الأخ العزيز والأستاذ الأريب/ طه عبد الجليل..
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،،،
أشاطرك الرأي بورود استثناءات على المبدأ المنوه عنه، شأن أغلب القواعد العامة، ولكن لا أحسب أن ثمة استثناء يسري على الوقائع المنسوبة إلى المتهم/ حسني مبارك، وأعوانه؛ ذلك أن الصلح غير متصور في جرائم القتل العمد، وحتى من الناحية الشرعية فهي تعتبر من جرائم الحرابة (إفساد في الأرض) وإسقاط أولياء الدم لحقهم (وهو غير متصور في حالتنا) لا ينال من أحقية الحاكم في معاقبة الجناة تحقيقاً للردع العام.
وبشأن ما أوردته عن استحباب العفو، فهو أمر لا ننازعك فيه من حيث الأصل، وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"اعف عمن ظلمك ، وصل من قطعك، وأحسن إلى من أساء إليك وقل الحق ولو على نفسك" ، ولكن لا نسلم لك بتحقق مناط استحسان العفو على الطاغية الذي استبد بشعبه ثلاثة عقود من الزمن، وتنوعت جرائمه ما بين اعتداء على النفس، والعرض، والمال، وكان أخطرها على الدين.
أخي الحبيب .. أرى أن ما أوردته في السياق سالف البيان باستحسان العفو عن الطاغية وأعوانه، قياساً على ما تواترت عليه الآثار المنوه عنها بشأن استحسان العفو، هي تسري في حقيقتها على جرائم الآحاد، ولا علاقة للأمر بجرائم يغلب عليها الحق العام، وليس الحق الخاص، وإزاء ما تقدم فإن استدلالك باستحسان العفو يكون مبني على قياس مع الفارق.
ولئن كنت تملك أستاذي حق العفو عن مظلمة ذلك الطاغية ضدك، فإن أحداً لا يملك حق العفو نيابة عن كل مقتول، أو معذب في عهده ظلماً وعدواناً، ولست أتصور كذلك أن العفو يصح في جرائم هتك العرض، وقد ثبت أن وقع في عهده انتهاكات للأعراض يشق حصرها، وأحيلك في ذلك الشأن إلى رواية المعتقل السابق/ مجدي عثمان، الذي كشف عن جرائم ضد الإنسانية ارتكبت ضد رفاقه، حيث كان الجلاد يخدر المعتقل، ويدخل عليه الذئب الجنائي ليهتك عرضه (!) فإذا استفاق المجني عليه وجد نفسه والحال ما ذكر، فيصاب بصدمة نفسية عنيفة، ويمتنع عن الأكل حتى الموت، فهل تراك أخي وهذا المجني عليه أن لو عاد للحياة الدنيا هل من الممكن أن يعف عنه الطاغية الذي سمح بهتك عرضه(؟)، وما نقم الطغاة منه إلا أن آمن بالله العزيز الحميد (!!)
أخي الحبيب.. إزاء آيات الحث على العفو، وأحاديث الترغيب في الصفح، ثمة آيات وأحاديث أخريات تحث على القصاص، وتطبيق العقوبة على الجاني بغير رأفة ولا رحمة.
فالله عز وجل يقول: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "
ويقول: "وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ "
ويقول سبحانه: "فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ"
ويقول: " كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ"
ويقول عز وجل: "وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ"
وفي الحديث الذي رواه الإمام مسلم: أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم . في غزوة الفتح . فقالوا : من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا : ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد ، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم . فكلمه فيها أسامة بن زيد . فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال ( أتشفع في حد من حدود الله ؟ ) فقال له أسامة : استغفر لي . يا رسول الله ! فلما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختطب . فأثنى على الله بما هو أهله . ثم قال ( أما بعد . فإنما أهلك الذين من قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف ، تركوه . وإذا سرق فيهم الضعيف ، أقاموا عليه الحد . وإني ، والذي نفسي بيده ! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها . قال يونس : قال ابن شهاب : قال عروة : قالت عائشة : فحسنت توبتها بعد . وتزوجت . وكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي الحقيقة أخي الحبيب أنني لا أجد مبرراً واحداً من شأنه أن يحفز على العفو عن هذا الطاغية، الذي سعى في البلاد، فأكثر فيها الفساد، بل أصدقك القول بأنني أتعبد إلى الله بالتضرع إليه -سبحانه- بأن يمد في عمر هذا الطاغية حتى يلبس ثوب الذل، والخزي، والعار، جزاءً وفاقاً؛ فيكون لم خلفه آية.
ولنا في جبريل -عليه السلام- أسوة بما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: لما أغرق الله فرعون قال: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل}
فقال جبريل: يا محمد، فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة..
وهل ترى أستاذنا الحبيب أن أطفال غزة ونساءها وشهداءها يرضيهم هذا العفو..
عفواً أستاذ/ طه عبد الجليل.. لماذا لا تتنازل عن جميع الدعاوى التي تباشرها نيابة عن الشيخ يوسف البدري ضد عادل حمودة وجابر عصفور وغيرهم من التيار العلماني المتشدد، وقد صح عندك استحسان العفو ؟؟
تقبل تحياتي،،،
أخوكم
محمد عبد المنعم
|