية وفن رفيع ، وهي لذلك تقوم على المعرفة المتجددة وتنمية المهارات والقدرة على الأداء ، والمحامي القادر على القيام بواجبات مهنته هو المحامي الذي يتقن إعداد واجباته ودعاويه بشكل مسبق متقن، والقادر على الإحاطة بمادة دعواه القانونية ومسائلها الواقعية وتحضير خطة وآلية دفاعه وتجهيز بيناته والقدرة على مواجهة مفاجآت الدعوى وسرعة البديهة في التعامل مع أحداث ومجريات مهامه كما أن المحامي بحكم طبيعة مهنته باحث يتقن فن الوصول للمعلومة ويتحلى بصفات الباحث من حيث الموضوعية والصبر والمثابرة والتحليل ويمتلك أدوات المرافعة من لغة وخطابة وقدرة على العرض وتقدير متطلبات عرض الفكرة وكيفية عرضها ، إن جميع هذه الصفات وغيرها متطلب لاحتراف المحامي مهنة الدفاع عن حقوق الآخرين ، ومن غير هذه المكنة تفقد الاستقلالية أحد مبررات وجودها ، لذا كان من مقتضيات استقلال المحاماة التعليم القانوني والتدريب المهني والتأهيل المستمر ، إذ من خلال ذلك ( يتلقى المحامون الثقافة القانونية كعلم وفن ، وتتشكل لديهم مجموعة من القيم ، ويكتسبون إحساسهم بآداب المهنة ووعيهم للمسؤوليات الاجتماعية للمحاماة واهتمامهم بحقوق الإنسان والحريات الأساسية ، وعدم الكفاءة المهنية يعد أحد الأسباب الرئيسة لأزمة العدالة )
إن تشريعات مهنة المحاماة تتطلب إلى جانب التعليم القانوني التدريب المهني على أعمال المهنة ، وتتطلب إنجاز متطلبات معينة نظرية وعملية للنجاح في هذا التدريب ، كما يخضع المحامي إلى اختبارات التأكد من الجدارة والكفاءة ، وهذا شأن جميع التشريعات العربية على اختلاف بينها من حيث شروط ومتطلبات ومدد التدريب وآليات التثبت من الكفاءة ووقت ذلك ، فالقانون الأردني على سبيل المثال يتطلب لقيد المحامي في النقابة شرط حصوله على شهادة في الحقوق من إحدى الجامعات المعترف بها وفق قائمة الاعتراف التي تقررها النقابة ( م8/و ) ويتطلب أن يتم المحامي التدريب على أعمال المحاماة ( م8/ ز ) وقد نظم القانون الأردني والنظام الداخلي الصادر بالاستناد إليه الأحكام الخاصة بالتدريب في المواد 25- 37 من القانون والمواد 4- 24 من النظام ، وأبرز أحكام هذه المواد تطلب القانون التدريب لمدة عامين تحت إشراف محامٍ أستاذ أتم خمس سنوات من العمل بهذه الصفة ويتطلب الالتزام بالمثول أمام المحاكم والدوام في مكتب المحامي المشرف ويتطلب لإنجاز التدريب إثبات الترافع بعدد من الدعاوى وتجاوز امتحانين شفهي وكتابي وتقديم بحث للمناقشة في موضوع مستجد وعملي تحت إشراف النقابة وتقييمها خلال جلسة مناقشة عامة ويتطلب حضور المحاضرات والندوات والبرامج التي يقررها مجلس النقابة سنوياً ، كما منح القانون والنظام لمجلس النقابة الحق في تمديد مدة التدريب في إطار صلاحيته في التثبت من كفاءة وجدارة المحامي المتدرب.
إن دور نقابات المحامين في تدريب المحامين وتقديم وتنظيم برامج التأهيل النظري والعملي ، وإن كان يعد دوراً هاماً ورئيساً في تحقيق وتعزيز الكفاءة العلمية للمحامين ، إلا أنه يظل واحداً من عناصر التأهيل المتطلبة لتحقيق احتراف المحامي وكفاءته ، فالمحامي منوط به ــ وعلى مدى عمره المهني ــ واجب البحث والتقصي والقراءة والعمل المتواصل لتطوير وتعزيز معارفه سيما فيما يستجد يومياً من مسائل وتشريعات وموضوعات في ميدان القانون والقضاء .
إن استقلال مهنة المحاماة منوط بالمحامين في التزامهم الأخلاقي بكل ما يكفل نزاهتهم ويحافظ على شرف وكرامة المهنة وفي التزامهم بالحفاظ على كفاءتهم المهنية وتطوير قدراتهم المعارفية وأدائهم العملي .
3. مظاهر استقلال مهنة المحاماة :
إذا كان ما تقدم بيان لمقتضيات الاستقلال ، وهو واجب المحامي وتنظيمات المحامين حصراً فإن ما سيأتي بيان للمظاهر الواجب توفرها للقول بوجود الاستقلال وكفالته . ويستخدم الفقه تعبيرات متعددة بديلة عن تعبير مظاهر الاستقلال ، فنجده يستخدم صور الاستقلال أو معاييره أو حتى عناصره ، والحقيقة أن جميع هذه التعبيرات ــ رغم عدم ترادفها ــ يراد منها بيان المسائل التي تكفل استقلالية المهنة والمناط بتشريعات تنظيمها النص عليها ، ومناط بتنظيمات المحامين العمل على حمايتها وتعزيزها ، ومناط بالمحامين مراعاته ، ومناط بسلطات الدولة والغير احترامها .
