اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
مشرف المنتدى
التاريخ
1/3/2023 7:31:23 AM
  حوكمة الفكر بشأن حماية الآثار      

حوكمة الفكر بشأن حماية الآثار أحمد عبد الظاهر جريدة الوطن لقد هالنى كثيراً ما كتبه مؤخراً أستاذ للقانون العام بكلية الحقوق بإحدى الجامعات المصرية، على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعى فيس بوك، مطالباً بإجازة بيع الآثار والاتجار فيها. ففى منشور يعود تاريخه إلى الحادى والعشرين من شهر ديسمبر الحالى، كتب ما يلى: «أنا هاطرح فكرة هنا، بس يا ريت مانقولش رأينا فيها بسرعة، ليه مانتعاملش مع الآثار زى ما بنتعامل مع البترول، أجدادنا الفراعنة كانوا عارفين أننا هنمر بأوقات صعبة فى المستقبل، فكتر خيرهم عملوا حساب اللحظة دى ودفنوا كنوز مهولة فى باطن الأرض.. ليه بقى إحنا كدولة مانبيعش الآثار ونحقّق دخل رهيب لمصر. على فكرة فيه مئات الآلاف إن لم يكن ملايين القطع الأثرية المركونة، لدرجة أن بعد المخازن ما بتتملى، بيتم فى أحيان كتير غلق المغارة عليها ووضع غفير حراسة لعدم وجود مكان لحفظها.. على فكرة كمان نبيع وبمزادات عالمية، بدلاً ما بتتسرق وتتهرّب. والحى أبقى من الميت». وللإنصاف، فإن هذا الرأى لا يذهب إلى حد إباحة قيام الأفراد بالبيع والاتجار فى الآثار، وإنما يقصر هذا الأمر على الدولة دون غيرها، أسوة بما هو مقرر بالنسبة للبترول.والواقع أن الرأى القائل بإباحة تجارة الآثار ليس مستحدثاً، إذ يرى البعض أن حماية الآثار تتحقّق بتقنين الاتجار فيها وتنظيم ذلك الاتجار الذى يكون تحت رقابة الدولة، فى حين أن الحظر المطلق يؤدى إلى زيادة الاتجار غير المشروع فى الآثار، والذى يتم دون علم الدولة، كما أن إباحة الاتجار فى الآثار من شأنه أن يوصد الباب أمام الكثير من حوادث السرقة والتهريب. ومن ثم، فإن إباحة الاتجار فى الآثار بقيود معينة من شأنه الحد من جرائم الاعتداء على الآثار. فعلى حد قول أحد أنصار هذا الرأى: «إننا إذا استقرأنا التشريعات المعاصرة، فلن نجد تشريعاً واحداً يجرّم الاتجار فى الآثار، فى الداخل والخارج على السواء، على النحو الذى فعله المشرع المصرى. وإذا كان المشرّع قد استهدف بذلك سد الطريق أمام احتمالات سرقة الآثار وتهريبها إلى الخارج، فإن التطبيق العملى أثبت أن هذه السياسة قد أتت بنتائج عكسية تماماً، لأن من سيرغب فى اقتناء بعض القطع الأثرية سيلجأ إلى الطرق غير المشروعة، وغالباً ما يجد السبيل أمامه ممهداً، حيث إن إباحة هذه التجارة من شأنه أن يُغلق الباب أمام الكثير من حوادث السرقة، والتهريب غير المشروع» (راجع فى ذلك: د. على سيد حسن، الحماية القانونية للآثار، مجلة القانون والاقتصاد، س 59، 1989م، ص 41).وإذا كان صاحب العبارات سالفة الذكر يؤكد أنه لم يجد تشريعاً واحداً يجرم الاتجار فى الآثار، فإن هذا القول يتجافى مع الحقيقة، حيث يحرص الكثير من التشريعات المقارنة على تجريم الاتجار فى الآثار. وللتدليل على ذلك يكفى أن نشير إلى قانون حماية التراث الثقافى الصينى وقانون التراث الفرنسى وقانون الآثار العراقى وقانون الآثار السورى وقانون الآثار الأردنى. وإذا كانت المملكة المتحدة قد أباحت الاتجار فى الآثار، وبحيث تعد سوقاً واسعة وضخمة للآثار، وتنتشر فيها صالات المزادات المتخصّصة فى بيع التحف والآثار، والتى تتمتّع بشهرة عالمية فى هذا المجال، فإن ذلك يعود إلى أن الجزيرة البريطانية لم تعرف آثاراً ذات قيمة، وإنما تزدحم المتاحف البريطانية بالآثار المنهوبة أو المسروقة من دول العالم الثالث.