الإكراه وحالة الضرورة
كمانعي من المسئولية الجنائية
دراسة مقارنة
بين الشريعة والقانون
إن التشريع الجنائي الإسلامي يعالج اخطر الجرائم علي المجتمع بروح وثابة عالية تستهدف صالح الفرد والمجتمع علي حد سواء , وليس هدف التشريع هو مجرد رجم الجاني أو تقطيع يدية , كما يظن البعض بل اهدافة اسمي من ذلك بكثير فهو يجنب المسلم مزالق السوء ومسالك الجريمة , وان في حدود الله لو نفذت لزاجر للمجرم وان اعتاد الإجرام ويكف العادي وان تأصل في نفسه العدوان ويردع غيرة .
وفي المستقبل الذي نرجوه للفقه الإسلامي الذي صلحت به بلاد العروبة والإسلام قرونا طويلة ولا يزال صالحا لقيادتها في هذا العصر وفي كل عصر إلى يوم الدين.
وما نريده هذه الأيام أن يكون هذا الفقه الإسلامي المصدر الأول لتشريعاتنا ولكل بدعا من الأمر , فانه ليس إلا مظهرا من مظاهر الاستقلال الذي تحرص عليه كل أمه وانه ليس اضر بالامه من التبعية في القانون لامه أخرى, ذلك بأن من المسلم به أن القانون هو أساس النظم التي يقوم عليها بناء الامه وليس من الرشد أن تقيم أمه أهم نظمها على أساس مستعار من امه أخرى وهو مع هذا قد لا يتفق ودينها وماضيها وتقاليدها الطيبة.
وان في الشريعة الإسلامية وفيما وضعه المشرعون المسلمون ما يسد الثغرة ويفي بالحاجة وينقع الغلة ويؤدي إلى أفضل النتائج وابرك الثمرات.
ونذكر في هذه الناحية ان فكرة أن يكون الفقه الإسلامي هو الأساس الأول لكل قوانيننا وتشريعاتنا الحديثة قد تركزت في أذهان عدد غير قليل من كبار رجال القانون وأخذت مكانها اللائق بها في تفكيرهم وكتاباتهم وكان من هذا إن رأينا الأستاذ العلامة الدكتور عبد الرزاق السنهوري يقول في بحث له هذه الكلمات ألحقه الطيبة ( الهدف الذي ندمي إليه هو تطوير الفقه الإسلامي وفقا لأصول صناعته حتى نشتق منه قانونا حديثا يصلح للعصر الذي نعيش فيه وليس القانون المصري أو القانون العراقي الجديد إلا
قانونا مناسبا في الوقت الحاضر لمصر أو العراق والقانون الدائم النهائي لكل من
مصر والعراق بل لجميع البلاد العربية إنما هو القانون المدني الذي نشتقه من الشريعة الإسلامية بعد أن يتم تطويرها وقد تكون البلد العربية عند ظهور هذا القانون قد توحدت فيأتي القانون ليدعم وحدتها وقد تكون في طريقها إلى التوحيد فيأتي القانون عاملا من عوامل توحيدها ويبقى على كل حال رمزا لهذه الوحدة). هذا ما قاله الدكتور السنهوري منذ سنوات بعد أن قرر أن الفقه الإسلامي لا تقل عراقته عن عراقة القانون الروماني , وهو لا يقل عنه في دقة المنطق ومتانة الصيانة والقابلية للتطور وهو مثله صالح أن يكون قانونا عالميا , بل كان بالفعل قانونا عالميا يوم امتدت دولة الإسلام من أقاصي البلاد الآسيوية إلى ضفاف المحيط الأطلسي .
وهذا الفقه الإسلامي, كما يذكر أيضا العلامة الدكتور السنهوري ( إذا أحييت دراسته وافتتح فيه باب الاجتهاد , قمين أن ينبت قانونا حديثا لا يقل في الجدة ومسايرة العصر عن القوانين اللاتينية والجرمانية) ونعتقد أن هذا كله ما سيكون في يوم ليس بعيدا إن شاء الله تعالى ما دمنا نطلبه ونريده ونعمل له متعاونين بكل سبيل.
ومن الممكن بادئ ذي بدء أن نعرف المسئولية الجنائية ونعرض بإيجاز موقف كل من الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي منها ثم نتطرق للحديث عن الإكراه وحالة الضرورة موضوع البحث كمانعين من موانع المسئولية الجنائية .
و معنى المسئولية في الشريعة الاسلاميه أن يتحمل الإنسان نتائج الأفعال المحرمة التي يأتيها مختارا وهو مدرك لمعانيها ونتائجها فمن أتى فعلا محرما وهو لا يريده كالمكره أو المغمى عليه لا يسأل جنائيا عن فعله, ومن أتى فعلا محرما وهو يريده ولكنه لا يدرك معناه كالطفل أو المجنون لا يسأل أيضا عن فعله.
فالمسئولية الجنائية في الشريعة تقوم علي ثلاثة أسس :
أولا : أن يأتي الإنسان فعلا محرما
ثانيا: أن يكون الفاعل مختارا
ثالثا: أن يكون الفاعل مدركا
فإذا وجدت هذة الأسس الثلاثة وجدت المسئولية الجنائية وإذا انعدم احدها انعدمت .
فالشريعة لا تعرف محلا للمسئولية إلا الإنسان الحي المكلف فإذا مات سقطت عنة التكاليف و لم يعد محلا للمسئولية .
ومن القواعد الأساسية في الشريعة الإسلامية ( ألا تزر وازرة وزر أخرى * وان ليس للإنسان إلا ما سعى) فلا يسأل الإنسان إلا عن جنايته ولا يؤخذ بجناية غيرة مهما كانت صلته به .
أما عن معنى المسئولية الجنائية في القوانين الوضعية الحديثة هو نفس معنى المسئولية الجنائية في الشريعة الإسلامية وأسس المسئولية في القوانين هي نفس الأسس التي تقوم عليها المسئولية في الشريعة, ولا يخالف الشريعة في ذلك إلا القوانين التي تقيم نظرية المسئولية على فلسفة الجبر وعدد هذه القوانين محدود.
فالقوانين الوضعية كانت قبل الثورة الفرنسية تجعل الإنسان والحيوان والجماد محلا للمسئولية الجنائية, ولم تكن تفرق بين الإنسان الحي والميت ولا بين المميز وغير المميز ولا بين المختار والمكره, لأنها كانت تنظر إلى الجريمة بصرف النظر عن فاعلها, ومن ثم كان العاقل البالغ والصبي غير المميز والمجنون والمعتوهة يعاقبون علي جرائمهم دون نظر إلي حالتهم و عقلياتهم ,بل كان الحيوان و كذلك الجماد يعاقب علي ما يمكن أن ينسب إلية من أفعال جنائية .إما اليوم بعد أن تغيرت الأسس التي كانت تقوم عليها القوانين الوضعية فان هذة القوانين لا تعرف محلا للمسؤلية الجنائية غير الإنسان الحي
كما إنها تفرق في حكمها بين المدرك المختار وبين فاقد الإدراك والاختيار وبهذا أصبحت اغلب القوانين الوضعية الحديثة تسير على نفس الطريق الذي سلكته الشريعة الإسلامية منذ أربعة عشر قرنا من الزمان .
ولابد لقيام الجريمة من ركنين احدهما مادي والأخر معنوي وبالتالي لا يكفي لقيام المسئولية الجنائية إسناد الجريمة ماديا إلي شخص ما ، بل يجب أن تثبت قبله معنويا أيضا وبمعني أخر لا يكفي أن تكون الجريمة من فعل يديه بل يجب أيضا أن تكون صادرة عن إدراكه وإرادته وإذا توافر هذين الركنين قامت المسئولية الجنائية وحق العقاب علي الجاني أما إذا انعدم ركن منهما فلا جريمة وإذا فلا مسئولية ولا عقاب .
والأسباب المعدمة للمسئولية الجنائية تختلف من حيث تأثيرها فبعضها بعيد الأثر يرفع الصفة الجنائية عن الفعل فيصبح الفعل مباحا , وهي التي تسمي بأسباب الإباحة وبعضها رغم بقاء الفعل جريمة يمنع من قيام المسئولية الجنائية قبل الجاني ، وهي التي تسمي بموانع المسئولية وهناك نوع ثالث من الأسباب يبقي الفعل في حالتها جريمة وتقوم
المسئولية الجنائية أصلا ، وإنما لحكمه يراعيها المشرع يعفي الجاني من توقيع العقاب وتسمي هذة الأسباب موانع العقاب . فموانع العقاب لا تؤثر علي قيام الجريمة وإنما
تمنع من معاقبة الجاني عليها . ويترتب علي موانع العقاب عدم توقيع العقاب علي الجاني ، وان كانت لا تمنع من القضاء بالتعويض . وهي تشبه موانع المسئولية في هاتين
الحالتين ولكن موانع العقاب – بخلاف موانع المسئولية- لا تؤثر علي قيام المسئولية الجنائية فاركان الجريمة متوافرة وتقوم المسئولية الجنائية قبل الجاني بمجرد ارتكابه الجريمة وإنما لاعتبارات خاصة تعلو علي ضرورة العقاب كالعمل علي التوفيق وإبقاء صلات الود بين الأقارب أو تسهيل اكتشاف الجرائم ، يتغاضى المشرع عن معاقبة الجاني .
وموانع المسئولية هي الأسباب التي من شأنها إسقاط المسئولية الجنائية عن الجاني لأنها تؤثر في شرطي تحملها وهما الإدراك وحرية الاختيار فتفقدهما أو تفقد احدهما وهذه الأسباب شخصية تتصل بالفاعل ولا شان لها بالجريمة التي تبقى على أصلها من التحريم, ويترتب على ذلك نتيجتان :-
الأولى: ان مانع المسئولية لا ينتج أثره إلا فيمن توافر فيه من الجناة, أما غيره من الفاعلين للجريمة معه والشركاء فيها فتبقى مسئوليتهم عنها كامله .
الثانية: انه مادامت الصفة الجنائية للفعل باقية فقد يلزم الفاعل بتعويض ما ينتج عنه من الضرر على الرغم من عدم مسئوليته عنه جنائيا.
وفيما سبق بينا أن المسئولية الجنائية لابد أن تقوم على ثلاث أسس هي:-
أو لا:وقوع الفعل المحرم .
ثانيا:أن يكون الفاعل مدركا.
ثالثا: وان يكون مختارا.
ووجود هذه الأسس شرط جوهري لتوافر المسئولية الجنائية فإذا لم تتحقق جميعها أو بعضها انعدمت المسئولية وبالتالي لا يعاقب الجاني على جريمته لفقده عنصر من عناصر المسئولية الجنائية ولا شك أن التشريع الجنائي الإسلامي سبق كافة القوانين الوضعية في هذا المجال وجاءت أحكامه فيها أدق من أي قانون وضعي .
وأسباب امتناع المسئولية الجنائية في كل من الشريعة والقانون أربعة وهي:
الإكراه وحالة الضرورة , الجنون أو العاهة العقلية, الغيبوبة الناشئة عن تعاطي المواد المخدرة والمسكرة, عدم التمييز لحداثة السن.
والأسباب الثلاثة الأولى عارضة لأنها تقوم على خلاف الأصل في الإنسان , أما السبب الرابع فهو طبيعي لأنه يمثل مرحله من حياة الإنسان يمر بها كل شخص قبل أن تكتمل ملكاته الذهنية ببلوغ سن التمييز.
وسوف يقتصر بحثنا عن الإكراه وحالة الضرورة كمانع من المسئولية الجنائية وسنتناولهما في مبحثين:-
المبحث الأول: موقف الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي من الإكراه.