ويمكن حشد مظاهر استقلال مهنة المحاماة ضمن محاور ستة ، هي :
1. استقلال التنظيم القانوني للمحامين وهيمنته على شؤون المحامين .
2. استقلال المحامي في علاقته بموكله .
3. استقلال المحامي في علاقته بالقضاء .
4. استقلال المحامي في علاقته بنقابته وزملائه .
5. استقلال المحامي في علاقته بالأجهزة المتصلة بنظام العدالة .
6. استقلال المحامي في علاقته بالغير .
ونعرض تالياً لكل محور مع ما يتضمنه من مظاهر فرعية موردين موقف القانون الأردني منها مشيرين إلى موقف التشريعات المقارنة العربية كلما كان لذلك مقتضى .
1- استقلال التنظيم القانوني للمحامين وهيمنته على شؤون المحامين .
إن استقلال المحاماة يتطلب وجود تشريع منظم لمهنة المحاماة يكفل استقلال المحامين عن أية ارتباطات بأي من سلطات الدولة ويحصر مزاولة المهنة في المحامين الذين تتوفر فيهم الشروط المقررة في القانون ، كما يستوجب وجود تنظيم نقابي ( نقابة ) يتولى شؤون المهنة ويتمتع بالاستقلالية المالية والإدارية ويناط به كافة الصلاحيات والمهام المتعلقة بالمحامين من حيث تنظيم المهنة وحمايتها والحفاظ على سمعتها ورعاية شؤون المحامين المعيشية في نطاق مظلة الخدمات الاجتماعية التي يتعين أن توفرها ، وتكون النقابة هي الجهة المناط بها وحدها مساءلة المحامين تأديبياً عن أية مخالفات لقوانين وأنظمة المحاماة وتخرج عن قواعد أدب وسلوك وأعراف المهنة ، واستقلال النقابة يشكل الضمانة الأساسية لاستقلال المحاماة وحتى تتمكن من أداء دورها يجب أن تكون ذات إرادة حرة يعترف القانون بها ويكفلها وأن تكون مجالسها التمثيلية منتخبة بطريقة حرة ديمقراطية دون تدخل أي جهة كانت وبأي شكل كان ، كما أن من مستلزمات استقلالية المحاماة واضطلاع النقابة بدورها في ذلك دفاع النقابة عن السلطة القضائية وحماية كرامة واستقلال القضاء . وهذه القواعد وما يتصل بها محل اتفاق في سائر تشريعات مهنة المحاماة العربية ، فالقانون الأردني قرر تأليف نقابة المحامين للقيام بتنظيم مهنة المحاماة ومنحها الشخصية الاعتبارية المستقلة مالياً وإدارياً وأوكل مهام تنظيم المهنة لمجلس النقابة المنتخب من قبل الهيئة العامة ( المواد 2و3و5 ) وحظر على غير المحامين مزاولة المهنة ( المادة 38 ) ومنح مجلس النقابة وحده الحق في مساءلة المحامين تأديبياً (المواد63-75)ونظم مهام الهيئة العامة واجتماعاتها وانتخاب مجلس النقابة (المواد 76-85) ونظم مهام المجلس وشؤونه (المواد 86-87) وقرر هيمنة المجلس على أموال النقابة واستثمارها والتصرف بها (المادة 103) .
2-استقلال المحامي في علاقته بموكله .
إن استقلالية مهنة المحاماة من حيث علاقة المحامي بموكله تقيم على المحامي التزامات وتمنحه واجبات ،
فمن حيث الحقوق .
· المحامي حر في قبول أو رفض الوكالة عن الغير باعتبار أن ما يربطه بموكله من علاقة يخضع لمبدأ سلطان الإرادة . لكن يقع عليه واجب عدم رفض قبول الوكالة في حالة المساعدة القضائية بالدفاع عن المحتاجين ( المادة 100/ب من القانون الأردني ) . كما أن قبول الوكالات العامة قد يكون خاضعاً لتحيد القانون كما هو الحال في الحكم المقرر في المادة 43/2 من القانون الأردني التي حظرت على المحامي أن يكون وكيلاً أو مستشاراً عاماً لأكثر من خمس شركات أو مؤسسات ولأكثر من شركتين مساهمتين من بينها وألزمته الفقرة 4 من المادة بإبلاغ النقابة بوكالاته العامة هذه .
· والمحامي حر في تحديد ومباشرة خطة دفاعه عن موكله . كما أنه مستقل في اجتهاده القانوني ولا يسأل عن استشارة أو رأي أبداه بحسن نية ( المادة 39 من القانون الأردني ) .
