سأل أحد الأفاضل السؤال التالي:

(أتفق حمدان مع عباس لتأجير غرفته المطلة علي شارع القصر الجمهوري ليوم واحد فقط و ذلك لمشاهدة موكب عمر البشير صبيحة يوم 30 / 06 / 2006 .
اتفق الطرفان بمبلغ 1500000 ألف و خمسمائة ألف جنيه سوداني علي أن يدفع حمدان مبلغ 800 ثمانمائة ألف جنيه مقدما و الباقي مؤخرا .
صبيحة اليوم أعلنت إزاغة أم درمان إلغاء الموكب . فوقف الطرفان أمامك أحدهما يطالب بالمبلغ المدفوع مقدما و الآخر يطالب بالمبلغ الآجل الدفع . فبماذا تقضي و لصالح أي من الطرفين تدافع ؟؟؟؟؟؟)
 

فأجبته بما يلي:

إذا أراد شخص رؤية موكب حاكم السودان في أي عهد أو زمان فإن الأمر جد سهل بخلاف بلاد الله الأخرى. وإذا أراد أن يراه عن قرب سواء قبل أو بعد أو في أثناء حكمه ، فما عليه إلا أن يلتحق بحزبه ، أيا كان مسماه ، أو يترقبه في المساجد أو المناسبات الاجتماعية من فرح أو ترح والتي يختلط فيها المجتمع بجميع فئاته. ومن ثم لا يحتاج أن يؤجر مكانا معينا خاصة وأن من تطل أماكنهم على الشوارع التي تردادها "المواكب" يتمنون أن لو تغير المواكب اتجاهها..

وبعد،،

فالقضاء شيء والمدافعة شيء آخر..فإما أن يفترض السؤال أن المسئول قاضٍ أو يجعله محام أحد الطرفين.

ويحكم هذه المسألة فيما إذا كان الباعث معلوماً للمؤجر أو كان في إمكانه أن يعلم به. فإن كان الأمر كذلك ، يرد ما استلمه من حمدان بسبب استحالة تنفيذ العقد.

وكما جاء في العنوان فإن السؤال يستند إلى سابقة قضائية إنجليزية وهي قضية كريل ضد هنري حيث وافق كريل بموجب عقد مكتوب أن يؤجر شقته إلى هنري يومي 26 و27 يونيو 1902 لينظر من خلالها موكب احتفالات تتويج الملك إدوارد السابع. وبعد توقيع العقد ودفع ثلث القيمة المتفق عليها والبالغ 25 جنيهاً ، مرض الملك بذات الرئة فألغيت الاحتفالات. ورفع كريل دعواه مطالباً بباقي مبلغ الإيجار. وحكمت محكمة الاستئناف بفسخ العقد ورد ما دفعه هنري. وهذه القضية هي إحدى قضايا يشار إليها بقضايا احتفالات التتويج نشأت بسبب إلغاء الاحتفالات المذكورة وقضت محكمة الاستئناف الإنجليزية في كل قضية حسب وقائعها.

ورأى بعض الزملاء آراء مخالفة على نحو ما هو مبين في الرابط التالي من موقع مدينتي بربر بالسودان. فعقبت بما هو مدون أدناه. ولقد رأيت أن أثير هذا الموضوع في منتدى المحامين العرب حتى استنير بآراء الزملاء الأفاضل هنا. 

وكنت قد قلت في التعقيب:

شكراً لجميع الأخوة على مداخلاتهم المفيدة.. والدليل على ذلك وجهات النظر المختلفة والتي تعتبر إثراء حقيقياً.. وسرني أن اختلفت وجهات النظر ، ولو جاءت بالموافقة لكنا موافقين على ما نعيبه على أصحاب الرأي الثاني والثالث في الدوائر الكسولة ، والذين لا يزيدون على قولهم "أوافق" أو "لا مزيد لمستزيد" أو "لم يترك لي أخي ما أضيفه".