المبحث الثاني: موقف الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي من حالة الضرورة.
ورغم ما بذلت من جهد في هذا البحث فأعترف مقدما بعجزي وتقصيري
وأرجو من القارئ الكريم أن يغفر لي ما في هذا البحث من تقصير وما قد يكون قد شابهه من عيوب فالكمال لله وحده وفوق كل ذي علم عليم.
المبحث الأول
موقف الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي من الإكراه
*****
الإكراه في الفقه الغربي من الظروف التي تعدم المسئولية لأنه يعدم الإرادة وبالتالي ينفي المسئولية في جميع الجرائم. وهذه الظروف التي تعدم المسئولية قد يضيق نطاقها فيطلق عليها الإكراه الأدبي أو حالة الضرورة.
وأما الإكراه المادي فهو ان يقوم الشخص بإتيان الجريمة مدفوعا بقوة مادية لا يستطيع دفعها, وهذه القوة قد يكون مصدرها إنسان أو حيوان أو بفعل الطبيعة.
والإكراه الأدبي هو ان يعرض للإنسان ضرر شديد فيرتكب للنجاة منه أمرا يحرمه القانون. اما حالة الضرورة فلا يكون الخطر أو الضرورة موجها الى الشخص عمدا لإرغامه على ارتكاب الجريمة. بل يكون نتيجة ظروف وجد فيها الشخص فيعمل على الخلاص من هذا الخطر ولا يجد أمامه سبيلا إلا ارتكاب جريمة. وقد نصت المادة 61 من قانون العقوبات المصري على انه لا عقاب على من ارتكب جريمة الجأ ته إلى ارتكابها ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيرة ولم يكن لإرادته دخل في حلوله ولا في قدرته منعه بطريقة أخرى.
وتختلف كل من الحالتين الأخيرتين عن الأخرى في أن الإكراه يتضمن إلجاء الفاعل إلى ارتكابه الفعل بحيث لا يكون أمامه إلا سلوك السبيل الذي قصد توجيهه إليه وهو ارتكاب الجريمة.
اما في حالة الضرورة فانه وان كان الفاعل لا يجد أمامه إلا ذات السبيل إلا انه لم يقصد احد إلجاءه إليه بل انه يتوجه إليه مختارا دفعا للشر المحدق وهو في وسعه إلا يرتكب الجريمة ويدع هذا الضرر يتحقق ومن يتمعن في نص المادة التي وردت في
(1) د/أحمد فتحي بهنسي , المسئولية الجنائية في الفقه الإسلامي, دراسة فقهية مقارته, الطبعة الثالثة, 1984,ص235.
قانون العقوبات المصري يجد أنها لم تنص على الإكراه المادي وان نصت علة الإكراه الأدبي وحالة الضرورة وذلك لأنه من المفهوم بالبداهة أن الإكراه المادي معدم للرضا والاختيار ومعدم بالتبعية للمسئولية(1).
وإنما نص على الإكراه الأدبي وحالة الضرورة حتى لا يوجد أي مجال للشك في ذلك.
الإكراه في الفقه الإسلامي هو فعل يفعله الإنسان بغيره فيزول رضاه أو يفسد اختياره(2).
وينقسم هذا المبحث إلى مطلبين:-
المطلب الأول: موقف القانون من الإكراه.
المطلب الثاني: موقف الشريعة من الإكراه
(1) د/أحمد فتحي بهنسي , المسئولية الجنائية في الفقه الإسلامي, دراسة فقهية مقارته, الطبعة الثالثة, 1984,ص235.
(2) د/ محمد علي محجوب, الوسيط في التشريع الإسلامي ونظرياته العامة , ص606.
المطلب الأول
موقف القانون من الإكراه
*****
الإكراه في القانون هو الضغط على إرادة الغير بحيث تشكل وفقا لإرادة من يباشر الإكراه (1) والإكراه قد يكون ماديا وقد يكون معنويا والإكراه المادي يتمثل في عنف يباشر على جسم الإنسان والذي قد يكون مصدره قوه إنسانية كمن يمسك بيد أخر ويحركها على نحو يجعله يثبت في محرر بيانات مخالفة للحقيقة, أو إذا حرك شخص يد أخر فجعلها تضرب شخصا ثالثا. وفي هذه الحالة تبحث المسئولية فيمن استعمل القوة لا فيمن كان مجرد أداه في يده.
وقد يكون مصدر الإكراه المادي قوة طبيعية أو غير إنسانية و هذة الحالة يطلق عليها في تعبير "القوة القاهرة" إذا كانت القوة مصدرها خارج شخص المكره, وتعتبر الحادث الفجائي إذا كانت القوة راجعة إلى أسباب داخلة في شخص المكره (2) ومن أمثلة الإكراه المادي المسمى بالقوة القاهرة الزلازل والرياح والفيضانات ومن أمثلة الإكراه المادي المتخذ شكل الحادث الفجائي المرض والعمى المفاجئ. فمن يصاب وهو يقود سيارته بعمى مفاجئ فيتسبب في إصابة احد المارة لا يسأل لانتفاء الخطأ في جانبه. مثال ذلك أيضا من يغلبه النعاس في سفر طويل فيتجاوز المسافة التي دفع أجرها, وقائد السيارة الذي يصاب بعمى ألوان مفاجئ فيرى الاشاره الحمراء خضراء
وينطلق في السير فيصطدم بسيارة أخرى ويؤدي ذلك إلى وفاة من فيها, فان الركن المعنوي ينتفي استنادا إلى الحادث الفجائي المتمثل في المرض المفاجئ للبصر.
أما الإكراه المعنوي فمصدره على الدوام قوة إنسانية تجبر الشخص على ارتكاب الجريمة تحت تأثير الخوف من خطر أو ضرر جسيم وشيك الوقوع.
(1) د. مأمون محمد سلامه , قانون العقوبات , القسم العام, الطبعة الثالثة, سنة 1990 , صــ364.
(2) د. محمد زكي أبو عامر , قانون العقوبات, القسم العام . سنة 1990 , صــ223.
الفرع الأول
الإكراه المادي
***
أولا: تعريف الإكراه المادي:-
الإكراه المادي يعني أن يجد الفاعل على ارتكاب الفعل أو على الامتناع المكون للجريمة بقوة مادية لا يستطيع مقاومتها, فهو يؤدي إلى انعدام إرادة من بوشر عليه الإكراه, وهي أساس المسئولية. ولذلك فانه يعد سببا عاما لنفي المسئولية في جميع الجرائم من جنايات وجنح ومخالفات, العمدية منها وغير العمدية(1) فالقوة المادية المشكلة للإكراه تمحو على هذا النحو إرادة الفاعل بحيث لا يكون قد صدر منه في النهاية سوى عدة حركات عضلية أو مواقف سلبية مجردة من الاراده. فمن يمسك بيد أخر بالقوة ويحركها ليكتب بيانا مزورا في ورقة رسمية فان مرتكب التزوير يكون هو من باشر الإكراه وليس من بوشر حياله, والذي يعتبر في هذه الحالة مجرد اله. فالحركة العضوية لمن بوشر ضده الإكراه المادي لا تكفي لتوافر السلوك والذي يلزم له عنصره النفسي المتمثل في الاراده(2) .
ثانيا: شروط الإكراه المادي:-
يشترط لتوافر حالة الإكراه المادي ثلاثة شروط:
الأول: أن تكون القوة المكرهة لا تقاوم ولا يستطاع لدفعها سبيلا. وبالتالي إذا احتفظ الإنسان بشئ من حرية إرادته في ارتكاب الجريمة خرج الأمر عن أن يكون إكراها ماديا, وان كان هذا لا يمنع من أن يكون حاله إكراه معنوي أو حالة ضرورة إذا توافرت شروطها.
(1) د/ السعيد مصطفى السعيد, الأحكام العامة في قانون العقوبات, 1371-1952, ص419
(2) د/ مأمون محمد سلامة, المرجع السابق, ص 365
الثاني: أن تكون القوة المكرهة خارجة عن إرادة الفاعل, أي لادخل لإرادته في إيجادها. ولا يتحقق هذا الشرط إلا إذا كانت تلك القوة غير معروفة له ولا متوقعة منه.
الثالث: ألا يكون بوسع الجاني توقع سبب الإكراه حتى يعمل على ملافاته والا كان مسئولا. كمن يعلم بتعرضه لنوبات صرع مفاجئة ويقود سيارة فيصاب بالنوبة أثناء السير فينشأ عن ذلك حادث يودي بحياة بعض الركاب. ومثال ذلك أيضا من يعلم أن جواده من النوع الجامح الذي ينزعج عند سماعه أصوات السيارات أو حركتها فيمتطيه في طريق مزدحم فيجمع ويصيب شخصا ويقتله, لا يكون له أن يحتج بالقوة المكرهة, لأنه كان يعلم بها ويتوقع حدوثها وأوقع نفسه تحت تأثيرها بخطأ منه.
ثالثا: القوة القاهرة والحادث الفجائي:-
من المبادئ الأساسية في القانون الجنائي أنه لا يمكن تحميل شخص تبعة واقعة مؤثمة جنائيا ما لم ترتبط هذه الواقعة بنشاط ذلك الشخص برابطة السببية المادية أو العضوية. ذلك لأن مساءلة الشخص عن واقعة مؤثمة جنائيا بغير توافر الإسناد المادي, أي بغير إسنادها ماديا إلى نشاطه الإرادي بحسبانه السبب المباشر في حدوثها, يعني المسئولية الجنائية اما عن فعل الغير وأما عما يقع بفعل القضاء والقدر, إن كان مصدر الواقعة هو القوة القاهرة أو الحادث الفجائي أو ما يجري مجراها ولا دخل لإرادة المتهم فيما حدث. وسوف نتناول فيما يلي امتناع المسئولية الجنائية بسبب القوة القاهرة والحادث الفجائي.
1- القوة القاهرة : هي ذلك السبب الاجنبى أو القوة الخارجية الطبيعية التي يخضع لها الإنسان لا محالة , ولا يمكنه دفعها أو مقاومتها , وتسخره في ارتكاب فعل أو امتناع . وتتصف القوة القاهرة بأنها قوة غير أدمية , ولكنها قوة طبيعية اى من فعل الطبيعة كالعواصف و الزلازل .كما تتصف بأنها قوة كاسحة لكل نشاط مادي أو مقاومة عضوية للفرد الذي يغدو حينئذ مجرد أداة طبيعية سخرتها قوى الطبيعة .
2- الحادث الفجائي: يراد بالحادث المفاجئ عامل طارئ يتميز بالمفاجأة أكثر مما يتصف بالعنف يجعل جسم إنسان أداة لحدث إجرامي معين, دون أي اتصال إرادي بين هذة الحدث وبين ذلك الإنسان , ويستوي في ذلك العامل أن يكون ظاهرة طبيعية أم فعلا إنسانيا(1) . فالحادث الفجائي هو قوة مادية تؤثر بصفة مباشرة ومطلقه علي الجانب العضوي أو المادي للإنسان فلا يقوم الركن المادي للجريمة , وبالتالي لا يقوم أيضا الركن المعنوي , تتجرد الإرادة من أي صورة من صور الخطأ الجنائي (2).
