اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
التاريخ
3/4/2011 3:47:41 AM
  دراسة تحليلية في فقه ثورة الصبّار      

                    دراسة تحليلية في فقه "ثورة الصبار"

كما يقول الجميع : لم يكن أحد يتوقع أن تقوم ثورة في مصر !! والذين لم يتوقعوا الثورة إما أنهم فقدوا الثقة في الشعب وظنوا أنه سيظل مخدرا غائبا عن الوعي الوطني ، وإما أنهم بالغوا في قوة النظام الضعيف ... ولكن الثورة ـ رغم الدهشة التي أصابت الجميع ـ كانت تُخفي نفسها تحت جبل جليد وهمي .... وكما يقول علماء الاجتماع : " إن أعظم الثورات هي التي تنجح في إخفاء لهيبها " وكما هناك موت الفجأة الذي يستعيذ منه الصالحون فهناك ثورة الفجأة التي يستعيذ منها الحكام ، ولكن مبارك لم يستطع الاستعاذة من ثورتنا فداهمته وداهمت نظامه .

بدأت ملامح الثورة تتشكل في وعي الأمة بعد انتخابات البرلمان السابقة ، هذه الانتخابات التي حوَّلت وادي النيل إلى مربع كبير ، انقسم هذا المربع الكبير إلى قسمين أحدهما مرئي ظاهر للعيان ، والثاني خفي إلا أن آثاره كانت تعبر عن نفسها ، القسم المرئي هو قسم الحزب الوطني وقد تصدر المشهد فيه جمال مبارك وقد اختفى خلفه يؤازره ويشد من عضده عرَّاب التوريث إبراهيم كامل ، وتعلق بأهدابه الأخوان "الطليعيان" علي الدين هلال ومفيد شهاب ، وتأبط ذراعه أحمد عز الذي حمل في ركابه خزائن المال المتنقلة المسماه " رجال الأعمال " وفي وسط المربع جلست الهانم سوزان مبارك ومعها " عاكس الحقيقة " أنس الفقي المستنسخ من "جوزيف جوبلز" وزير إعلام هتلر والذي اشتهر بمقولة اكذب واكذب واكذب حتى يصبح الكذب وكأنه حقيقة ، وبجواره "حامل الحقيبة" زكريا عزمي الملقب بـ "داهية الدهاليز والكواليس" ، وجلس على أطراف المربع الكاهنان فتحي سرور وصفوت الشريف يشرفان ويعطيان للحالم بالتوريث أوهام الحكمة ، وكان صمام أمنهم وحارسهم الخاص ومترجم أحلامهم هو حبيب العادلي  ، وهناك في زاوية المربع جلس الرئيس السابق حسني مبارك لا يدري من أمره شيئا ، لا يفهم إلا ما يقولونه له ولا يرى إلا ما يرونه .

القسم الآخر من المربع الكبير وهو القسم الخفي كان يقتسمه التوأمان "الشعب والجيش" ويجلس في زواياه بعض الأحزاب، أما الزاوية الكبرى فقد كانت لجماعة الإخوان المسلمين ... لم يكن أحد من أفراد المربع الأول يظن أن قسم الوطن والشعب سيكون له الشأن الأكبر في تغيير مرتقب ... حتى بعض أفراد هذا القسم نفسه لم يصدقوا ، فالشعب اعتراه الإحباط والأحزاب أدركت أن النظام قام بتنحيتها عن الجماهير ولم يسمح لها بالظهور إلا بمقدار ، أما جماعة الإخوان فقد عاشت بنفسية الضحية التي تعجز عن الفعل وتنتظر ما يفعله النظام بها لتصبر وتحتسب ، وفي الوقت الذي ظن فيه هؤلاء جميعهم أنهم يمثلون الشعب أو يقودونه استيقظوا ذات يوم ليجدوا الشعب قد سبقهم وأصبح قائدا لهم وقاطرة تجرهم جرَّا وكأنهم مجموعة من قطــارات السـكـة الحـديد المعـطلة !! ولأول مرة في تاريخ الشعوب يقود شعبُُ ُ نخباً وزعماءَ إلى ميدان الثورة !!.

أمسك الصبي أحمد عز " علبة الكبريت " وأشعل لهب الثورة الأول ... قام في "الفاتح من ديسمبر" بتزوير الانتخابات البرلمانية بصورة فجة تحت حماية الميليشيات الخاصة التي ربّاها على يديه "حبيب العادلي" وأنفق عليها رجال الأعمال من أتباع البلاط الرئاسي الذين جلسوا على نافورة المال المصري يغترفون منها ــ ومنه ــ ويرسلون غنائمهم التي اغتنموها إلى بنوك الغرب وضواحيه .... وحين يترك النظام أقداره وأحلامه في يد تاجر فإنه يكون قد وضع نفسه رهنا للمضاربة والمقامرة ، فإذا كان التاجر " غشيما " لا حصيفا فإنه يكون قد أدخل نفسه في دائرة المغامرة ... السياسي يحسب خطواته ويتحسب لنتائج أفعاله لذلك كان الراحل كمال الشاذلي يزوِّر الانتخابات دون أن يغلق الأبواب في وجه المعارضة ،كان يسمح بوجود الشرفاء والمخلصين في البرلمان ولكنه كان يكبلهم بقيود ناعمة ، كان يذبح وهو يُقبِّل رأس الضحية ، أما التاجر عز فقد تعامل مع انتخابات البرلمان بنظرية ( إما نحن وإما هم ) ، تصرف عز وكأن البرلمان المصري شركة مساهمة لا ينبغي أن يمتلكها إلا جمال مبارك وأصحابه ، لذلك قام بشراء أسهم البرلمان ووضعها جميعها في يد صاحبه جمال .

وصلت رسالة التزوير إلى من يهمه الأمر "هذا مجلس تم تشكيله ليكون الممر القانوني إلى التوريث ، والتوريث يجب أن يتم فجأة وبهدوء دون شوشرة أو عقبات ، كتبوا على باب البرلمان المصري عبارة سيارات الجنائز " تحت الطلب " بهدف الوصول إلى " توريث الفجأة " ففاجأتهم " ثورة الفجأة " ! .

