نساء عربيات قلن بأجسادهن ما عجز القاده العرب عن
قوله
يلقننا الفلسطينيون كل حين درساً بليغاً في البطولة والفداء. وإذ استأثر رجالهم بصدارة المشهد البطولي خلال السنوات التي خلت، إلا أن نساءهم فرضن أنفسهن بمضي الوقت. واثبتن في ساحة المقاومة حضوراً استثنائياً باهراً، حيث تحولن من حاضنات لمشروع الشهادة، إلى رائدات على طريق الشهادة. حتى صرن حالة فريدة في التاريخ، لا نكاد نعرف لها مثيلاً عند السابقين، ناهيك باللاحقين.
(1)
خذ نموذج
ريم الرياشي
، الذي اعتبره حالة فدائية قصوى، يشعر المرء أمامها بالضآلة والصغر. فقد اهتمت وسائل الإعلام طيلة الأيام الماضية بكونها أول شهيدة من أعضاء كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، التي قدمت طابوراً طويلاً من الشهداء الشبان، واختزنت دور النساء لحين الحاجة إليه. لكن اكثر ما هزني في أمرها حقاً أنها أم لطفلين صغيرين، أحدهما اسمه عبيدة لم يتجاوز عمره سنة ونصف السنة، وثانيهما ضحى ذات الأعوام الثلاثة. وهي من هذه الزاوية تعد
أول أم فلسطينية فضلت أن يعيش طفلاها يتامى ولا يعيش وطنها ذليلاً.
وهي مرتبة سامقة من التضحية، يندر أن تخطر على قلب بشر.
ولعلي لا أبالغ اذا قلت بأن ريم بما قدمته تنتمي إلى شريحة أخرى من البشر غير الذي نعرف. ولا اخفي أنني حين وقعت على الخبر وهزتني تفاصيله، هاجمني جيش من الأسئلة التي ما زالت تتقافز امام ناظري حتى هذه اللحظة. إذ لا اعرف، وما زلت عاجزاً عن تصور الكيفية التي ودعت بها ريم طفليها وزوجها حين غادرت بيتها في غزة صبيحة يومذاك (الأربعاء 14/1) وما اذا كان شعورها وهي تحتضن الطفلين لآخر مرة في تلك الليلة. ومن أين استمدت القوة التي جمدت الدمع في عينيها، وأوقفت تسارع ضربات قلبها، ومكنتها من أن تعبر بقدم ثابتة ودون أن يرف لها جفن عتبة بيتها إلى الشارع، ثم تمضي إلى هدفها بمنتهى السكينة والاطمئنان، دون أن تختلس نظرة إلى الوراء لتملأ عينيها بصورة الطفلين اللذين لن تراهما بعد ذلك أبداً.
أدهشني أيضاً أن ريم التي لم يتجاوز عمرها 22 عاماً، تقدمت بكل ثقة صوب حاجز «اريز» وهي تتمنطق بالحزام الناسف، وحين أطلق الحاجز الإلكتروني جرساً منبهاً إلى أنها تحمل شيئاً معدنياً، فإنها لم تهتز. وبذات الدرجة من الثبات والهدوء أخبرت الجنود الإسرائيليين بأن ثمة قطعة
من البلاتين مزروعة في ساقها التي ادعت إصابتها من قبل. وإذ خدعت الجنود بالاطمئنان البادي عليها، فانهم لم يشكوا فيها، واحتجزوها جانباً لتفتيشها، وحينما تهيأوا لذلك فإنها اقتربت منهم بزعم الاستسلام للتفتيش، ثم فجرت نفسها وهي تتوسطهم، فقتلت من الجنود الإسرائيليين أربعة وجرحت عشرة، وتناثرت أشلاؤها عند موقع الحاجز.
لا يسع المرء وهو يطالع تلك التفاصيل أن يتساءل، أي «امرأة حديدية» تلك، ومن أين أتت بذلك القلب الصلب والأعصاب الفولاذية والثبات الذي يقارع رسوخ الجبال. وكيف انفصلت في تلك اللحظات عن كل المعادلات والحسابات التي تحكم انفعالات البشر وتصرفاتهم، وتسلحت في ذات الوقت بتلك الدرجة الخارقة من الثبات والقوة. الأمر الذي ما كان له أن يحدث لولا أنها منذ اتخذت قرارها انفصلت عن دنيانا وحلقت في عالم رأت فيه ما لا نراه. فامتلأ قلبها بيقين وعيناها بنور اشبعا أشواقها وأحلامها، حتى زهدت في كل ما نراه واستعلت فوق البشر جميعاً.