ويشترط في القوة القاهرة والحادث الفجائي شرطان هما: عدم امكان التوقيع وعدم امكان الدفع. فإذا أمكن توقع الحادث حتى لو استحال دفعه لم يكن قوة قاهرة ولا حادثا فجائيا , وكذلك إذا أمكن دفعه حتى لو استحال توقعه. والمعيار هنا موضوعي لا
ذاتي: فيجب أن يكون عدم امكان التوقع ولا الدفع مطلقا لا نسبيا , لا بالنسبة للمتهم وحده, بل بالنسبة لأي شخص يكون في موقفة, أسوة بنفس الضابط المدني في تقدير استحالة التوقع والدفع بالنسبة للمدين بالتعويض(3) .
*آثار القوة القاهرة والحادث الفجائي: لا فرق من ناحية المسئولية الجنائية بين القوة القاهرة وبين الحادث الفجائي, فكلاهما يعدم هذه المسئولية ماديا. فهما ينفيان لدى المتهم السلوك المطابق لنموذج الجريمة كما هو موصوف في القانون, فلا يعتبر الحادث ناشئا عن سلوك المتهم وإنما من القوة القاهرة أو من الحادث الفجائي ومن ثم فلا وجه لان ينسب إلى الفاعل حينئذ أي فعل لم يكن في مقدوره تجنبه, فتدور رابطة السببية المادية كما يزول في الواقع السلوك الإرادي المعبر عن شخصية الفرد, أي ينعدم الركن المادي وتنتفي الجريمة.
وكذلك فان القوة القاهرة والحادث الفجائي يعتبران أيضا من أسباب امتناع المسئولية المدنية.
(1)د/رمسيس بهنام, الجريمة والمجرم والجزاء, سـ1972ـة, رقم 116, ص561
(2)د/يسر أنور علي,شرح قانون العقوبات, النظرية العامة,1992, رقم 248, ص366
(3)د/عبد الرزاق السنهوري, الوسيط في القانون المدني, ج3, رقم 587, ص778 وما بعدها.
فتنص المادة 165 من القانون المدني على انه" إذا اثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه, كحادث مفاجئ أو قوة قاهرة أو خطأ من المضرور أو خطأ من الغير, كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر مالم يوجد نص أو اتفاق على غير ذلك".
الفرع الثاني
الإكراه المعنوي
***
أولا: تعريف الإكراه المعنوي:
يراد بالإكراه المعنوي قوة إنسانية تتجه إلى نفسية الإنسان دون أن تستطيل الى جسمه فتحمل هذة النفسية على اختيار ارتكاب الجريمة قسرا(1). فمن يهدد أخر بقتلة أو قتل ولدة ويصوب بالفعل مسدسة نحوه ليجعله يسلم أمانة كان يحتفظ بها لا نسان أخر إنما يتوجه بتهديده إلي نفس ضحيتة في سبيل حملها , درءا لهذا الخطر الجسيم الحال إلى اختيار ارتكاب الجريمة. فالإكراه المعنوي مصدره على الدوام قوة إنسانية تجبر الشخص على ارتكاب الجريمة تحت تأثير الخوف من خطر أو ضرر جسيم وشيك الوقوع, فيرتكبها المهدد إذ يرى ضررها عليه, أهون على كل حال من وقوع الضرر المهدد به مثال ذلك أن يهاجم قطاع الطرق عربة نقل محملة بالبضائع , ويهددون سائقها بالقتل إذ لم يسلم محتوياتها, فيقدمها لهم متفاديا الموت. ففهذا المثال لا يعاقب السائق على جريمة خيانة الأمانة أو جناية الاختلاس, لأنه اقترفها مقهورا ونتيجة لانتقاص لديه في حرية الاختيار كان من شأنه أن يدفع بالرجل العادي إلى ارتكاب الجريمة ذاتها لو وجد في الظرف عينه.ومن البديهي أنه لتوافر الإكراه المعنوي, يلزم أن يكون الضرر المهدد به من
الخطورة بحيث ينصاع الرجل العادي إزاء التهديد به إلى ارتكاب الجريمة مؤثرا إياها عليه(2).
على أنه يلزم في الإكراه المعنوي كتهديد, أن يكون مصحوبا بدعوى صريحة موجهة إلى الشخص الخاضع للإكراه في سبيل أن يرتكب هذا الشخص جريمة معينة , لأن المكره يتعمد التأثير على إرادة المكره.
(1)د/ رمسيس بهنام, الجريمة والمجرم والجزاء, سـ1972ـة, رقم117, ص563.
(2)د/ رمسيس بهنام, المرجع السابق, رقم117, ص 564,وانظر عكس ذلك الدكتور/محمد زكي أبو عامر,المرجع السابق, رقم87 , ص228.
فلو أن زيدا كان يصعد سلما ووجد أمامه عدوا كان يتربص به, واستل هذا العدو خنجره ليتعدى به عليه , فانطلق هو ينزل على السلم هاربا, والتقى في طريق النزول بشخص صاعد فأزاحه عنوه عن طريقه تمكنا من الهرب, ووقع هذا الشخص على ظهرة بطريقة أودت بحياته فان زيد يسأل في هذة الحالة عن جريمة قتل خطأ , لأن التهديد بالضرر لم يكن مصحوبا بدعوة إلى ارتكاب الجريمة التي وقعت.
والفرق بين وجود الدعوى الى ارتكاب جريمة أو عدم وجودها, هو أنه في حالة الدعوى تعتبر الجريمة منسوبة الى الداعي المكره, فيعتبر مسئولا جنائيا عنها وتعتبر في الوقت ذاته جريمة عمدية بالنسبة له. أما الجريمة التي تقع من الخاضع للإكراه دون أن يدعوه المكره إلى اقترافها, فلا تعتبر كقاعدة مقصودة من هذا الأخير , وإن كان يمكن أن تعزي إلى رعونته وإهماله(1) .
ثانيا: شروط الإكراه المعنوي:
يشترط لتوافر الإكراه المعنوي شرطان:
الأول: أن يكون التهديد بالضرر لا يمكن مقاومته إلا بارتكاب السلوك الإجرامي.
الثاني: ألا يكون وقوع المجني عليه تحت تأثير حالة الإكراه المعنوي قد تم بخطأ منه, أي بعلمه أو توقعه. فان حدث فلا تمتنع مسئوليته وإنما يعاقب عند الاقتضاء كفاعل جريمة غير عمدية(2) .
ويلاحظ أن المهابة – أي الخوف المنبعث من الاحترام- ليست مانعة من العقاب ولا تشكل قط قوة مكرهه, كخوف الابن من أبيه والطالب من أستاذة أو الخادم من سيده كما يلاحظ أن الإكراه المعنوي لا يقوم قط بالقوة العاطفية كالغضب والانفعال والحب والكره والغيرة .
ثالثا: الطبيعة القانونية للإكراه المعنوي:
الإكراه المعنوي ليس سببا مبيحا للجريمة وإنما هو محض عذر معفي من عقابها لأن الجريمة مرتكبة تحت تأثيره يتوافر لها ركنيها
(1)د/ رمسيس بهنام, المرجع السابق, رقم117, ص565.
(2)د/ محمد زكي أبو عامر, المرجع السابق, رقم87, ص229.
المادي والمعنوي معا. وكان مؤدى هذا المنطق اعتبار الجريمة المرتكبة تحت تأثير الإكراه مستوجبة المسئولية المدنية , تبعا لاحتفاظها بوصف الجريمة رغم انتفاء العقاب عليها, لولا أن القانون المدني قد شاء كذلك أن يرفع عن عاتق فاعلها الالتزام بالتعويض. فالمادة 165 من القانون المدني تنص على أنه إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه, كان غير ملزم بتعويض الضرر.
المطلب الثاني
موقف الشريعة من الإكراه
*****
الإكراه في اللغة: هو حمل الفاعل على أمر يكرهه والكره معنى قائم بالمكره ينافي المحبة والرضا.
والإكراه في الشرع: هو حمل الغير على فعل والدعاء إليه بالإيعاز والتهديد بشروط معينة(1).
وبمعنى أخر: هو فعل يفعله الإنسان بغيره فيزول رضاه أو يفسد اختياره(2).
وسنتكلم في الإكراه عن شروطه وأنواعه وأحكامه:-
أولا: شروط الإكراه:-
1- أن يكون المكره قادرا على تحقيق ما وعد به من ضرر للمكره ولذلك قال أبو حنيفة لا يتحقق الإكراه إلا من السلطان.
وقال أبو يوسف إن الإكراه يتحقق من السلطان وغيره وقد قال الزيلعي في ذلك وشرط الإكراه قدرة المكره على تحقيق ما هدد به سلطانا كان أو لصا.
2- أن يقع في غالب رأي المكره وأكثر ظنه أنه لو لم يجب الى ما دعاه إليه المكره لحقق ما وعد به من ضرر.ولذلك فهي مسألة شخصية داخلية تختلف من شخص لأخر. فإذا كان الرجل صاحب منصب يعلم انه يتضرر بحبس يوم أو قيد يوم أو ضرب سوط فيكون مكرها وقدر ما يكون من الحبس إكراها ما يجئ به الاغتمام البين ومن الضرب ما يجد منه الألم الشديد وليس في ذلك حد لا يزاد عليه ولا ينتقص منه بل يكون مفوضا إلى رأي الإمام لأنه يختلف باختلاف أحوال الناس فمنهم من لا يتضرر إلا بضرب شيدي وحبس مديد ومنهم من يتضرر بأدنى شئ كالشرفاء والرؤساء يتضررون بضربة سوط أو بعرك إذن لا سيما في ملأ من الناس أو بحضرة السلطان فيثبت في حقه الإكراه بمثله كذا في التبيين.
(1) د/ أحمد فتحي بهنسي, المسئولية الجنائية في الفقه الإسلامي, الطبعة الثانية, سنة 1969, ص236.
ومن مشايخنا من قال إذا كان الرجل متنعما ذا مروءة يشق عليه عدم تناول المحرم بحيث يقع في قلبه انه متى لم يتناوله يموت بسبب الحبس أو القيد أو يذهب عضو من أعضائه يباح له التناول , وكذا لو هدده بالحبس في مكان مظلم يخاف منه ذهاب البصر لطول مقامه فيه فانه يباح له التناول. وقد قال بعض مشايخنا بأن محمدا إنما أجاب بناء على ما كان من الحبس في زمانه فأما الحبس الذي أحدثوه اليوم في زماننا فانه يبيح التناول أي للجميع ذو المروءة وغيره(1).
3- أن يكون المكره ممتنعا عما اكره عليه لحق ما, إما لحق نفسه كبيع ماله أو إتلافه أو لحق شخص أخر كإتلاف مال الغير أو قذفه أو لحق للشرع كشرب الخمر والزنا ونحو ذلك.
4- أن يكون المكره به متلفا للنفس أو لعضو أو موجب لخوف يعدم الرضا.
وبعد ذلك كله لا يلزم أن يكون المكره بالغا أو عاقلا ذكرا آم أنثى فيتحقق الإكراه من الأنثى كما يتحقق من الصبي و المجنون إنما يجب أن لا يغيب المكره عن بصر من أكرهه فإن غاب المكره عن بصر من أكرهه يزول الإكراه(2).
ثانيا:أنواع الإكراه:-
1- إكراه تام أو ملجئ: وهو الذي يوجب الإلجاء والاضطرار معا كالقتل والقطع والضرب الذي يخاف منه تلف النفس أو العضو وهو معدم للرضا ويفسد الاختيار ولا يعدمه لأن الفعل يصدر عنه باختياره ولكنه اختيار فاسد يجعله مستندا إلى اختيار أخر.