· وللمحامي الحق في الأتعاب المتفق عليها وفي النفقات وما تفرع عن الدعاوى المتفق على أتعابها ، وتنظم قوانين المهنة ولوائحها حدود ومقدار الأتعاب وأحكام تقديرها عند التنازع كما انها تقرر قواعد لضمان حق المحامي في الاتعاب واستيفائها ( المواد 45 –52 من القانون الأردني ) .
· وللمحامي الحق في إنهاء وكالته واعتزالها والانسحاب من الدعوى إلا أن هذا الحق مقيد في مختلف التشريعات المنظمة لمهنة المحاماة ، فهو في التشريع الأردني مثلاً مقيد في استعماله في وقت مناسب دون إلحاق الضرر بالموكل ومقيد باستناده إلى سبب مشروع تحت طائلة المساءلة ( المادة 48 ) . ومقابل هذا الحق منح الموكل أيضاً الحق في عزل المحامي متى ما توفر السبب المشروع لذلك ( م 48/2 ) .
أما من حيث الواجبات تجاه موكله .
· فالمحامي ملزم بالدفاع عن موكله بكل أمانة وإخلاص ومسؤول عن تجاوز حدود الوكالة أو التقصير أو الإهمال في واجباته ( المادة 55 ق نقابة المحامين ) .
· والمحامي ملزم بعدم قبول الوكالة عن خصم موكله أو قبول وكالة خصمين في دعوى واحدة وقد قرر القانون الأردني في المادة 61 حظر التوكل ضد موكل سابق في حالة الوكالة العامة أو حالة التوكل في ذات الدعوى أو ما تفرع عنها أو حالة الجهة التي سبق له الاطلاع على مستنداتها أو دفاعها .
· واجب المحامي في المحافظة على سر موكله المهني وكل ما توصل إلى علمه من معلومات أبداها له موكله أو عرفها بحكم علاقته به ، ويشمل التزامه هذا عدم إبداء أي وجه دفاع في الدعوى طالبه موكله بعدم البوح به إذا كان من قبيل السر المهني ويلحق بشكل أو آخر ضرراً بالموكل ، وفي ذلك قضت المادة 60/4 من قانون نقابة المحامين الأردنيين بحظر إفشاء السر حتى بعد انتهاء الوكالة ونصت المادة 51 من النظام الداخلي لنقابة المحامين الأردنيين على أن المحامي ( مقيد بسر المهنة المتعلق بأسرار الموكلين ليس لدى القضاء فحسب بل في مختلف الظروف ) . وإذا كانت بعض التشريعات الوطنية تجيز للمحامي إفشاء السر إذا كان متصلاً بجرم فإن ذلك يتفق ووظيفته في ميدان إقامة العدل وسيادة القانون ، غير أن مسألة السر المهني تعد واحدة من أهم مظاهر استقلال المحامي يتعين على الكافة احترامها ولا يجبر المحامي من قبل أي سلطة بإفشاء أسرار موكله ، ويعد من مقاييس الاستقلالية وكفالة الدولة لها احترامها لعلاقات المحامين بموكليهم وحرصاً على التزام المحامي بالحفاظ على أسرار موكله المهنية .
· يقع على المحامي واجب الامتناع عن إبداء المشورة أو العون لخصم موكله وحتى الاتصال به في خارج ما وكله به موكله ( المادة 59 من النظام الداخلي الأردني ) .
· يلتزم المحامي بالامتناع عن الشهادة ضد موكله والامتناع عن القيام بكل ما يعرض مصالحه للخطر أو يلحق الضرر به .
· يلتزم المحامي بإعادة أوراق موكله وكل ما ائتمنه عليه من أموال ومستندات في الوقت المتعين عليه إعادتها أو تسليمها ( المادة 50 من القانون الأردني ) .
وقد قررت سائر تشريعات المهنة هذه الحقوق والواجبات كما تضمنتها لوائح آداب المهنة ونظم معظمها وأهمها إعلان المبادئ الأساسية العالمي الخاص بدور المحامين المقر من قبل مؤتمر الأمم المتحدة لمنع الجريمة في كوبا 1990 ( البنود 12 – 15 من الإعلان المذكور ) .
3- استقلال المحامي في علاقته بالقضاء .
المحامي مستقل في ممارسته لواجبات مهنته عن القضاء ، ومقتضى الاستقلالية عدم خضوع المحامي لأي تدخل من جانب أي كان بما في ذلك القضاء ، ولا تتوقف مظاهر الاستقلالية عند هذا الحد ، لأن الترابط القائم ما بين القضاء والمحاماة من حيث وظيفتيهما في إقامة العدل استوجب التزامات متبادلة بين الطرفين ، فالمحامي في سعيه لحفظ استقلاليته يتعين عليه :
· أن يسلك تجاه القضاة مسلكاً محترماً يتفق وكرامة القاضي ومركزه وهيبته واستقلاله وأن يرتقي بأدب المخاطبة والمرافعة أمام القاضي ، وأن يتحاشى كل ما يخل بسير العدالة كل ذلك دون انتقاص بدوره في الدفاع عن موكله وحقه في الانتقاد والاعتراض المؤسس على القانون ودونما خوف أو اتخاذ أية اعتبارات شخصية تعيقه في أداء دوره . وفي ذلك تنص المادة 56 من قانون نقابة المحامين الأردنيين على أن ( على المحامي أن يسلك تجاه المحكمة مسلكاً يتفق وكرامة المحاماة وأن يتجنب كل إجراء أو قول يحول دون سير العدالة ) وتطلبت لائحة آداب وسلوك المهنة الأردنية على المحامي أن يحترم المحاكم وأن يساند القضاة في مواجهة كل إساءة يتعرضون لها . ( البند 1 من اللائحة ).