(2)
منذ نكبة عام 48، والمرأة الفلسطينية تمثل خط الدفاع الأخير عن الوجود الفلسطيني. ولعل كثيرين يذكرون تلك اللقطة التي ثبتها الفضائيات العربية في أعقاب اجتياح مخيم جنين قبل عامين، حين ظهرت إحدى الفلسطينيات وهي تتطلع إلى الخراب والدمار الذي أحدثته عملية افتراس المخيم، ثم قالت أن الفلسطينيين لن يركعوا ولن يستسلموا، ولكننا سنظل ننجب وننجب لكي نعد لهم أجيالاً لا تنضب من المقاومين.
قبل ذلك بسنوات قليلة، حين حاول الرئيس العراقي السابق صدام حسين أن يرد على الأمريكيين بقصف اسرائيل بصواريخ سكود، فان التليفزيون الإسرائيلي حاول أن يستطلع رأي عرب ما وراء الخط الأخضر فيما جرى، فسأل أحد المذيعين سيدة فلسطينية عن رأيها في تداعيات القصف العراقي الذي قد يلحق بهم الأذى أيضاً، فردت الفلسطينية بسؤال وجهته إلى المذيع قائلة: هل هذا القصف سيقتل الإسرائيليين مع العرب؟ وحين رد المذيع بالإيجاب، قالت الفلسطينية بتلقائية وعفوية: في هذه الحالة فلا مانع، معتبرة أن الأهم هو تصفية الحساب مع الإسرائيليين، حتى وان أدى ذلك إلى قتل بعض العرب.
لا يحتاج المرء لان يبذل جهداً كبيراً لكي يعرف ما الذي أرضعته أمثال أولئك النسوة لأطفالهن إلى جانب الحليب. وهو ما لا يستغرب معه أن يصبح الطفل الفلسطيني منذ صغره مشروع مناضل عند الحد الأدنى، ومشروع شهيد عند الحد الأقصى. وقد كان واضحاً منذ عام 1967 أن المرأة الفلسطينية تقدمت خطوة إلى الأمام فشاركت بعضهن في النضال الوطني بصوره المختلفة، وكانت نسبة المعلمات والمربيات بينهن ملحوظة، حيث برزت بينهن في تلك الفترة أسماء عبلة طه من القدس ولطيفة الحواري من رام الله، وخديجة أبو عرقوب من الخليل. كما ساهمت أخريات في عمليات خطف الطائرات، ومنهن
ليلى خالد
و
ريما بلعوشة
و
زهيرة اندراوس.
وظل مكانهن ثابتاً في العمل الفدائي المقاوم، حتى تعرضن للإبعاد شأن بقية المقاومين، وهو ما ينطبق على
الأسيرة تريز هلسة.
بمضي الوقت اتسع نطاق المشاركة النسائية في العمل الفدائي. فارتفع عدد الأسيرات منهن إلى سبعين فدائية، محتجزات الان في سجن الرملة، في ظروف صعبة للغاية، واغلبهن يتعرضن لتجربة الاعتقال للمرة الأولى، مع استثناءات قليلة أبرزها حالة
الأسيرة عطاف عليان
من بيت لحم، التي قضت سنوات طويلة في السجون، ثم أعيد اعتقالها قبل اكثر من عام.
من بين المعتقلات قائمة طويلة من المناضلات اللاتي القي القبض عليهن بتهمة المشاركة في تنفيذ العمليات الفدائية والاستشهادية. ومن هؤلاء
دعاء الجيوسي من طولكرم (21 سنة)
التي قامت بنقل أحد الاستشهاديين من منطقة نابلس إلى مدينة نتانيا في 5/9/2003 و
أحلام التميمي من رام الله (22 سنة)
التي أقلت استشهادياً من نابلس إلى القدس الغربية في 9/8/2001 و
ليلى بخاري (26 عاماً)
من مدينة نابلس، التي ساعدت الشهيدة
دارين أبو عيشة
في عمليتها و
شفاء القدسي (25 عاماً)
من طولكرم، وهي أم لطفلة، وقد القي القبض عليها قبل تنفيذ عملية استشهادية و
ثورية حمود (26 سنة)
من جبع، اعتقلت في طولكرم بعدما كانت في طريقها لتنفيذ عملية استشهادية في القدس - وهو ما تكرر مع
تهاني الطيطي (24 عاماً)
من مخيم العروب و
ايمان عيشة (28 سنة)
وهي أم لطفلين. وقد اعتقلت خلال وضعها عبوة ناسفة كانت مخبأة داخل حقيبة في المحطة المركزية للحافلات بتل أبيب و
قاهرة سعدي (26 سنة)
وهي أم لأربعة أطفال، وقد اعتقلت بعدما أدخلت استشهادياً إلى القدس و
ايمان أبو خوصة (21 عاماً)
من جباليا التي حاولت أن تفجر نفسها في إحدى المستوطنات، ولكنها اعتقلت وهي في طريقها إلى هدفها و
ايرينا سراحنة،
التي ساهمت في نقل اصغر استشهادي في الضفة الغربية. هو
عيسى بدير (16 سنة)..