لم يكن الأب مبارك بعيدا عن التوريث ، في البداية أظهر أنه لم يقبله ، ثم قبله على مضض ، ثم تحمس له وكان راعيا حقيقيا لخطواته ، بل كان يأتمر في شأنه بأمر الوالدة باشا سوزان ثابت والخديوي الصغير جمال مبارك ، ومن الحين والحين كان الأب مبارك العسكري المحنك يرسل رسائل طمأنة إلى من يهمه الأمر ، كان يقول : إنه سيظل يحكم ما دام في الجسد نفس يتردد وقلب ينبض ، وكان يقول في بعض اللقاءات مع بعض الوزراء أثناء مناقشة بعض المشروعات الوهمية أنه لن يعطي لمشروعاتهم دعما آخرا بعد عام 2012 ، لم يفهم بعضنا مغزى أن يقول لأحد الوزراء : إذا طلبت مني دعما بعد عام 2012 فلن أعطيه لك ... وكأنه يقول لمن يهمه الأمر : سأكون أنا الرئيس القادم ! صمت الرئيس وصمتت مؤسسته الحزبية عن تسمية مرشح الحزب الوطني القادم رغم اقتراب موعد الانتخابات وكأنه أحد الأسرار الحربية ، وقد كان بالفعل أحد الأسرار الحربية ، فالرئيس ـ ونجله ـ يريد أن يضعنا أمام الأمر الواقع ، يتركان في الأذهان انطباعا بأن الأب سيكون هو المرشح ثم إذ فجأة يكون الابن هو المرشح ، وقتها سنكون جميعنا أمام الأمر الواقع ـ الواقع ـ وستكون ميليشيات العادلي هي من سيجعل الكل يرضخ لهذا الترشيح ويقبل نتيجة الانتخابات الرئاسية تحت زعم المشروعية والاستقرار ، وما لا يتم قبوله بالحسنى سيتم قبوله بالإجبار ، أما الابن فقد كانت تصريحاته حاسمة في أنه لن يتم إجراء أي تعديل على المادة 76 من الدستور ، بمعنى أن القيود التعجيزية ستظل كما هي تمنع أي مرشح قوي من خوض الانتخابات ، فالبرلمان في حيازة " الخديوي الصغير " وأعضاء البرلمان تم اختيارهم لصفقة التوريث ، وشروط الترشيح تجعل المرشح القوي من المستحيلات مثل الغول والعنقاء والخل الوفي ، وإذا كان البعض يظن أن شروط المادة 76 قد تم وضعها لحماية الرئيس فإنه يكون واهما ذلك أن هذه المادة تم تفصيلها بمعرفة الحائك البارع فتحي سرور لتكون على " مقاس " ابن الرئيس .

حين ظن الرئيس السابق أن الشعب لن يفهم ، وأن كل من يهمه الأمر لن يستوعب ، وأنه بما سلف وبخطته الناعمة يكون قد أتم الاستعداد لضربة رئاسية جوية تنطلق من سماء البرلمان لتصيب القوى الحقيقية للشعب ، حين ظن ذلك كان قد أثبت للجميع أنه فقد خطوط الاتصال مع الشعب وانفصل عنه وعجز عن قراءة أفكاره ، في ذات الوقت كان ابن الرئيس يظن أنه هو الذكي أما الشعب فهم قطيع من الأغبياء ، تعامل معنا على هذا الأساس ، لم يتعلم الخديوي الصغير من معلمه "علي الدين هلال" أن الغبي ليس بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي ، فوقع " الغبي منه فيه " في مصيدة " المتغابي " وإذا كان الرئيس السابق طيارا وقائدا جويا فهناك من الشعب من برع في اصطياد الطائرات ، وهذه بتلك ، واللبيب بالإشارة يفهم .

كان العريس ينتظر التوريث ، كان على أحر من الجمر شوقا ورغبة في الرئاسة ، كان يتحرَّق على أشواق الهوى ، إلا أنه لم يدرك أنه كان يتحرك على أشواك الجوى ، والرغبة المحمومة تُعمي البصر وتطمس على البصائر .

وها هي اللحظة المناسبة قد حانت ، إشارة البداية ، ولتكن البداية هي عيد الشرطة التي جعلها العادلي فوق الشعب بدلا من أن تكون في خدمته ، الشرطة التي تحوَّلت إلى حراسة خاصة للأسرة الحاكمة ، ظل العادلي في موقعه كما لم يبق وزيرا من قبله ، ثم أصبح حاكما بأمره يناطح قادة القوات المسلحة ويمتلك جنودا أضعاف الجيش الذي يحمي الوطن ، القوات المسلحة تحمي الوطن كله ، أما الشرطة المليونية فمهمتها فقط حماية مواطن واحد وأسرته ، واحد ونصف بالمائة من مجموع الشعب يحمي واحدا من الشعب ، هذه هي معادلة حبيب العادلي التي ضمنت له الاستمرار إلى أن شاء الله .

كانت الحالة الأمنية في الأشهر التي تسبق الثورة ـ وعيد الشرطة ـ مرتبكة ، حالات تعذيب ممنهج يقوم بها جهاز أمن الدولة ، قتل أثناء التعذيب ، عمليات إرهابية فشلت الشرطة في الكشف عنها ، أو بالأحرى نجحت الشرطة في عدم الكشف عنها ، ومع هذا الجو غير الآمن كان مشهد الاحتفال بالشرطة أمرا هزليا .

ومن الهزل إلى الثورة ، خرجت الدعوة من جروب " كلنا خالد سعيد " إلى الخروج في يــوم الشــرطـة في مظــاهرة للتعبير عــن الاحتجاج ضــد ممــارسات الشــرطة الإجرامية ، وتفاعل مع هذه الدعوة بعض الحركات الاحتجاجية بالإضافة إلى حزبي الوسط والكرامة ، ولأن غرور القوة قد هيمن على العادلي فقد وضع هذه المظاهرات في جراب اللامبالاة ـ ومن الجيد أنه فعل .

 كان عدد المحتجين أثناء نهار الخامس والعشرين من يناير قليلا ، ومع قدوم الليل كان قدوم ليل النظام ، زاد عدد المحتجين وأخذت مجموعات تتوالى على ميدان التحرير ، وظهر بعض أفراد من قيادات الأحزاب على استحياء وكأنهم يجسون النبض ، وحين كنت أقف مع الدكتور مجدي قرقر رأيت عشرات من شباب الإخوان يتوافدون على الميدان وإذ سألت أحدهم عن أبيه قال : إن شباب الإخوان خرجوا بمبادرة فردية منهم إلا أن الآباء لم يتلقوا أمرا بالخروج ، وبعد انتصاف الليل بدأ الملل يتسرب إلى العادلي فقد ظهر أمامه أن شباب التحرير في نيتهم استمرار البقاء بالميدان إلى ما لانهاية فضلا عن أن مظاهرات السويس والإسكندرية والمحلة كانت أكثر سخونة من القاهرة وخشي أن تنتقل هذه السخونة وهذه الريح إلى القاهرة فتحيل الشتاء إلى خريف للنظام بأكمله فأمر بضرب المتظاهرين في التحرير بالغازات الخانقة والرصاص المطاطي ، ظن العادلي أن ساعة من القصف ستكفي لإنهاء الوضع بأكمله إلا أنه لم يتوقع أبدا أن تستمر المظاهرات ، ولم يرد على باله أن يقاوم الشباب جحافل الشرطة ولكن جاءت المظاهرات وصمودها بما لا يشتهي النظام .

