اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
التاريخ
2/21/2006 5:07:45 AM
  ضمــان النقائص والعيوب الخــــــفية في المبيع      

البيع عقد يلتزم فيه البائع أن يتفرّغ عن ملكية شيء أو حقّ ما, ويلتزم فيه الشاري أن يدفع ثمنه. وقد تضمّن قانون الموجبات والعقود, في المواد 372 الى 498 منه, تحديداً لأهمّ أحكام عقد البيع وشروطه ومفاعيله.
نتناول في هذا الموضوع أحد مفاعيل عقد البيع, ألا وهو موجب الضمان المترتّب على البائع تجاه المشتري, وتحديداً موجب ضمان النقائص والعيوب الخفيّة في المبيع (المواد 442 الى 464 م. ع.).
ما هي شروط العيب الخفي الموجب للضمان؟ وكيف تُمارس دعوى الضمان؟


العيوب الخفية في المبيع

يُلزَم البائع, إضافةً الى تسليم المبيع الى المشتري, بضمان النقائص والعيوب الخفية الموجودة فيه؛ والعيب هو الآفة أو العلّة الموجودة بشكل خفي في الشيء المبيع, والتي تكون من الأهمية والخطورة بحيث يصبح الشيء غير صالح للإستعمال بالشكل الذي كان يريده المشتري. ومن الأمثلة على العيوب الخفيّة في المبيع, نذكر:
­ - شراء بناء فيه ضعف من جرّاء قلّة المواد المستخدمة في الأعمدة.
 - ­ شراء برّاد منزلي لا يصنع ثلجاً.
 -  شراء حصان فيه مرض غير ظاهر.
 - ­ شراء فرس للسباق يتبيّن أنها بطيئة (وغير مؤهّلة للمشاركة في السباقات).
 - ­ شراء شاحنة يتبيّن أن محرّكها لا يعمل بعد قطعه مسافة 40000 كلم, في حين أن 
    غيرها من مثيلاتها يسير 200000 كلم.
والعلة في إلزام البائع بضمان العيوب الخفيّة والنقائص في الصفات هي أنه ملزم بنقل ملكية مفيدة ونافعة الى المشتري, وفقاً لما يفرضه حُسن النيّة في التعامل, تحت طائلة التعويض عليه عند تعذّر ذلك. ويشمل الضمان مبدئياً جميع أنواع المبيعات, منقولة كانت أو غير منقولة, مادية أو غير مادية, جديدة أم مستعملة. إلا أن القانون استثنى البيوع التي تجريها السلطة القضائية (أي البيوع الجارية بالمزاد العلني) من أحكام ضمان العيوب الخفيّة, وبالتالي فهي غير مشمولة بها.

