الزملاء الأعزاء
شكراً للأستاذ المأمون على طرحه لهذه القضية المثيرة للإهتمام والمستفزة للتفكير والتمحيص
ولو كنت انا القاضى لأصدرت حكماً بإلزام حمدان (المستأجر) بان يدفع لعباس (المؤجر) باقى مبلغ الإيجار المتفق عليه. وارانى فى ذلك متفقا مع الراى الذى ذهب إليه الأستاذ محمد الشهيدى وايده الاستاذ صالحا الكبيسى
ولبيان أسباب هذا القضاء ، أعرض فيما يلى مناقشة للمسائل القانونية التى تثيرها القضية
المسألة الاولى : الغلط كسبب لتقرير البطلان
من المقرر قانونا ان الغلط الذى يسوغ الحكم ببطلان التعاقد هو الغلط الجوهرى الجسيم ، الذى يقع- على الاخص- فى صفقة جوهرية – فى اعتبار المتعاقدين- للشىء محل التعاقد ، أو يجب اعتبارها كذلك لما يلابس العقد من ظروف ( المادة 120 مدنى مصرى)
والغرفة محل التعاقد هى بالفعل مطلة على شارع القصر الجمهورى وهى الصفة الجوهرية التى كانت محل اعتبار عند التعاقد، فلا يوجد اى غلط جوهرى فى الشىء محل التعاقد باعتبار باعث المستأجر إلى تأجيرها كى يتمكن من مشاهدة الموكب . فهى تمكنه بالفعل من مشاهدة الموكب عند مروره.
متى كان ذلك ، فإن العقد لحظة انعقاده، يكون قد نشأ صحيحاً لم تشبه أى شائبة غلط. ولا يمكن قانوناً بعد ان قام العقد صحيحاً ان نقرر بعد ذلك ببطلانه أى بإنعدامه منذ لحظة نشاته ، اى اعتبار انه هو والعدم سواء ولم يكن موجوداً فى أى وقت. فالصحيح لا ينقلب باطلاً أبداً.
وتنص المادة 136 من القانون المدنى المصرى على أن : " إذا لم يكن للإلتزام سببا او كان سببه مخالفا للنظام العام والآداب كان العقد باطلا"
ويذهب الفقه والقضاء إلى اعتبار وجود السبب ومشروعيته وقت التعاقد لا فى أى تاريخ لاحق لإنعقاد
وفى هذا المعنى تقرر محكمة النقض: " الهدايا التى يقدمها أحد الخاطبين للآخر أبان الخطبة و منها الشبكة ، تعتبر - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من قبيل الهبات فيسرى عليها ما يسرى على الهبة من أحكام فى القانون المدنى ، و لما كان السبب ركناً من أركان العقد و ينظر فى توفره أو عدم توفره إلى وقت إنعقاد العقد و كان العقد قد إنعقد صحيحاً بتوفر سببه فإنه يمكن القول بعد ذلك بتخلف هذا السبب بعد وجوده ، و من ثم فإذا كانت الخطبة هى السبب فى هذا النوع من الهبات و ذلك بإعتبارها الباعث الدافع للتبرع فإن فسخها لا يمكن أن يؤدى إلى إنعدام هذا السبب بعد أن تحقق و تظل الهبة صحيحة قائمة رغم العدول عن الزواج ." ( الطعن رقم 62 لسنة 39 ق ، جلسة 26/5/1974)
ونعرض مثالا آخر لحالة مغايرة يكون فيها التعاقد قد تم فى اليوم الخامس من الشهر ، ثم يتضح بعد ذلك ان الموكب كان قد تقرر إلغاؤة فى اليوم الثانى من الشهر . أى فى تاريخ سابق على التعاقد. هنا يكون العقد باطلاً ، على أساس الغلط فى وجود السبب ، إذا كان المتعاقد الآخر (المؤجر ) قد وقع مثله فى هذا الغلط او أو كان على علم به او كان من السهل عليه أن يتبينه . وهذه الحالة تشترط أن يكون المؤجر عالماً بالباعث الذى دفع المستأجر إلى التعاقد ، فإن لم يكن يعلم بذلك الدافع فلا بطلان.
