اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
الشيماء
التاريخ
4/22/2011 4:37:15 PM
  الزلزال لا يدمر دائماً .... أنت صديقي      

الزلزال لا يدمر دائماً .... أنت صديقي 

لم يكن خالد ابن القرية الوادعة التي تغفو على شاطئ البحر يتصور يوماً أن يواجه هذا التحدي لا بل لنقل الحقيقة لم يكن ليتصور يوماً أن تأخذه الحيرة في ذاك التحدي والخيار واضح بالنسبة له لا لبس فيه فلا شيء يعلو فوق الفضيلة وقيم ينطق بها بجهر وحزم وجه والده العجوز الذي غضنته السنون و أتعبته ذلك الوجه الجاد الذي ما زال يمثل أمامه والصوت الحازم : يا بني لا تبع يوماً نفسك لشيطان الرغبة فالمال بريقه أخاذ لكن وخز الندم أمر ...... نعم يا أبتاه نعم أعرف فظهرك قد حنته الأيام تعباً لكن جبينك ما زال عالياً دائماً سأكون مثلك يا أبي أتضرع لله كل يوم أن تعلو نفسي بالفضيلة والحق .

وهكذا عاش خالد يسمو بنفسه عن الصغائر و كل أمر مشين تخرج من الجامعة و لم يقم يوماً باللجوء للغش من أجل درجة واحدة تعب ونجح بجهده ليوافق فور تخرجه الإعلان عن مسابقة في أحد الدوائر الرسمية .... تقدم يا بني الوظيفة مستقبلها مضمون وقرشها حلال ......سمعاً و طاعة يا أبي وتقدم خالد مسلحاً بالإيمان بالله أولاً ودعاء والده ثانياً ومن ثم شهادته الجامعية التي لا يدنسها غش أو تزوير وعين في تلك الوظيفة وترك قريته غافية على شاطئ البحر وغادر إلى العاصمة الصاخبة ليلتحق بعمله الجديد كان سعيداً به وكما كان طالباً مثالياً فقد عرف ومع مرور الأيام بأنه الموظف النزيه الذي لا يمكن أن يفكر أحد بأن يطلب منه تسيير معاملة تخالف القوانين أو التعليمات و مرت السنين ليصبح خالد رب أسرة بأطفالها الثلاث وزوجة كل يوم تطلب المزيد من حاجات الرفاهية الأيام تمر والمعيشة تزداد صعوبة والمرتب لا يفي بالمطلوب وخالد يسعى ليعمل بعد الظهر بعمل أخر يزيد دخله ..... لم يكن يوفق بعمل دائم يأمن له مزيد من الدخل ورضي بما قسم الله له لكن هذا الرضا لم يكن ليمنعه من أن يحلم بسيارة فارهة و منزل فاخر وأثاث مريح أليس حقه أن يحيا بنعيم كما كثيرون من حوله ؟؟ نعم رغبة المال أخاذة أنها تعصف بخالد ودون أن يدري .

لم يكن يتصور يوماً أن يحصل لقاء بينه وبين وائل ذاك العميل الذي كان يتردد إليهم في الدائرة إذ لم يكن بينهما أكثر من التحية المألوفة والمجاملة خلال العمل المطلوب إلا أن شعوراً من الاحترام المتبادل كان يخالط كل منهما نحو الآخر فكما هو خالد موظف نزيه لا يقبل رشوة كذلك وائل عميل مثالي لا يقبل أن يدفع تلك الرشوة ومعاملاته كلها تندرج في إطار القانون وهذا ما أثار إعجاب خالد به ووافق هواه وكذلك كان حال وائل نحو خالد مما جعل منهما صديقان بشكل غير مباشر ومعلن ........ ولكن حتى  متى يصمد كل منهما في أنواء الحياة و قوتها ؟ خالد ذو الأطفال الثلاث والزوجة الغضوب أم وائل وهو المسؤول عن عائلة بكاملها لا يقل عددها عن خمسة عشر شخصاً ودع معيلهم الأكبر الحياة ليترك المال والنفوس أمانة بين يدي وائل ومن سواه يصلح لإدارة هذا المال ورعاية القاصرين ؟

وجاء يوم الزلزال العاصف ........... يوم ليس بهين على من عصف به

وائل يحتاج لتسيير معاملة شحن بضاعته الملقاة في مخازن الدائرة ولكن يشوب أوراقه بعض النقص وسيفقد أخوته المال وتضيع الأمانة إن لم  يتم نقل البضاعة حتى عرف كل العاملين ذلك وخالد يدور رأسه و يغيب في طلبات المنزل والأولاد ....... ويدعو وائل خالد لمنزله ..... ورغم معرفته بكل الظروف القاسية له ولوائل إلا أن الثقة بنفسه تملأه أنه ثابت على فضيلته وثقته بوائل وما يعرفه عنه لم تدع التردد الذي شابه في البداية لقبول الدعوى يطول فلبى الدعوة بسرور لا بل كان سعيداً وكأنه على موعد مع صديق مقرب ووصل إليه واستقبله أخوة وائل الصغار بترحاب طفولي شده كثيراً ..........