شروط العيب الموجب للضمان

لا يتحقق موجب الضمان إلا إذا توفّرت في العيوب بعض الشروط, وتتلخص بوجوب كون العيب مؤثراً
(Vice Grave)  قديماً (Antérieur) وخفياً غير معلوم من المشتري (Occulte) .
- العيب المؤثّر:
هو العيب الجسيم الذي يُنقص من قيمة المبيع نقصاً محسوساً أو يجعله غير صالح للإستعمال في ما أُعدّ له بحسب ماهيّته أو بمقتضى عقد البيع؛ فينشأ عنه موجب الضمان.
أما إذا لم يكن العيب محسوساً, بل كان خفيفاً أو طفيفاً, بحيث لا يترتب عليه سوى نقص في بعض الأمور الثانوية الكمالية بالنسبة للمشتري, فلا يكون موجباً للضمان.
كذلك, لا يكون موجباً للضمان, العيب المتسامح به عُرفاً (بحسب العرف السائد, أي العادة التي درج الناس على إتباعها في زمن معيّن مع اعتقادهم الراسخ بإلزاميتها وبوجوب تطبيقها), كإحتواء القمح كمية مألوفة من الأتربة, أو وجود بعض المواد الغريبة في حبّ السمسم بشكل مألوف عرفاً.. إلخ.
وإذا كان المبيع من الأشياء التي لا تُعرَف حقيقة حالها إلاّ بإحداث تغيير فيها, كالأثمار ذات الغلاف اليابس (مثلاً البطيخ واللوز والجوز والبندق...), فالبائع لا يضمن العيوب الخفيّة فيه إلا إذا تعهد صراحة بذلك, أو إذا كان العرف المحلّي يوجب عليه هذا الضمان.
إشارة الى أنّ العيب قد يكون مؤثراً في مبيع شيء وغير مؤثر في مبيع شيء آخر, فطبيعة الشيء هي التي تُملي المنافع المقصودة منه, وهي التي تؤثر على تحديد وجهة إستعماله, مثلاً: إنّ وجود ذرّات من الرمال في الطحين يُعتبر عيباً ذا تأثير بالغ؛ أما وجود هذه الذرّات في القمح, فلا أثر له فيه. كذلك إذا كانت الفرس مشتراة للسباق, ثم تبيّن أنها بطيئة, فهذا العيب يُعتبر مؤثراً, أما إذا لم تكن مشتراة للسباق, فلا أهمية لمثل هذا العيب.
وعلى كلّ, فإنّ تقدير ما إذا كان العيب مؤثراً أم لا, أمر يعود للقاضي الذي يعتمد في هذا المجال المعيار الموضوعي
(Le Critère Objectif), بصرف النظر عمّا يكون قد قصده المشتري بصورة خاصة وغير متوقعة, إلاّ إذا عُيّن هذا القصد الخاص في متن العقد. فلو أخذنا مثلاً آلة تقطير, أراد مشتريها أن يستعملها لصناعة الجعة (البيرة), وكانت هذه الآلة تعمل بصورة عادية وتقتل الجراثيم, ولكنّها بالنسبة للجعة تحديداً تترك فيها خميرة حامضة تضرّ بحفظها؛ ففي هذه الحالة, لا يستطيع المشتري مطالبة البائع بضمان هذا العيب, بالرغم من كونه مؤثراً, إلا إذا كان قد صرّح في العقد عن وجهة الإستعمال التي ينوي إعتمادها, لأنّ هذا الإستعمال هو إستعمال خاص لا يُعتبر من الخصائص العادية لهذه الآلة.
إنّ الغاية من إستعمال المبيع, وتحديد علم البائع بهذه الغاية, مسألة يعود تقديرها للقاضي, وهو يستخلصها من الظروف الموضوعية التي رافقت نشوء العقد أو من وجود بند صريح فيه.
- العيب القديم:
قِدَم العيب هو من الشروط الواجب توافرها لكي يتحقق موجب الضمان على البائع, والمقصود بالعيب القديم, العيب السابق للبيع, أو على وجه أصحّ, العيب الموجود قبل إنتقال الملكية الى المشتري أو عند إنتقالها كحدّ أقصى (في الأشياء المِثلية يؤخَذ بوقت التسليم, أما في الأشياء العينية فيؤخَذ بوقت إنعقاد البيع).
أما إذا كان العيب ممّا لا يظهر إلاّ بعد إنعقاد البيع (وانتقال الملكية), ولكنّ سببه أو جرثومته موجودة في الشيء قبل البيع, فيكون الضمان واجباً على البائع, مثال ذلك أن يشتري أحدهم حيواناً فيه جرثومة لمرضٍ ما, ويتمكّن من إثبات وجودها في الحيوان قبل إستلامه.
إشارة الى أنّه إذا كان إنتشار المرض أو العيب يعود الى خطأ وإهمال من المشتري, فعلى هذا الأخير أن يتحمّل وحده الضرر. فمَنْ يشتري مثلاً سيارة ويُلاحظ أنّ الحرارة تزداد في محرّكها عن المعدّل العادي, ومع ذلك لا يعمد الى فحصه, مُهملاً تزويده بالزيت, فيُعْطَب, لا يحقّ له المطالبة بالضمان.
أما إذا كان الإستعمال السيّئ للشيء فقط عاملاً مُساعداً في ظهور العيب, من دون التسبّب في نشوئه, فيبقى الضمان واجباً على عاتق البائع. وقد يرى القاضي توزيع المسؤولية بين البائع والمشتري إذا كان خطأ هذا الأخير قد شارك جزئياً في عملية إظهار العيب (إنّ عبء إثبات قِدَم العيب يقع على عاتق المشتري, أما عبء إثبات خطأ المشتري في الإستعمال, فيبقى على عاتق البائع, والإثبات في الحالتين ممكن بكافة الوسائل).
- العيب الخفي وغير المعلوم من المشتري:
العيب الخفي هو ذلك الذي لم يكن ظاهراً للمشتري عند إنتقال الملكية, والذي لم يسبق له أن عرفه, ولم يكن قادراً على إكتشافه في ما لو فحص المبيع بعناية الرجل العادي المتنبّه للأمور. والعيب الخفي الذي يدخل في دائرة الضمان هو ذلك الذي يكون في المبيع ذاته أو في أحد ملحقاته, ولا فرق في أن يكون مستمراً أو متقطعاً (كظهور المياه داخل المبنى المُباع في أيام الشتاء مثلاً).
أما العيب الظاهر وقت إنتقال الملكية, فلا يخضع لضمان البائع إذا لم يعترض عليه الشاري, إذ يُفهم من عدم إعتراضه أنه رآه وقَبِلَ به, فقام بشراء الشيء على حالته, قابلاً بالعيب.
وكذلك بالنسبة الى العيب الخفي عند إنتقال الملكية, إذا كان من السهل على المشتري أن يعرفه لو فَحَصَ المبيع بعناية الرجل المتنبّه للأمور, أو لو كان جدياً في فحصه المبيع؛ فإذا لم يقم بالفحص الجدّي, تحمّل وحده مسؤولية هذا التقصير, وذلك بحرمانه من الضمان.
إنّ صفة العيب لجهة القول بأنه خفي أو ظاهر تختلف بين المشتري العَرَضي (غير الممتهن) والمشتري المهني الخبير؛ فيُعتبر العيب خفياً على المشتري العَرَضي عندما لا يتيسّر إكتشافه إلاّ لذوي الخبرة, أما إذا كان بمقدوره إكتشافه ضمن مؤهّلاته العادية, فلا يُعتبر خفياً. ولكنّنا نسارع الى القول بأنّه واجب الشخص العادي أن يلجأ الى أهل الخبرة لكشف العيب. أما بالنسبة الى المشتري ذي الخبرة, فلا يستطيع الإدّعاء بوجود عيب خفي في المبيع إذا كان من المفترض فيه أن يكشفه بحكم خبرته وفنّه.
إشارة الى أنّ مفهوم العيب الخفي في الأشياء المستعملة يختلف عنه في الأشياء الجديدة؛ ويمكن القول إنّه ذلك الذي يتجاوز ما هو متوقّع في الشيء المُستعمل, والذي لا يجوز أن يكون موجوداً فيه عادةً, إذ ليس للمشتري أن ينتظر من الشيء المُستعمل أن يوفّر له الفعالية نفسها التي يوفّرها الشيء الجديد.
هذا لجهة علم المشتري بالعيب الموجود في المبيع.
أما من جهة أخرى, فإذا وُجدت عيوب خفيّة في المبيع وقت إنتقال الملكية, إلاّ أنّ البائع صرّح بخلوّ المبيع منها, كان هذا الأخير مسؤولاً عنها, وإن كان من السهل على المشتري إكتشافها. في الواقع, إنّ البائع, بتأكيده للمشتري بخلوّ المبيع من العيب, يكون قد خلق لديه حالة من الإطمئنان والثقة, ويكون قد تعهّد, ولو ضمنياً, بتحمّل العيب الذي صرّح بخلوّ المبيع منه.

