{ دراسة قانونية }
ــ العفو العام عمّن تجاوز السبعين من العمر وعن المصابين بالأمراض العضال ــ
هل يشمل كلّ المدعى عليهم ممن تجاوز السبعين من عمره أو كان مصاباً بمرضٍ عُضال غير قابل للشفاء ، أم أنه يشمل من صدر بحقه حكم فقط ؟؟
للإجابة على هذا التساؤل لا بدّ ـ ابتداءً ـ من تعريف العفو العام ومعرفة جذره التاريخي وأساسه القانوني وخصائصه وآثاره ، لمناقشة الحالة موضوع الإشكال على ضوء أحكام القانون ورأي الفقه واجتهاد القضاء .
أولاً : تعريف العفو العام والمراحل التاريخية التي مرّ بها :
عرفه العديد من رجال القانون وفق ما يلي :
1. على أنه : قانون يصدر عن السلطة التشريعية فيشمل جريمة أو عدداً من الجرائم ويكون من شأنه محو الصفة الجرمية عنها وجعلها في حكم الأفعال المباحة .
" د.عبود السراج - قانون العقوبات -القسم العام - ص 388 "
2. وأنه تجريد الفعل من الصفة الجرمية بحيث يصير له حكم الأفعال التي لم يجرمها المشرع أصلاً .
" د. محمد نجيب حسني – شرح قانون العقوبات اللبناني - ص 873 "
3. ويقصد به زوال الصفة الجرمية عن الفعل الذي يعاقب عليه القانون فيغدو وكأنه فعل مباح ، وهو بمثابة تنازل من المجتمع عن حقه في المعاقبة للجاني ولا يكون إلا بقانون ويصح صدوره في أي حالة تكون عليها الدعوى الجزائية وفي أي مرحلة من مراحلها.
" محمد الفاضل – أصول المحاكمات الجزائية - ص 150 "
4. كما عُرّف بأنه : إزالة الصفة الجنائية تماماً عن الفعل المرتكب ومحو آثاره سواء قبل رفع الدعوى أو بعد رفعها أو قبل صدور الحكم أو بعد صدوره بالعقوبة ، فهو يحول دون اتخاذ أي إجراء من إجراءات الدعوى ويوقف إجراءات المحاكمة ويمحو العقوبة الصادرة .
" الدكتور محمد الحلبي - شرح قانون العقوبات الأردني - ط 1 - ص 609 "
5. وبأنه يمحو عن الفعل صفته الإجرامية ويجعله غير معاقب عليه ، أي أنه يعطل أحكام قانون العقوبات بالنسبة للجريمة المرتكبة ويزيل جميع آثاره الجزائية .
" فاروق الكيلاني محاضرات في قانون الأصول الجزائية الأردني ط 2 – ج1 – ص285 "
6. ويعرفه البعض بأنه : أحد أعمال السلطة العامة والتي تبتغي منه إزالة الطبيعة الجزائية للأفعال بأثر رجعي بحيث يطال هذا العمل الدعاوى أو الأحكام بإسقاطها.
7. ونخلص مما تقدم لتعريف العفو العام بأنه : قانون يصدر عن السلطة التشريعية يهدف إلى محو الصفة الجرمية عن الفعل بحيث يصبح غير معاقب عليه فيغدو كأنه فعل مباح وبه يتنازل المجتمع عن حقه بمعاقبة الفاعل على فعله فيمحو آثاره سواء قبل رفع الدعوى أو بعد إقامتها وقبل صدور الحكم أو بعد صدوره ، ويحول هذا القانون دون اتخاذ أي إجراء من إجراءات الدعوى ويوقف إجراءات المحاكمة ويمحو العقوبة إن صدر بها حكم .
فهو أحد الأسباب التي تسقط الأحكام الجزائية أو تمنع أو تعلق تنفيذها وهو مسقط لكل عقوبة أصلية كانت أو فرعية أو إضافية إلا ما استثنى منها بنص صريح فيه ، وهذا ما جاءت عليه أحكام الفصل الخامس من الباب الثاني وذلك في المواد /147-150/ من قانون العقوبات العام الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /148/ تاريخ 22/6/1949 وتعديلاته.
