شهد شارع عبدالخالق ثروت فجر أمس صورة جديدة من صور الاعتداء علي القضاء المصري، حيث قام ضابطان بمباحث أمن الدولة، و٤ من أمناء الشرطة بالاعتداء بالضرب والسب بالأب والأم علي المستشار محمود عبداللطيف حمزة، رئيس محكمة شمال القاهرة الابتدائية، وشقيقه أمام نادي القضاة، عندما كان المستشار يحاول تصوير الاعتداء الأمني علي أعضاء حركة كفاية، والنشطاء المعتصمين أمام النادي، ومحاولات رجال الأمن إزالة الكتابات المكتوبة علي الأرض تضامنا مع القضاة.
ويأتي الاعتداء الجديد ليرفع حدة المواجهة بين القضاة والحكومة، ويوقف محاولات بعض كبار المسؤولين من أعضاء النادي، أمثال المستشار عدلي حسين محافظ القليوبية للتفاوض لإنهاء الأزمة، التي اشتعلت عقب قرار المستشار أبوالليل وزير العدل بإحالة المستشارين البسطويسي ومكي، نائبي رئيس محكمة النقض لمجلس الصلاحية، حيث ألغي قرارا كان مقررا خلال الساعات المقبلة للتفاوض حول إنهاء الأزمة.
«المصري اليوم» رصدت الاعتداءات التي تعرض لها المستشار وشقيقه في السطور التالية:
كانت الساعة تشير إلي الثانية والنصف صباحا، عندما نزل المستشار محمود عبداللطيف حمزة، رئيس محكمة شمال القاهرة من سيارته أمام نادي القضاة من أجل الاطمئنان علي زملائه المعتصمين، وكان معه شقيقه أحمد «٢٥ سنة» وقام بتصوير بعض النشطاء السياسيين، أثناء قيام قوات الأمن بإزالة كتاباتهم من علي الأسفلت التي كتبوها، تضامنا مع القضاة، وهنا انفعل أحد الضباط، وأشار إلي آخر وقاما ومعهما آخرون بالاعتداء علي القاضي وشقيقه بالضرب، مما أصابه بكدمات في الظهر والوجه، وألقوا به وشقيقه في سيارة ترحيلات، بعد سبه بأبيه وأمه، بعدها تم نقله لمستشفي شهير بمصر الجديدة، ثم قام المستشار بتقديم مذكرة إلي نيابة قصر النيل، حيث انتقل عمرو قنديل رئيس النيابة لسماع أقواله وشقيقه بالمستشفي.
وفي الحجرة ٢١٠ بالطابق الثاني بالمستشفي، حيث يرقد المستشار وشقيقه، وبجوارهما والدهما المستشار عبداللطيف حمزة، قال المستشار محمود: «كيف أصدر حكما وأجلس علي منصة القضاء بعد أن تم الاعتداء علي، وإهانتي بأبشع الألفاظ الخارجة، التي لم أسمعها من قبل»؟
وأضاف: عندما قام الضابطان بالاعتداء علي بالضرب والسب، صرخت: «حاسب.. أنا مستشار.. رئيس محكمة شمال القاهرة» فجاء الرد صارما: «أخرس يا كلب».. ثم فوجئت بـ٤ أمناء شرطة يمسكون بشقيقي أحمد ويعتدون عليه هو الآخر،
وقام الضابطان وأمناء الشرطة بإلقاء الكارنيهات والبطاقة الخاصة بي علي الأرض، وسحبوا الطبنجة الخاصة بي، وتليفوني المحمول، واستمروا في الاعتداء علي دون رحمة والنظر لتوسلاتي، بعد أن سمعت شتائم لم أسمعها في حياتي، كما سمعت صرخات شقيقي التي لم تتوقف حتي جمعت بيننا سيارة الترحيلات.
وأضاف: داخل السيارة التي شاهدتها كثيرا أمسكت بشقيقي أحمد، وكنت أنزف بشدة، ثم أغلق الضابطان وأمناء الشرطة باب السيارة، ولم أتوقف عن النداء: أنا رئيس محكمة، ولم يسأل أحد في أو في شقيقي. وكان معنا ٤ آخرون في نفس السيارة، حيث اصطحبونا إلي منطقة عرفت فيما بعد أنها عابدين، وأخذوا الأربعة وبقيت أنا وشقيقي. أمسكت بضابط دخل علي وقلت له أرجوك عايز دكتور أو سيارة إسعاف، بعدها دخل ٤ ضباط مختلفين، وكل واحد يقول: اسمك ايه دون الاهتمام بالنزيف.. آخرهم قلت له أنا مريض أجريت عملية قلب مفتوح، وأشرت إلي الجراحة والنزيف دون جدوي.