كانت جمعة الغضب هي العلامة الفارقة في ثورتنا المصرية التي أطلق عليها الشاعر الثائر عبد الرحمن يوسف " ثورة الصبار " انضم للثورة كل طوائف الشعب وملايين من أبناء الطبقة المتوسطة وكل أفراد جماعة الإخوان بأسرهم ، ويحمد لهذه الثورة أنه بها تم قطع الطريق على ثورة أخرى كانت مرتقبة ألا وهي ثورة العشوائيات والمهمشين والتي كان من شأنها أن تحوِّل البلد إلى منطقة خربة خاوية على عروشها ، وإذ ظهر أن صمود المتظاهرين ليس له سابقة في التاريخ الحديث واستطاع الشعب دحر كتائب العادلي وأمنه المركزي حينها التاع الرجل وفقد عقله وأمر ـ أو أُمر ـ بإطلاق الرصاص الحي على الشعب بلا تمييز ، وكان دم الشهداء هو الحبر الأحمر الذي كتب قرار إسقاط النظام .

ومع نزول الجيش كان لابد وأن يلجأ العادلي للخطة الأمنية التي يُطلقون عليها ( الخطة ج ) فليس في طوقه أن يقاوم الجيش الذي أرسل للشعب كله رسالة مفادها أن الجيش نزل لحماية الشعب لا لقهره ... وحين يظهر النور تختفي الخفافيش ، انسحبت الشرطة في كل الجمهورية بأوامر عادلية عالية وبدأت فور انسحابها في تنفيذ الخطة ج التي تعتمد في شقها الأول على بث الخوف والهلع في نفوس الشعب كله ، فلسفة هذه الخطة تستند إلى نظرية ( هرم ماسلو ) أو هرم الاحتياجات الإنسانية والتي تتدرج من قاعدة الاحتياجات الفسيولوجية كالطعام والشراب إلى منطقةٍ أعلى من الهرم تمثل احتياجات الإنسان للأمن الجسدي والأسري والصحي وصولا إلى قمة الهرم المتمثلة في الحاجات الروحية والنفسية وتقدير الذات والقيم العليا ، ولكي يعود الثائرون إلى بيوتهم تقتضي الخطة تهديدهم في أمنهم الجسدي وأمن أسرهم ، ولكي يفقد الشعب الثقة في أن الجيش سيحميه لذلك كان الترويع ... وفي الترويع سبع فوائد ، وأهم فائدة هي الوقيعة بين الشعب والجيش ، فالعادلي يقول للشعب ها هو الجيش الذي نزل لحمايتك يقف عاجزا وأنا أنا الذي أحمي ، ادعوني استجب لكم ، وبالفعل قامت قيادات كبيرة من الشرطة بالاتصال ببعض رموز الثورة تفاوضها بهدف أن يقوم الثوار بالهتاف للشرطة وتعظيم رموزها إلا أن الثوار رفضوا وتهكموا وقالوا لقيادات من المجلس الأعلى للشرطة : للشعب رب يحميه ، وللشعب جيش يحميه .

عصابات الترويع "العادلية" هذه هي ميليشيات مدربة تشبه "التنظيم الطليعي السري" الذي كان منبثقا من الاتحاد الاشتراكي في العهد الناصري إلا أن أهدافها تختلف ، فالتنظيم الطليعي كان تنظيما سياسيا أما تنظيم العادلي فرسالته إرهابية ، بدأ العادلي في تشكيل هذا "التنظيم السري المحظور" منذ سنوات لحماية الوريث المنتظر وتوطيد أركان حكمه ـ إذا حكم ـ فقد قام رجال العادلي في جهاز أمن الدولة خلال سنوات بانتقاء بعض شباب الشرطة من أصحاب القدرات البدنية المرتفعة مع تدني قدراتهم الذهنية لكي يكونوا سلاحا بشريا سريا فتاكا ، ومع هؤلاء تم ضم آلاف "الفتوات" وأصحاب السوابق والمسجلين خطر ، وبذلك تشكل " التنظيم الإرهابي السري المحظور " والذي يعاقب القانون أصحابه بعقوبات تصل إلى الإعدام وفقا للمادة 86 مكرر " أ " من قانون العقوبات .

ومع جرائم الترويع وإطلاق الرصاص والنهب والحرق وسرقة المتاجر وحرق أقسام الشرطة ومقرَّات الحزب الوطني وهدم أسوار السجون وإطلاق سراح المساجين وقتل من لا يستجيب من ضباط الشرطة لمخطط تهريب المجرمين كانت الملامح الأولى للثورة المضادة ، ومن اللافت لكل ذي بصيرة أن عصابات الترويع والحرق بدأت هجومها الإرهابي في كل الجمهورية في نفس التوقيت وبذات الطريقة حتى طريقة هدم أسوار السجون وإطلاق الرصاص العشوائي واستخدام سيارات الإسعاف و" بوكسات الشرطة " في الغارات الليلية هي هي ، ثم بدأ ترويع إعلامي على مستوى آخر ، فالأخ " جوبلز "  الشهير بأنس الفقي أخذ يبث مئات الأكاذيب عبر تلفزيونه كان منها ما يثير الرعب حول جرائم قتل واغتصاب وهمية واستغاثات من خلال مكالمات تليفونية كاذبة تذاع على الهواء ، وتشترك قناة المحور في مسرحية هزلية ـ يشيد بها فتحي سرور ـ باصطياد فتاة مختلة بمعرفة أمن الدولة لكي تخبرنا ونحن نجلس أمام المدفأة المطفأة نرتعش من البرد والخوف عن تدريبات للشباب ـ ومنهم شباب الإخوان ـ  في إسرائيل وأمريكا وقطر على إشعال ثورة !! وبعدها مارس "جوبلز الفقي" هوايته الأثيرة  بإثارة مخاوف البسطاء من أسطول أمريكي يتأهب وحشود إسرائيلية تصطف ، ومؤامرة ضد مصر من إسرائيل وأمريكا ( وهما من حلفاء مبارك وأصدقاءه المقربين بل كان تابعا لهما في سياساتهما !!)  واشترك معهما في المؤامرة إيران،وحزب الله ، وحماس ، والإخوان ، والقاعدة ، وكنتاكي ، وأجندات خارجية ، وخواجات من أصحاب الشعر الأصفر شوهد بعضهم يسير متمهلا على شواطئ "العين السخنة" والبعض الآخر منهم كان يحتسي المشروبات الروحيـة علــى شواطئ "رأس سدر" وللأسف وقع بعض البسطاء في فخ هذا التضليل وانتابتهم حالة ضيق وضجر من الثوار ولله فــي إعــلام مبارك شئون !! .