وبعد،،

وكما قال بعض الأخوة ، لكي يكون الباعث أو الدافع على التعاقد أو الغرض منه ملزماً ، يجب أن يكون معلوما للمؤجر أو كان في إمكان المؤجر أن يعلم به وهذا ما ورد صراحة في المسألة حيث قال: وذلك لمشاهدة الموكب. ولا يشترط أن يكون مكتوباً وفي رأي بعض الفقهاء يجب أن يكون صريحاً وفي رأي البعض الآخر لا يشترط أن يكون صريحاً وإنما يكفي أن يستدل به من به ضمناً من واقع التعاقد.

أما عن بماذا يحكم القاضي ، فإن القاضي يطبق القانون الذي يحكم به. وبصرف النظر عن القوانين المكتوبة ، فإن في السودان ثلاث مدارس. وهي مدرسة القانون المدني "المدرسة الحديثة" ومدرسة الشريعة الإسلامية ومدرسة القانون الإنجليزي. وفي كثير من الأحيان تختلط هذه المدارس فيتشرب القانوني بها جميعاً. ولحسن الحظ ، فإن الحكم ، في تقديري المتواضع ، هو حكم واحد بأي من هذه المدارس أخذت.

ففي المدرسة الحديثة يجد الباحث تفصيل المسألة عند البحث عن الباعث الذي يؤخذ به ، ويمكنه الرجوع إلى مؤلف الدكتور السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء الأول الفقرة 173 بعنوان الغلط في الباعث ص 302 وما بعدها. والفقرة 292 بعنوان إبعاد السبب غير الصحيح من دائرة السبب إلى دائرة الغلط ص 477 وما بعدها. وكذلك مؤلف أستاذنا الدكتور جمال زكي ، الوجيز في نظرية الالتزام الفقرة 75 بعنوان الغلط الداخل في نطاق العقد ، ص 126 وما بعدها.

وفي الفقه الإسلامي يبحث عن الباعث في الفصول التي تتحدث عن السبب. والقاعدة العامة: أن كل باعث على التعاقد مباح ما لم يكن محرماً لحلال أو محل لحرام. وتتحدث كتب الفقه عن الأسباب الباطلة بذكر الأمثلة والتعداد. ويمكن أن يراجع مؤلف الدكتور السنهوري مصادر الحق في الفقه الإسلامي مقارناً بالفقه الغربي ، الجزء الرابع ، ص 54 وما بعدها. كما يمكن البحث في فوات الوصف المرغوب فيه ص 110 من الجزء الأول من المؤلف المذكور. ويمكن للباحث أن ينظر في الشرط الصحيح ص 106 من الجزء الثالث من المؤلف المذكور.

وفي قانون المعاملات المدنية تنص المادة (63)على الآتي:
63_(1)يكون الغلط جوهريا بفوات الوصف المرغوب فيه إذا بلغ حدا من الجسامة بحيث يمنع معه المتعاقدين عن إبرام العقد لو لم يقعا في هذا الغلط. (يبدو أن هناك خطأ مطبعياً وآخر نحوياً فصحة العبارة تكون: بحيث "لا" يمنع معه "المتعاقدان" عن إبرام..الخ.)

(2)يكون العقد قابلا للإبطال :


(أ)إذا وقع الغلط في صفة للشيء تكون جوهرية في اعتبار المتعاقدين أو يجب اعتبارها كذلك لما يلابس العقد من ظروف ولما يجب في التعامل من حسن نية.
(ب)...،
(ج)إذا وقع الغلط في أمور تبيح نزاهة المعاملات للمتعاقد الذي يتمسك بالغلط أن يعتبرها ضرورية للتعاقد.

وتنص المادة 84 على الآتي:

84-(1)السبب هو الغرض المباشر المقصود من العقد.

(2) يجب أن يكون السبب موجودا وصحيحا ومباحا وغير مخالف للنظام العام أو الآداب .

وكنت قد قلت: ويحكم هذه المسألة فيما إذا كان الباعث معلوماً للمؤجر أو كان في إمكانه أن يعلم به.

