فقد اعترض أو يعترض البعض على العقوبات في الشريعة الإسلامية باعتراضات يظنها مقبولة , ويخلص منها إلى أن العقوبات الشرعية لا يمكن تطبيقها في الوقت الحاضر أو لا يمكن تطبيق أكثر عقوبات الحدود على الأقل .
ويقوم هذا الاعتراض على أن عقوبات الحدود – مثل القطع في السرقة – تتضمن إهدار لآدمية الشخص , عن طريق قطع اليد مثلاً في جريمة سرقة , كما يعترضون كذلك على إعطاء حق العقاب للفرد لا للمجتمع في عقوبة القصاص , وتحميل أقارب الجاني أو إشراكهم في دفع الدية خلافا لمبدأ شخصية العقاب وعدم مسؤولية الإنسان عن جرم غيرة .
والواقع أن هذه الاعتراضات واهية وما قامت عليه أوهى منها , وان اغتر بها أصحابها وحسبوها حججاً قوية وأدلة دامغة تبرر اعتراضهم وتعذرهم في هجر العقوبات الشرعية , فلا بد من كشف بطلان هذه الاعتراضات بشئ من التوضيح والتفصيل.
فادعاؤهم بقسوة عقوبة السرقة لما فيها من بتر وقطع للأعضاء , فإنهم قد فاتهم مدى ترويع السارق للآمنين , كان عليهم أن يتصوروا فعل السارق وهو يسير في جنح الظلام على رؤوس أقدامه فينقب الجدار ويكسر القفل ويدخل على الآمنين في بيوتهم من نساء و أطفال ورجال , و بيده السلاح يزهق روح من يقاومه , فيأخذ المتاع من البيت ويخرج , وربما يستيقظ أهل الدار فيحصل القتل أو الفزع والهلع, فهم لو تصوروا فظاعة جرم السارق لما أسفوا على قطع يده الآثمة الخبيثة .
ثم يقال : إن العقوبة يجب أن يكون فيها قدر كاف من الردع والزجر , ولا شك أن قطع يد السارق فيه هذا المقدار , أما غيرها من العقوبات الوضعية كالحبس والغرامات فلا تملك هذا القدر من الردع , ودليل ذلك الواقع فان جرائم السرقة بازدياد ولم تقللها عقوبة الحبس , بل إن السجن صار نزلاً لأصحاب السوابق يترددون إليه ويعتبرونه مأوى لهم بل ومحلاً للقائهم وتبادل خبراتهم في عالم السرقة و الإجرام .
وأما قولهم : إن العقوبة في جريمة القتل ـ وهى القصاص ـ اعتبرت حقاً لأولياء القتيل لا للمجتمع مع أن القتل يهم المجتمع ويعتبر اعتداء عليهم فيكون العقاب حقه لا حق أولياء القتيل , فهذا القول هزيل و سطحي , فأولاً إن للمجتمع حق في هذه العقوبة , ولهذا إذا عفا أولياء القتيل عن القاتل جاز للقاضي أن يحكم علية بعقوبة تعزيرية بالسجن أو بالضرب أو بهما , وفى هذا يقول ابن فرحون المالكي : " إذا عفي عن القاتل العمد على الدية فإن على القاتل الدية ويستحب له الكفارة ويضرب مائة ويحبس سنة . "
ثانياً فلأن حق أولياء القتيل في القصاص هو الغالب أي أغلب من حق المجتمع فيه , ومن ثم كان لهم العفو عنه , كما كان لهم طلبة , و إذا طلبوه لم يسع القاضي أن يعفو عنه بل ولا لرئيس الدولة أن يعفو عن القاتل مادام أولياء القتيل طلبوا القصاص , لان القصاص من حقهم , أما في القوانين الوضعية فعقوبة القتل من حق المجتمع لا من حق أهل القتيل .
والنظرة الفاحصة في جريمة القتل العمد تبين أن ضرر هذه الجريمة يقع أولاً وبصورة مباشرة على المجني علية وأهله , فهم الذين اكتووا بنار هذه الجريمة , وضررهم أشد بكثير من تضرر المجتمع وأذاه وألمه , فمن الطبيعي والعدل أن يكون حقهم في القصاص من الجاني أغلب من حق المجتمع .
وأما اعتراضهم في الدية وأنها تحميل لغير الجاني وأن هذا يناقض مبدأ قصر المسؤولية على من قام فيه سببها , فالجواب أن مبدأ قصر المسؤولية على من قام فيه سببها المستفاد من قوله تعالى : ( ولا تز وازرة وزر أخرى ) مبدأ قائم في الشريعة غير منسوخ ولا معطل , وليس في تشريع الدية مناقض له أصلاً , لأن إيجاب الدية على العاقلة في القتل الخطأ, إنما كان على التعاون و المواساة, لان المخطئ من حقه أن يعان , وإن أولى من يعينه أهلة وأقرباؤه من عصبته الذين يرثونه بعد موته , فمن باب الغنم بالغرم, وجب عليهم مواساته والاشتراك معه في الدية , وفى هذا الاشتراك تسهيل على أهل المجني علية الظفر بالدية, لان مبلغها كبير و إمكان أدائها من الجاني ضعيف , في حين أن تحميل العاقلة بها سيجعل ما يصيب الواحد منهم مبلغاً يسيراً يسهل عليه أداؤه فيسهل على أهل القتيل الظفر به .
وأما عن سؤال ألا يمكن الأستغناء عن العقوبات الحدية بعقوبات بديلة مع إحترام أحكام الشريعة التى تجرم تلك المعاصي؟ وكيف يتصور ذلك؟؟
فلله الحمد رب السموات ورب الأرض أنك تعلم أن تبديل شريعة الله هو من المعاصى بل هو من أكبر المعاصى التى قد تصل إلى حد الكفر بالله على تفصيل من أهل العلم قال الله تبارك وتعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فؤلائك هم الكافرون}
{ومن لم يحكم بما أنزل الله فؤلائك هم الفاسقون}
{ومن لم يحكم بما أنزل الله فؤلائك هم الظالمون} صدق الله العظيم
فهذا فى شأن من أقصى أحكام الشريعة جانباً ولم يحكمها فما بال السائل يريد أن يبدلها بدون أن يناله الإثم والذنب ولكن الحمد لله أنك لا تستطيع تصور ذلك كما أننى لا استطيع أن أتصوره.
وأخيراً لا أقول لك إرجع إلى كتاب كذا وكذا بل أقول لك أرجع إلى كتاب الله فقرأه مراراً وتكراراً وبالأخص أوصيك بقراءة سورة المائدة .
{أفحكم الجاهيلة يبغون, ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون}الأية 50 سورة المائدة
{ أليس الله بأحكم الحاكمين}الآية 8 سورة التين
بلى يارب وأنا على ذلك من الشاهدين.
أحمد طعيمة
الحـــامي