إن المتتبع لتاريخ العفو العام يجد ذكره في القران الكريم قبل أن يُعرف في القوانين الوضعية إذ جاء قوله تعالى : { وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم } صدق الله العظيم
" سورة النور - الآية 21 "
كما كان قد عُرف العفو العام في أغلب العصور بدءاً من العصر الروماني واليوناني وانتهاءً في معظم الدساتير الحديثة .
فاتبّع هذا التقليد في فرنسا حتى كانت سنة 1875 عندما أصبح العفو العام الشامل حقاً في يد السلطة التشريعية وحدها ، وقد كان العفو العام في بداية الأمر منصرفاً إلى الجرائم السياسية ، ثم أخذ نطاقه يتسع حتى تناول بعضاً من جرائم القانون العام .
واستقر العفو العام في أغلب تشريعات العصر الحديث ليصبح من اختصاص السلطة التشريعية ولا يصدر إلا بقانون ، على أنه بقي في انجلترا من حقوق الملك ، وإن كان العفو الشامل غير معروف في القانون الانجليزي كما هو في القانون المصري والفرنسي فهو في انجلترا عفو عن العقوبة ولكنه مع ذلك قريب من العفو العام فيجوز إصداره قبل الحكم .
" الدكتور محمد إسماعيل – شرح الأحكام العامة لقانون العقوبات الأردني - ص 804 "
ثانياً : مشروعية العفو العام وأساسه القانوني والسلطة المختصة بإصداره :
إن مصلحة المجتمع تكمن أحياناً في تجاوز بعض الأفعال الجرمية وإسدال الستار عليها ، وإعطاء فرصة لبعض أبناء المجتمع ممن تشملهم أحكام العفو العام ليعودوا إلى المجتمع أعضاء صالحين يساهمون في بنيانه بعد أن جربوا طعم الحرية من عدمها من خلال ما عايشوه في الملاحقة أو في مساس حرياتهم .
إن إقرار العفو العام هو اختصاص أصيل لمجلس الشعب وفق أحكام المادة /71/ فقرة /6/ من دستور الجمهورية العربية السورية الصادر عام 1973 ، وهذا أمر بديهي لأن السلطة التشريعية هي المخولة بسن التشريعات باختلافها ، وبالتالي هي التي تملك حق تعطيل أو تعديل أو وقف أو إلغاء هذه التشريعات .
كما جاء في المادة /150/ من قانون العقوبات العام أن العفو العام يصدر عن السلطة التشريعية ، ولكن هذا ليس في مطلق الأحوال حيث يتولى رئيس الجمهورية صلاحية التشريع وفقاً لأحكام المادة /111/ من الدستور .
ثالثاً : قوته القانونية وآثاره :
العفو العام من متعلقات النظام العام وهو واجب التطبيق والأخذ به ، فهو إلزامي لا يمكن التذرع بأي ذريعة بغية التنصل من أحكامه أو عدم تطبيقها لارتباطه بفكرة النظام العام لأنه شرع تحقيقاً لمصالح عامة وأساسية ، وبالتالي فيجب أن يثار وبشكل عفوي في أية مرحلة من مراحل التقاضي بما فيها محكمة النقض ولأول مرة ، وتتحصل أهم آثاره وخصائصه بالآتي :
1- يطال الفعل الجرمي بأثر رجعي ، وبالتالي فالفعل لم يعد مجرّماً تبعاً لسلخ الصفة الجرمية عنه بالعفو العام رغم أنه جرم في الأصل وبالتالي فإن الدعوى العامة لا يجوز إقامتها إن لم تقم وكذلك تسقط هذه الدعوى وجميع الأحكام الصادرة ، وبذا تسقط أية عقوبة فرعية كانت أم أصلية لانتفاء الصفة الجرمية عن الفعل بموجب تعليق تطبيق نص العقاب بقانون العفو ، إلا إذا نصّ العفو صراحةً على استثناء أحد العقوبات الفرعية أو الأصلية .
{ الغرامة في الجنايات هي عقوبة إضافية يشملها العفو العام كما يشمل العقوبة إلا إذا استثناها بنص صريح . } .
" نقض سوري – جناية 483 قرار476 تاريخ 20/6/1963 - شرح قانون العقوبات - استانبولي - ج1 - قاعدة 16 - ص 55 "
2- وإذا صدر قانون العفو العام أثناء سير الدعوى الجزائية وقبل الفصل بها في هذه الحالة تقضي المحكمة بسقوط الدعوى ولا تتعرض المحكمة لموضوع الجريمة وذلك لأن العفو العام يمحو الجريمة من أساسها .