وغيرهن.. وغيرهن.
(3)
في زمن بعيد مضى صاحت امرأة »وامعتصماه«، فثارت النخوة وتحركت جيوش الخليفة العباسي لاستنقاذها. لكن جيل الفلسطينيات فعل ما هو ابعد واكثر. ربما لأنه لا يكاد يرى «معتصما»، وأصبحت النخوة في هذا الزمن محل نظر، ثم أن أمر الجيوش كما تعرف. لم تكن ريم الرياشي التعبير الوحيد عن خوض غمار التحدي والمبادرة إلى الفعل البطولي. وإنما سبقتها أخريات (لاحظ أعمارهن) سجلت كل واحدة منهن نموذجاً نادراً للبسالة والفداء. إذ في انتفاضة الأقصى وحدها وحتى الان على الأقل، قامت سبع فتيات ـ غير ريم ـ بعمليات استشهادية شكلت ذلك الحضور الاستثنائي للمرأة الفلسطينية في سجل التاريخ.
الأولى كانت
وفاء إدريس 26 سنة
فتاة مخيم الامعري (قضاء رام الله) التي اشتهرت بجمالها وطولها الفارع واتساع عينيها، ومن البداية ردت خطابها لأنها اختارت طريقاً اخر، وتعلقت بحلم مغاير. فقد تطوعت في الهلال الأحمر الفلسطيني. وكرست جهدها لمداواة جراح الفلسطينيين، حتى أصيبت بالرصاص المطاطي الإسرائيلي مرتين، وإذ ظلت ترى الدم الفلسطيني ينزف تحت عينيها كل يوم، فإنها قررت أن ترد بطريقة أخرى، تصيب المحتلين بالوجع وتسقيهم مرارة نفس الكأس. وبعثت برسالتها البليغة حين فجرت نفسها وسط جمع من الإسرائيليين في القدس الغربية يوم 27/1/2002، مؤثرة أن تنتقل من مداواة الجرحى إلى قوائم الشهداء.
ھ الثانية مراهقة لم يتجاوز عمرها 15 عاماً هي
نورا جمال شلهوب،
التي كانت متفوقة في دراستها، ولم تحتمل وطأة الاحتلال ولا ذله. وقررت في شهر فبراير 2002 أن ترد الصاع بمثله. فاستلت سكيناً من مطبخ والدتها، وتسللت من بيت أبيها الطبيب في منتصف الليل، بعد أن تركت وصيتها التي هتفت فيها بحياة فلسطين. وقصدت حاجز الطيبة الإسرائيلي قرب طولكرم. وحاولت أن تطعن أول جندي صادفها. لكنه عاجلها بطلقات مدفعه الرشاش، حتى مزق جسدها النحيل في ثوان.
الثالثة
دارين أبو عيشة (22 سنة)
ابنة قرية بيت وزن بقضاء نابلس، التي كانت تدرس بالسنة النهائية في جامعة النجاح، لكنها لم تأبه بالتخرج، حيث ظل قلبها مع الشهداء وعائلاتهم. إذ لم تترك جنازة شهيد إلا وسارت فيها، ولا بيت شهيد إلا دخلته متضامنة ومشجعة. تفجر غضبها حين أطلق الإسرائيليون النار على جمع من النسوة كن في طريقهن إلى مستشفى الولادة بنابلس، قضت ليلة الأربعاء 27/2/2002 في تلاوة القرآن والتهجد، ثم نامت قليلاً بعد صلاة الفجر، وخرجت من بيتها وهي صائمة، حيث فجرت نفسها امام حاجز لجيش الاحتلال اعترضها قرب قرية بيت عور قضاء رام الله، في حين كان مفترضاً أن تنفذ عمليتها داخل مخفر الشرطة في يافا.