المسألة الثانية: الفسخ : وهو حكم المحكمة الإنجليزية المعروض ، وهو ما لا يمكننى الموافقة عليه ، فى ضوء تطبيقات القانون المصرى ، أو حتى أى قانون آخر
حيث إنه طبقا للقواعد القانونية العامة ، فإن الفسخ لا يرد على عقد باطل أى معدوم لا وجود له ، وإنما يقع الفسخ على عقد صحيح قائم منتج لآثاره ، فإذا قررنا بوقوع غلط ، فإن ذلك يؤدى إلى بطلان وإنعدام العقد ، مما يمتنع معه قانوناً ، تطبيق جزاء الفسخ على معدوم. ذلك ،إضافة إلى ان الفسخ إنما هو جزاء لإخلال أحد المتعاقدين بإلتزامه التعاقدى . والحال ان أمامنا عقد إيجار ، يلتزم فيه المستأجر بدفع قيمة الإيجار ويلتزم المؤجر بتمكين المستأجر من الإنتفاع بالغرفة ولا توجد أى التزامات اخرى خلاف ذلك ، وهو الأمر الذى لم يخل به المؤجر فلا يمكن ان ينسب إليه أى إخلال بالإلتزام. فلا يسوغ لحمدان طلب الفسخ.
المسألة الثالثة: إستحالة التنفيذ
هنا ايضا ، "إستحالة التنفيذ " لا ترد إلا على عقد صحيح قائم قانوناً ، لم يشب إرادة المتعاقدين فيه أى غلط يعدم العقد ويجعله غير قائم أصلا. فالحديث عن استحالة التنفيذ يفترض بالضرورة التسليم بصحة العقد.
وكمما تقدم فإن التزامات الطرفين –فى عقد الإيجار- لم يشبها أى إخلال او استحالة تنفيذ.
ونضيف هنا نقطة هامة ، وهى أن الأثر القانونى لاستحالة التنفيذ ليس الفسخ ، وإنما الإنفساخ ( المادة 159 مدنى مصرى)
ونضيف أيضاً مثالاً إيضاحيا ، فنقرر إن موضوع عقد الإيجار الماثل هو إستعمال الغرفة المطلة على شارع القصر الحمهورى.
ونفترض مثلاً أن الموكب لم يلغ ، وإنما أصيب حمدان بوعكة صحية الزمته الفراش فلم يتمكن من الوصول للشرفة لمشاهدة الموكب ، فإنه –تطبيقا لما تقدم - لا يوجد أى سند قانونى للمطالبة بإبطال او فسخ او انفساخ العقد.
ونضرب مثالا مغايراً ، لحالة شخص (س )يتعاقد مع صاحب مسرح (ص) ، فيشترى منه بطاقة لمشاهدة مسرحية يقوم ببطولتها الممثل (ع ). فالتعاقد هنا – خلافا للقضية المعروضة- موضوعه ليس تمكين س من دخول المسرح ولا تمكينه من الجلوس على أحد المقاعد ، فالعقد ليس لإيجار المسرح او المقعد وإنما موضوعه هو مشاهدة المسرحية
وفى اليوم المحدد للعرض ، توفى الممثل (ع) فتم إلغاء العرض.
هنا الحالة لا تتضمن أى بطلان لغلط او إنعدام السبب ، فقد نشا العقد صحيحا ، كذلك لم يخل صاحب المسرح باى التزام ، فلا مجال لتطبيق حكم الفسخ ، وإنما نشات استحالة لتنفيذ إلتزام صاحب المسرح ( وهو عرض المسرحية وتمكين (س) من مشاهدتها ) ، نتيجة لسبب خارجى ليس له أى دخل فيه ( وفاة الممثل) . وهذا يترتب عليه إنفساخ العقد . ويحق لـ (س) المطالبة باسترداد ما دفعه مقابل بطاقة الدخول.
هذه هى وجهة نظرى المتواضعة فى المسألة لتكون محلاً للتعليق والنقد
هشام المهندس
هشام المهندس
لا تنه عن خُلُقٍ وتأتى مثله* عار عليك إذا فعلت عظيم
|