{ إن قانون العفو العام الذي اعتبر الجريمة معفاة قد صدر قبل الإدانة وقبل فرض العقوبة وفي مثل هذه الحالة يتوجب توقيف الإجراءات وإسقاط الدعوى العامة عن المتهمين على اعتبار أن العفو العام يمحو الجريمة ويزيل الصفة الجرمية عن الفعل المسند إليه . } .
"قرار تمييز جزاء 72/58- مجلة نقابة المحاميين في الأردن - ص605 - السنة السادسة"
3- العفو العام يسقط الحكم المبرم ويزيل آثاره ، وبالتالي فلا يحتسب هذا الحكم في التكرار وكذلك يشطب من السجل العدلي وليس من داعٍ لإعادة الاعتبار للمحكوم لأنها معادة ومتوجبة بحكم القانون ، كما أنه لا يجوز أن تعاد المحاكمة في الجرائم المشمولة بقانون العفو .
4- إذا كان العفو العام شاملاً للجريمة كاملةً فلا وجه لحساب العقوبة حيث يُستهل القرار به لوقف الإجراءات ، أما إذا كان شاملاً لجزءٍ من العقوبة فيتم حساب أسباب التشديد والتخفيف ويُترك العفو العام لحسابه على محصلة العقوبة التي سيُحكم بها .
{ إذا كان العفو العام شاملاً للجريمة بكاملها بدئ به ، أما إذا كان يشمل بعض العقوبة فيترك للأخير . } .
" نقض سوري – جناية 13 قرار507 تاريخ 4/7/1963 - قاعدة 629 ـ شرح قانون العقوبات ج1 ـ أديب استانبولي ـ ص 448 "
5- وأخيراً فإن العفو العام من النظام العام قواعده آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها ، وبالتالي ليس للمحكوم عليه أو المدعى عليه رفضه وإن كان له مصلحة في إثبات براءته ، كما لا يجوز للمحكمة أن تناقش البراءة أو الإدانة أو توفر المسؤولية من عدمه لمحو أساس الملاحقة أصلاً ، وانتفاء الصفة الجرمية للفعل المشمول بأحكام العفو العام .
{ إن العفو العام من النظام العام الذي يتوجب بحثه في جميع الأدوار ولو لم يثر أمام المحكمة من قبل أحد المتنازعين . } .
" قرار محكمة الجنايات رقم 2143 – أساس 2164 – تاريخ 26/12/1955 – مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة في القضايا الجزائية من عام 1949 وحتى عام 1968 – قا 1822 - ص 1001 "
{ تتعلق أحكام العفو العام بالنظام العام ويجب تطبيقها عفواً ولا يحق للمدعى عليه أو المحكوم عليه رفض هذا التطبيق رغم ما يكون له من مصلحة لإثبات براءته . } .
" قرار تمييز رقم 668 – تاريخ 22/12/1966 – مجلة العدل – بيروت 1968 – قاعدة 314 - ص 439 " .
6- ولا يؤثر على دعوى الحق الشخصي فصفح المجتمع عن المدعى عليه فيما خصّ دعوى الحق العام لا يمتد بأي حال إلى دعوى الحق الشخصي التي تبقى من حق المضرور ، وكذلك يبقى للمدعي الشخصي متابعة دعواه المدنية أمام القضاء الجزائي على ما هو عليه نص المادة 436 أصول جزائية .
{ إن تشميل الجرم بالعفو العام أمام قاضي التحقيق أو قاضي الإحالة لا يحرم المدعي الشخصي من سلوك الطريق الجزائي لدعواه . } .
