شكرا للأستاذ الفاضل / السيوطي
نعم هناك ثمة سلبيات للإضراب قد تطال الموكل أولا , ولكنها تمس المحامي في المقام الأول , ومع ذلك فقد استشعرت أن الاستاذ السيوطي يحمل المحامي نتيجة ما يحدث من آثار , إذا لم يخطر موكله أولا بتأخير رفع الدعوي , وربط سيادته بين انتحار المحامي من ناحية واضراب المحامين من ناحية أخري , وأن القضاء لم يعبأ بالأضراب وقضي ببراءة بعض المتهمين في قضايا المخدرات .
وسوف اتناول مع سيادتكم الموضوع ومناقشته بهدوء , هل هناك قضايا يتم حجزها للحكم الآن ؟ وإذا ما قمت برفع دعوي هل يحدد لها جلسة قبل شهرين علي الأقل ؟ وهل الدعاوي المنظورة تؤجل لأسباب حقيقية أم لأننا في أجازة السادة القضاة ؟ وإذا كان محددا لنظر الدعوي شهر سبتمبر هل تحجز للحكم إذا كانت جاهزة ؟ وهل يمكنك الاعتراض علي تأجيل سيادة القاضي للدعاوي إذا كان منتدبا - كما هو الحال في الشهور المقبلة , حين يحضر بالمحكمة قاض يطوف الدوائر لتأجيلها , ويشطب القضية التي لا يحضر فيها محام - هل تملك أمرا لموكلك في هذه الحالة ؟ هل يفصل في الدعاوي علي وجه السرعة وفقا لآخر تعديلات قانون المرافعات ؟ والأسئلة كثيرة وسأترك لحضراتكم العنان لتبدوا ما شاء لكم من أسئلة , والجواب معلوم لنا جميعا .
فإذا كان هو حالنا موكلين ومحامين , فما الضير أن يستمر الاضراب شهرين أو ثلاثة أو حتي أول اكتوبر القادم ؟ وخاصة أن الاضراب لا يشمل الطعون والمحبوسين احتياطيا والدعاوي التي يتوقف رفعها علي ميعاد معين , وهي مسألة خاصة بكل حالة علي حده .
أما بالنسبة للجنايات التي قضي فيها بالبراءة , فإنني أتحدي أن تكون في قضايا الدم أو الرشوة أو سرقة بإكراه , ولكنك تري أنها في قضايا مخدرات , وهي غالبا تعاطي , ونحن نعلم جميعا أن مثل تلك القضايا لها سيناريو هابط متكرر , وكلها قضايا إجرائية والقضاة أنفسهم يعلمون بتلفيق معظمها وبطلان اجراءات القبض والتفتيش لانتفاء حالة من حالات التلبس وانفراد الضابط بالواقعة , وحتي لو كان هناك إذن من النيابة فهو غالبا لاحقا علي القبض علي المتهم الذي يكون محبوسا وكل شئ معد سلفا لحين صدور الإذن , ونصف هذه المحاضر علي الأقل مزورة تزويرا معنويا , وعليك اثبات ذلك وأنت الطرف الضعيف الذي لا يملك سلطة أو رقابة , ووسيلتك الوحيد هي تصيد الأخطاء التي يقع فيها محرروا محاضر الإجراءات , واستخدام العقل والمنطق لبيان ما إذا كانت النتائج تتفق والمقدمات . أساليب عقيمة بالية عفي عليها الزمن , العالم كله يتقدم وستخدم اساليب العلم الحديث لتعقب المجرمين وإثبات التهم عليهم , ونحن مازلنا نقيم جل أدلة الأتهام علي المصادر السرية وهي غالبا لصوص ومسجلين خطر ومرتزقه لتبدأ الإجراءات في التتابع , وهم غالبا لا يمكن الإفصاح عنهم بزعم الحرص عليهم والخشية من التشكيك في صحة معلوماتهم لأنهم عالة علي المجتمع وهم أزناب الفاسدين الحقيقيين . وأتحدي أيضا أن تكون تلك الجنايات التي صدر فيها الحكم أن تكون قد قضت بإدانة أي متهم , وستجدها جميعا قضت بالبراءة , فلا يجرؤ قاض علي الحكم بالإدانة لأنه يعلم مصير حكمه في نهاية الأمر , أما الحكم بالبراءة فلن يكون محل طعن من المتهم بطبيعة الحال , والنيابة ستغض الطرف عن الطعن علي الحكم بدعوي صحة هذه الأحكام وأنها الخصم الشريف , وهي السبب الرئيسي في الأحداث الراهنة التي نمر بها , وعدم طعنها علي تلك الأحكام سيؤكد مقولة القاضي الذي أعلن أن المحكمة هي المدافع الأول عن المتهم ولا حاجة للمحامين .