وعلى كل حال، فإن الرأى المنادى بإباحة الاتجار فى الآثار لم يمكث فى أروقة المكتبات ودور النشر، وإنما امتد إلى قاعات المجلس التشريعى فى أواخر عهد الرئيس المصرى الراحل محمد حسنى مبارك، ففى أثناء مناقشة القانون رقم (3) لسنة 2010م بتعديل بعض أحكام قانون حماية الآثار الصادر بالقانون رقم 117 لسنة 1983م، وفى كلمته أمام مجلس الشعب، قال أحمد عز، أمين التنظيم بالحزب الوطنى المنحل: «أنا لا أريد أن يصدر قانون الآثار وكأن الآثار من الممنوعات، الآثار شىء جميل، والعالم كله لا بد أن يشارك فى ترميمها وإظهارها للعالم وللمصريين جميعاً، وهناك مجموعة من المواد التى تسير عكس هذا الاتجاه.. وهل السماح بالاتجار هذا سوف يقلّل التهريب أم العكس؟ هل سيكون كل شىء فوق الأرض وأمام سيادتك ومسجّلة ويقتفى أثره من متصرّف إلى مقنن آخر.. إلى آخره؟». ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، وإنما امتد إلى حد تخفيف عقوبات الكثير من السلوكيات الإجرامية.وفى المقابل، حسناً فعل بعض الفقه المصرى بالقول إن جريمة الاتجار بالآثار تُعد من أخطر الجرائم التى تنال من عناصر التراث الثقافى الأثرى، بالنظر لما تخلفه من فقدان الشعوب لمظاهر هويتها وتاريخها بشكل نهائى، ففى كثير من الأحيان، يتم ارتكاب الجريمة بواسطة طرف أجنبى، أو يتم تهريبها إلى خارج الوطن وبيعها إلى أحد الأجانب، مما يصعّب مهمة استرداد الآثار، فضلاً عما يصيب الدولة من أضرار شتى، اقتصادية وسياسية (راجع: د. أسامة حسنين عبيد، الحماية الجنائية للتراث الثقافى الأثرى، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، 2008م، ص 101 و102؛ المستشار الدكتور محمد سمير، الأحكام الموضوعية والإجرائية لجرائم الاعتداء على الآثار، دار الأهرام للنشر والتوزيع والإصدارات القانونية، القاهرة، الطبعة الأولى، 2023م، ص 326).وقد حسم المشرع الدستورى المصرى هذا الموضوع، إذ تنص المادة التاسعة والأربعون من الدستور الحالى لعام 2014م على أن «تلتزم الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها، ورعاية مناطقها، وصيانتها، وترميمها، واسترداد ما استولى عليها منها، وتنظيم التنقيب عنها والإشراف عليه. ويحظر إهداء أو مبادلة أى شىء منها. والاعتداء عليها والاتجار فيها جريمة لا تسقط بالتقادم». ووفقاً للمادة الخمسين من الدستور، «تراث مصر الحضارى والثقافى، المادى والمعنوى، بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى، المصرية القديمة، والقبطية، والإسلامية، ثروة قومية وإنسانية، تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته، وكذا الرصيد الثقافى المعاصر المعمارى والأدبى والفنى بمختلف تنوعاته، والاعتداء على أىٍّ من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون، وتولى الدولة اهتماماً خاصاً بالحفاظ على مكونات التعدّدية الثقافية فى مصر».