تجليات اللطيف في رمضان
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ
وقال أيضاً : أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ
من معاني اللطيف أن الشيء الصغير الذي لا يُحس به لصغره يسمى لطيفاً ، فالهواء موجود لكن بلطف ، أما إذا تحرّك بسرعة قد تزيد على ثمانمائة كيلو متر في الساعة ، فهذا الإعصار لا يُبقي شيئاً على سطح الأرض ، أما إذا سكن فلطيف جداً ، إذ لا تراه بعينك ، وليس له رائحة ، ولا صوت ولا حِس
وهذا الماء ، لو أخذت منه نقطة ووضعتها تحت المجهر ، وكبَّرْت النقطة مئات المرات لرأيت فيها عشرات بل مئات الكائنات الحية ، بينما يبدو أمامك ماء صافياً عذباً فراتاً رائقاً . لكن الكائنات التي فيه لطيفة ، أي هي من الصِغر بحيث لا تراها
وإذا قلنا الله لطيف بعباده ، فالله عز وجل معك يسمع صوتك ، ويعلم ما في قلبك ، و ما في رأسك من أفكار من وطموحات ، و صراعات ، و آراء ، ومعتقدات ، و تصورات و تخيلاّت ، ويعلم ما في قلبك من هموم و متاعب وآلام ، ومع ذلك فوجوده معك ليس ثقيلاً
واللطيف هو العالم بدقائق الأمور وغوامِضِهِا ، وعلى هذا التفسير يكون الله لطيفاً بمعنى عليماً
واللطيف هو البَرُّ بِعِبَادِه الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون ، ويهيّء مصالحهم من حيث لا يحتسبون ، فربنا عز وجل يهيئ لأهل بلدة ما إنضاج فاكهتهم ، وهم لا يعرفون ، وبعد شهر ترى هذه الفاكهة معروضة في الأسواق بوضع جيد وجميل وطعم طيب ولذيذ ، فمن أنضج هذه الفاكهة طَوَال هذه المدة ؟ إنه لطيف بعباده ، فساعة حر ، وساعة برد ، وساعة ماء غزير ، وساعة ماء قليل ، وأنت لا تدري
واللطيف يعلم دقائق الأمور وينقل عبده من حال إلى حال بلطف عجيب
فهذا الطفل الصغير يجب أن يُغيّر أسنانه ، لأنه لو نبتت له أسنان نهائية ثابتة وفمه صغير جداً ، فمنظره بشع ، فأسنانه كبيرة والفم صغير ، ولو نبتت له الأسنان وهو يلتقم ثدي أمه فيمكن أن يؤذيها أذى مؤلماً لا تحتمله ، فهذا الطفل يكون في السنة الأولى دون أسنان ثم أسنان لبنية ، وبعد ذلك يبدل ربنا عز وجل لهذا الطفل أسنانه ، فالله لطيف ، ولا يوجد طبيب في الأرض يستطيع أن ينزع سناً لطفل من دون أن يبكي ، و لكن ربنا عز وجل يذيب هذا السن شيئاً فشيئاً ثم يأكله الطفل مع اللقمة ولا يشعر بشيء
أما حظ العبد من هذا الاسم فهو الرِفقُ بعباد الله واللطف بهم لا سيما في الدعوة إلى الله
اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ، فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى
دخل أحدهم على ملك وقال له سأعِظُكَ بِغِلْظَة ، قال له ولِمَ الغِلْظَة يا أخي لقد أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني أرسل موسى وهارون إلى فرعون فقال لهما فقولا له قولاً ليناً
وفي شهر رمضان يتجلى اللطيف على عباده فيغمرهم بلطفه وإحسانه ويملأ قلوبهم بحبه وتعظيمه
والحمد لله رب العالمين
المحامية مجد عابدين
فأنا هنا جرح الهوى ...وهناك في وطني جراح
وعليك عيني يا دمشق .... فمنك ينهمر الصباح | | |
تجليات المؤمن في رمضان
بسم الله الرحمن الرحيم
ورد هذا الاسم في قوله تعالى في سورة الحشر: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ
الله عز وجل مؤمن ، ولكن مؤمن بماذا ؟ أما نحن فمؤمنون بالله ، ومؤمنون برسول الله ، ومؤمنون باليوم الآخر
المؤمن اسم فاعل من فعل أمِنَ يأمن أمناً وأماناً ، فعل ( أمن ) له معنيان : المعنى الأول من التصديق ومنه قوله تعالى : قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ
والثاني من الأمن : الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ
والله سبحانه وتعالى مؤمن يصدق رسله ، بعث النبي محمداً رسولاً ، وصدقه أي جعل الناس يصدقونه بالمعجزة ، بعث موسى نبياً وصدقه ، أرسل سيدنا عيسى رسولاً فأعطاه معجزة كي يصدقه الناس
والله سبحانه وتعالى مؤمن بمعنى أن كل شيء وعد به المؤمنين يأتي فعله مصداقاً لوعده ، وعد المؤمن بالحياة الطيبة فإذا عشت الحياة الطيبة فقد َصَدَقك بمعنى أن فعله جاء مصداقاً لوعده
الأحداث التي تعيشها تأتي كلها مصدقة لهذا القرآن، إذا استقمت في البيع والشراء شعرت براحة ووفر الله لك دخلاً طيباً وساق الناس إليك وإذا كنت أميناً رفع الله اسمك بين الناس ، فأي وعدٍ وَعَدَك الله به إذا أنت طبقت ما أنت مأمور به تأتي الحوادث كلها لتصدق لك هذا الوعد
والله سبحانه وتعالى مؤمن يهب الأمن للإنسان ، فلو أن الحديد تارة يكون قاسياً وتارة يكون ليناً فإنك تُنْشِئُ البناء وأنت خائف ، لعل هذا الحديد بعد حين يصبح ليناً فيتداعى البناء ، لقد جعل الله للحديد خصائص ثابتة دائماً فإذا وضعت هذا الحديد مع الاسمنت وأَشَدْت البناء ، تنام مطمئناً وأنت في الطابق التاسع ، ما الذي جعلك تطمئن ؟ ثبات صفات الحديد فلو أن صفات الحديد تبدلت لانهارَ البناء
فيمكن أن نقول : ثبات خصائص المواد هو الذي يهب الأمن للناس
أما الإنسان المؤمن فعليه أن يتخلق باسم المؤمن فتأتي أفعاله كلها مصداقاً لأقواله ، و يجب أن يأمنه الناس
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ
وفي شهر رمضان يكون الأمن والإيمان فتزداد الصلة بالله المؤمن فيهب عبده أمن الطاعة وإيمان النجاة من عذاب الله والحمد لله رب العالمين
المحامية مجد عابدين
فأنا هنا جرح الهوى ...وهناك في وطني جراح
وعليك عيني يا دمشق .... فمنك ينهمر الصباح
|
|
|
|
|
|