الرابعة
آيات الأخرس
البالغة من العمر 18 عاماً، وعروس مخيم «الدهيشة» التي كانت مخطوبة منذ 18 شهراً، وتحدد موعد زفافها في شهر يوليو، بعد أن تجتاز امتحان الثانوية العامة، وهي التي كانت تحصل على تقدير امتياز في كل فصل دراسي. وحتى يوم 29 مارس 2002 الذي استشهدت فيه، كانت تواظب على دروسها وتحفظها. وإذ اختارت لنفسها مستقبلاً اخر ولعرسها موعداً اخر، فإنها فجرت نفسها في مجمع تجاري بحي كريات يوفيل الاستيطاني بالقدس الغربية.
ھ الخامسة
عندليت طقاطقة (21 عاماً)
التي تركت الدراسة بعد الصف السابع، وعملت في مشغل للخياطة لإعالة أسرتها. وهي التي وزعت الحلوى على أهلها قبل أن تنطلق لتنفيذ عمليتها الاستشهادية في سوق محنى بالقدس الغربية. وقالت لامها وهي تغادر بيتها أن خطاباً سيأتون إليها في المساء لطلب يدها وتمنت عليها أن تحسن استقبالهم، أما وصيتها فقد كتبت فيها قائلة: لقد اخترت أن أقول بجسدي ما عجز القادة العرب عن قوله.
السادسة
هبة دراغمة (19 عاماً)
ابنة بلدة طوباس القريبة من جنين، التي كانت تدرس اللغة الإنجليزية في جامعة القدس المفتوحة، وكان أبوها الذي لاحظ تفوقها على أقرانها يعلق آمالاً كباراً على تخرجها. إلا أنها اختارت «شهادة» أخرى، تعرفها أسرتها التي قدمت 6 شهداء لأجل فلسطين. فقد فجرت نفسها في 19/5/2003 وهي تحاول دخول مجمع تجاري وسط مدينة العفولة شمال فلسطين.
السابعة
هنادي تيسير جرادات (27 سنة)
التي كانت مفاجأة للجميع. ذلك أنها كانت
تعمل محامية في جنين
. ولم يخطر على بال أحد أنها يمكن أن تقوم بالعملية الفريدة التي نفذتها مع بداية العام الحالي (2004)، حيث اخترقت الجدار العازل وفجرت نفسها في أحد المطاعم الواقعة على شاطىء حيفا، ولحقت بشقيقها
فادي جرادات.
الذي استشهد في وقت سابق مع القائد في سرايا القدس
(4)
حين قالت النائبة البريطانية عن حزب الأحرار جيني تونج في اجتماع عقد بمجلس العموم في الأسبوع الماضي أنها لو كانت فلسطينية لسعت للانضمام إلى «الانتحاريات»، فإنها لم تكن وحيدة في تفهمها لحقيقة التحدي الوجودي الذي يهدد الفلسطينيين، فقد كان هناك وعي بتلك الحقيقة بين بعض الإسرائيليين أنفسهم. ففي حديث أدلت به الكاتبة اليهودية ايلانا هوفمان للإذاعة الإسرائيلية تعليقاً على قيام ريم الرياشي بالعملية، قالت انه من النفاق أن يدعي «عدد من قادة الدولة استهجان أن تقوم أم فلسطينية بتنفيذ عملية انتحارية ضد قواتنا، رغم انه من الطبيعي أن يهب أي إنسان لقتل أولئك الذين يقتلونه ويسلبونه الحق في العيش بكرامة، ولا يتغير الأمر كثيراً اذا كان الفاعل شاباً او رجلاً او طفلاً او عجوزاً، او أماً ترعى أولاداً».
وحسب استطلاع لرأي المستمعين اليهود، قام به برنامج إذاعي إسرائيلي على الهواء مباشرة، أبدى كثيرون تفهمهم لقيام أمهات فلسطينيات بعمليات استشهادية ضد قوات الاحتلال. حتى قال أحدهم، وهو ضابط احتياط برتبة رائد، خدم ضمن الجيش الإسرائيلي في عدد من مدن ومخيمات الضفة والقطاع إبان الانتفاضة، انه عندما سمع عن قيام أم فلسطينية بعملية استشهادية في «ايريز»، لم يستغرب الأمر على الإطلاق. وأضاف: من خلال تجربتي انه عندما نقوم بقتل أبناء الأمهات الفلسطينيات امام أعينهن، وعندما تشاهد الأم الفلسطينية كيف ندمر منزلها في ثوان، مع أن عائلتها أمضت عقوداً في بنائه، فان لجوءها إلى مثل هذا العمل لا يعد شيئاً مستغرباً.