2- إكراه ناقص أو غير ملجئ: فيبقى الفاعل مستقلا في قصده بأن يكون الإكراه بحبسه أو قيده أو ضربه أو نحو ذلك مما يوجب عدم الرضا ولكنه غير مفسد للاختيار وليس فيه تقدير لازم سوى أن يلحقه من الخوف البين بسبب ما يقع عليه وقد ورد في مرآة الوصول عن ذلك:-
وهذا النوع يختلف باختلاف الناس فان الارذال ربما لا يغتنمون بالضرب أو الحبس
(1) د/ أحمد فتحي بهنسي, المسئولية الجنائية في الفقه الإسلامي, الطبعة الثانية, سنة 1969, ,ص237.
(2) د/ أحمد فتحي بهنسي, المسئولية الجنائية في الفقه الإسلامي, الطبعة الثانية, سنة 1969 ,هامش 2, ص237.
إلا أن يكون مديدا يتضجر منه والأشراف يغتنمون بكلام فيه خشونة فهل هذا يكون إكراها؟ قال في المنار: أولا يعدم الرضا فيه مشكل فإن من يقول بأنه إكراه يقول بانتفاء الرضا عنه, وقال الزيلعي إذ قدر البعض أن الإكراه الملجئ حده أربعون سوطا لا وجه للتقدير بالرأي وأحوال الناس مختلفة فمنهم من يحتمل الضرب الشديد ومنهم من يموت بالأدنى منه فلا طريق إلا الرجوع إلى رأي المبتلي به فان غلب على ظنه أن تلف النفس أو العضو يحصل بذلك وسعه والا فلا(1).
الإكراه الأدبي: حاول بعض الفقهاء المحدثين أن يضيفوا إلي أنواع الاكراة المذكورة الاكراة الأدبي باعتبار أن الشريعة وان لم تنص علية صراحة فلم تهملة ومثلوا لذلك بالتهديد بحبس الأب أو حبس الأخ أو الأخت ..فهنا لا أذي ينال الجسم ولكنة أذي ينال النفس , فهو وان كان ماديا بالنسبة لهؤلاء الأقارب إلا انه أدبي بالنسبة للشخص المكتره .
ولكنا نري(2) أن الإكراه الملجئ أو غير الملجئ قد يكون ماديا كما قد يكون أدبيا , أي أن الاكراة الأدبي وصف يندرج تحت نوعي الإكراه الرئيسين.
والمثل الذي يأتي به الفقهاء الغربيين ويعتبرونه من قبيل الاكراة الأدبي أن تكره المرأة علي الزنا وألا قتلت أو قتل ولدها ما هو إلا من نوع الإكراه الملجئ .
ثالثا:حكم الإكراه:-
يختلف حكم الإكراه باختلاف الجرائم,ففي بعض الجرائم لا يكون للإكراه أي اثر, وفي بعضها ترتفع المسئولية الجنائية ويباح الفعل, وفي بعضها تبقى المسئولية الجنائية وترتفع العقوبة, فالجرائم بالنسبة للإكراه على ثلاثة أنواع:-
(1) نوع لا يؤثر عليه الإكراه فلا يبيحه الإكراه ولا يرخص به.
(2) نوع يبيحه الإكراه فلا يعتبر جريمة.
(3) نوع يرخص به الإكراه فيعتبر جريمة ولكن لا يعاقب عليه.
(1) د/ أحمد فتحي بهنسي, المسئولية الجنائية في الفقه الإسلامي, الطبعة الثالثة, سنة1969, ص238
(2) د/ محمد علي محجوب, الوسيط في التشريع الإسلامي, ونظرياته العامة, ص608
* الجرائم التي لا يؤثر عليها الإكراه: اتفق الفقهاء على أن الإكراه الملجئ لا يرفع العقوبة على المكره إذا كانت الجريمة التي ارتكبها قتلا أو قطع طرف أو ضربا مهلكا وحجتهم في ذلك قوله تعالى(1):"ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق "وقوله تعالى(2) " والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا" ويعللون عقاب المكره بأنه قتل المجني عليه متعمدا ظالما لا ستبقاء نفسه معتقدا أن في قتله نجاة نفسه وخلاصة من شر المكره.
والظاهر أن الفقهاء يرون أن كل جريمة يمكن أن تباح أو يرخص بها للإكراه إلا قتل الإنسان والاعتداء عليه اعتداء مهلكا, فانه كبيرة والتساهل فيها يؤدي إلى خطر جسيم, ولذلك يتشددون في هذة الناحية ويجمعون على عدم تأثير الإكراه على العقوبة في هذة الجرائم, ولكنهم اختلفوا على نوع العقوبة فمالك واحمد يريان القصاص في المكره, وفي مذهب الشافعي رأيان أرجحهما يرى القصاص والثاني يرى أصحابه أن تكون العقوبة الدية على اعتبار أن الإكراه شبهه تدرأ القصاص .
وفي مذهب أبي حنيفة اختلاف على العقوبة فزفر يرى القصاص وأبو حنيفه ومحمد يريان الاكتفاء بتعز ير المكره أي عقابه بالعقوبة التي يراها الشارع ملائمة. وأبو يوسف يرى الدية على المكره.
ونظرية فقهاء الشريعة في عقاب المكره على القتل وقطع الأطراف والضرب المهلك تتفق تماما في النتيجة مع ما يراه أصحاب النظرية المادية من شراح القوانين الوضعية, وهم الذين يرون أن في حالة الإكراه يتعارض حقان أو مصلحتان وأن الفاعل يختار بين الجريمة والخطر الذي يتهدده أو بين تضحية نفسه وتضحية الغير, ولا يرون العقاب إذا ضحى بالأقل قيمة كتضحية رغيف لأحياء شخص جائع, أما إذا تساوت المصلحتان أو ضحى بأكبر هما قيمة فيرون بعقاب الفاعل(3)وقد طبقت هذه النظرية في انجلترا في حادث ملخصه أن يختا غرق ونجا من ركابه القبطان وآخر وخادم, واستقلوا قاربا للنجاة فبقوا به ثمانية عشر يوما يقاسون أشد الآلام, وبعدها
(1) سورة الأنعام , الآية 151.
(2) سورة الأحزاب , الآية 58.
(3) الموسوعة الجنائية جـ 1, ص493.
اتفق القبطان ورفيقه على قتل الخادم ليشربا دمه وليقتاتا بلحمه وقتلاه فعلا,فحكم عليهما بالإعدام ثم استبدل الإعدام بالحبس.
**الجرائم التي يباح فيها الفعل:
يرفع الإكراه المسئولية الجنائية في كل فعل محرم يبيح الشارع إتيانه في حالة الإكراه كأكل الميتة وشرب الدم لقوله تعالى:" وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه "(1) ولقوله عز وجل: " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه"(2) فأكل الميتة وشرب الدم كلاهما محرم في غير حالة الإكراه, ولكنه يباح إذا اكره الإنسان عليه, ومن ثم فلا مسئولية على إتيان الفعل ولو انه محرم أصلا لأن التحريم يزول بالإكراه, بل إن المكره ليأثم فيما بينه وبين ربه طبقا للرأي الراجح إذا امتنع عن مطاوعة المكره , لأنه يلقى بنفسه في التهلكة بامتناعه وعدم مطاوعته(3).
ويشترط في الإكراه الذي يرفع المسئولية الجنائية ويبيح الفعل أن يكون إكراها ملجئا فان كان ناقصا فانه لا يحل الفعل فيبقى الفعل محرما معاقبا عليه.
ويمكن معرفة الأفعال التي يدفع فيها الإكراه المسئولية الجنائية من مراجعة النصوص التي حرمتها , فان كانت أحلتها عند الضرورة أو الإكراه فهي من هذا النوع , وان لم تكن أحلتها فهي ليست منه, وعلى كل حال فهذه الأفعال خاصة بالمطاعم والمشارب المحرمة فأكل الميتة ولحم الخنزير وشرب الدم والنحاسات.
ويختلف الفقهاء في شرب الخمر فأبو حنيفه والشافعي وأحمد يرون أن الإكراه يبيح الفعل, أما مالك فيرى أن الإكراه يرفع العقوبة ولا يبيح الفعل فيظل الفعل محرما على أصله . ولكن الفاعل لا يعاقب لعدم التكليف أي لانعدام الاختيار.
· مسئولية المكره المدنية عن هذه الجرائم :
والأصل أن الإنسان لا يسأل جنائيا ولا مدنيا عن فعل مباح, والإكراه في هذا النوع من الجرائم يحل الفعل, ومن ثم لايسأل الفاعل مدنيا عن الجريمة في ذاتها وإنما يسأل عن كل فعل أخر صاحبها إذا الحق هذا الفعل ضررا فلحم الخنزير
(1) سورة الأنعام, الآية 119.
(2) سورة البقرة, الآية 173.
(3) د/ عبد القادر عوده , التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي, الجزء الأول,هامش1, ص570.
محرم أصلا ولكن الإكراه يبيح للإنسان أن يتناول هذا اللحم ولا يعتبر تناوله جريمة ولا مسئولية على الآكل من ألوجهه المدنية إذا اشترى اللحم أما إذا غصبه أو سرقه ممن يملكه فانه يسأل مدنيا من قبل المالك بقيمة ما غصب أو سرق والواقع أن المسئولية المدنية هنا ليست عن أكل اللحم وإنما هي عن الغصب أو السرقة فكلاهما جريمة لا يعاقب عليها الإكراه, والإعفاء من العقاب لا يمنع من المسئولية المدنية عن هاتين الجريمتين.
*بين الشريعة والقانون :
وتختلف الشريعة عن القوانين الوضعية في أنها تجعل الاكراة مبيحا لبعض الأفعال المحرمة , بينما القاعدة في القوانين الوضعية أن الإكراه لا يبيح الفعل وإنما يرفع العقوبة فقط , والواقع أن الأفعال التي يبيحها الإكراه في الشريعة محدودة وقد حرمت هذه الأفعال أصلا, لأن في إتيانها ضرر بمن يأتيها, فشرب الخمر وأكل الميتة ولحم الخنزير محرمه, لأنها تضر بصحة الشارب والآكل قبل كل شئ, فهي أفعال محرمه لمصلحة الفاعل لا لمصلحة الغير, فكان من العدل أن تباح إذا أدى تحريمها لا لحاق ضرر أكبر بالفاعل أو بتعبير آخر إذا انتفت حكمة التحريم, أما ما عدا ذلك من الأفعال فأساس التحريم فيها مصلحة الغير وسواء أكره الشخص على إتيانها أو أتاها مختارا فان الفعل يمس مصلحة الغير, فأساس التحريم قائم في حالتي الإكراه
والاختيار, ومن ثم بقى الفعل جريمة في الحالتين, ولكن لما كان الفاعل قد أتى الفعل وهو مكره فقد عنه عقوبة الفعل للإكراه.
ولعل منطق الشريعة في هذه الناحية أدق من منطق القوانين الوضعية التي تسوي في الحكم بين الجرائم جميعا وان اختلف أساس التحريم فيها , فالقانون المصري مثلا يعاقب على استعمال اللحم المذبوح خارج السلخانة (1) والحكمة في تحريم الاستعمال الخوف من أن يكون اللحم من حيوان مصاب بمرض معد فيمرض الآكل , فإذا اضطر الجوع إنسانا ليأكل من هذا اللحم اعتبر فعله جريمة بالرغم من أن
(1) المادة الأولى من لائحة السلخانات.
التحريم قصد به أصلا المحافظة على حياة الآكل واكتفى برفع العقاب عنه مع أن علة التحريم في هذة الحالة منعدمة. وهكذا لا نجد الشريعة خالفت القوانين الوضعية إلا وجدنا الحق والعدل والمنطق والمصلحة في جانب الشريعة الحنيفين الغراء.