· أن يقيم علاقته مع القضاء على أساس علاقات الزمالة والتعامل الرسمي فيتجنب التعامل الشخصي والاتصال والمناقشة على انفراد من غير داعٍ ، ويتجنب التناحر والنزاع مع القاضي ويسعى للحفاظ على العلاقة المهنية كشريكين في إقامة العدل وهو ما يستوجب الحرص لحل أي خلاف مع القاضي بشكل ودي بعيداً مع الاشتكاء إلا في الحالات التي تستلزم ذلك وبعد أخذ موافقة النقيب أو النقابة . وفي هذا الصدد أوجبت المادة 55 من النظام الداخلي لنقابة المحامين الأردنيين على المحامي أن يرفع إلى مجلس النقابة أية حالة حصل فيها مساس بكرامته من قبل القضاء لاتخاذ الإجراء المناسب كما تطلب البند 2 من لائحة آداب المهنة الأردنية الامتناع عن الاهتمام الزائد بالقاضي أو ممارسة النفوذ عليه أو مناقشته على انفراد .
وبالمقابل فإن مبدأ استقلال المحاماة يقيم على القضاة التزامات لحماية هذا المبدأ ، ويبرز ذلك مما يلي :
· إن استقلال المحاماة يقتضي احترام القضاء للمحامين ودورهم وإتاحة الفرصة كاملة لهم للقيام بواجبهم ، فلا يرفض القضاء مثول المحامي أمامه ، ولا يجيز القضاء للمتداعين المثول دون محامٍ في حالة تطلب القانون ذلك ، فالقانون الأردني مثلاً يحظر الحضور في مختلف الدعاوى أمام مختلف المحاكم دون محامٍ أستاذ ، ويحظر تقديم اللوائح أو الطعون من غير محامٍ أستاذ واستثنى من ذلك محاكم الصلح والتسوية والقضايا الجزائية ودعاوى تصحيح النفوس (المادة 41 ).
· واستقلال المحاماة يستوجب أن يتيح القضاء للمحامي إبداء أقواله واعتراضاته بكل حرية وأن يحترم حق المرافعة ويمنح المحامي الرخص المقررة في القانون للتأجيل أو الاستمهال وأن يعطى الوقت الكافي للمرافعة والاستعداد لها ومناقشة الشهود وغير ذلك من أعمال مهنته .
4- استقلال المحامي في علاقته بنقابته وزملاءه .
إن حماية استقلال المحاماة واجب على المحامين وعلى تنظيمهم النقابي ، وتعد استقلاليتهم أسمى مطالبهم ، وأكثر حاجاتهم ضرورة ، لذا كان المحامي أكثر الجهات المنوط بها حماية استقلالية المحاماة ،ويتأتى ذلك فيما يتعين أن يلتزم به تجاه زملائه من جهة وتجاه نقابته من جهة أخرى :
فبالنسبة لعلاقة المحامي بزملائه ، يقع عليه واجب الالتزام بقواعد اللياقة والاحترام والتقدير ضمن إطار علاقات الزمالة المهنية ، والامتناع عن كل ما يمس الزملاء وتحديداً الخصم في الدعوى والابتعاد عن الضغائن والتعرض للمسائل الشخصية والانتقاد والهجوم غير الموضوعي ، وأن تحكم مخاطبته زملاءه في قاعات المحاكمة آداب المرافعة ويسود التعاون من أجل تيسير إجراءات التقاضي ويقع عليه واجب الامتناع عن كل ما يعطل طلبات خصمه دون سند أو مبرر والامتناع عن التوكل عن الأشخاص الذين لهم وكلاء من المحامين أو المستشارين إلا في حدود قواعد المهنة المقررة وتقاليدها ، وعلى المحامي في علاقته بزملائه الوكلاء معه في نفس الدعوى عن ذات الشخص أن يبدي كل تعاون مع زملائه لتيسير خطة الدفاع ويقدم كل ما لديه من علم ومعرفة في إطار العمل كفريق واحد بعيداً عن التفرد والأنانية .والمحامي يقع عليه واجب عدم إفشاء ما يبوح له به زملائه وعدم استغلال ذلك في دفاعه إذا كان قد ائتمنه الخصم عليه ، كما يقع على المحامي واجب تقديم كل ما في وسعه لتدريب المحامي المسجل تحت اسمه وإشرافه ومده بالعون والمساهمة الحقيقية في إنجاز المحامي المتدرب متطلبات التدريب النظري والعملي وذلك بتهيئة المادة القانونية والدعاوى العملية لإطلاعه عليها وإشراكه بالعمل وتكليفه بالمهام المختلفة ومتابعة أخطائه وإنجازه في إطار علاقة مهنية صرفة بعيدة عن المحاباة أو التسلط ، كما يلتزم المحامي المشارك مع غيره بحفظ أسرار زملائه في ذات المكتب وعدم التوكل ضدهم أو التواطؤ معهم ضد الغير ، وبالعموم فإن مقدار احترام المحامي زميله الآخر وحرصه على استقلاله واحد من العوامل الرئيسة لحماية استقلال المحاماة وتعزيز احترامها من قبل الغير . وهذه المبادئ نصت عليها تشريعات المهنة الأردنية ، فالمادة 53/3/أ من قانون النقابة نظمت واجب المحامي تجاه زملائه المشاركين في نفس المكتب ، والمادة 57 من ذات القانون ألزمت المحامي بالتعامل بلياقة مع زملائه وأن يرفع كل خلاف مع أي من زملائه للنقابة وحظرت المادة 62 من ذات القانون إقامة المحامي الدعوى أو الشكوى ضد زميله قبل الحصول على إذن النقابة بذلك ، وحددت المادة 14 من نظام النقابة واجبات المحامي الأستاذ تجاه زميله المتدرب تحت إشرافه والمادة 52 من النظام حظرت التوكل في دعوى سبق لزميله أن توكل بها إلا بإذن الأخير الخطي وحظرت المادة 53 على المحامي الاستناد في مرافعته على الأحاديث الخصوصية التي جرت بينه وبين زميله وأوجبت المادة 57 من النظام على المحامي إخطار زميله برغبته بتأجيل الجلسة . وهذه المبادئ وما يتصل بها مقررة بوجه عام في تشريعات المحاماة العربية .