يستوقف المرء أيضاً في هذا السياق ما كتبه المعلق السياسي، والكاتب المسرحي الشهير يرون لندن، في يومية «يديعوت احرونوت» 15/1/2004، حيث انتقد فشل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي ظلت تروج للادعاء بان منفذي العمليات ليسوا جذر الإرهاب، وإنما المشكلة في رؤساء المنظمات. وقال انه تبين بعد ثلاث سنوات أن الانتحاريين ليسوا شواذاً في المجتمع الفلسطيني، وان مخزون الشهداء لا ينضب، الأمر الذي يعني أن التمييز بين المحرضين والمنفذين لا محل له، وأن جميع الفلسطينيين اصبحوا مستعدين للموت، في سبيل إزاحة اليهود المحتلين.
وكانت الصحفية عميرة هاس قد فطنت منذ وقت بعيد إلى خطأ تبرير المسئولين الإسرائيليين للعمليات الاستشهادية بأنها راجعة إلى التراث الديني او ثقافة المجتمع الفلسطيني، وقالت في مقال لها نشرته صحيفة «هاآرتس» أن ذلك تفسير خاطىء ومضلل، وان الاحتلال والرغبة الطبيعية والشرعية في التخلص منه هو الدافع لتلك العمليات. «ذلك أن الاحتلال لم يترك للفلسطينيين أملاً في الحياة الكريمة» - ثم تساءلت قائلة: «كيف تسنى لتنظيم صغير مثل حركة الجهاد الإسلامي تجنيد هذا العدد من الانتحاريين». وأضافت أن «الانتحاريين والانتحاريات يشعرون انهم يمثلون مجتمعهم، وهذا هو سر قوتهم».
يهود يعاري
، كبير المعلقين للشئون العربية في القناة الثانية في التليفزيون الإسرائيلي، سخر من الذين يدعون أن العمليات الاستشهادية تعبير عن اليأس، وقال
أنها تعبير
«عن الأمل»،
الذي يحذو الفلسطينيين للتخلص من الاحتلال.
أما حيمي شليف، فقد شدد على أن عمليات المقاومة بشكل عام ومن ضمنها العمليات الاستشهادية ضد الجنود والمستوطنين عملت على تحطيم الإجماع «الوطني» الصهيوني خلف بقاء الاحتلال. ولفت النظر إلى أن عجز الدولة العبرية عن وقف العمليات الاستشهادية، فتح الجدل في اسرائيل على مصراعيه حول الأضرار المأساوية الناجمة عن استمرار الاحتلال.
على صعيد اخر، استهجن الباحث الإسرائيلي تسفي كاسا أن ينشغل قادة الدولة وخبراؤها الاقتصاديون بعقد الندوات والمؤتمرات الدراسية وورش البحث المختلفة من اجل إيجاد السبل لإنعاش الاقتصاد الإسرائيلي، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن حل هذه المعضلة، يتمثل في الخلاص من الاحتلال والاستيطان.
أخيراً فان
الشاعر العجوز حاييم جوري اشهر واهم الشعراء الإسرائيليين
قدم شهادة نادرة ومهمة فيما يخص المقاومة الفلسطينية. فقد ذكر انه في العام 1935، عقدت اللجنة المركزية لحزب مباي اجتماعاً، خطب فيه ديفيد بن جوريون، الذي اصبح فيما بعد أول رئيس للوزراء في اسرائيل، وكان جل حديثه عن بروز حركة الشيخ المجاهد عز الدين القسام، التي كانت تناضل ضد الانتداب البريطاني والعصابات اليهودية. ونقل جوري عن بن جوريون قوله أن بروز شخص مثل الشيخ عز الدين القسام لمواجهة البريطانيين واليهود، هو تحول بالغ الخطورة «كونه يعطي بعداً أخلاقيا لوجود الفلسطينيين كشعب (كان بن جوريون يدعي أن الفلسطينيين لا يمثلون شعباً)».
وأضاف «أن أهم تحول في حركة الشعوب هو أن يبرز من بينها من يبدي استعداداً للتضحية، والاستعداد للتضحية بالنفس هو أعلى وأسمى معلم أخلاقي. ووحدها الشعوب التي يبرز من بينها المستعدون للتضحية هي الشعوب القادرة على البقاء والجديرة به».
ان شعباً فيه أمثال ريم الرياشي أجدر الجميع بالبقاء والحياة.
منقول