ولم يطل اللقاء ليعصف الزلزال ........... وائل يمهد لخالد لطلب تسيير معاملته وقبول أجراً لقاء ذلك ولكن خالد لا تنسيه مثالية وائل واستقامته أن ذلك رشوة ....... غير أن صوت الأولاد وحرمانهم من أبسط ما يعيشه أقرانهم هوت بحصونه ودمرت قلاعه العالية لتجده يقبل عرض وائل !!!!!!!!

وبدون مقدمات مغرقة في الإطالة تمت الصفقة !!!!!!!!!!

وفي اليوم التالي كانت بضاعة وائل تعبر المخازن بيسر وسلاسة وكانت مائدة خالد عامرة بصنوف الطعام الشهي .....

أكل خالد وشبع ولكنه لأول مرة ومع كل هذا الطعام يشعر بالمرارة تملأ حلقه وهل كان حال وائل خيراً منه ؟؟؟؟ لأول مرة ترى البسمة تفارق وجهه ؟ أهذه وصية والدي بالمحافظة على مال أخوتي نقياً حلالاً ؟ هل تمت المعاملة وفق ما يجب أن يكون ؟

و هاهو خالد يتقدم بطلب إجازة مفتوحة من عمله ........غادر المنزل وزوجته تسأل أين وجهته ولا يجيب ...... أغلق هاتفه الخاص واتجه نحو القرية الوادعة لا ليرى أخوته وذويه ويقضي معهم الساعات ولكن سارع لمنزلهم الخالي على أطراف القرية ....... دخل خلسة كأنه لا يريد أن يشعر به أحد ويعرف بقدومه فيفسد عليه خلوته هرع لغرفة والده المقفلة والتي ما زال عبقه فيها رغم رحيله وألقى بنفسه على السرير القديم وانخرط في نوبة بكاء حادة أحس بروحه تنتزع من بين جنبيه وهو يشهق بألم وحرقة ..... أأنا أنا خالد ؟ هل دنست فضيلتي بدراهم وضيعة ؟ سامحني يا أبي لا تغضب مني .....أهي الحاجة للقمة شهية و ثوب جديد لابنتي كانت تعصف بي ولا أشعر ؟ هل كذبت على نفسي ؟ وهل أنا من جارى وائل أم وائل جاراني هل هو يشعر الآن بما أشعر به من ألم ؟؟ أنا متأكد من ذلك فلطالما عرفته مثال العميل الرائع المتمسك بحذافير القانون ؟ من كان منا بحاجة لتلك الصفقة أكثر أنا أم هو ؟؟؟؟

أحتاجك يا صديقي القديم الجديد ...... لكن أعذرني إن أسأت لك وقبلت رشوتك وأنا بدوري أسامحك وإن بادرت أنت بعرضها لكن أتعرف لماذا يا صديقي ؟ لأنك أعدت لي صلتي برب غفور فطلبات عائلتي الكثيرة جعلت طقوس عبادتي منذ مدة باردة يشوبها الاعتياد لا وهج لقاء القرب من الله واليوم أنت بفعلتك هذه وشعور الذنب فها أنا اقترب من الغفور الرحيم أكثر ............ قام خالد لموضأه وغسل وجهه الدامع بماء بارد مثل هذا الشتاء الذي يلف القرية وفي ليل ساكن وقف يصلي بخشوع افتقده منذ زمن طويل ........... وأشرقت شمس يوم جديد وهو يقول لنفسه :

الزلزال لا يدمر دائماً ........سوف أبحث عن عمل آخر يوفر لي المزيد من الدخل بشكل مشروع فهل أنت ستكمل معاملتك يا وائل بشكل مشروع كذلك ؟ نعم مؤكد فلا بد أن الزلزال قد طالك أيضاً

هل سنلتقي ؟ لست أدري يا صديقي لكن لنردد معاً :

الزلزال لا يدمر دائماً ....... بل يبعث الحياة من جديد


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 1961 / عدد الاعضاء 62