القادة العرب عزلوا عرفات حيا وخذلوه ميتا
وأخيرا أسدلت الستارة على حياة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، ووري جسده التراب، منهيا بذلك رحلة شاقة استغرقت 75 عاما، أنهاها محاصرا بين أربعة جدران، وهو الذي أمضى معظم سني حياته طريدا وشريدا وفدائيا ثائرا.
العديد من المراقبين يرون أن ما جرى لعرفات خلال رحلة المرض والموت من رام الله إلى باريس مرروا بالأردن ذهابا والقاهرة إيابا والتفاعل العربي الرسمي مع مرضه وموته، أظهر بوضوح مساهمة الأنظمة العربية في حصار الزعيم الفلسطيني، بل إن هذا الحصار ما كان لينجح لولا الالتزام العربي الصارم.
رئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون المدعوم أميركيا، كان حذر العالم من التعاطف مع مرض عرفات وموته إلى درجة تظهره بصورة البطل، وإذا كانت معظم الدول الأجنبية تجاهلت تحذيرات شارون فإن العرب استنكفوا ذلك.
في هذا السياق يرى رئيس تحرير صحيفة القدس العربي عبد الباري عطوان أن شارون لم يهزم عرفات، بل إن الزعماء العرب هم الذين هزموه، مذكّرا بأن أيا من القادة العرب لم يتصل بعرفات خلال أيام مرضه في المستشفى العسكري بباريس للاطمئنان عليه، 'وذلك خوفا من غضب شارون أو سيد البيت الأبيض جورج بوش'.
وإمعانا في الإصرار العربي على نبذ عرفات وعزله، يقول عطوان في حديثه للجزيرة نت، إنه عندما كان عرفات ذاهبا إلى باريس عن طريق عمان، وكان لايزال عقله واعيا وقلبه ينبض، لم يكن في استقباله بالمطار الأردني سوى وزير خارجية الأردن الذي لم يمض على استلامه لمنصبه سوى أيام قليلة.
ويلفت مراقبون آخرون أيضا إلى عدم وجود تمثيل رسمي مصري أو من الجامعة العربية يليق بعرفات، عندما وصل جثمانه إلى القاهرة عشية جنازته، حيث لم يكن هناك سوى عقيلة الرئيس المصري التي جاءت لتستقبل أرملة عرفات وليس نعش زعيم عربي رحل.
ولاحظ عطوان 'لم نر الحزن باديا على وجوه القادة العرب الذين حضروا على استحياء الجنازة في القاهرة، لم نر دمعة تفر من عين أي منهم'، ويشير آخرون إلى أن الدول العربية لم تبدأ بإصدار بيانات التعزية بعرفات إلا بعد ساعات طويلة من وفاته، وبعد أن فعلت واشنطن وعشرات العواصم الغربية ذلك.
وانتقد عطوان شأنه شأن الكثير من الكتاب والصحفيين الجنازة الرسمية العسكرية المحدودة التي جرت لعرفات داخل مطار ألماظة العسكري بالقاهرة مقارنة بالجنازة المهيبة التي أقامتها له باريس، وكذلك منع الشعب المصري من المشاركة في الجنازة، وأضاف 'عرفات الذي أحب القاهرة، كان يستحق أن يجوب نعشه شوارعها محمولا على أعناق المصريين'.
ويقول المراقبون إن العلم الفرنسي الذي حمله الفلسطينيون خلال تشييع جنازة رئيسهم في رام الله خير دليل على امتنانهم للموقف الفرنسي من مرض وموت عرفات، و خيبتهم في الموقف العربي.
حصار الكلمة يرى الكاتب الصحفي عزت الفحماوي أن حصار عرفات الذي استمر آخر ثلاث سنوات في حياته، ما كان لينجح لولا الحراسة العربية المشددة عليه.
وفي هذا السياق يشير المراقبون إلى ما جرى في قمة بيروت التي عقدت في مارس/آذار عام 2002، وهي القمة التي لم يستطع عرفات حضورها، لأن شارون كان فرض عليه الحصار منذ شهرين.
ويرى هؤلاء أن الضعف العربي لم يتوقف عند حد عدم استطاعة الدول العربية الضغط على شارون لإجباره على السماح لزميل لهم -بيد أنه منتخب- بمغادرة مقره 'الرئاسي' في المقاطعة برام الله للمشاركة في القمة، بل إن الأمر وصل بهم إلى حد رفض الاستماع إلى خطاب عرفات الذي كان من المقرر أن يوجهه لهم عبر الأقمار الفضائية في الجلسة الافتتاحية لقمتهم، وذلك كله بعد تهديدات شارون من مغبة نقل هذا الخطاب.
وعند ذلك أجبر عرفات الذي كان في انتظار الربط مع القمر الصناعي، على بث خطابه للعالم العربي عبر قناة الجزيرة، والذي أكد فيه أنه ضد قتل المدنيين الإسرائيليين لكنه تمسك بحقوق شعبه الوطنية.
ويقول عطوان إنه عندما كان عرفات قيد الحصار لم يتصل به أي قائد عربي، وإذا حدث واتصل به أحدهم كان من أجله حثه على تقديم تنازلات وطنية فلسطينية إرضاء للبيت الأبيض وشارون، متسائلا أين كان العرب عندما منع شارون عرفات من زيارة كنيسة المهد في بيت لحم، أو زيارة أي مدينة في الضفة الغربية.
كما أن عرفات قبل أن يبدأ معاركه مع الإسرائيليين من فوق الأراضي الفلسطينية التي عاد إليها عام 1994، كان خاض معارك كبيرة وقاسية مع أشقائه العرب في عواصمهم التي طرد من العديد منها مثل عمان وبيروت والقاهرة، وحرم عليه دخول بعضها الآخر مثل دمشق والكويت التي 'غفرت' للجميع وقوفهم إلى جانب صدام عام 1990، ورفضت أن 'تغفر' له.
( منقول من الجزيرة )
محامى مصر
|