وفي لحظة توهج وطني قام المصريون بعمل فريد أفسد مخططات العادلي و جوبلز حيث قام الشعب بتلقائية بتكوين لجان شعبية تضم ملايين الشباب في كل الجمهورية لحماية الممتلكات والأرواح وتسيير مرفق الأمن على أرض الواقع بعد الانسحاب المخزي للشرطة ، كانت الشرطة الشعبية المصرية هي أرقى ما وصلت إليه الإنسانية ، وفي الشدة يظهر المعدن الأصيل النادر للشعب المصري ، وأظن أن العادلي عض بنان الندم لأنه لم يضع في خطته حسابا لعبقرية الشخصية المصرية ، وفي المقابل أرسل الجيش رسائل متعاقبة على الهواتف المحمولة جاء فيها لفتات هامة  ، منها أن الجيش سيحمي الشعب ولن يفرط في أمنه وأنه يؤمن بمشروعية مطالب الشعب ، وكأن الجيش يقول لنا استمروا ولا تخشوا شيئا فها أنذا معكم أشد من أزركم .

وفي خطاب عاطفي موجه إلى ربات البيوت ــ ويستهدف إثارة العاطفة التي هي في منتصف هرم ماسلو ــ تحدث مبارك وأثار عاطفة البعض حين أشار ضمنيا أنه أب وجد ـ ليذكِّر الناس بحفيده الذي قضى نحبه ـ وقال في لهجة المغلوب على أمره أنه يريد أن يموت في بلده وأنه يترحم على الشهداء وسيستجيب لمطالب الثوار وأنه أمر بإقالة الوزارة وتعيين نائبا له ، وكأن المشكلة كانت مع الوزارة !! واكتسب مبارك مساحة عاطفية في الشارع بالفعل ــ رغم تأخر خطابه ــ وانقسم الشارع إلى قسمين ... القسم الأول الرافض لخطاب مبارك هم من يريدون القضاء على العبودية ، أما الذين تأثرت عواطفهم واكتفوا بالوعود المباركية لتحسين شروط العبودية فقد قالوا الحمد لله وكفى ، ولكن " غلطة الشاطر حبيب بألف " فقد أفسد في اليوم التالي ـ الأربعاء ـ بمليشياته وفتواته كل ما اكتسبه مبارك ، ضمت ميليشيات العادلي إليها المرتزقة من رجال بعض أعضاء مجلس الشعب من السيدة زينب وعابدين والهرم حيث قاموا بغزوة "الحمار" الفاشلة ، ثم بدأت في ليل الأربعاء حرب البلطجية المستأجرين من كل أنحاء القاهرة وتكرر المشهد بحذافيره في كل المحافظات الثائرة ، ثم كان السقوط المريع للنظام الفاشي حين قامت قناصة الشرطة التي تم مسح أدمغتها بقتل عشرات من الشباب الرابض بالميدان ، ولا يخدعنكم دفاع وزير الداخلية الحالي وزعمه أن خواجات يتكلمون باللغات الأجنبية هم من قاموا بدور القناصة ثم فروا دون أن يتمكن أحد من القبض عليهم !! فالوزير يريد استعادة الثقة في جهازه المتهرئ ، وطالما أنه لم يستطع القبض على القناصة لفرارهم فكيف عرف أنهم خواجات يتحدثون بلغات أجنبية إلا إذا كان جهازه هو الذي أحضرهم !! وكيف يجزم بهذا والتحقيق لم ينته بعد وفقا لأقوال جهات التحقيق .

 كان الأربعاء الدامي هو الفصل الأخير في رواية النظام، وظهر أن رموز النظام قد فقدوا عقولهم ، وحين تفاقمت الأمور ظهر الجيش " أسد الميدان " يدافع في الليل عن الثوار ويلقي القبض على أحد القناصة ويصد هجمات البلطجية ، إلا أن شباب الإخوان قاموا بدورِهم بدورهم ، وقدموا أداءً بطوليا وكان معهم آلاف من الشباب المصري الثائر غير المسيس أو المؤدلج ، استفاد شباب الإخوان من خبراتهم السابقة في مواجهة الأمن المركزي واستعملوا أيضا هجمات نفسية لصد البلطجية .. كان الأمن المركزي دائما وأبدا ما يبدأ هجماته بهمهمات تتصاعد من حلوقهم ثم طرق للأرض بأحذيتهم وكان من شأن هذه الأصوات أن تثير الخوف في نفس المتظاهرين ، وبسلاحك أواجهك ، اتسعت ابتسامات الشباب الثائر حينما قامت الأخوات والبنات الصغيرات بالطرق على أسوار الحديد الفاصلة للأرصفة وتصاعدت أصوات الطنين ففزع البلطجية و تراجعوا خوفا عندما كان يشتد الطرق ، وتصاعدت أصوات الشباب الثائر بهمهمات وصخب للإيحاء بأن المدد جاء لهم ، وبالفعل كان المدد من الله سبحانه يتنزل على الثائرين وانضم الكثيرون من المثقفين والفنانين ورموز الحركات الاحتجاجية للشباب وأقيمت مستشفيات ميدانية  وتقاطر الأطباء بالإمدادات الطبية والتموينية من كل صوب وحدب ، وما أن انبلج الصباح حتى تأكد الكل من أن النظام لفظ أنفاسه الأخيرة .

كان قرار التنحي مسألة وقت إلا أن الرئيس السابق أُريد له أن يتجمل ويفوض الصلاحيات لنائبه، ومع مظاهرات التأييد المفتعلة والمستأجرة والتي كانت بمثابة محاولة يائسة لاكتساب الشارع عرف الرئيس أنه ظل معظم حكمه وهو نائم لا يدري من أمر الشعب شيئا فتأكد أنه إلى زوال ـ الرئيس وليس الشعب ـ وقد رأينا خيبة أمل الرئيس وهي تركب جمل الوريث ، حيث سلم مبارك قياده لنجله الذي كتب له أسوء خطاب وهنا فقد الرئيس تعاطف الشعب كله اللهم إلا بعض الأذناب والفلول وأصحاب المصالح والمضلَلِين ... كان بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأنه في حالة انعقاد مستمر ، وقد انعقد المجلس دون رئيسه مبارك بما يعني أن الجيش عزل الرئيس بالفعل لمصلحة الوطن ولحقن الدماء ولتجنيب البلاد حربا أهلية ،عمل الجيش وفقا لنظــرية ( إذا أردت أن تقـتـل ثعبانا فاقــطـع رأسه ) ولكن ذيل الثعبان يظل يتحرك ذاتيا بعد قطع الرأس ، وكانت الحركة الذاتية هي الجزء الثاني من الخطة (ج) أو كانت هي المرحلة الثانية من الثورة المضادة .