***الجرائم التي ترتفع فيها العقوبة:يرفع الإكراه التام العقوبة في كل الجرائم الاخري عدا ما سبق مع بقاء الفعل محرما علي أصله , وعله ذلك أن المكره لاياتي الفعل راضيا عنه ولا مختارا له اختيارا صحيحا , والمرء لا يسأل عن فعله إلا إذا كان مدركا مختارا , فإذا انعدم الإدراك والاختيار فلا عقاب علي الفاعل فالسبب في الإعفاء راجع إلي الشخص لا إلي الفعل في ذاته , ومن ثم رفعت العقوبة عن الفاعل وبقي الفعل محرما .
وكل ما يشترط لرفع العقوبة عن المكره أن يكون الإكراه تاما ,فإذا كان ناقصا لم ترتفع العقوبة , ويستوي أن يكون الإكراه التام ماديا أو معنويا .
ومن الجرائم التي تدخل تحت هذا القسم القذف والسب والسرقة وإتلاف مال الغير فهذه الجرائم وغيرها مما يدخل تحت هذا القسم لاعقاب عليها إذا اكره الإنسان علي إتيانها إكراها تاما , لقوله تعالي ( آلا من اكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) النمل (106) ولكن تبقي الأفعال المكونة لهذه الجرائم محرمه لقوله عليه الصلاة والسلام ( كل المسلم علي المسلم حرام ومه وعرضه وماله ) واختلف الفقهاء في زنا الرجل فقال أبو
حنيفه أولا : إن الرجل لا يزني إلا منتشرا , والانتشار دليل علي الشهوة و الاختيار , فإذا أزنا فهو غير مكره وعليه العقوبة , ثم عدل أبو حنيفة عن هذا الرأي ,لان الانتشار قد يكون دليل الفعوليه لا دليل الاختيار (1) بدائع الضائع ج 7 ص 180 . وفي مذاهب مالك والشافعي واحمد من يري رأي أبي حنيفه الأول ولكنهم قله ورأيهم مرجوح , والرأي الراجح في المذاهب الثلاثة هو أن الإكراه يعفي الرجل من عقوبة الزنا , لان التهديد والتخويف يكون علي ترك الزنا لا علي إتيانه والفعل في ذاته لأخاف منه فليس ثمة ما يمنع الانتشار.
أما المرأة المكره علي الزنا فلا عقوبة عليها باتفاق , لقوله عليه السلام : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكروها عليه , وقد جري العمل بهذا من عهد الرسول صلي الله عليه وسلم حيث أن امرأة استكرهت على عهده فدرأ عنها الحد. ولا فرق في حالة المرأة بين الإكراه بالإلجاء أي أن تغلب على أمرها بقوة مادية وهو ما نسميه اليوم بالإكراه المادي وبين أن تكره بالتهديد وغيره وهو ما نسميه بالإكراه المعنوي, ومن القضايا المشهورة قضية امرأة عطشت فاستسقت راعيا فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها ففعلت فلما رفع أمرها لعمر استشار عليا t فأفتى على بأنها مضطرة ولا عقاب عليها لقوله تعالى:" فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه " فلم يعاقبها عمر.
· مسئولية المكره المدنية عن هذه الجرائم :
يسال المكره مدنيا في هذا القسم عن الأضرار التي أصابت غيره من الجريمة التي ارتكبها ولو انه معفي من عقوبتها , لان القاعدة في الشريعة أن الدماء والأموال معصومة –أي أن الاعتداء عليها محرم –وان الأعذار الشرعية لا تبيح عصمة المحل – أي أن ما اعتبره الشارع عذرا للفاعل لا يبيح نفس الفعل المحرم – فإذا اعفي الفاعل من العقوبة فهو ملزم بتعويض غيرة عن الأضرار التي سببها له بانجاء نفسه من الهلكه والضرر .
وتتفق الشريعة في هذا القسم مع القوانين الوضعية الحديثة و لا تختلف عن القانون المصري الذي ينص علي رفع العقاب عمن ارتكب جريمة الجأتة إلي ارتكابها ضرورة وقاية نفسه أو غيرة من خطر جسيم علي النفس علي وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله ولا في قدرته منعه بطريقة أخري(1).
والقوانين الوضعية وان كانت ترفع العقوبة عن المكره إلا إنها تجعلة مسؤلا مدنيا عن الأضرار التي أحدثها بالغير شانها في ذلك شان الشريعة .
(1) د/ عبد القادر عوده , التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي, الجزء الأول, ص574.
· أساس نظرية الإكراه في الشريعة:
بينا فيما سبق أن أساس حالة الإكراه المبيح للفعل ونبين الآن أساس ما عداه من حالات الإكراه, والظاهر من تتبع أراء الفقهاء أنهم يرون أن الإكراه يعدم الرضا ولا يعدم الاختيار, فالمكره لا ينعدم اختياره إطلاقا وإنما يفسد فقط ويضيق مداه بحيث لا يستطيع أن يختار إلا بين أمرين: إما ارتكاب الجريمة وإما تعريض نفسه لوعيد المكره.
وإذا كانت المسئولية الجنائية تقوم على اختيار فأنها لا تنعدم إلا إذا انعدم الاختيار ولا يعتبر الاختيار منعدما إذا انحصر وضاق مداه على الوجه السابق, لأن المكره يستطيع أن يختار على أي حال والمكره حين يختار ارتكاب الجريمة يلحق الضرر بغيره, وحين يختار الوعيد ليلحق الضرر بنفسه, وكلاهما أمر تأباه الشريعة, فهي تحرم على الناس الأضرار بالغير كما تحرم على الناس أن يلقوا بأيديهم إلى التهلكة إنما يختار بين محرمين أو بين ضررين وقد وضعت الشريعة قاعدتي لحكم هذه الحالة:
اولهما: أن الضرر لا ينال بالضرر ومقتضى هذه القاعدة انه لا يجوز للإنسان أن يدفع الضرر بمثله, فليس له أن يدفع الغرق عن أرضه بإغراق ارض غيره , ولا أن يحفظ ماله بإتلاف مال غيره وليس للمضطر أن يتناول طعام مضطر أخر.
وثانيهما: أن اخف الضررين يرتكب لاتقاء اشدهما , ومقتضى هذه القاعدة أنه إذا لم يكن بد من ارتكاب احد الضررين فيجوز للإنسان أن يرتكب اخفهما لدفع الشد,ولا يجوز له أن يرتكب اشد الضررين لدفع اخفهما . فتطبيق هاتين القاعدتين يوجب على المكره أن يأتي من الأمرين أمرا واحدا بعينيه. فإذا أتاه فهو لا يختار في الواقع وإنما يضطر إلى إثباته اضطرارا بحكم الإكراه أولا ونزولا على حكم الشريعة ثانيا , واذن فاختياره ينعدم تماما إذا نزل على حكم قاعدتي الضرر سالفي الذكر فتنعدم المسئولية الجنائية لانعدام الاختيار وترتفع العقوبة. أما إذا خالف حكم قاعدتي الضرر ودفع الضرر بمثله, أو دفع الضرر الأخف بالأشد فقد اختار , وهذا الاختيار لا يعدم المسئولية الجنائية ولا يرفع عنها العقوبة ولو كان مداه ضيقا. وقد جاءت أحكام
الإكراه في الشريعة تطبيقا دقيقا لما سبق , فإذا قتل المكره غيره أو قطع طرفه أو ضربه ضربا مهلكا فإنما يفعل هذا ليدفع عن نفسه القتل أو ما يؤدي إلى القتل من قطع أو ضرب مهلك, وليس له أن يدفع الضرر بمثله أو اشد منه وإذا فعل ذلك فقد اختار وهذا الاختيار على ضيق مداه لا يرفع عنه المسئولية الجنائية فيعاقب على القتل والقطع والضرب المهلك. إما ما عدا هذا من الجرائم كالسرقة والقذف والسب والزنا والتبديد وإتلاف الأموال فليس بينها ما يساوي التهديد بتلف النفس, فإذا ارتكب
المكره الجريمة لينجي نفسه من الهلكه فانه لا يدفع الضرر بمثله, وإنما يدفع اشد الضررين باخفهما , ولا يختار بين الضررين نزولا على حكم الشريعة, وإذا فهو مكره على إتيان الجريمة ولا خيار له في إتيانها أو تركها, وإذا انعدم اختياره انعدمت المسئولية الجنائية وارتفعت عنه العقوبة(1) .
· بين الشريعة والقوانين الوضعية:
هذه هي نظرية الإكراه في الشريعة ومن له إلمام بالقوانين الوضعية يرى أن نظرية الشريعة جمعت بين نظريتين يقول بهما شراح القوانين: احداهما النظرية الشخصية والثانية النظرية المادية وقد جمعت نظرية الشريعة بين أفضل ما في النظريتين القانونيتين وسلمت من عيوبها, ذلك أن أصحاب النظرية الشخصية يرون أن أساس الإكراه هو انعدام حرية المكره في الاختيار , أما أصحاب النظرية المادية فيرون انه كان مختارا وأن فكرة توافر الاختيار وانعدامه لا تصلح أساسا لتعليل الإكراه الصحيح عندهم انه في حالة الإكراه يكون هناك تنازع بين حقين أو مصلحتين, وأن هذا التنازع يقتضي تضحية احدهما ما دام اقل قيمة من الأخر , أما إذا تساوت قيمة الحقين أو المصلحتين أو زادت قيمة احدهما فأصحاب النظرية ينقسمون على بعضهم , فمنهم من يرى العقاب إذا تساوى ضرر الجريمة مع ضرر الإكراه أو زاد عليه, ومنهم
من لا يرى العقاب في أي حال , لان الجريمة في هذه الحالة لاتهم الجماعة ولأن المجرم لا يعتبر خطرا , وهو تعليل غير مقنع ولا يبرر الجريمة على أساس قانوني(2).
(1) د/ عبد القادر عوده , التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي, الجزء الأول, ص580.
(2) د/ السعيد مصطفى السعيد, الأحكام العامة في قانون العقوبات, 1371هـ-1952م, ص376وما بعدها.
المبحث الثاني
موقف الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي من حالة الضرورة
**********
ويلحق بالإكراه حالة الضرورة من حيث الحكم, ولكنها تختلف عن الإكراه في سبب الفعل, ففي الإكراه يدفع المكره إلى إتيان الفعل شخص أخر يأمر المكره بإتيان الفعل, ويجبره على إتيانه أما في حالة الضرورة فلا يدفع الفاعل إلى إتيان الفعل احد, وإنما يوجد الفاعل في ظروف يقتضيه الخروج منها أن يرتكب الفعل المحرم, لينجي نفسه أو غيره من الهلكه , كمن يركب مع آخرين قاربا مملوءا بالأمتعة يكاد يغرق لثقل حمولته فان نجاة الركاب تقتضي تخفيف حمولة القارب وإلقاء بعض الأمتعة التي تثقله في الماء ومن الأمثلة على حالة الضرورة الجوع الشديد والعطش الشديد , فان الجائع أو العطشان إذا لم يجد ما يأكله أو يشربه من طريق مباح هلك, وقد يندفع الجائع أو العطشان تحت تأثير الجوع والعطش إلى سرقة ما يسد رمقه أو يطفئ عطشه كما قد يندفع إلى تناول طعام أو شراب محرم, ومثل ذلك يقال عمن كاد يهلك من البرد إذا أشعل نارا في حطب أخر ليستدفئ أو إشعالها له غيره. ففي كل هذه الأحوال يوجد نفس الفاعل أو يوجد غيره في حالة أو في ظروف مهلكه فيندفع الفاعل إلى إتيان فعل محرم لانجاء نفسه أو انجاء غيره من الهلكه.