" نقض سوري – جنحة 1489 قرار 1492 تاريخ 31/5/1964 – قا 142 ـ شرح قانون العقوبات ج1 ـ استانبولي ـ ص 166 "
رابعاً : التفريق بين العفو العام والعفو الخاص :
فرّق الاجتهاد القضائي بين العفو العام والعفو الخاص بشكلٍ واضح وفق ما يلي :
{ إن للعفو العام وللعفو الخاص وللتنفيذ آثار متشابهة من جهة ومتباينة من جهة أخرى ، فهي تؤدي جميعها إلى الإفراج عن المحكوم عليه ، ولكن العفو العام يمحو الجريمة والعقوبة وآثارهما ، أما العفو الخاص يمكن استرداده وفقاً للمادة 155 من قانون العقوبات وليس الأمر كذلك بالنسبة للعفو العام والتنفيذ فمن قضى عقوبته لا يعود إلى تنفيذها مرة ثانية ومن شمله العفو العام لا يُحرم منه أبداً . وكذلك ما جاء في المادة 154 من التصريح بأن إسقاط العقوبة يعادل التنفيذ لا يدل على التساوي المطلق بينهما ولذلك فإن القانون اللبناني وهو المصدر الأول للقانون السوري قد استعمل في المادة 155 كلمة (بمثابة التنفيذ) بدلاً من (يعادل التنفيذ) وفي الترجمة الإفرنسية جاءت كلمة (eteint) في العفو العام وهي بمعنى الإسقاط وكلمة (remise) في العفو الخاص وهي تدلّ على حفظ العقوبة ، وقد عرّف الأستاذ هوجنه العفو الخاص في كتابه دروس في الحقوق الجزائية ـ ص 176 ـ بأنه منحة يتخلص بها المحكوم عليه من عقوبته .
كما وأن الأستاذ فايز الخوري في ترجمته موجز الحقوق الجزائية للأستاذ غارو استعمل كلمة (الحكم) في العفو العام . وكلمة (يعفي من التنفيذ) في العفو الخاص ص 591 و590 وكذلك الأستاذ بازفي شرح أصول المحاكمات الجزائية ص 52 و53 ذكر كلمة (ليمحو) في العفو العام وكلمة (يمنع الإنفاذ) في العفو الخاص .
وكان ظاهراً من ذلك كله أن (إسقاط العقوبة) التي وردت في العفوين معاً لا تدل على معنى واحد ولا يمكن أن تتساوى مع التنفيذ من كلّ الوجوه . } .
" قرار نقض جنايات رقم 876– أساس 881 – تاريخ 26/12/1963 – مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة في القضايا الجزائية من عام 1949 وحتى عام 1968 – قا 1819 - ص 998 "
{ إن الفرق واضح بين العفو العام والعفو الخاص ، فالأول يسقط دعوى الحق العام والعقوبة ويمحو الجريمة التي شملها فلا تكون أساساً للتكرار ، ويتصور قبل صدور الحكم وبعده ، ولا يكون فردياً ، ولا يسترد بعد منحه ، بخلاف العفو الخاص فإنه يسقط العقوبة فقط ويبقي على الحكم وآثاره ، ويمكن استرداده ، ويبقى الجرم أساساً للتكرار .
وبذلك فإن المادة 154 من قانون العقوبات حينما بحثت العفو الخاص ذكرت أن (سقوط العقوبة يعادل التنفيذ) أي يؤدي إلى الإفراج عن المحكوم عليه مع بقاء جميع الآثار القانونية للحكم ، كما يؤدي إلى ذلك تنفيذ العقوبة . } .
" قرار نقض جنايات رقم 416– أساس 924 – تاريخ 6/6/1963 – مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة في القضايا الجزائية من عام 1949 وحتى عام 1968 – قا 1820 - ص 1000 "
ومثلهما :
Vidal et Magnol, I, no 597-6, p.837; Donnedieu de Vabres, no.975, p.548 ; Stefani et Levasseur, I, no.583, p.434.
خامساً : عن مرض العضال :
اجتهد البعض ـ اجتهاد شخصي ـ أن مرض العضال هو مرض السكر إذا وإذا فقط ترافق باختلاطات مثل بتر يد أو رِجل .. إلخ ، أو مرض السرطان بمراحله المتقدمة حصراً .
إلا أن الاجتهاد القضائي للهيئة العامة ـ وأحكامها بمثابة القانون ـ مستقر وبما لا يدع مجالاً للتفسير أن :
{ في معرض تطبيق قانون العفو يعتبر مرض السكر من الأمراض العضالة غير قابلة للشفاء سواءً أكان مترافقاً باختلاط أم لا . } .