فإن كان الأمر كذلك ، يرد ما استلمه من حمدان بسبب استحالة تنفيذ العقد. وذلك لأن ما تم الاتفاق عليه استحال تنفيذ بسبب خارج عن إرادة الطرفين . ولو كان الأمر راجعاً للمؤجر لجاز للمستأجر أن يطالب بالتعويض إضافة لطلبه استرداد ما سبق وأن دفعه. وعبارة استحالة التنفيذ يستخدمها الفقه الإنجليزي عندما يتناول السابقة التي اشرنا إليها ويعتبرونها أحسن مثال لها ومن ذلك قولهم:

 The doctrines of impossibility or frustration require that some event must occur, the nonoccurrence of which was a basic assumption of the contract at the time it was made. A good illustration of the frustration doctrine is found in the "Coronation Cases," one of which is Krell v. Henry, 2 K.B. 740 (1903). There, plaintiff made a written contract to rent his apartment to defendant for two days to view the coronation procession of King Edward VII. After the agreement was made the coronation was cancelled because the King fell ill. Defendant then refused to pay the balance of the rent. The court ruled that he was justified in not paying reasoning that the taking place of the processions along the route in front of the apartment was regarded by both parties as the foundation of the contract. At the time of contracting the parties did not contemplate that the procession would not take place.

إن الغرفة محل التعاقد تتميز بموقعها لرؤية الموكب وكان المؤجر يعلم الباعث على التعاقد. وفي السابقة الإنجليزية ، وعلى سبيل الاستطراد قال القاضي ويليامز: فيما لو كان التعاقد تم مع سائق سيارة أجرة لتقل المستأجر للسباق الذي تم إلغاؤه في اليوم المعلن ، فإن المستأجر لا يستفيد من الحكم لأن سائق سيارة الأجرة لم تكن لديه ميزة معينة ، كما بين أن إلغاء الموكب لم يكن أمراً يتوقعه الطرفان عند التعاقد.

وتعميماً للفائدة ، أنقل ملخصاً للسابقة الإنجليزية والتي صدر حكمها في 11 أغسطس 1903م وهو حكم ملزم لمن يطبق القانون الإنجليزي أو يستنير بسوابقه.

مع تحياتي وتقديري لاخوتي الأعزاء.

Facts:

The defendant, C.S. Henry, agreed by contract on June 20, 1902, to rent a flat located at 56A Pall Mall from the plaintiff, Paul Krell, for the purpose of watching the coronation procession of Edward VII scheduled for June 26 and 27. The housekeeper of the premises informed Henry that he would have an excellent view of the procession from the room. The parties agreed on a price of £75, but nowhere in their written correspondence did either of them explicitly mention the coronation ceremony. Henry paid a deposit of £25 to Krell for the use of the flat, but when the procession did not take place on the days originally set (on the grounds of the King’s illness), Henry refused to pay the remaining £50. Krell brought suit against Henry for the remaining balance, and Henry counter sued for his deposit of £25.

Decision:

Judge Williams framed the legal question is this case as whether there was an implied condition to the contract; i.e., whether or not, at the time the contract was made, the two parties knew that the reason behind the contract was for Henry to watch the coronation procession. The principle that an implied condition which ceases to exist voids the contract stems from the case of Taylor v. Caldwell, which in turn was borrowed from Roman law. This principle was extended in later cases to situations in which an underlying condition that was essential to the performance of the contract (rather than simply being a necessary condition) ceases to exist.

Williams held that such a condition (in this cases, the timely occurrence of the coronation proceeding) need not be explicitly mentioned in the contract itself, but rather may be inferred from the extrinsic circumstances surrounding the contract. Thus, the parol evidence rule was inapplicable here. First, he examined the substance of the contract, and then determined whether the contract was founded on the assumption of the existence of a particular state of affairs.

Williams then determined that given the affidavits of the parties, Krell had only granted Henry a license to use the rooms for a particular purpose (watching the coronation). He analogized the situation to one in which a man hired a taxicab to take him to a race. If the race did not occur on the particular day the passenger had thought, he would not be discharged from paying the driver; but unlike the situation in this case, the cab did not have any special qualification, as the room here did (its view of the street). Furthermore, the cancellation of the coronation could not reasonably have been anticipated by the parties at the time the contract was made.

Judges Romer and Stirling concurred in the judgment

 سابقة قضائية