وينقسم هذا المبحث إلى مطلبين:-
المطلب الأول: موقف القانون من حالة الضرورة.
المطلب الثاني: موقف الشريعة من حالة الضرورة.
المطلب الأول
موقف القانون من حالة الضرورة
****
أولا: المقصود بحالة الضرورة:
يراد بحالة الضرورة وضع مادي للأمور ينشا بفعل الطبيعة أو بفعل إنسان موجهة إلى الغير , وينذر بضرر جسيم علي النفس , يتطلب دفعة ارتكاب جريمة علي إنسان برئ(1)
ولا تتعدى حالة الضرورة فروضا ثلاثة :
الفرض الأول :أن يرتكب إنسان جريمة علي شخص برئ, وذلك ليدفع بها عن نفسة ضررا جسيما تهدده به الطبيعة . مثال ذلك إذا وجد صائدان في قارب يمخر عباب البحر وهبت عاصفة أثارت أمواج البحر فصارت تلتطم صاخبة ولم يكن بد في سبيل أن ينقذ كل من الصائدين نفسة أن يلقي بالأخر في البحر تخفيفا لحمل القارب وإنقاذ له من الغرق , فالقي القوي منهما الأضعف في اليم إنقاذا لحياته الشخصية , ومرتكبا بذلك جريمة القتل .
والفرض الثاني : أن يرتكب إنسان جريمة علي شخص برئ , وذلك ليدفع بها ضررا جسيما تهدد به الطبيعة نفس إنسان أخر غيره. مثال ذلك أن تنزل صاعقة من الجو علي منزل مصنوع من الخشب , فيشب الحريق في هذا المسكن أثناء نوم السكان فيه
, ويأتي صاحب المنزل من الخارج فيفطن إلي ذلك ويهجم علي المساكن المجاورة ويختطف منها أشياء أو مواد يستعين بها علي إطفاء النار في مسكنة إنقاذا لحياه من هم بداخلة . فهو هنا ارتكب ضدا لجيران الأبرياء جرائم سرقة أو إتلاف , وصان بهذة الجرائم نفوس غيره لأنفسه ضد أخطار الحريق .
(1) د/ رمسيس بهنام , الجريمة والمجرم والجزاء , سـ1972ـة رقم 117, ص 563
والفرض الثالث : يرتكب الإنسان جريمة علي شخص برئ , وذلك ليدفع بها ضررا جسيما يهدد به احد الأشخاص إنسان أخر غيره . مثال ذلك أن يشعل زيد النار عمدا
أو إهمالا في مسكن بكر , فيسارع خالد إلي إطفائها منتزعا بعض الأشياء والمواد من مساكن جيران بكر الأبرياء وذلك إنقاذا لحياه بكر ومن معه في المسكن .
وعلي ذلك فان جريمة الضرورة تتميز بكونها جريمة تصيب شخصا بريئا دفعا لضرر جسيم علي النفس , تهدد به الطبيعة فاعل الجريمة نفسة أو شخصا أخر غيرة , أو يهدد به إنسان ما شخصا أخر غير فاعل الجريمة .
ومما تجدر الإشارة إليه أن حالة الضرورة لاتفقد من يقع فيها قدرته على الاختيار فقدا تاما, وإنما تضعفها إلى حد كبير بأن تضعه بين أمرين: إما الامتناع عن ارتكاب الفعل الجرمي ويتحمل الخطر المهدد به ,وإما ارتكاب الجريمة لتلافي الخطر فيختار أهون الضررين مرتكبا جريمة الضرورة (1).
وإذا فحالة الضرورة تتفق مع الاكراة المعنوي في أن الجريمة الناشئة عن كل منهما تصيب إنسانا بريئا , وفي أن ركنها المعنوي قائم بجانب ركنها المادي .
وإنما تختلف حالة الضرورة عن الإكراه المعنوي من نواح ثلاثة : فمن ناحية , بينما أن مصدر الإكراه المعنوي لايمكن إلا أن يكون فعلا لإنسان يتعمد التأثير علي إرادة المكره , فان مصدر الضرورة هو مجموعة من الظروف تهدد شخصا معينا بالخطر
وتدفعه في سبيل الخلاص منه إلي ارتكاب الجريمة . ومن الناحية الثانية , فان جريمة المكره تهدف إلي درء ضرر يهدد المكرة شخصيا , أما جريمة الضرورة فقد يسعى بها فاعلها إلي درء ضرر لا يهدده شخصيا وإنما يهدد الغير . ومن ناحية ثالثة , فان المكره معنويا يكون اختياره محدد ا برغبة المصدر الإنساني الذي يزاول علية الإكراه , إذ يحدد له الفعل الجرمي المطلوب منه كي يتفادى الخطر . بينما لا يتحدد الفعل الجرمي الذي يشكل جريمة الضرورة في حاله الضرورة , وإنما يستلهمها الخاضع للضرورة من ظروف الحال , ومن الجائز أن تتعدد أمامه الأفعال التي يمكن أن تخلصه من الخطر الجسيم المحدق به وان يختار من بينها .
(1) د/ محمد زكي أبو عامر, قانون العقوبات, القسم العام, 1990, رقم 84, ص 223
ثانيا: شروط حالة الضرورة:
بينت شروط حالة الضرورة المادة 61من قانون العقوبات بقولها "لاعقاب على من ارتكب جريمة الجأ ته إلى ارتكابها ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله ولا في قدرته منعه بطريقة أخرى". ومن هذا النص يتضح انه يلزم أن تتوافر عدة شروط سواء في الخطر المهدد به من كان في حالة الضرورة, أو في الفعل الذي يرتكبه للخلاص من هذا الخطر.
الشرط الأول: وجود خطر يهدد نفس القاتل أو غيره: ومفاد ذلك أن يكون هناك خطر يهدد الجاني نفسه أو غيره. ويقصد بالخطر الذي يهدد النفس الخطر الذي يهدد الشخص في حياته أو سلامة جسمه أو يهدده في شرفه أو اعتبار أو حريته. فمن تفقد ملابسها أثناء استحمامها بالبحر يمكنها أن تستولي على ملابس مملوكه للغير سترا لعورتها. استنادا إلى حالة الضرورة. فلا تقوم حالة الضرورة إذا كان الخطر يهدد المال وحده . كما لا يعتبر في حالة ضرورة من أوجب عليه القانون مواجهة الخطر, كرجل المطافئ الذي يضحي بحياة إنسان في سبيل أن ينجو بنفسه من الحريق الذي أوجب عليه القانون أن يكافحه(1) ويخرج من معنى الخطر أيضا ما يكون منه مشروعا, بأن يكون مأمورا به, كحاله المحكوم بإعدامه, فمن يساعده على الهرب لا يجوز أن يدفع بحالة الضرورة(2).
ولكن يستوي أن يكون الخطر حقيقيا أو أن يكون وهميا متى كان ذلك مبنيا على أسباب جديه تقدرها محكمة الموضوع.
الشرط الثاني: أن يكون الخطر جسيما: الخطر على النفس لا يكون جسيما إلا حين يثير لدى الإنسان الحسية من انهيار كيانه المادي أو الأدبي. فخطر المساس بالكيان دون تهديد له بالانهيار لا يعتبر خطرا جسيما, وخطر حرمان الإنسان من إشباع حاجه
(1)د/ يسر أنور علي, شرح قانون العقوبات, النظريات العامة, 1992, رقم439, ص571.
(2)د/ السعيد مصطفى السعيد,الأحكام العامة في قانون العقوبات, ص427.
(3)د/ رمسيس بهنام, الجريمة والمجرم والجزاء,سنة1972,رقم117,ص570.
غريزية ما, سواء أكان مصدر هذه الحاجة هو الغريزة الجنسية, أو كان مصدرها غريزة الاقتناء لا يعتبر جسيما ما دام لا يترتب على ترك تلك الحاجة بدون إشباع تهديد كيان صاحبها بالانهيار (3) وبناء على ذلك, لا يكون للزوجة التي أصيب زوجها بالعته أن تواقع رجلا غيره بمقولة أن زناها عندئذ استوجبته حالة ضرورة فقد قضي بأن العلاقة الزوجية في ذاتها لا تصلح سندا للقول بقيام حالة الضرورة الملجئة إلى ارتكاب الجرائم أو خرق محارم القانون.
أما الخطر الضئيل فلا يكفي لقيام حالة الضرورة, خصوصا إذا لوحظ أن جريمة الضرورة تقع على برئ. على إن جسامة الخطر ليست أمرا مطلقا يقدر بمعيار مادي بحت, وإنما هي أمر نسبي يدخل في تقدير محكمة الموضوع, ويرجع فيه لتقدير الرجل المعتاد, مع مراعاة كافة الظروف التي تحيط بالمتهم. فجروح في الوجه من شأنها أن تترك أثارا ظاهرة قد تعد خطرا جسيما بالقياس إلى فتاه ولا تعد كذلك بالقياس إلى رجل(1).
الشرط الثالث: أن يكون الخطر حالا: فيشترط في الخطر أن يكون متحققا بالفعل أو على وشك الوقوع. أما الخطر المستقبل فلا تتوافر ضرورة لدفعه, لاحتمال ألا يقع أو لامكان دفعه بغير جريمة الضرورة, كما أن الخطر المنتهي الذي تحقق موضوعه(أي الضرر) لا يبرر الضرورة إذ أن دفعه يصبح غير ذي موضوع. غير أن حلول الخطر لا يفيد حلول الضرر فالضرورة تتوافر بحلول الخطر الذي يهدد بوقوع ضرر ولو لم يقع ذلك فعلا(2).
الشرط الرابع: ألا يكون لإرادة الفاعل دخل في حلول الخطر: فيجب ألا تكون لإرادة المضطر دور في حلول الخطر الذي تهدد به. وعلة هذا الشرط مفهومه إذ لا يجوز لإنسان أن يتسبب وقصدا في إيجاد حالة تدفعه للوقوع في خطر ثم يعتدي على حقوق غيره ليدرأ عن نفسه خطرا هو الذي أوقع نفسه فيه بإرادته وعلمه.
(1) د/ السعيد مصطفى السعيد, الأحكام العامة في قانون العقوبات, سنة 1952,ص426.
(2) د/ مأمون محمد سلامة, قانون العقوبات, القسم العام, الطبعة الثالثة, سنة 1990, ص 371.
فمن يقذف بقنبلة في سفينة ليتمكن من الحصول على مبلغ التأمين لا يجوز له أن يحتج بحالة الضرورة إذا قتل شخصا زاحمه طوق النجاة, ولا يجوز لمن حملت سفاحا أن تجهض نفسها أو تقتل وليدها اتقاء للعار, لأنها تسببت عمدا في إيجاد نفسها في حالة الخطر الجسيم على شرفها.
أما إذا كانت حالة الخطر قد نشأت بسبب خطأ المضطر, كمن سقطت سيجارته في محطة للوقود سهوا, فأشعلت النار في المحطة فله أن يحتج بحالة الضرورة إذا ارتكب جريمة أثناء محاولته النفاذ خارج النيران.
الشرط الخامس: أن تكون جريمة الضرورة ارتكبت للوقاية من الخطر: فإذا كان الجاني قد انتهز فرصة حلول الخطر وارتكب الجريمة لشفاء غل أو ضغينة فلا يعفى من المسئولية ولو توافرت باقي الشروط في الظاهر(1). فلو أن شخصا وجد عدوا له ينازع أخر خشبه وهما في البحر للنجاة بواسطتها من الغرق فتدخل بينهما وابعد خصمه عنها بقصد إغراقه فلا يجوز له أن يحتج بحالة الضرورة ولو أن فعله قد مكن منافس خصمه من النجاة من الغرق, وذلك لأن الجاني لم يقصد بعمله وقاية غيره وإنما قصد قتل خصمه.