أما بالنسبة لالتزام المحامي تجاه نقابته في إطار تعزيز استقلالها وحمايته ، فإنه يقع عليه واجب تنفيذ كل ما هو مقرر في قانون النقابة وأنظمتها ولوائحها من واجبات تجاه نقابته ، فيؤدي التزاماته المالية تجاهها ( م 20 و21 من قانون نقابة المحامين الأردنيين ) ويرفع إليها أي منازعة أو شكاية ضد زميل له أو قاض لتتخذ الإجراء اللازم، ويمتـثـل لأوامر وطلبات النقابة في ميدان التأديب والمساءلة المسلكية دون إخلال بحقه في الطعن بقراراتها ، ويقوم بواجبه في انتخاب مجلس النقابة والمشاركة في هيئاتها العامة ، وتنفيذ ما يكلفه به النقيب من أعمال مهنية مجانية كإلقاء المحاضرات وتقديم الاستشارات للمتدربين وإعداد الدروس والمحاضرات لهم وتنظيم أعمال المؤتمرات وإعداد المقالات والدراسات لغايات النشر في الصحافة الحقوقية ومساعدة النقابة في أعمالها والدفاع عن المحتاجين في إطار المساعدة القضائية ( المادة 100 من قانون النقابة الأردني ) وبالعموم فإن المحامي في إطار فهمه لأهمية استقلالية مهنة المحاماة وإدراكه أن إسناد النقابة واحترام أنظمتها وقراراتها واحد من أهم عناصر كفالة وتعزيز استقلال المهنة يتعين عليه أن يساهم في كل ما من شأنه تعزيز مكانة النقابة وهيبتها واحترام دورها ليقطع الطريق على استغلال المتربصين بالمهنة واستقلاليتها لكل مظهر من مظاهر إهدار المحامين لمكانة وهيبة نقابتهم المناط بها حماية استقلاليتهم .
5- استقلال المحامي في علاقته بالأجهزة المتصلة بنظام العدالة .
كما قدمنا في صدر هذه الدراسة ، فإن استقلال المحاماة يقوم ويتعزز في دولة القانون التي يسود فيها احترام حقوق الإنسان ، لأن سيادة حقوق الإنسان يعني احترام أجهزة الضبط العدلية لحقوق المتهم المفترضة براءته إلى حين إدانته بقرار قضائي في محاكمة عادلة أتيح له فيها حق الدفاع بكل ضماناته ، ومثل هذا الاحترام ينسحب على احترام واجب المحامي في الدفاع وحقه في القيام بكل ما يقع في هذا الإطار، وبالتالي تتعزز مظاهر استقلال المحاماة واحترام دور المحامي كلما تعزز في الدولة وتعزز في قواعد النظام القانوني للدولة حماية حقوق الإنسان ، فاحترام الحقوق يستوجب احترام حماة هذه الحقوق .
واستقلال المحامي في علاقته بالأجهزة العاملة في ميدان العدالة – طبعاً إلى جانب القضاء الذي خصصنا له البند 3 أعلاه – يقتضي أن تحترم سائر الدوائر والسلطات التي يمارس مهنته أمامها حرية المحامي ومكانته والتعاون معه وإتاحة كل فرصة له للقيام بواجبات الدفاع عن موكله ، وتقتضي أن لا يتعرض المحامي للملاحقة أو القبض عليه جراء ما يجريه من أعمال في خدمة موكله ، ويتعين أن ينال الرعاية والاحترام الكافيين أمام دوائر الشرطة والنيابة وجهات التحقيق ، وأن تحترم سرية أوراقه وملفاته وأن لا يتعرض مكتبه للتفتيش والمداهمة وأن لا يتعرض شخصه للتفتيش ( المادة 40 من قانون النقابة الأردني ) .
