السادة الزملاء
أثار هذا الموضوع في ذهني مشكلة قانونية , وهي أن الأصل المقرر قانونا أنه لا يجوز للمضرور أن يجمع بين تعويضين , كما لا يجوز الجمع بين التعويض ومبلغ التأمين , إذا كنا بصدد دعوي المسئولية عن الفعل الضار , وخاصة إذا كان المضرور قد أمن علي نفسه من قبل ضد الوفاة أو الحوادث بخلاف التأمين الاجباري . وهل بذلك يكون القانون الجديد قد ألغي ضمنا النصوص المقابلة له في القانون المدني أم ماذا ؟
الأصل أنه إذا وقع عمل غير مشروع نشأ عنه حق في تعويض الضرر الذي نجم عنه . وهذا التعويض يعين القاضي طريقته ومقداره , ويراعي في تقديره مدي ما هناك من ضرر وقت صدور الحكم . ولا يحق للمضرور أن يجمع بين تعويضين . فالحق في التعويض مصدره هو العمل غير المشروع الذي أدي الي وقوع الضرر , وليس الحكم الذي يصدر في دعوي المسئولية .
وتنص المادة 171 مدني علي أن " يعين القاضي طريقة التعويض تبعا للظروف , ويصح أن يكون التعويض مقسطا كما يصح أن يكون إيرادا مرتبا ......... ويقدر التعويض بالنقد ..... " ونصت المادة 170 مدني علي أن " يقدر القاضي مدي التعويض عن الضرر الذي لحق المضرور طبقا لأحكام المادتين 221 و 222 , مراعيا في ذلك الظروف الملابسة . فان لم يتيسر له وقت الحكم أن يعين مدي التعويض تعيينا نهائيا , فله أن يحتفظ للمضرور بالحق في أن يطالب خلال مدة معينه باعادة النظر في التقدير . "
وما دام أن التعويض يكون بقدر الضرر , فالقاعدة أنه لا يجوز للمضرور أن يجمع بين تعويضين , بمعني أنه لا يحق له أن يعوض مرتين عما أصابه من ضرر , ويثور بحث هذه المسألة في حالات يترتب علي وقوع الضرر فيها أن ينشأ للمضرور حق في أن يحصل علي تعويض من طريق , وأن يحصل في نفس الوقت علي مبلغ تأمين أو نفقة أو مكافأة أو معاش من طريق آخر . فإذا كان ما يستحقه المضرور من هذا الطريق الآخر يصدق عليه أيضا وصف التعويض فلا يصح للمضرور أن يجمع بينه وبين التعويض الاول . لأنه لا يجوز له كما نوهنا أن يحصل علي تعويضين , أما اذا لم يكن ما يحصل عليه المضرور من هذا الطريق الآخر في حقيقته تعويضا حق له أن يجمع بينه وبين التعويض .
فاذا وقع لشخص حادث سيارة , فهل حصول المستحق للتعويض وفقا لسقف معين ونسب معينه من شركة التأمين , يمنعه من الرجوع علي المتسبب في الضرر بباقي مبلغ التعويض الذي يجبر الضرر , وذلك اذا ما اخذنا بظاهر الكلام الذي اوردته من قبل , أم أنه يجوز له الجمع ؟
الواقع أنني اري أنه من حقه الرجوع علي المتسبب في الضرر بباقي التعويض , وذلك لسببين , أولهما أن المشرع أجاز له ذلك , وثانيهما أننا لسنا بصدد تعويض أخر وإنما مازلنا في نطاق التعويض الاول لأننا نستند الي ذات السبب وهو الفعل الضار , لكن كل ما هنالك أن المشرع قد وضع نسبا وسقفا لما ستقوم شركة التأمين بدفعه , ولم ينكر علي المضرور حقه في الرجوع علي المتسبب في الضرر لاستكمال باقي حقه في التعويض , وما زلنا بصدد تقاضي التعويض من المتسبب فيه , غير أن جزءا منه تتحمله شركة التأمين وفقا للعقد المبرم بينها وبين المؤمن مقابل سداده الاقساط والباقي يتكفل به هو , ويكأن المشرع يريد التأكيد أننا بصدد عقد من عقود الاذعان الذي لا يملك معه القضاء إعفاء المتعاقد من الشروط الجائرة المتعسفة أو حتي التخفيف منها , وقد قمت بشرح هذه المسألة من أيام قليلة في استشارة أخري .
أما الصورة الثانية في اجتماع التعويض مع مبلغ التأمين , إذا كان المضرور قد أمن نفسه من الضرر الذي أصابه في جسمه أو في ماله فإنه ينشأ له حقان : حق قبل المسئول عن هذا الضرر في التعويض , وحق قبل شركة التأمين في مبلغ التأمين . فهل يجوز للمضرور أن يجمع بين التعويض الذي يحصل عليه من المسئول بعد تقاضي حقه من شركة التأمين علي النحو الذي بينه القانون , وبالاضافة الي ذلك مبلغ الـتأمين الذي يستحقه من شركة التأمين بسبب عقده هو ؟
الحل يتوقف علي ما إذا كان مبلغ التأمين يعتبر في حقيقته تعويضا أم لا يعتبر كذلك .
ان حق المضرور في التعويض مصدره العمل غير المشروع الذي ارتكبه المسئول . أما الحق في مبلغ التأمين فإن المضرور يستمده من عقد التأمين الذي أبرم بينه وبين الشركة , ولا يعتبر هذا المبلغ مقابلا للضرر , وإنما هو مقابل لأقساط التأمين التي دفعها للشركة . ومقتضي هذا ألا يعتبر مبلغ التأمين تعويضا , ومن ثم يصح للمضرور أن يجمع بينه وبين التعويض , إذ لا يعتبر في هذه الحالة أنه قد جمع بين تعويضين . وهذا ما تمليه القواعد العامة , وقد نصت المادة 765 مدني علي أنه " في التأمين علي الحياة لا يكون للمؤمن الذي دفع مبلغ التأمين حق في الحلول محل المؤمن له أو المستفيد في حقوقه قبل من تسبب في الحادث المؤمن منه أو قبل المسئول عن هذا الحادث "
ومؤدي ما سبق فان للمضرور أن يتقاضي تعويضا من شركة التأمين وفقا للنسب والسقف الذي حدده المشرع ثم يرجع بما يراه علي المسؤل - وقد بينا ذلك من قبل - كما أنه من حقه أن يجمع بين التعويض ومبلغ التأمين وفقا لعقده هو مع الشركة , دون أن يعد ذلك خروجا علي الاصل المقرر قانونا . ومن ناحية أخري فلا يوجد هناك إلغاء ضمنيا للقواعد العامة , وأنما المشرع أبقي للقاضي سطلته في تقدير قيمة التعويض ولكن علي مرحلتين .
حسني سالم المحامي
|