خُلع الرئيس من الحكم ، إلا أن الخُلع لم يكن بائنا فعبارات التنحي التي ألقاها النائب لا تدل على التنحي أو الاستقالة ، قال النائب : " قرر الرئيس حسني مبارك التخلي عن منصب رئيس الجمهورية وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد". وهذه صيغة غير قانونية فالرئيس لا يملك التخلي عن منصبه وإلا يكون قد ارتكب جريمة معاقب عليها بالمادة 124 من قانون العقوبات ، كما أن التخلي عمل مادي ينبغي أن تصاحبه نية باطنية ، وليس في الدستور ما يُسمى بالتخلي عن المنصب ولكن هناك الاستقالة التي تُسمى عرفا بالتنحي ، والاستقالة لا تصح إلا إذا تم تقديمها لمجلس الشعب ، ذلك المجلس الذي أقسم أمامه الرئيس يمين توليه الحكم وهو الأمر الذي لم يحدث !! فلمن قدم الرئيس السابق " تخليه عن منصبه إذن إذا فرض جدلا أن التخلي استقالة " ؟ أما الأغرب والذي لا يجوز فهو قيام الرئيس بعد التخلي عن المنصب ـ وفقا لعبارات البيان ـ بتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد ، فالرئيس بتخليه يكون قد فقد المنصب الذي يتيح له التكليف ـ جدلا ـ وفاقد الشيء لا يعطيه.

هل كانت هذه العبارات المضطربة مقصودة ؟ هل قصد الرئيس عدم وضع كلمة تنحي أو استقالة في البيان ؟ وهل سفره إلى عاصمة حكمه " شرم الشيخ " مسألة مدروسة كما قال الأستاذ هيكل ؟ هذه حزمة من الأسئلة المترابطة والتي سنجد حتما كل الإجابات عنها لدى المجلس الأعلى للقوات المسلحة ، ولكن هل رعاية الثورة المضادة في مرحلتها الثانية كانت من ضمن أهداف التخلي ـ لا الاستقالة ـ  ؟ .

نعود إلى ذيل الثعبان الذي يحاول أن يعيد الاتصال بالرأس مرة أخرى ويبدو أنه نجح في ذلك ، فالمرحلة الثانية من الثورة المضادة رتبت نفسها بشكل دقيق بحيث تخفى على اللبيب ، المرحلة الثانية لأي ثورة مضادة ـ وفقا لعلماء الإجتماع السياسي ـ تعرف بمرحلة تفتيت الثورة وتشتيتها والدخول بها إلى دروب أخرى متشعبة وإدخالها في معارك جانبية ومن ثم إدخال البلاد إلى حالة فوضى عارمة ، ولك أن تلاحظ أن الأفعال في مرحلة التفتيت والفوضى تبدو مرتبة فيما يعرف بـ " الفوضى المنظمة " وهي غير الفوضى الخلاقة ، ركائز التفتيت والفوضى المنظمة تقوم في شقها الأول على حشد مظاهرات التأييد والتعاطف مع الرئيس وإثارة الشائعات العاطفية حوله ، فتخرج شائعات مرض الرئيس ودخوله في غيبوبة كي تُذرف له الدموع وتتأجج عاطفة المواطن المصري ويخفق قلبه  متمنيا عودة الرئيس ، ومن العاطفة إلى العاصفة حيث الشق الثاني من الفوضى المنظمة التي تعمل على تحريك " المطالب الفئوية" وتأجيجها ، وهي مطالب في ظاهرها الرحمة ومن قِبَلها العذاب ، فأي ثورة تنادي بالحرية والعدالة والمساواة إذا دخلت في رحم المطالب الفئوية تكون قد وضعت نفسها في أتون الصراع الطبقي ، ومن البديهي أنه ليس كل من يطالب بحقه الفئوي  يعتبر من عناصر الثورة المضادة ، ولكن الصحيح أنه مُستعمل من عناصر الثورة المضادة ، إذ يبدو أن ميليشيات الثورة المضادة قد أخذت دروسا مكثفة في علم الاجتماع ، عناصر الثورة المضادة استخدمت في المرحلة الثانية لها ما يسمى بـ " العقلية الجمعية " إذ يكفي أن يقف بعض أفراد معدودين ومدربين يثيرون الشائعات التي يسهل تصديقها عند اشتعال الفوضى ثم يقومون بالمطالبة بحقوق ما بطريقة ثائرة وصاخبة لكي يمتلأ الملأ من العاملين والموظفين بروح المطالب الفئوية فيتحركون بعقلية جمعية ، ستجد هؤلاء في كل مؤسسة وشركة ووزارة وهيئة ، ولذلك انطلقت كل المطالب الفئوية في وقت واحد في كل الجمهورية بشكل مشابه لانطلاق عصابات الترويع كما أنهم يقومون بإطلاق نفس الشائعات وكأنهم لا يمتلكون خيالا كافيا للتجديد والتغيير ، وفي ذات الآن تتنامى الإضرابات في البنوك والنقل العام وشركات الغزل والنسيج وشركات البترول ، بل وحتى في جهاز الشرطة نفسه !! وفي وسط الاعتصامات الشرطية لا مانع من حرق أجزاء من وزارة الداخلية أو مقار لأمن الدولة ريثما تنجح الميليشيات في تهريب وثائق ومستندات يشيب من هولها الولدان ، ثم ستنطلق المظاهرات الفئوية إلى التخريب وتعطيل العمل وإشاعة الفوضى لتعجز المؤسسة الحاكمة عن ضبط إيقاع البلاد ... لذلك فإن الثورة المضادة موجهة في المقام الأول ضد القوات المسلحة لتعجزهم وتربكنا .. ما زال الذيل يتحرك والرأس يمده خفية بشريان الحياة .

ثالثة الأثافي هي عمليات التخريب المنظمة والحرائق المتعمدة وتعطيل خطوط المترو والقطارات ... وفي وسط هذا الجو وطالما أن البؤرة الصديدية للثورة المضادة تتجه ناحية تأليب الطبقات وتقليبها فإنها ستحاول أن تصل إلى قلب الوطن حتى لا تبقي ولا تذر ، رائحة الصديد ستتجه في عمليات مفتعلة إلى تفتيت النسيج الوطني وإثارة الفتنة بين المسلمين والأقباط ، وتفخيخ الحوار حول المادة الثانية من الدستور رغم أن التعديلات الدستورية لن تتعرض لها ولا ينبغي أن تتعرض لها ، ومن باب الحصافة الوطنية ينبغي أن يُغلق إخواننا الأقباط باب الحوار في هذا الأمر لأن من شأنه أن نعود إلى فتنة ما قبل الثورة ...  نجحنا أثناء الثورة بما لا يصدقه أحد ، ولم يكن بحسبان " رؤوس الثعابين " أن الثورة ستعيد الأقباط إلى أحضان إخوانهم المسلمين ، أفزعتهم اللمحات الإنسانية البديعة بين المسلمين والأقباط في الميدان ، وقض مضاجعهم صورة نقيب الجيش " ماجد بولس " أســــد الميـــدان الــذي وقف بكل قوة يحمي الثوار من بطــش البلطجية ، فإذا انطــلقـت الشائعات في هذه الأيام وإذا حــدثت تحــرشات طائفية أو محاولات تخريب لدور العبادة فإننا يجب أن نضع هذا الفعل في مكانه الصحيح ، ليس مكانه الفتنة الطائفية ولكن مكانه الأثير هو " تخرصات وهرطقات " الثورة المضادة وهي تلفظ آخر أنفاسها .