أن استقلال المحاماة لا يتفق وتقييد حرية المحامي في إبداء دفاعه وطرح كل ما يجده خادماً لمصلحة موكله لذا تحرص النظم القانونية على إقرار سبب تبرير أو سبب إعفاء من المسؤولية عن أية أقوال يبديها المحامي في دفاعه عن موكله ( م 39 من قانون نقابة المحامين الأردني ) .
وفي إطار حماية استقلالية المحامي فإنه يحظر على جهات التحقيق والضبط العدلي توقيف المحامي أو التحقيق معه كأصل عام إلا بعد إعلام النقابة التي ينتسب إليها وحضور مندوب النقابة للدفاع عنه . ( المادة م40/4 و5 ) من القانون الأردني .
كما يقع على عاتق المحاكم إخطار النقابة بكل حكم جزائي يصدر بحق محام وإرسال نسخة عنه للنقابة وذلك في إطار دور النقابة في المساءلة التأديبية للمحامي . ( المادة 73 من قانون النقابة الأردني ) .
وتقتضي استقلالية مهنة المحاماة أن يحصل المحامي من الجهات المختصة على التسهيلات اللازمة والامتيازات الضرورية للقيام بمسؤولياته المهنية كالحماية الكاملة للطابع السري في علاقته بموكله وحقه في اللقاء المنفرد مع موكله الموقوف وحرية المحامي في الانتقال والسفر إلى أية جهة لخدمة قضية موكله وتعاون مختلف دوائر الدولة معه تحديداً في استفساراته حول قضيته وظروفها ومسائلها وفي تزويده بالبينات التي تتوفر لدى هذه الجهات وفق الأصول المقررة في القانون .
6- استقلالية المحامي في علاقته بالغير .
إن المحامي وفق مبدأ استقلال مهنة المحامي لا يجوز أن يتعرض لأي تهديد أو تدخل في شؤون مهنته من أي جهة كانت أو من أي شخص كان ، وفي هذا الإطار فإن المحامي يتعين أن لا يتعرض للتهديد أو الإيذاء أو الضغط جراء مواقفه التي أبداها سيما وأن المحامي معرض للدفاع عمن لا يرتضي الرأي العام مسلكه أو لا ترتضي السلطات موقفه ، ومن بين الضمانات التي تحقق ذلك تغليط العقوبات على كل فعل جرمي يستهدف المحامي جراء قيامه بمهام مهنته، وفي هذا الصدد فإن المادة 40/6 من قانون نقابة المحامين الأردني قررت معاقبة كل من يعتدي على محامٍ أثناء تأدية أعمال مهنته أو بسبب تأديتها بالعقوبة المقررة على من يعتدي على قاضٍ أثناء تأديته وظيفته أو بسبب تأديته لها .
4. معيقات استقلال المحاماة .
الوعاء الذي يتسع ليضم معيقات استقلال المحاماة هو انتهاك حقوق الإنسان وتغييب الديمقراطية وحكم القانون فالتربة الخصبة لسيادة القانون وضمان استقلال ركني العدالة القضاء والمحاماة هو حماية حقوق الإنسان والديمقراطية ، وسيادتهما سيادة لدعائم العدالة ، ويمكن تحديد أبرز معيقات استقلال المحاماة في الوطن العربي عموماً وفي الأردن على وجه الخصوص بما يلي :
1. إنشاء وتعميم المحاكم الخاصة وعسكرة القضاء .
إن نظام العدالة الطبيعي هو الذي يوفر للمتقاضين المثول أمام قاضيهم الطبيعي ، وقاضيهم الطبيعي هو القاضي النظامي الذي يستقل بعمله عن أي تأثير ولا يخضع في قضائه لغير ضميره والقانون ، وهذا هو القاضي المنتسب للسلطة القضائية المستقلة التي حمى استقلالها قواعد الدستور وتشريعات استقلال القضاء ، وأمام القاضي الطبيعي يمثل المدافع الطبيعي وهو المحامي المسلح بقواعد الإجراء التي تقيد القاضي وتقيد المحامي ، ويتسلح كلاهما – القاضي والمحامي ــ بالحس المشترك في ضرورة إسناد كل منهما للآخر للحفاظ على استقلاليتهما ، ومن هنا كان الاتجاه نحو إنشاء وتوسيع القضاء الاستثنائي بوجه عام والقضاء العسكري بوجه خاص متعارضاً مع الضمانات المشار إليها لحيدة واستقلال القضاء واستقلال المحاماة ونجاعة نظام العدالة . فالقضاء الاستثنائي يرتبط ويتأثر ــ إن لم يكن مباشرة فبشكل غير مباشر ــ بالسلطة التنفيذية التي تجد فيه مدخلاً لتسهيل إنفاذ سياستها في معالجة الدعاوى والموضوعات التي يختص بها هذا الارتباط يخلق واقعاً من التأثير والضغط يبدد استقلال القاضي الذي هو ضمانة العدالة الأولى ، وممارسة المهنة أمام مثل هذا القضاء تتحول إما إلى أداء شكلي للدور المنوط بالمحامي أو مساجلات في غير صالح الموكل ، وهو ما يحول المحاماة من رسالة الدفاع عن المتهم إلى الدفاع عن ذات المحامي أمام تهميش دوره وإهدار كرامته في أحيان كثيرة أو الدفاع عن الامتيازات الذاتية فيما نشأ جراء امتداد تأثير السلطة إلى المحامي العامل أما هذا القضاء ، وفي الحالتين يهدر استقلال المحامي في غير صالح نظام العدالة برمته .