" نقض سوري – هيئة عامة – قرار 22 تاريخ ـا 6/6/1978 – شرح قانون العقوبات – أديب استانبولي – ج 1 – 1997 – قا 149 – 173 "
وكان رأي وزارة الصحة بأن مرض السكر يعتبر من الأمراض المزمنة غير قابلة للشفاء سواءً أكان مترافقاً باختلاط أم لا ، وكذلك مرض السرطان بأي مرحلة كان .
وبالتالي فإنه يكفي وجود مرض السكر لتطبيق أحكام العفو العام .
سادساً : في الإجابة على التساؤل الرئيس لهذه الدراسة :
نصّ مرسوم العفو العام رقم 34 تاريخ 7/3/2011 في مادته الأولى على أن :
[ يمنح عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ 7-3-2011 وفقا لما يلي : ...........
و- عن كامل العقوبة المؤقتة للمحكوم الذي أتم السبعين من العمر بتاريخ صدور هذا المرسوم التشريعي.
ز- عن كامل العقوبة المؤقتة أو عن العقوبة المؤبدة للمحكوم المصاب بتاريخ صدور هذا المرسوم التشريعي بمرض عضال غير قابل للشفاء .
...... ]
هل يشمل العفو بالنسبة لهاتين الفقرتين من صدر بحقه حكم قضائي ، أم أنه يشمل جميع المدعى عليهم والمتهمين والمحكوم عليهم ممن تحققت فيهم شرائط أحد الفقرتين / و / و / ز / ؟؟
إن قراءة أولية لإحدى هاتين الفقرتين بمعزلٍ عمّا قبلها وبعدها من فقرات ومواد ؛ قد توحي أنهما لا تشملان إلا من صدر بحقه حكم بالإدانة أو حتى توجب صيرورته باتاً .
ولكن وبالعودة إلى مستهل المادة الأولى نجدها قد نصّت على أن : ((يمنح عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ 7/3/2011)) ، ولم تقل ((عن العقوبات للجرائم الواقعة قبل تاريخ ...)) .
وبالتالي فإن هذا العفو العام يشمل الجريمة بذاتها ويمحو الصفة الجرمية عنها ويجعلها في حكم الأفعال المباحة ، فهذا العفو العام والصيغة التي ورد بها يجرّد الفعل من الصفة الجرمية بحيث يصير له حكم الأفعال التي لم يجرمها المشرع أصلاً ، ويصح بالتالي تطبيقه في أي حالة تكون عليها الدعوى الجزائية وفي أي مرحلة من مراحلها لأنه يعطل أحكام قانون العقوبات بالنسبة للجريمة المرتكبة ويزيل جميع آثارها الجزائية بحسبانه يطال الفعل الجرمي بأثر رجعي ، وبالتالي فالفعل لم يعد مجرّماً تبعاً لسلخ الصفة الجرمية عنه بالعفو العام رغم أنه جرم في الأصل ، وعليه فإن الدعوى العامة لا يجوز إقامتها إن لم تُقَم وكذلك تسقط هذه الدعوى وجميع الأحكام الصادرة ، وذلك وفقاً لما بيّناه أعلاه من آراء الشراح والفقهاء والاجتهاد القضائي المستقر ومنه :
{ إن قانون العفو العام الذي اعتبر الجريمة معفاة قد صدر قبل الإدانة وقبل فرض العقوبة وفي مثل هذه الحالة يتوجب توقيف الإجراءات وإسقاط الدعوى العامة عن المتهمين على اعتبار أن العفو العام يمحو الجريمة ويزيل الصفة الجرمية عن الفعل المسند إليه . } .
"قرار تمييز جزاء 72/58- مجلة نقابة المحاميين في الأردن - السنة السادسة - ص605 "
وهنا علينا تقصي غاية المشترع من هذا النص ؛ وهي أن من أتم السبعين من العمر أو المصاب بمرض عُضال في حال لا تسمح بإرهاقهم بأدوار المحاكمة وإجراءات التقاضي وإتمام مدة العقوبة وتنفيذها إن كانوا محكومين بها .