كانت ثورة " الصبَّار" المصرية من أعظم ثورات التاريخ لأسباب متعددة ، لاشك في ذلك ، ومن عظمتها أنها جددت نفسها كالبَحر الجاري ، فبعد أن تــولَّد شــعور الانتماء لدى الشباب من خلال اللجان الشعبية ، تلك اللجان التي كانت حائط الصد الأول ضد الثورة المضادة ، ظهرت روح الانتماء في ثوب آخر عندما خرج شباب الثورة في حملة تنظيف للميادين والشوارع ، كان هذا التصرف الحضاري والتلقائي من الشباب هو السياج الأكبر الذي صد غوائل الثورة المضادة ... فالثورة المضادة همجية وفوضى ، والهمجية يقهرها الرقي الحضاري .

حائط الصد الثالث كان من خلال الجيش ، ولأن الجيش يدرك وينظر ويرى فإنه قام منذ أن تسلم الأمر بدعم الثورة والتأكيد على شرعية مطالبها ، ولكي يقطع خط الرجعة على رؤوس الثعابين ويصيب فلول الميليشيات  باليأس ويحبط ثورتهم المضادة فإنه قام أول ما قام بحل مجلسي الشعب والشورى ومنع فتحي سرور من دخول مجلس الشعب ، وقام بتشكيل لجنة وطنية متميزة لتعديل بعض مواد الدستور يترأسها المفكر الوطني طارق البشري ، وبعدها قام الجيش  بتعقب الفاسدين جنائيا حتى ولو كانوا من الكبار أولي القربى ، أخذ النائب العام صلاحيات واسعة لا سقف لها على ما يبدو لكي يوقف الوزراء الكبار الذين كانوا أركان الفساد والتوريث ، وأكد المجلس الأعلى للقوات المسلحة على أن فترة حكم مبارك قد انتهت ، وان الفساد كان قد استشرى في عهد مبارك وغابت الديمقراطية بما هدد أمن البلاد وأنه من الممكن محاكمة مبارك نفسه وأنه لــــيس أحد فوق القانون وأن تحـقيـقـات قتــــل المتظاهرين ستعلن نتائجها قريبا لتكون هناك محاسبة قضائية للمجرم مهما كان اسمه ، وتوالى سقوط الكبار الذين كانوا بمثابة شريان الحياة للثورة المضادة وسقط من التشكيل الوزاري الأخير بعض رموز الفساد حيث ذهبوا إلى حيث لا رجعة ، ثم كان تأكيد قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على أن الحكومـــــة الحالية بما لها وما عليها لن تكون هي الحكومة القائمة وقت انتخابات البرلمان وانتخابات الرئاسة... وها هو فحيح أفعى الثورة المضادة يخفت وفي طريقه إلى التلاشي وسيتلاشى تماما بالمعرفة ، إعرف عدوك ...  الثورة المضادة جهل وظلام ، والجهل وظلامه يتبددان بأنوار المعرفة .

لم ننته بعد من مربع الشعب والجيش وإن انتهينا من مربع الرئيس ونجله وأعوانهما ، قلنا أن الأحزاب والحركات الاحتجاجية وجماعة الإخوان تـــأخذ مكانــا في مربع الشعب وكان الظن أنها ستقود الشعب فإذا بها تُقاد من الشعب ....  يعرف الكل أن الأحزاب الرسمية وقعت من حالق ولم تعد لديها قدرة ، فالأحزاب الرسمية تم وأدها من الحزب الوطني ، لا يوجد من الناصري أو الوفد أو التجمع إلا الأسماء ، كان التمثيل الحزبي المعارض في الثورة شرفيا ، إلا أن حزبي الوسط والكرامة تحت التأسيس شاركا واشتركا وكانت لهما أدوار في التجميع والتخطيط والدعم والتفعيل ،  أما الإخوان فقد كانت لهم أدوار .

في اليوم الأول لم ينزل من جماعة الإخوان إلا بعض الشباب ، ساهموا ووقفوا وثاروا وثابروا ، نعم ظهر أيضا بعض قيادات من الإخوان ذهبوا من باب إثبات الوجود والتوقيع في دفاتر ـ وليس أجندات ـ الثورة ، أما في يوم جمعة الغضب فأكاد أجزم أن معظم أفراد جماعة الإخوان نزلوا إلى الشوارع والميادين في كافة المحافظات ، أما في القاهرة فقد تقاطروا من كل الميادين إلى ميدان التحرير في موقف تاريخي يحسب لهم ، ليس الذي يحسب لهم أنهم ذهبوا ، ولكن يحسب لهم أنهم لم يرفعوا وقتها شعاراتهم وأعلامهم وذابوا في المجموع ، هذه أول مرة أرى فيها الإخوان لا يعلنون عن أنفسهم ولكنني رأيت الذي لم أره من قبل ...وفي الأيام التالية تباينت مواقف الإخوان وفقا للشخصيات التي تصدرت المشهد ، ففي الوقت الذي نجح فيه الدكتور صفوت حجازي في أن يُفني نفسه بدماثة خلق وجهاد حقيقي من أجل أن تنجح الثورة ، إلا أن محمد البلتاجي فرض نفسه أمام الجميع وكأنه زعيم الثورة ومحركها وكان فظا غليظ القلب فانفض شباب الثورة من حوله ، ظهر البلتاجي بصورة المتعجرف الذي يرغب في الاستحواذ والذي لا يريد التنسيق مع أحد الأمر الذي جعل بعض قيادات الثورة وقيادات الحركات الاحتجاجية يهددون بكتابة بيان يتضمن إدانة سلوك ممثل الإخوان البلتاجي والشباب الذين يحيطون به مما دعا البلتاجي إلى التراجع مؤقتا عن ســلـوكه الاستحواذي والاعتذار عما بدر منه .

سألني سائل : هل سيقع الإخوان في نفس الأخطاء التي وقعوا فيها في بداية ثورة يوليو 1952 ؟ قلت له : وكأن الأيام تعود بنا إلى الوراء ومن لم يعترف بأخطائه لم يتعلم منها ، ومن لم يتعلم وقع في نفس الأخطاء مرة أخرى .

