اليوم كلّ المصريين كتّاب .. فراشات أزهار .. شعيرات فى سنام فرشاة الحقيقة ، كلّ المصريين يبدعون ، يقفزون على أكتاف الأسلاف ، يتّقدون جمرات وشظيات فى أعين القامعين ، مفتون اليوم من طالت فتنته لهذا الشعب ، أرض مصر اليوم بجاذبية القمر ، كلّ المصريين خفاف ، بوزن هوائهم المأكول ، أرضهم المفتولة مفارش وأوسدة للطغاة ، يسيلون اليوم نيلاً بلا صفحات ولا ضفاف ، ولا ترشيد انسياب ، اليوم غريب على وكلاء الجباية ، عسير على الظلمة وأهل المكوس ، لطيف على أبدان الشرفاء ، من أكلنا وسرق منا أغلى ما تفاخر به الأمم .. أصواتِنا ، إباءَنا ، رفضَنا ، حقَّنا الذى طيل انحباسه ، مسالكنا المختارة والتى لا تتاخم الجدر بالضرورة ، لا زلت أستغرب ، أستنبط ، أتشعّب فى نفسيات هذا الشعب.
جميل فى تراكماته ، وصبغاته ، وفطرة الله اللاحمة فى أبدانه وأنفاسه وساعات حكيه ، جميل خير مصر ، وبرّها ، وشرفها حين تعزّ ، خبيئة شعبها ، سمات وراثته ، مرضه وعافيته ، خصامه ووصلاته وتمنّعه ، شعب الوادى الأطيب الذى لا يملّ الضحك ولا الإضحاك ، مخذول عدوه وإن تجنّس بأرضه وتحدث بأمهات حروفه ومخارج ألسنته ، لا كان الأعادى وإن توسّموا الشارات أو تسلّقوا العروش ، وحجبتهم عنا بزّات عسكرهم ، وطحين مجنزراتهم.
أعطونا منكم وطنا ، نَسَبُه لنا ، انتحلتموه ، وفصّلتم لأنفسكم فيه قصوراً أردتم لها التخليد ، ولنا الخذلان أو الإبادة ، استوطنتموه فاستخربتموه وكان قبلكم معموراً مكروماً شامخ العلم ، انتكس وانتكسنا بكم فخبتم ، وخاب ممشاكم.
اليوم دمعنا حلال ، بل مستحبّ ، ادمعوا على أسراكم خلف الأسوار العليا من مساجين الرأى، سخّنوا الأعين على شهداء التعذيب فى مخافر الشرطة ، صلّوا لربكم وارجوا منه رحماتٍ لأهل العبّارة معدومى القصاص ، أغمضوا الرؤى بين فواصل البكائيات وعيشوا حلميْن مع "خالد سعيد " و "سيّد بلال" وأقرءوهما ثمانين مليون تحية ، اعملوا فى ليل الظالمين ونهارهم فلا زالوا يعملون فيكم بما استطاعوا.
أكتب على غير تجهيز ، فالكتابة حالة ، والوطنية حالة ، بل إنّ الوطن حالة ، وحالتنا فريدة ، مصريتنا التى لا يستوعبها غيرنا ، يغبطنا عليها القصاة ، يتقمصها الأحبة ، فريدون حتى فى الثورات ، كما فى القمع ، والملذّات ، ومصاطب النميمة ، والأفراح ، ومَركبات التوصيل ، ورسائل محمولنا القصيرة المطوّلة.
أجدنى عاشقاً يحابى عن محبوبته حتى الانحياز ، يغلبنى الفكر والمنطق فيأتى القلب والحبّ ليصرع النظريات مسفوحة على موالج الفؤاد .. مع مصر كلّ الأرقام لا تقبل القسمة لأنّ البسط لا يقوى على الحبّ قاطن المقام .
مصرنا المسروقة تحبو ، تشبّ ، تختزل أطوار النمو كيما تستفيق بعشاقها لتهضم من حرمها وانحرم منها ، من حال بين الأبناء وحلمات أمهاتهم ، من اختلس الأرض وعطايا الوهّاب فأغلاها علينا – وهى رزقنا – ثمّ أرخَصََها طريّة مقشورة للرابضين على الحدود.
من فرط الأمل أكتب ، تلاحقنى التمنيّات ، والتسرية ، والاعتزاز بقيمة الفهم وإن أتى متأخراً ، الآن أقوم وأغتسل بالتظاهر والثورة من جنابة السكوت والانخراس ، أتوضأ ولا أرضى بالتيمّم فى فيْض الماء ، لا أورّى طالما أنّ الظالم لا يفهمّ إلا صريح الإشارة ، لا أصلّى صلاة الاستسقاء لصحارينا وقد أنبع الله لنا نهراً من الجنّة.
اليوم نافلتى عين ، وصدقتى زكاة ، وصراخى .. صوْتى .. جوارحى تطير إلى محاشر الثوار وسيول الحقّ ضد قاذفات المياه وقنابل الدمع .
اليوم وطن ، وحقّ ، وفرحة بلا قلق ، وشعب يختصم بعض ماضيه فيدفع راضياً كلّ حاضره مستعيناً بالله أن يحسّنَ غده ، اليوم تنضبط المعانى ، ويتحقق إعراب الجملة مرفوعاً بالضمّ والالتحام والتكتّل ، فلا تنكسر العبارة ولا تنجرّ، ولا تسكُن الأنفس حتى ينتصب الوطن فاتحاً مراسيه ومهابطه للبُناة فى ذات لحظة لفظه للطواغيت.
23 صفر 1432
27 يناير 2011
منقــــــــــول