أما بشأن المحامي الذي انتحر , فلا يمكن الربط - بصورة جازمة - بين انتحاره وبين الاضراب , فمسألة تجهيز الأبنة لا يحتاج الي الف أو ألفين من الجنيهات ضاعوا علي ذلك المحامي بسبب الاضراب , وهل من المؤكد أن ذلك المحامي كان ممن أضربوا , وهل كان عنده قضايا من الأصل ؟ وهل كل المحامين التزموا بالاضراب فعلا , فلو كان عنده قضايا لما أقدم علي الانتحار ؟ فقد كان بوسعه مخالفة الدعوي للإضراب والاستمرار في عمله , فلم تعلق النقابة المشانق لمن خالف قرار الاضراب حتي يعلقها لنفسه مقدما أخذا بالقول المأثور بيدي لا بيد عمر , إن انتحار هذا المحامي كان بأسباب أخري غير الاضراب , انتحر لأنه مواطن عادي شأنه شأن كل من انتحر في هذا الوطن , شأنه شأن المواطن البسيط الذي انتحر هو واسرته جميعا حين دس السم في المعكرونه , لأنه لا يستيطع أن يتحمل موته وحده وتركهم يعانون الفاقة والحاجة في ظل الظروف التي نعيشها , وهو لا يستطيع أن يؤمن لأسرته حد الكفاف وغيره يرتع ويعربد ويبعثر وينهب قوته وقوت الشعب ويلقي به تحت أقدام الراقصات عيانا جهارا , وأموال الشعب تهرب للخارج وتباع مقدراته بأبخس الأثمان , والصور كثيرة لا تكاد تنفد , من أجل هذا ينتحر المواطن حين يتملكه الياس ويضيع منه الأمل في غد أفضل , فمن لم يمت بالانتحار مات بالسرطان نتنجة أكل الأطعمة الفاسدة والفاكهة المسرطنه المهرمنه , أو مات بالالتهاب الكبدي الوبائي , أو بالدم الملوث , فتعددت الأسباب والموت واحد . هل يمكن لمحامي عادي أن يجهز ابنته في شهور قليلة ؟ الإجابة معروفه في ظل الاسعار الرهيبة التي طالت كل شئ وخاصة المنقولات والادوات الكهربائية التي يجهز بها العروسين , وأيضا الاصرار علي أن يدخل العروسين وهما لا يحتاجان لأي شئ , والتباهي بارتفاع المهور , لا يمكن الربط بين وفاة المحامي منتحرا وبين اضراب المحامين .
وبعد كل هذا لماذا لا نلقي باللوم علي السلطة القضائية ؟ فلو أن المحامين قد نالوا محاكمة عادلة وفق اجراءات معتادة وتطبيق صحيح للقانون لما استمر المحامون في اضرابهم , لو أن عضو النيابة الذي اعتدي علي المحامي تم التحقيق معه أو قدم للمحاكمة لما استمر المحامون في اضرابهم , لو أن الناس أمام القانون سواسية يطبق عليهم دون تمييز لما حدث ما يحدث , ولكن الاستاذ السيوطي وغيره يلقون باللوم علي المحامين لأنهم الطرف الضعيف ولا يمكن توجيه اللوم لأصحاب الأبراج العاجية العالية , وحتي لو قلنا بتقديم شكوي للجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة أو أي منظمة دولية أخري لخرج علينا من يقول بعدم تدويل الأزمة وتحذيرنا بالويل والثبور وعظائم الأمور . الكل يطلب من المحامين أن يتقوا الله في انفسهم وفي ا لمواطن وفي البلد وفي نقابتهم , والسبيل الي ذلك تكميم الأفواه والسكوت وطأطأة الرؤوس والخنوع والرضي بالأمر الواقع , وأن نسبح بحمد الجلادين .
حسني سالم المحامي
|
أخي الفاضل استاذ / سيوطي
علينا أن نسعي وليس علينا تحقيق النجاح , لأن إدراك هذه الغاية يفترض مقدمات تتسم بالحيادية والإنصاف والعدل , فإذا انتفت هذه المقدمات فلا تنتظر نتائج متوافقة مع تلك المبادئ السامية . وكأني بك تسأل لماذا يوجد الظلم ولماذا نري اللصوص والقتلة ؟ فالخير والشر قرينان الي يوم القيامة , لكن في النهاية فإن الأرض يورثها الله لعباده الصالحين , وأنا لا أعتب عليك يا أخي فما هي إلا كلمات جاشت بصدري وأخرجتها , إنني انشد العدالة مجردة للناس كافة وليس للمحامين خاصة , هذا هو بيت القصيد , وأنا لا أنكر أن هناك مخطئين بيننا , وهذا المخطئ يستحق العقاب , لكن بما يتناسب مع خطأه ودون حيف , إن الحصانة للمحامي موجودة بالنصوص القائمة حاليا ولكنها لا تفعل , ولو تم إعمالها لما قدم محاميو طنطا محبوسين , إذا ان ما حدث كان أثناء وبسبب تأديتهم لعملهم .
وإجابة علي تساؤلكم الأخير , فلا شك إن الإضراب موجع ومؤلم , ومن أجل ذلك رأينا استمرار المسلسل الذي استهدف المحامين خاصة بحبسهم بينما يقضي بالبراءة لآخرين ودون مرافعة , إن الإضراب لا يأتي بالنتائج بصورة آلية , لكن لابد من الكفاح والمثابرة حتي نحظي بالثمار .
حسني سالم المحامي
|