ولنقرأ الصحيفة من أول السطر ....  ثورة 25 يناير ـ أو ثورة الصبار ـ بدأت بالشباب ، وقد شارك بعض شباب الإخوان في يومها الأول ، وفي جمعة الغضب ذهبوا بكل قوتهم إلا أنهم أخفوا أنفسهم وتماهوا مع الجميع في كيان ثوري واحد ، ومع الأيام ومع بشائر نجاح الثورة بدأت رغبة الجماعة في الاستحواذ وفرض السيطرة ، وكان من المؤسف أن يخرج بعض قيادات الجماعة وبعض مواقع الإخوان لتقول أن هذه الثورة ابنة الإخوان وأنهم هم الذين أشعلوها منذ اليوم الأول !! وقال بعضهم أنه لولا الإخوان لفشلت الثورة !! كان هذا الكلام يتردد قبل أن نقطف ثمار الثورة ، بل لحد هذه اللحظة فإن معالم الثورة لم تكتمل بعد ، وأي ادعاء بامتلاك الثورة هو في حقيقته سرقة علنية ، فالثورة مملوكة لمصر كلها ، ولا ينبغي لأحد أن يدعي أنه مالكها الحصري ... أما في يوم جمعة النصر فقد "عادت ريما إلى عادتها القديمة"  ومارس البلتاجي إقصاءً وسيطر على المنصة رغم أن الاتفاق مع كل القوى السياسية ـ بوساطة بعض الرموز الإسلامية الكبيرة ـ كان متجها إلى توحيد المنصة على أن تكون إدارتها مشتركة ، ولكن البلتاجي والشباب الذين من حوله خالفوا هذا الاتفاق ومنعوا وسيطروا ، منعوا المهندس أبو العلا ماضي من إلقاء كلمته ، ومنعوا الشاب وائل غنيم أحد من فجَّروا الثورة حيث تعامل معه البلتاجي بصلف غريب ، وكونوا حاجزا بشريا حول المنصة بادعاء أنهم يحافظون عليها من الانهيار ، كل هذه المشاهد أدت إلى انسحاب الدكتور سليم العوا غاضبا ولم يلق كلمته .

 كنت فرحا بالسلوك الوطني للإخوان ، وعندما مارس البعض منهم طموحاته وطموحات الجماعة وقدَّمها على طموحات مصر سمعت رجع الأسى وصدى خيبة الرجاء وهو يتردد في سماء ميدان التحرير .    

كان اللافت أن أصوات الخوف من الإخوان هيمنت على البسطاء بل وعلى النخب المعتدلة ، كان هذا الخوف مذهلا !! لماذا الخوف منهم وأنتم تعطونهم أصواتكم في الانتخابات ؟ الإجابة لن يصدقها الإخوان إذ لن يرد في خاطرهم أنهم كانوا ينالون الأصوات الانتخابية ليس حبا فيهم أو في منهجهم ولكن من باب التصويت العقابي نكاية في الحكومة والحزب الوطني ، فإذا حم القضاء وغاب الحزب الوطني فإن الإخوان لن يحصدوا الأصوات إلا بمقدار ، ولا ينبئك مثل خبير .

 لم أكن أظن أن الجيش يجيد السياسة ، ولكن اختيارهم للأستاذ صبحي صالح كعضو في لجنة تعديل الدستور هو قمة السياسة ، دعوتهم إلى الحوار الوطني مع الحكومة له مغزى ، ولمن ينظر لقرارات المجلس الأعلى للقوات المسلحة يعرف أنها تنتهج منهجا سياسيا واضحا ، فمع اختيار صبحي صالح تم السماح لأول مرة بسفر الشيخ سيد عسكر وإلغاء قرار منعه من السفر ، ثم ولأول مرة في تاريخ التلفزيون المصري يتم استضافة سعد الكتاتني في القناة الأولى كضيف مع المذيع تامر أمين ليتحدث ويشرح وجهات نظر الإخوان وتوجهاتهم ، وفي بادرة تاريخية يسمح الجيش للدكتور القرضاوي بالخطابة في ميدان التحرير بعد أن غاب عن الخطابة في مصر ثلاثة عقود !! ثم يُسمح لهم ـ باتفاق خاص ـ على تأسيس حزب لتوثيق عملهم السياسي وشرعنته ، والآن يجلس الإخوان فوق مائدة الوطن بعد أن كانوا يُستعملون كفزاعة فهل سيفكر الإخوان ؟ وهل سيرسمون لأنفسهم صورة معتدلة في أذهان الجماهير ؟ .

قلت من قبل أن جماعة الإخوان هي جماعة الفرص الضائعة ، مثلها في ذلك مثل حسني مبارك في قراراته قبل التنحي ، ولهم أن يعلموا أن اختياراتهم لممثليهم أثناء الثورة أساءت لهم ، فلم يكن البلتاجي بالشخصية الجماهيرية ذات الكاريزما واسعة الأفق والصدر ، فقد كان صدره ضيقا حرجا كأنما يصَّعد في السماء ، كان الاختيار هنا ليس من باب الكفاءة ولكن من باب الولاء وهو نفس الخطأ الذي كان يقع فيه نظام مبارك ... تغليب الولاء على الكفاءة .

كانت الكارثة الثانية هي اختيار الكتاتني لكي يكون متحدثا إعلاميا عنهم ، وبنفس المنهج يتم تغليب الولاء على الكفاءة !! فالرجل يفتقد بديهيات اللباقة والثقافة وسرعة البديهة ، ويكفي أنه ظهر في برنامج مصر النهاردة متخبطا فاشلا في الرد على معظم الأسئلة ، وقد أثار ببعض إجاباته مخاوفا في النفوس ، فلم يكن من الذكاء أن يقول إن الجماعة تستطيع الحصول على أغلبية في البرلمان ولكنها لن تفعل !! لن تفعل ؟ ومن سيصدق وأنت تتباهى بالقوة والعدد وتغتر بهما وكأنك نسيت غزوة حُنين !! وعلى رأي المثل العربي " كيف نصدقك وهذا أثر فأسك " كان أثر فأس الإخوان قاطعا للرحم بينهم وبين شباب الثورة حين استحوذوا في جمعة النصر واستخدموا أساليبا يغلب عليها الاستعلاء عفى عليها الزمن ، كما لم يكن من المقبول أن يخلط الكتاتني في حواره بين شمول الإسلام وشمول التنظيم فحين سأله المذيع عن ممارسة الإخوان للسياسة والعمل الحزبي قال : إن الإسلام دين شامل ، كان موضع العجب أن المذيع لم يسأل عن الإسلام ولكنه كان يسأل عن الإخوان فخلط الكتاتني بينهما وكأنهم هم الإسلام ، نسي الكتاتني أنه ليس معنى شمول الإسلام شمول التنظيم فجاءت إجابته مثيرة للمخاوف والقلق ... قدم الإخوان الولاء فغاب صاحب الكفاءة الطبيب عبد المنعم أبو الفتوح ، وخسر الإخوان في العملية الجراحية التلفزيونية التي مرامها  ترميم وتجميل الصورة .

المهم أن الجيش قام باستدعاء الإخوان إلى علنية العمل وحرية تكوين الحزب ، وفي ذات الوقت سمح لأحزاب أخرى إسلامية بالوجود والمنافسة ، خرج حزب الوسط إلى الشرعية ، وحزب الوسط يسبق الإخوان في خبرات العمل السياسي ، وستخرج العديد من الأحزاب الإسلامية ... ولأن الإخوان ألفوا العمل السري فسيتغلب لديهم الطبع عن التطبع ، سيمارس الإخوان العمل الحزبي بعقلية الجماعة وتحت شكل الحزب ، وسيجعلون الجماعة تسيطر على الحزب ولن يقطعوا الحبل السري بين الكيانين ، حل الجماعة الوحيد هو في حل الجماعة إذا تم إنشاء حزب ، فإذا صمموا على الجماعة وعلى الحزب في آن واحد فإن الحل يكون في فصل هذا عن ذاك على أن لا تمارس الجماعة إلا العمل الدعوي .