ولا ينبغي أن يفهم من ذلك أن جريمة الضرورة لا تكون إلا عمدية, فانه يصح أن تكون غير عمديه, كمن يحاول النجاة من حريق في مسرح ويجري بغير احتياط في
الزحام فيجرح طفلا أو يقتله. ويكفي في هذا الشأن أن يكون العمل الإرادي الذي وصف بالخطأ قد وقع بقصد الوقاية من الخطر.
الشرط السادس: ألا يكون في مقدور الفاعل دفع الخطر بوسيلة أخرى: فالضرورة تقدر بقدرها, فإذا كان في وسع الجاني أن يتفادى الخطر بوسيلة غير الجريمة فلا يعفى من المسئولية إذا ارتكبها, وإذا كان لا يستطيع أن يتفاداه إلا بارتكاب جريمة فلا يجوز له أن يلجأ إلى الأشد إذا كان يستطيع دفعه بجريمة أخف منها. فلو أن قاربا أوشك على الغرق لثقل حمولته وكانت به بضائع وأشخاص فيجب أولا أن يضحي بالبضائع
(1) د/ السعيد مصطفى السعيد, الأحكام العامة في قانون العقوبات, سـ1952,ص429.
التي يحملها لحماية الأشخاص, لا أن يضحي بشخص لإنقاذ البضائع . وسيان بعد ذلك أن يكون الجاني قد نجح في تفادي الخطر أو لم ينجح مادام أن فعله كان من شأنه تفادي الخطر, وأنه كان السبيل الاوفق لدفعه.
الشرط السابع: أن يكون هناك تناسب بين جريمة الضرورة والخطر: ومعنى ذلك أن الضرر الناجم عن جريمة الضرورة يجب أن يكون مساويا أو اخف من الضرر الذي ينشأ عن الخطر فإجهاض الحامل التي تشكل الولادة خطرا على حياتها تتحقق به حالة الضرورة(1).
ثالثا:أثر حالة الضرورة في المسئولية:
إذا توافرت شروط حالة الضرورة امتنعت مسئولية الجاني جنائيا عن الجريمة التي يرتكبها, سواء كانت جناية أم جنحه أم مخالفة.
على أن إعفاء الجاني من المسئولية الجنائية عن جريمة الضرورة لا يقتضي إعفاءه إطلاقا من المسئولية المدنية في مواجهة المضرور من الجريمة, ولكنه يسأل مسئولية مخففة. فالمادة 168 من القانون المدني تنص على أن " من سبب ضررا للغير ليتفادى ضررا أكبر محدقا به أو بغيره لا يكون ملزما إلا بالتعويض الذي يراه القاضي مناسبا". وذلك لأنه الجأ إلى ارتكاب العمل الضار وقاية لنفسه أو لغيره من ضرر محدق اشد خطرا. فهو من هذه الناحية أيسر تبعه واخف وزرا.
وهذه المسئولية المدنية تكفي بذاتها كيما تنفي صفة الإباحة عن الجريمة التي قد تقع دفعا للخطر في حالة الضرورة وتتمشى تماما مع اعتبارها من أسباب امتناع مسئولية الجاني اللاصقة بشخصه, لا من أسباب إباحة الفعل في ذاته, إذ أن أسباب الإباحة تحول دون امكان المسئوليتين الجنائية والمدنية.
المطلب الثاني
موقف الشريعة من حالة الضرورة(1)
****
رأينا فيما سبق أن الضرورة حالة تجعل الشخص يخالف القانون رغما عنه ودفعا لشر مستطير محدق به وهو في وسعه أن لا يرتكب المخالفة ويجعل الضرر متحقق على نفسه أو نفس غيره, ولكن المشرع أعفاه من العقوبة بما نص عليه في المادة 61 من قانون العقوبات المصري.ولا خلاف في ذلك عن حالة الضرورة في الشريعة الإسلامية مما سنعرضه في السياق التالي:
أولا: المقصود بحالة الضرورة:-
وقد ورد في الشريعة الإسلامية الشئ الكثير عن حالة الضرورة , وقال الله تعالى:
( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه)
( وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه)
( فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم)
والاضطرار لا يخلو أن يكون بإكراه من ظالم أو بجوع في مخمصة والذي عليه الجمهور أن آية ( فمن اضطر ...) مقصود بها الجوع, وأما المخمصة ( مجاعة) فلا يخلو أن تكون دائمة أو غير دائمة.
فان كانت المخمصة دائمة فلا خلاف في جواز الشبع من أكل الميتة إذا لم يجد مالا لا يجوز فيه القطع كالثمر المعلق أو حريسة الجبل. ذلك لحديث أبي هريرةt قال: ( بينما نحن مع رسول اللهe في سفر إذ رأينا إبلا مصرورة ( مربوطة الضروع) وكانت عادة العرب انه إذا أرسلوا الحلوبات إلى المراعي ربطوا ضروعها بعضاة الشجر
(1) د/ احمد فتحي بهنسي, المسئولية الجنائية في الفقة الإسلامي, دراسة فقهية مقارنة , الطبعة الثالثة, سـ 1984ـة ,ص262
فثبنا إليها فنادانا رسول الله e فرجعنا إليه فقال: إن هذه الإبل لأهل بيت من المسلمين هو قوتهم ويمنهم بعد الله, أيسركم لو رجعتم إلى مزاوركم فوجدتم ما فيها قد ذهب به أترون ذلك عدلا ؟ قالوا :لا , فقال: إن هذه كذلك , قلنا : افرأيت إن احتجنا إلى الطعام والشراب ؟ فقال : كل ولا تحمل واشرب ولا تحمل ) أخرجه ابن
ماجه وقال: هذا الأصل عندي . وذكره ابن المنذر قال: ( كنا يا رسول الله, ما يحل لأحدنا من مال أخيه إذا اضطر إليه؟ قال: ( يأكل ولا يحمل ويشرب ولا يحمل)
قال أبو عمر ( وجملة القول في ذلك أن المسلم إذا تعين عليه رد رمق مهجة المسلم وتوجه الغرض في ذلك بالا يكون هناك غيره قضي عليه بترميق تلك المهجة الآدمية .
وكان للمنوع منه ماله من ذلك محاربة للمتعة ومقاتلة وان أتى ذلك على نفسه.
فذلك عند الفقهاء إذا لم يكن هناك إلا واحد لاغير فحين إذ يتعين عليه الفرض , فان كانوا كثيرا أو جماعة وعددا كان ذلك عليهم فرضا على الكفاية .
والماء في ذلك وغيره ما يرد النفس ويمسكها سواء إلا أنهم اختلفوا في وجوب قيمة ذلك الشئ على الذي ردت به مهجته ورمق به نفسه, فأوجبها البعض وأباها آخرون.
وعند المالكية القولان جميعا .
ولا خلاف بين أهل العلم متأخر يهم ومتقد يميهم في وجوب رد مهجة النفس عند خوف الذهاب والتلف بالشئ اليسير الذي لا مضرة فيه على صاحبه وفيه البلغة.
فإذا كانت المخمصة غير دائمة فاختلف الفقهاء فيها إلى أقوال :
1- رأي الشافعي ومالك في موطنه انه يأكل حتى يشبع ويتضلع( يمتلئ شبعا أو ريا) ويتزود إذا خشي الضرورة .
2- رأي ابن الماجشون وابن حبيب انه يأكل بقصد سد الرمق فقط .
3- فرق أصحاب الشافعي بين حالة المقيم والمسافر وقالوا : المقيم يأكل بقدر ما يسد به رمقه, والمسافر يتضلع ويتزود فإذا وجد غنى عنها طرحها وان وجد مضطرا عطاه إياها ولا يأخذ منه عوضا فان الميتة لا يجوز بيعها(1) .
(1) د/ أحمد فتحي بهنسي, المسئولية الجنائية في الفقه الإسلامي, دراسة فقهية مقارنة, الطبعة الثالثة, سـ1984ـة, صـ263
ثانيا: شروط حالة الضرورة:-
يشترط لوجود حالة الضرورة أربعة شروط(1):-
1- أن تكون الضرورة ملجئة بحيث يجد الفاعل نفسه أو غيره في حالة يخشى منها تلف النفس أو الأعضاء.
2- أن تكون الضرورة قائمة لا منتظرة فليس للجائع أن يأكل الميتة قبل أن يجوع جوعا يخشى منه.
3- أن لا يكون لدفع الضرورة وسيلة إلا ارتكاب الجريمة فإذا أمكن دفع الضرورة بفعل مباح يمتنع دفعها بفعل محرم, فالجائع الذي يستطيع شراء الطعام ليس له أن يحتج بحالة الضرورة إذا سرق طعاما.
4- أن تدفع الضرورة بالقدر اللازم لدفعها ,فليس للجائع أن يأخذ من طعام غيره إلا ما يرد جوعه.
ثالثا: حكم حالة الضرورة:
يختلف حكم حالة الضرورة باختلاف الجريمة, فالضرورة من حيث الجريمة لها ثلاث حالات هي:-
1- جرائم لا تؤثر عليها الضرورة.
2-جرائم تبيحها الضرورة.
3-جرائم ترتفع فيها العقوبة للضرورة.
1- الجرائم التي لا تؤثر عليها الضرورة:-
ليس للضرورة أثر على جرائم القتل والجرح والقطع, فليس للمضطر بأي حال أن يقتل غيره أو يقطعه أو يجرحه لينجي نفسه من الهلكة, فإذا كان جماعة في قارب مشرف على الغرق لثقل حمولته فليس لأحدهم أن يلقي غيره في الماء ليخفف حمولة القارب ولينجي نفسه وغيره من الهلكة, ولا يعفيه هذا إذا فعله من العقاب.
(1) د/ عبد القادر عوده, التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي, الجزء الأول, ص577
(2) د/ محمد علي محجوب, الوسيط في التشريع الإسلامي ونظرياته العامة, ص613.
وللمضطر أن يأخذ ما يقيم حياته من غيره إذا لم يكن في حاجة إليها, وان احتاج الأمر إلى قتال قاتله عليه, فان قتل المضطر فقاتله مسئول جنائيا عن قتله ولا يعتبر في حالة دفاع وان قتله المضطر فهو هدر, لأنه ظالم بقتاله المضطر فأشبة الصائل. وليس للمضطر أن يقاتل على شئ كلما استطاع أن يأخذه بشراء أو باسترضاء مهما تغالى صاحب الشئ في الثمن , لأن المضطر لا يلزمه شرعا إلا ثمن المثل, وهذا هو رأي مالك والشافعي وأحمد, ولا يختلف عن رأي أبي حنيفة في أنه يبيح للمضطر أن يقاتل الممتنع باليد لا بالسلاح(1).
2- الجرائم التي تبيحها الضرورة:
تباح الجريمة للضرورة إذا كانت الشريعة تنص على إباحتها في حالة الضرورة , وهذا النوع من الجرائم خاص بالطعام والشراب كأكل الميتة ولحم الخنزير وشرب الخمر فهذة الجرائم وأمثالها يباح إتيانها في حالة الاضطرار بشرط أن يقتصر الفعل المحرم على القدر الذي يسد الضرورة, فمن اضطره الجوع أكل الميتة فله أن يأكل منها بقدر ما يسد رمقه ويأمن معه من الموت, ولكن ليس له أن يزيد على ما يشبعه إلا إذا كانت الضرورة مستمرة كما لو كان منقطعا في صحراء. والمضطر التزود من الطعام أو الشراب المحرم إذا كان يعلم أن الضرورة مستمرة بشرط أن لا يأكله أو يشربة إلا إذا تجددت الضرورة.