إن عسكرة القضاء واستثنائيته إلى جانب عدم دستوريته واتجاهه عكس تيار إنماء حقوق الإنسان والديمقراطية واحد من المعيقات الرئيسة أمام سيادة أحد دعائم مبادئ العدالة، إنه معيق حقيقي أمام استقلال مهنة المحاماة .
2. تضييق الحق في الاستعانة بمحامٍ .
إن حق المتهم في الاستعانة بالمحامي في كل وقت وأمام أية جهة تحقيق أو محاكمة واحد من أهم ضمانات تعزيز العدالة وكفالة استقلال المحاماة ، وتنزع التشريعات العربية عموماً إلى تقييد الحق في الاستعانة بمحامٍ فقانون الأصول الجزائية الأردني رقم 9 لسنة 1961 على سبيل المثال يحصر الحق في الاستعانة بمحامٍ أمام النيابة ولا يجيز ذلك أمام جهات الضبط العدلية ، كما أن هذا الحق مقيد بطلب المتهم ووجود المحامي دون التزام من النيابة بتعيين محامٍ عن المتهم ، وحضور المحامي أمام النيابة مقيد أيضاً ، فهو محظور بالنسبة لسماع الشهود كما أن الكلام أمام المحقق منوط بإذن الأخير ، ومنع المحقق المحامي من الكلام لا أثر له غير إثبات الواقعة في المحضر ، كما أن المدعي العام يملك منع المحامي من الاتصال بموكله ( المواد 63 ــ 66 ) .
إن تضييق الحق في الاستعانة بمحامٍ في الدعاوى الجزائية من شأنه المساس باستقلالية المحاماة لما يسود بسبب ذلك من إيمان بهيمنة النيابة على التحقيق في مواجهة المحامي ، وفي ذلك مساس بمكانة المحاماة وثقة الجمهور بها إلى جانب حرمان المتهم من المدافع عن حقه في احترام قرينة البراءة التي يحظى بها .
3. التدخل المباشر وغير المباشر في النقابات ودورها .
إن تدخل السلطة التنفيذية في النقابات المنظمة لشؤون المهنة واحد من أخطر معيقات وعوامل إهدار استقلال مهنة المحاماة ، وإذا كان التدخل بالحل أو تعيين اللجان المؤقتةــ كما هو الحال فيما شهدته الساحة العربية في أكثر من قطر كالسودان ومصر وليبيا ــ مما يعد انتهاكاً سافراً لا لمبدأ استقلال المحاماة فحسب بل للحقوق المكفولة دستورياً ــ فإن التدخل غير المباشر ليس أقل خطراً ، ويتخذ التدخل صوراً شتى أقربها استخدام السلطة نفوذها ومؤيديها للسيطرة على النقابة وتمرير مخططاتها في تهميش دورها ، أو التدخل في التعليم القانوني لجهة توجيهه وتحديد منتسبيه بما يخلق واقعاً جديداً في النقابة عند انتساب هؤلاء لعضويتها ، وقد يتخذ التدخل بعداً تشريعياً من خلال استثمار السلطة التنفيذية دورها التشريعي أو تأثيرها على السلطة التشريعية وهيمنتها على قرارها من خلال تمرير تشريعات تحجم دور النقابة في تعزيز استقلالية المحاماة تحت شعارات متعددة كشعار مهننة المهنة وإبعاد النقابات عن العمل العام والتدخل في الشؤون السياسية .
إلى جانب هذه المعيقات الثلاث المتقدمة ، فإن إهدار أي من مظاهر استقلال المحاماة السابق عرضها يحقق قيام عائق أمام استقلال المحاماة ، فانتهاك مكاتب المحامين أو سرية علاقاتهم بموكليهم أو إضعاف مؤسسة المساعدة القضائية للمحتاجين أو ضعف التأهيل والكفاءة للمحامين أو الإستقواء على القضاء والتدخل في شؤونه أو غير ذلك من المساس بضمانات ومظاهر الاستقلالية من شأنه أن يقيم عوائق حقيقية أمام استقلالية المهنة وأدائها لرسالتها المقدسة .