ولحسم الجدل حول هذه النقطة نورد الاجتهاد التالي :
{ لما كانت الفقرة ( ب ) من المادة الأولى من قانون العفو العام رقم 3 الصادر في 12/3/1958 تنص على إعفاء كامل مدة العقوبة للذين بلغوا السبعين من عمرهم ، وكانت صراحة هذه المادة من جهة إعفاء العقوبة لا تدع مجالاً للذهاب إلى إسقاط الجريمة بالعفو العام لأنها مقتصرة على إسقاط العقوبة فحسب ، ذلك لأن القانون لم يشمل الجرائم المرتكبة قبل10/3/1958 على الإطلاق ، والفقرات من ( آ ) إلى ( هـ ) شملت العقوبات كلاً أو بعضاً بينما شملت الفقرة ( و ) الجنح والمخالفات مما يدل على أن الشارع لم يقصد بعبارة العفو عن العقوبة ما كان قد صدر فيه حكم سابق لنشر القانون بل قصد العفو عن العقوبة في الجرائم المحكوم بها أو التي سيحكم بها . } .
" قرار نقض جنايات رقم 518 – أساس 281– تاريخ 13/10/1959 – مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة في القضايا الجزائية من عام 1949 وحتى عام 1968 – قا 1832 - ص 1008 "
وبالاستنتاج بمفهوم المخالفة نجد أنه لو أن قانون العفو العام رقم 3 الصادر في 12/3/1958 ـ الذي يعالجه الاجتهاد سالف الذكر ـ قد نصّ على العفو العام عن الجرائم المرتكبة قبل10/3/1958 لكان تطبيق هذا القانون على الجريمة ، ولكن طالما أن ((الفقرات من ( آ ) إلى ( هـ ) منه شملت العقوبات كلاً أو بعضاً)) ولم ينصّ على ((العفو العام عن الجرائم المرتكبة قبل10/3/1958)) فإنه يكون عفو على العقوبة فقط ، وفي هذه الحالة لا يمحو الجريمة وإنما يخفض من مدة عقوبتها أو يوقف نفاذها تبعاً لظروف صدوره حينها ، ووفقاً لذلك يسمى " عفواً مختلطاً " ليقع في الوسط بين أحكام العفو العام وأحكام العفو الخاص ، خلافاً للعفو العام الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 34 لعام 2011 الذي جاء عفواً عاماً على الجرائم ( وليس على العقوبات ) ويطبق عليه ـ بهذه المثابة ـ كافة الأحكام المذكورة في البند (( ثالثاً )) أعلاه من حيث آثاره وخصائصه ، ومنها أنه من النظام العام ويمحو الجريمة وآثارها ويستوجب التطبيق في أية حالة تكون عليها الدعوى .
أضف إلى ذلك أنه وبالرجوع إلى مبدأ وجوب تطبيق القانون الأصلح للمتهم وتفسير الشك في صالح المدعى عليه ، وكذلك قواعد العدالة ومبادئ القانون الطبيعي تقضي بشمول كل من المدعى عليهم والمتهمين ومن صدرت بحقهم أحكام باتة أو غير باتّة بأحكام الفقرتين / و / و / ز / من المادة الأولى من مرسوم العفو رقم 34 بحسبان أنه قد ثبت عليه ارتكاب الجريمة وقُضي عليه بعقوبة معينة شمله العفو ، فمن بابٍ أولى شمول من هو متهم أو مدعىً عليه ولم يتم ثبوت ارتكابه الجرم بحكم قضائي بعد ، لأن من يملك الأكثر يملك الأقل ! .
هذا كله إلى جانب إعمال المنطق بأن الأخذ بالمبدأ الدستوري القاضي بأن المتهم برئ حتى تثبت إدانته بحكم قضائي مبرم ، وأن الأصل البراءة ، من جهة ؛ وعدم تشميل المدعى عليهم والمتهمين ممن ذكرتهم الفقرتين / و / و / ز / سيؤدي إلى إرهاقهم في أدوار المحاكمة واستمرار توقيف من هو موقوف منهم ، وهذا يتجافى مع ما كان يرومه المشترع من إصداره قانون العفو هذا ، والذي هدف منه إسدال ستار النسيان على ما نُسب إلى هذه الفئة من المدعى عليهم أو ما قضيَ عليهم به ليعيشوا بقية حياتهم بسلام واستقرار سابعاً : الخلاصة :
1. العفو وفق الفقرتين /و/ و /ز/ من المادة الأولى يشمل المحكوم والمدعى عليه سواءً كانت الدعوى محسومة بقرار أم لا .
2. العفو عن الأمراض العضال يشمل مرضى السكر سواءً كان مترافق باختلاط أم لا وكذلك مرض السرطان بأي مرحلة كانت .