وقد اختلفوا في إتيان الفعل المحرم الذي يباح للضرورة فقال البعض ورأيهم الراجح :أن إتيان الفعل واجب على المضطر وليس حقا له, فالمضطر إلى الطعام أو الشراب يأثم إذا لم يأكل أو يشربه لقوله تعالى" ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" ولقوله عز وجل" ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما " فوجب على الإنسان كلما قدر على أحياء نفسه بما أحله الله أن يتناوله ليحي نفسه, ويرى البعض الأخر ورأيهم مرجوح أن إباحة الأكل والشرب رخصة للمضطر له أن يأتيها أو يتركها, فإتيان الفعل حق لا واجب(2).
(1)د/ عبد القادر عوده, التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي, الجزء الأول, ص578
(2)د/ محمد علي محجوب, الوسيط في التشريع الإسلامي ونظرياته العامة, ص614.
3- الجرائم التي ترفع الضرورة عقوبتها:
وفيما عدا النوعين السابقين من الجرائم فان المضطر إذا أتى الجرائم مدفوعا الى ارتكابها فانه يعفى من العقوبة مع بقاء الفعل محرما, ومثل ذلك سرقة الجائع الطعام والشراب, وإلقاء الركاب في البحر إذا شرف المركب على الغرق.
ويشترط للإعفاء من العقوبة ألا يأتي المضطر الفعل إلا بالقدر الذي يدفع الضرورة فليس للجائع أن يأكل من طعام غيرة إلا ما يرد جوعه, وليس له أن يأخذ معه شيئا, وليس لراكب القارب المشرف على الغرق أن يلقي بأمتعة الركاب إلا بالقدر الذي يمنع غرق القارب.
كما يشترط للإعفاء من العقوبة كذلك أن يكون الفعل المحرم مما يرد بالضرورة, فإذا لم يكن كذلك فلا إعفاء, فمن يسرق أمتعة من أخر ليبيعها ويشتري من ثمنها طعاما لا يستطيع أن يدعي انه كان في حالة ضرورة, لأن سرقت الامتعه لا تدفع الضرورة مباشرة , أما من يسرق رغيفا فانه يستطيع أن يقول أنه كان في حالة ضرورة, لان السرقة تؤدي مباشرة لدفع الضرورة(1).
رابعا:حكم المسئولية المدنية في حالة الضرورة:
حكم المسئولية المدنية في حالة الضرورة هو حكمها في حالة الإكراه فالمضطر مسئول مدنيا كلما كان فعله محرما ولو رفعت عنه العقوبة ولا مسئولية عليه كلما كان فعله مباحا(2).
*الأساس الشرعي لحالة الضرورة:-
الأساس الشرعي لحالة الضرورة هو نفس الأساس الذي يقوم عليه الإكراه, ففي حالة عدم رفع العقاب يبقى الفعل معاقبا عليه لانعدام الإلجاء وفي حالة الإباحة يباح الفعل لانتفاء علة التجريم, وفي حالة رفع العقاب يرفع العقاب لتحقق الإلجاء وانعدام الاختيار , وقد فصلنا القول في ذلك كله أثناء الكلام عن الإكراه.
(1) د/ عبد القادر عوده, التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي, الجزء الأول, فقرة405,ص581
(2) د/ محمد علي محجوب, الوسيط في التشريع الإسلامي ونظرياته العامة, ص613.
خصصنا هذا البحث للحديث عن الإكراه وحالة الضرورة كمانعي من المسئولية الجنائية وعقدنا الدراسة لتكون مقارنة بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي لنثبت أن الفقة الإسلامي إذا أحييت درا ستة وانفتح فيه باب الاجتهاد قمين أن ينبت قانون حديثا لا يقل في الجدة ومسايرة العصر عن القوانين الوضعية المستحدثة وقد قسمنا هذة الدراسة إلي مبحثين الأول منها يحتوي علي مطلبين افردنا المطلب الأول لموقف القانون من حالة الاكراة وأوضحنا فية مفهوم الاكراة في نظر القانون ثم بينا نوعي الاكراة في القانون حيث ينقسم إلي اكراة مادي وآخر معنوي وشرحنا تعريف كلا منهما وشروطة وطبيعتة ثم افردنا المطلب الثاني لموقف الشريعة من حالة الاكراة وأوضحنا تعريف الاكراة في نظر الشريعة الغراء وبينا وشروطة وانواعة وحكمة وعرضنا الاكراة بين الشريعة والقانون
والمبحث الثاني يحتوي علي مطلبين افردنا الأول لموقف القانون من حالة الضرورة وأوضحنا فية تعريف حالة الضرورة في نظر القانون ثم بينا شروطها ثم أثرها في المسئولية . ثم افردنا المطلب الثاني لموقف الشريعة من حالة الضرورة وأوضحنا
فيه تعريف حالة الضرورة في نظر الشريعة ثم بينا شروطها ثم أثرها في المسئولية وعرضنا حالة الضرورة بين الشريعة والقانون ليدرك كل معرض أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع وتصلح لكل زمان ومكان وهي خير زاجر للمجرم وان اعتاد الإجرام وخير رادع لغيرة وان تأصل في نفسة العدوان . وهكذا لا نجد الشريعة خالفت القوانين الوضعية إلا وجدنا الحق والعدل والمنطق والمصلحة في جانب الشريعة الغراء.
وفي المستقبل الذي نرجوه للفقه الإسلامي الذي صلحت به بلاد العروبة والإسلام قرونا طويلة ولا يزال صالحا لقيادتها في هذا العصر وفي كل عصر إلى يوم الدين.
وما نريده هذه الأيام أن يكون هذا الفقه الإسلامي المصدر الأول لتشريعاتنا ولكل بدعا من الأمر , فانه ليس إلا مظهرا من مظاهر الاستقلال الذي تحرص عليه كل أمه وانه ليس اضر بالامه من التبعية في القانون لامه أخرى, ذلك بأن من المسلم به أن القانون هو أساس النظم التي يقوم عليها بناء الامه وليس من الرشد أن تقيم أمه أهم نظمها على أساس مستعار من أمه أخرى وهو مع هذا قد لا يتفق ودينها وماضيها وتقاليدها الطيبة.
ومن يستعرض تاريخ الفقه الإسلامي على مدى أدواره المختلفة الظروف والتطورات التي مر بها حتى انتهى به المطاف إلى الجمود والركود في منتصف القرن الرابع
الهجري ويستمر حتى بداية هذا القرن إلا أنه بدأ يخرج من عصر التقليد والجمود إلى عصر النهضة والازدهار ولكن لم يكن الخروج عن التقليد والجمود طفرة واحدة وإنما كان تدريجيا شأنه في ذلك شأن التقليد نفسه فقد جاء تدريجيا ,و هذة النهضة وإن كانت قد ظهرت محاولات في عصر الجمود والتقليد تهدف إليها إلا أنها كانت محدودة وتظهر في دوائر ضيقة حتى بدأت نهضة شاملة في الوطن العربي والإسلامي بعد أن استيقظ الوعي القومي وأدرك المسلون والعرب ما وصل إليه حالهم, فكانت حركة انبعاثية في الدول الإسلامية أساسها النهوض بالدين وخاصة في المناطق الصحراوية, ففي الحجاز كانت الحركة الوهابية التي قام بها محمد بن عبد الوهاب النجدي في قلب نجد تنادي بمحاربة البدع وتطهير الإسلام والعودة إلى الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح, وفي ليبيا ظهر محمد السنوسي الذي طاف شمال أفريقيا داعيا إلى تطهير الدين مما أدخله الأعداء عليه ويناشدهم الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه السلف الصالح, وفي السودان قامت الحركة المهدية التي قادها المهدي وكانت تهدف إلى العودة بالإسلام إلى سماحته وبساطته والرجوع في استنباط الأحكام إلى الكتاب والسنة,
وفي مصر وجد أبرز الداعين إلى الإصلاح الديني والسياسي والاجتماعي وهما السيد جمال الدين الأفغاني باعث النهضة الفكرية في الشرق ثم تلميذه الإمام
محمد عبده حامل لواء النهضة الفكرية واستمرت مدرسة محمد عبده وشيخه جمال الدين الأفغاني تعمل جاهدة على الدعوة لمذهب السلف الصالح والرجوع إلى المصادر الأصلية في الاستنباط وقد حملت هذه المدرسة حملة قوية على التقليد والجمود ودعت إلى التحرر وعملت على التقريب بين مختلف المذاهب الإسلامية واستمداد الأحكام التي تساير مصالح الناس, وهكذا في سائر البلاد الإسلامية وجد في هذا العصر علماء متحررون رغبوا في أن يساير الفقه الإسلامي وطبيعته وخصائصة فيخضع كل ما جد في الحياة من شئون وحوادث لأحكامه حتى تكون تحت يد رجال التشريع في كل أمه إسلامية.
وان في الشريعة الإسلامية وفيما وضعه المشرعون المسلمون ما يسد الثغرة ويفي بالحاجة وينقع الغلة ويؤدي إلى أفضل النتائج وابرك الثمرات.
ونذكر أخيرا في هذه الناحية أن فكرة أن يكون الفقه الإسلامي هو الأساس الأول لكل قوانينا وتشريعاتنا الحديثة قد تركزت في أذهان عدد غير قليل من كبار رجال القانون وأخذت مكانها اللائق بها في تفكيرهم وكتاباتهم وكان من هذا أن رأينا الأستاذ العلامه الدكتور عبد الرزاق السنهوري يقول في بحث له هذه الكلمات الحقه الطيبة ( الهدف الذي ندمي إليه هو تطوير الفقه الإسلامي وفقا لأصول صناعته حتى نشتق منه قانونا حديثا يصلح للعصر الذي نعيش فيه وليس القانون
المصري أو القانون العراقي الجديد إلا قانونا مناسبا في الوقت الحاضر لمصر أو العراق والقانون الدائم النهائي لكل من مصر والعراق بل لجميع البلاد العربية إنما هو القانون المدني الذي نشتقه من الشريعة الإسلامية بعد أن يتم تطويرها وقد تكون البلد العربية عند ظهور هذا القانون قد توحدت فيأتي القانون ليدعم وحدتها وقد تكون في طريقها إلى التوحيد فيأتي القانون عاملا من عوامل توحيدها ويبقى على كل حال رمزا لهذه الوحدة). هذا ما قاله الدكتور السنهوري منذ سنوات بعد
أن قرر أن الفقه الإسلامي لا تقل عراقته عن عراقة القانون الروماني , وهو لا يقل عنه في دقة المنطق ومتانة الصيانة والقابلية للتطور وهو مثله صالح أن يكون قانونا
عالميا , بل كان بالفعل قانونا عالميا يوم امتدت دولة الإسلام من أقاصي البلاد الآسيوية إلى ضفاف المحيط الأطلسي .
وهذا الفقه الإسلامي, كما يذكر أيضا العلامة الدكتور السنهوري ( إذا أحييت دراسته وافتتح فيه باب الاجتهاد , قمين أن ينبت قانونا حديثا لا يقل في الجدة ومسايرة العصر عن القوانين اللاتينية والجرمانية) ونعتقد أن هذا كله ما سيكون في يوم ليس بعيدا إن شاء الله تعالى ما دمنا نطلبه ونريده ونعمل له متعاونين بكل سبيل.
كريم فؤاد الطوبجي
المحامي