قلت أن سياسة الجيش استدركت ما فات ، وجلست الجماعة تحت شمس الوطن بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ، وإذا لم تنتبه الجماعة وتتخلص من غرور القوة والاستعلاء والزعم بامتلاك الحقيقة والصواب وحدهم دون غيرهم والإصرار على ربانية الجماعة وبالتالي ربانية حزبهم المنتظر فإنهم يكونون بذلك قد حرقوا أنفسهم ، أو بتعبير آخر يكون من استدعاهم يعلم طبيعتهم ويعرف أنهم إذا ظهروا احترقوا ، وفي كل الأحوال إذا لم يحترقوا فلن يخترقوا سدة الحكم ، فالجماعة ضعيفة إذا كانت المنافسة عادلة .

كيف هي صورة مربع الوطن الآن ؟ مربع الوطن يتكون من قسم واحد يتصدر المشهد فيه الجيش والشعب يد واحدة ، شباب الثورة هم التاج الذي يضيء جبين الوطن، وفي بعض زوايا المربع الكبير مازالت فلول ميليشيات العادلي تبحث لنفسها عن مساحة عمل لخلق ثورة مضادة ، وفي زاوية شرم الشيخ يجلس الرئيس السابق على وهم أن الميليشيات ـ وقوى خارجية ظلامية ـ  ستعيده حتما ،وفي زاوية متسعة يجلس الإخوان ومعهم باقي الأحزاب حيث يحاول كل فريق إصلاح نفسه ، وفي زوايا السجون يتوافد رموز الفساد الذين سادوا فأفسدوا وسدّوا على الشعب منافذ الديمقراطية .

ثروت الخرباوي

 

    

 

 

 

 

 

 


  المناخلى    عدد المشاركات   >>  83              التاريخ   >>  8/3/2011



ما أروع ما قرأت بقلم ثروت الخرباوى فلم أجد من آيات التبجيل سوى أن أذكره باسمه مجرداً لأنه صار عندى لقباً ، الأستاذ عندما تتوهج حروفه ينتج هذه القطعة الأدبية الراقية التى جعلتنى أعيش أيام مجد مصرية خالصة كأنما هى أيام المجد الوحيده فى التاريخ المصرى العظيم
وبرغم حلاوة الكلمات لم يفتئت معلمى ثروت الخرباوى على المضمون ، و كنا قد تعودنا فى ايام الحظ العثر ألا تخرج علينا أفكاراً جيدة إلا فى صياغة مجحفة أو أن تخرج الكلمات المعسولة بغثاء السيل و بلا فكر و لا رابط سوى حبائل الإفك
و لكن هذا الأديب الرقيق العملاق منحنى متعة لم أذقها فى حياتى إلا و أنا أتأمل وجوه الناس فى الميدان و قد انفجروا بأغنية واحدة ..... يا حبيبتى يا مصر ....... و نشيد واحد هو بلادى بلادى ......... و راية واحدة هى علم مصر الذى لم أراه بهذه الروعة أبداً و كأنما أعادوا اكتشافه
ردى عليك يا أستاذ فى شأن الإخوان المسلمين أنهم وقفوا فى الصف و لم ينظموه ، و رفعوا السيف و المصحف لأول مرة فى وجه مستعبدهم ، و لكنهم أيضاً آثروا إلا أن يحفظوا لأنفسهم من آثار العبودية الحظ الأوفر و عليهم الحذر من الاتى فهم لم يعهدوا هذه الأجواء الحرة التى تستلزم القدر الأكبر من المرونة فى غير انقطاع و الحزم فى غير انكسار ، لم يبد ذلك على سلوك الشباب منهم و لكنهم الكبار كحال كل كبار مصر إلا من رحم ربى فطفق يرفرف بجناحيه محلقاً فى الأفق بعيداً عن أطواق العبيد ، الكبار كأنما كانوا أفة هذا الوطن بدلاً من أن يكونوا حكماؤه و معلموه و هذا ليس حال الإخوان فحسب بل هم بادون فى كل مكان كالعناكب المتربة القديمة متهالكة الأطراف التى لم تزل تنسج شبائكها لاصطياد الفرائس الغضة الشابة أو كقطع الجمر المترمدة التى تصهر قطع الثلج فلا تنطفئ و لا تتوهج
و هكذا كان حال الوطن ، العنكبوت الضخم تحصن بالحوائط المتربة و تمتع بالبالى و المهترئ مع الأرملة السوداء و فى كنفهما تربى ذلك الفرز من أقزام العناكب السامة ، ففقدنا فيه الروح و طرنا شبابا و شيوخاً شرقا و غربا و شمالاً و جنوباً كعصافير الحقل التى أفزعها صوت خيال مآته أو حركاته الآلية نتسم عبير الحرية فى وطن آخر سوى وطننا و نأكل طعاماً آخر سوى طعامنا و نجاور أناساً غير بنى جلدتنا 
الآن فقط أقول أن العنكبوت و أرملته السوداء و أقزامهم رحلوا إلى غير رجوع ، و شباكهم تقطعت و جدرانهم تهدمت و بقيت فقط مصر بشبابها و شيوخها الأحرار
دامت مصر أبية ....... فتية ....... شابة مبدعة التاريخ و سيدة الجغرافيا و قاهرة الغزاة
يقول موقع المخابرات المركزية الأمريكية عن النمط السكانى لمصر بالأرقام أن 68% من الخريطة السكانية لمصر من الشباب و أن معدلات خصوبة المرأة هى 2.5 و أن نسبة الرجال إلى النساء هى تقريبا 1.5 إلى 1.5و هى كلها معدلات مرتفعة و مرشحة للتنمية البشرية الفعالة
 انتظروا المدد من الله لمصر و انتظروا حرية و كرامة و عزة و مجد
انتظروا مصر التى لم تروها بعد و لم تسمعوا عن عمارة أرضها بعد
انتظروا مصر فى أزهى عصورها ، و لياخذ الإخوان المسلون حذرهم و عليهم فعلاً التعلم من الماضى فأنا أحبهم افراداً لكنى كحال غيرى أخاف منهم جماعة لأننى لم اعهدهم واضحين


  aisha hussin    عدد المشاركات   >>  1              التاريخ   >>  9/3/2011



بعد  قراءة   الدراسة   التحليلية   لثورة   الصبار     لا  نملك  الا   ان    ندعو   اللة   سبحانة   وتعالى    ان  يحفظ   مصر   وان   يعيش   شعبها    فى   سلام   وامن   اللهم  آمين   وان   يجنبها   شر   المحن  والفتن



 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 1090 / عدد الاعضاء 62