الخلاصة…
إن حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية تقتضي حصول جميع الأشخاص على خدمات قانونية يقدمها مهنيون قانونيين مستقلون يتمتعون بالكفاءة والجدارة والقدرة على أداء واجبات الدفاع ويتحلون بالنزاهة والحيدة والالتزام الخلقي في عملهم ، والمحاماة القادرة على المشاركة في إدارة نظام العدالة وإعلاء صرح الحق هي المحاماة المستقلة المرتبطة بالقضاء المستقل في دولة تحترم وتكفل حقوق الإنسان ، وهي المحاماة التي تتولى شؤونها نقابات المحامين التي تتمتع بالاستقلال في إدارة وتولي شؤون المهنة والحفاظ على كرامتها وكفاءة منتسبيها ومساءلة المخل منهم بواجباته المهنية والأخلاقية ، واستقلال المحاماة منوط بكفالة حق كل شخص في الوصول إلى خدمة المحامي والاستعانة به والتمتع بمساعدته عند عدم توفر القدرة المادية على توكيله ، واستقلالية المهنة المقدسة منوط بالمحامين في سعيهم للحفاظ على استقلاليتهم وهيبة نقابتهم وفي فرض احترام الغير للمهنة سواء الأشخاص أو السلطات أو القضاء أو الأجهزة والجهات التي يباشرون عملهم أمامها ، والاستقلالية وحمايتها واجب على التنظيم الممثل للمحامين المناط به تدعيم مكانة المهنة والارتقاء بكفاءة ومعارف منتسبيها والحفاظ على كرامتهم ، وحماية واحترام استقلالية المحاماة أخيراً واجب على الدولة وسلطاتها الثلاث من خلال توفير الأجواء للمحامين في أدائهم لوظيفتهم المهنية دون عائق أو تدخل وعدم تعريضهم للاعتداء أو الملاحقة أو المضايقة جراء ما يجرونه من مهام الدفاع عن موكليهم ، وتوفير ضمانات حمايتهم من كل اعتداء واحترام علاقتهم بموكليهم وسرية مكاتبهم وأوراقهم وأعمالهم واتصالاتهم .
بالنسبة للتشريعات العربية الحديثة لتنظيم مهنة المحاماة في الدول العربية وتأسيس نقابات المحامين فيها فهي : في سوريا تأسست نقابة محامو حلب عام 1912 ونقابة دمشق عام 1921 ونقابة اللاذقية عام 1922 وظل التشريع العثماني المنظم لعمل وكلاء الدعاوى سائداً حتى عام 1921 حيث صدرت عن نقابة محامي دمشق لائحة تنظيم المهنة وعام 1922 صدرت لائحة مشابهة عن نقابة حلب ثم في عام 1930 صدر القرار رقم 2117 لتنظيم النقابات الثلاث ومن ثم صدر أول قانون لمهنة المحاماة رقم 51 لسنة 1952 . وأما في لبنان فإن أول تشريع لمهنة المحاماة يرجع إلى القرار رقم 655 لسنة 1921 الذي استنه حاكم لبنان الكبير في حين كان أول تشريع عام لتنظيم مهنة المحاماة في لبنان هو قانون 1935 . وفي العراق قانون 1918 والنقابة 1933 ، وفي الأردن فإن التشريع الذي ظل سائداً حتى عام 1926 هو قانون وكلاء الدعاوى العثماني لسنة 1301 هجري حتى صدر أول تشريع للمحاماة بتاريخ 1/6/1926 ثم حل محله قانون المحامين لسنة 1928ثم قانون المحامين رقم 33 لسنة 1944 ثم قانون 31 لسنة 1950 وفي ظله تم تأسيس نقابة المحامين الأردنيين عام 1950 واستمر تعديل وإصدار تشريعات المحاماة في الأردن إلى أن صدر القانون النافذ رقم 11 لسنة 1972 وتعديلاته . أما في فلسطين فأن نظام وكلاء الدعاوى العثماني لسنة 1876م ظل سارياً بخصوص المحامين إلى أن صدر القانون رقم 32 لسنة 1938 وقد وضعه المندوب البريطاني ، أما نقابة محامي فلسطين فيرجع تأسيسها إلى عام 1942 واستمرت إلى عام 1950حيث انضم محامو فلسطين إلى محامي الأردن وأسسوا نقابة المحامين الأردنيين عقب وحدة الضفتين . وفي مصر فإن أول لائحة لتنظيم المحاماة صدرت عام 1884 وأول قانون كان قانون رقم 26 لسنة 1912 الذي تم سنداً له تأسيس نقابة المحامين المصريين . وفي السودان صدر عام 1906م مرسوم بمزاولة المهنة ثم صدر عام 1935م أول قانون لمهنة المحاماة في السودان وتأسست النقابة عام 1952م ، وفي ليبيا صدر القانون رقم 44 لسنة 52 وتأسست النقابة عام 1962م ، وفي تونس صدر القانون وتأسست النقابة عام 1958م ، والجزائر تأسست النقابة فيها عام 1920م وصدر أول قانون لتنظيم المهنة عام 1975م والمغرب يرجع أول تنظيم للمحامين إلى عام 1931م وموريتانيا عام 1980م حيث تأسست النقابة بالقانون رقم 76/80 ، أما الكويت فقد تأسس فيها جمعية المحامين عام 1963م وصدر القانون المنظم للمحاماة رقم 42 عام 1964 ، والبحرين عام 1973 تأسس فيها جمعية المحامين وعام 1980 صدر قانون المحاماة ، وأما اليمن الجنوبي قبل الوحدة فيرجع التنظيم التشريعي للمحاماة فيها إلى عام 1954م .