وعلى المستوى الدولى، وفى قراره رقم (23/ 2008) المعنون «الحماية من الاتجار بالممتلكات الثقافية»، كرّر المجلس الاقتصادى والاجتماعى التابع للأمم المتحدة الطلب الوارد فى قراره رقم (34/ 2004) بأن يعقد مكتب الأمم المتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة، بالتعاون الوثيق مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، اجتماعاً لفريق خبراء حكومى دولى مفتوح العضوية لكى يقدم إلى لجنة منع الجريمة والعدالة الجنائية توصيات مناسبة بشأن الحماية من الاتجار بالممتلكات الثقافية. وأوصى بأن تتضمن تلك التوصيات سبل زيادة فاعلية المعاهدة النموذجية لمنع جرائم انتهاك التراث الثقافى للشعوب الموروث فى شكل ممتلكات منقولة.وتنفيذاً لقرارى المجلس الاقتصادى والاجتماعى سالفى الذكر، عقد فريق الخبراء المعنى بالحماية من الاتجار بالممتلكات الثقافية اجتماعاً فى العاصمة النمساوية فيينا، خلال الفترة من 24 إلى 26 نوفمبر 2009م، حيث أوصى بتشجيع جميع الدول على النظر فى التصديق على الاتفاقيات ذات الصلة بالحماية من الاتجار بالممتلكات الثقافية، لا سيما اتفاقية سنة 1970 المتعلقة بالوسائل التى تُستخدم لحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة، واتفاقية سنة 1995 المتعلقة بالممتلكات الثقافية المسروقة أو المصدّرة بطرق غير مشروعة، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية. وفى ما يتعلق بالتجريم، وفى البند (14) من تقريره، أوصى فريق الخبراء بأنه «ينبغى أن تكون لدى الدول تشريعات ملائمة لتجريم الاتجار بالممتلكات الثقافية تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات تلك الممتلكات». وتضيف التوصية رقم (15) أنه «ينبغى للدول أن تجرم الأنشطة المرتبطة بالاتجار بالممتلكات الثقافية من خلال استخدام تعريف واسع يمكن تطبيقه على جميع الممتلكات الثقافية المسروقة والمصدّرة على نحو غير مشروع. كما ينبغى لها أن تجرّم استيراد أو تصدير أو نقل الممتلكات الثقافية، وفقاً للمادة 3 من اتفاقية سنة 1970. وينبغى للدول أن تنظر أيضاً فى اعتبار الاتجار بالممتلكات الثقافية (بما فى ذلك السرقة والنهب من المواقع الأثرية) جريمة خطيرة وفقاً لتشريعاتها الوطنية وللمادة 2 من اتفاقية الجريمة المنظمة، لا سيما عندما تكون الجماعات الإجرامية المنظمة ضالعة فيها».وأخيراً، وإذا كان الهدف من مناداة البعض بإباحة الاتجار بالآثار هو تحقيق مآرب اقتصادية ومالية، فإن أقصى ما يمكن القبول به فى هذا الشأن هو ما تنص عليه المادة العاشرة من قانون حماية الآثار، معدلة بموجب القانون رقم (3) لسنة 2010م، بنصها على أنه «يجوز بقرار من رئيس الجمهورية، عرض بعض الآثار -غير المتفرّدة والتى تحدّدها اللجان المختصة- فى الخارج لمدة محدّدة، وكذا تبادل بعض الآثار المنقولة المكرّرة مع الدول أو المتاحف أو المعاهد العلمية العربية أو الأجنبية، بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمينها تأميناً كافياً». وقد يكون من المناسب إبرام اتفاقية مع إحدى الدول العربية أو الأجنبية مماثلة للاتفاقية المبرمة بين حكومة أبوظبى وحكومة الجمهورية الفرنسية بشأن متحف اللوفر - أبوظبى.


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 3555 / عدد الاعضاء 62