ويواصل المستشار محمود: عندها شعرت بحالة من الإغماء، وفوجئت بضابط يخبرني أن هناك سيارة إسعاف، وعندما نقلوني إليها وجدت أنها سيارة تاكسي، ثم أمروا السائق بالتوجه بي وشقيقي إلي البيت، لكن السائق تعاطف معنا ووافق علي أن يتوجه بنا إلي المستشفي الشهير بمصر الجديدة.
وواصل: لم أتصور قبل أمس أن هناك ضباط شرطة يقومون بإهانة الناس والمواطنين بهذه الطريقة الوحشية، كيف يهان مواطن عادي، وتسب والدته ووالده، دون أي سبب أو ذنب؟ كيف نهان من أفراد مسؤولين عن حمايتنا؟.
وأضاف والدموع في عينيه: «والله حرام.. كيف أجلس علي المنصة وأفصل بين الناس بعد كل هذا الاعتداء» أنا علي سرير المرض انضم إلي كل صوت يطالب بإقالة وزير الداخلية فهذه الاعتداءات لم تحدث حتي في عهد الملك مينا. مؤكدا أن هذه الاعتداءات لن تتوقف إلا بإصدار قانون السلطة القضائية.
وطالب المستشار محمود، مجلس القضاء الأعلي بوقفة حاسمة ضد من أهان أحد أبنائه.. فأنا لا أريد سوي حقي.
إلي ذلك حصلت «المصري اليوم» علي تقرير طبي خاص بالمستشار محمود عبداللطيف، حيث أوضح الكشف الظاهري أنه يعاني من كدمات بالجهة اليسري والوجه والذقن، وكدمات بالساقين وتمزق بأربطة الرسغ الأيمن ونزيف من الأنف، وتم عمل أشعات عادية ومقطعية وموجات صوتية علي البطن والحوض وجميعها وجدت سليمة، وتم حجز المريض تحت ملاحظة الأطباء طارق إبراهيم ومصطفي فؤاد وخالد زكريا.
ومن جانبه قال المستشار محمد حمزة، رئيس محكمة جنايات الجيزة والد المجني عليه باكيا: لقد علمت مصير ابني، لكن ما مصير من كانوا معه، واستطرد في سرد ما حدث، موضحا أنه فوجئ بالواقعة، ولم يتخيل أن يحدث اعتداء علي قاض في تاريخ مصر، وتساءل: كيف يسمح الرئيس مبارك أن يحمل عهده واقعة اعتداء علي القضاة، ووجه حديثه لرئيس الجمهورية قائلا: «أين من كانوا بصحبة ابني، إحنا بني آدمين.. كفاية ظلم واستبداد وقهر للشعب.. أنت المسؤول.. يجب أن تقيل الوزير السفاح.. حافظ علي كرامة المصريين..
لقد حملت السلاح لتدافع عن مصر، فكيف تترك شعب مصر يهان ويذل في عهدك.. ارفع الظلم إن كنت تخشي الله. وأعتقد أن أي إنسان في مثل سنك يجب أن يخشي الله».
ثم توجه بحديثه لرئيس المجلس الأعلي للقضاء قائلا: لقد أكلنا يوم أن أكل الثور الأبيض.. هذا قاض اعتدي عليه أمام ناديه.. فماذا بعد يا مجلس القضاء؟
وقال المستشار أشرف عليوه، عضو مجلس إدارة نادي قضاة مصر: لم نشك أن الأمن اعتدي علي أحد منا.. حيث اكتشفنا غيابه، خرجنا ولم نجده ووجدنا رجال الأمن يضعون مادة سوداء علي العبارات التي كتبها النشطاء أمام النادي، تصدينا لهم وتراجعوا أمامنا دون أن يحتكوا بنا، حتي آخر سور نقابة المحامين، وعدنا إلي النادي فاكتشفنا أن المجني عليه غير موجود، وبعدها علمنا بما حدث معه، فتوجهنا إلي المستشفي، وتساءل عليوه: هل يريدنا النظام أن نتعامل معه بالمثل أن نكون قضاة وبلطجية،
مؤكدا أن الاعتداء علي قاض هو اعتداء علي كل القضاة.
وأشار المستشار ناجي دربالة، وكيل نادي القضاة مصر إلي أن النادي تقدم من قبل بـ٢١٧ بلاغا ضد عدد من ضباط الشرطة، تم حفظ ٢٠٤ منها ضد مجهول، وإحالة ١٣ بلاغا للجنايات. وتساءل: هل ما حدث يمثل رسالة خاصة للقضاة، وهل هذا دور الأمن الجديد، مؤكدا أن ما حدث هو سابقة في تاريخ النادي منذ عام ١٩٣٩، ولم يحدث ذلك حتي في مذبحة القضاة.. وأكد أن النادي سيكون له موقف حازم مع ما حدث، ستظل مواجهته مع النظام قائمة حتي تتحقق مطالبنا، وانتهي إلي أن ما حدث يؤكد حقنا في المطالبة باستقلالنا، لذلك سنظل معتصمين حتي يعود للقضاة استقلالهم.