دعوى ضمان العيوب الخفيّة

إنّ دعوى ضمان العيوب الخفيّة في المبيع يمكن أن تتخذ شكلين, وذلك وفقاً لاختيار المشتري: فإمّا أن يتقدّم بدعوى يطلب فيها ردّ المبيع الى البائع وإسترجاع الثمن, وهذا ما يسمّى دعوى الردّ
(Action Rédhibitoire), أو أن يطلب فقط تخفيض الثمن بنسبة العيب (Action Estimatoire), وله في الحالتين أن يُطالب بالعطل والضرر إذا توفّرت شروط معيّنة.
ولكن, على المشتري, وقبل أن يُبادر الى تقديم دعوى الضمان, أن يقوم ببعض الإجراءات التي يفرضها القانون, وهي تتلخّص بموجبين أساسيين, أوّلهما فحص المبيع وإخبار البائع بالعيب, وثانيهما إثبات العيب.
بالنسبة للموجب الأول, ينص القانون على أنه إذا كان المبيع من المنقولات غير الحيوانات, وجب على المشتري أن ينظر في حالة المبيع على أثر إستلامه, وأن يُخبر البائع بلا إبطاء, في خلال السبعة أيام التي تلي الإستلام, عن كلّ عيب يجب على البائع ضمانه, وإلاّ فالمبيع يُعدُّ مقبولاً, ما لم تكن العيوب ممّا لا يُعرَف بفحص عادي أو تكن هناك موانع لا علاقة لها بمشيئة المشتري حالت دون النظر في حالة المبيع. وفي مثل هذا الموقف, يجب إبلاغ عيوب المبيع الى البائع على أثر إكتشافها وإلاّ عُدّ المبيع مقبولاً. غير أنه لا يحقّ للبائع السيئ النيّة (أي الذي علم بالعيب وأخفاه عن المشتري) أن يتذرّع بهذا الحكم الأخير؛ بمعنى آخر, يبقى بإمكان المشتري أن يرجع عليه بالضمان طيلة مدّة مرور الزمن.
هذه الأحكام, كما سبق وذكرنا, تقتصر على المنقولات من غير الحيوانات, ولا تنطبق على الحيوانات والعقارات؛ والعلّة في ذلك أنّ كشف العيب في الحيوان أو العقار قد يكون أمراً صعباً فور التسليم, فلا مجال لتطبيق هذه المهل في هذا المجال.
إشارة الى أنّ الإخبار المذكور إلزامي, إلاّ أنّ القانون لم يشترط فيه شكلاً معيّناً, فيمكن بالتالي أن يتمّ بأية وسيلة كانت, سواء بواسطة الكاتب العدل أو بكتاب مضمون أو عادي أو بالتلكس أو برقياً أو حتى شفاهةً, مع التنبيه الى ما يرافق هذه الطريقة الأخيرة من صعوبة في الإثبات.
هذا لجهة موجب فحص المبيع وإخبار البائع بالعيب.
أما لجهة موجب إثبات العيب, فقد حدّد المشترع الوسائل التي يعتمدها المشتري في هذا المجال, إذ أن عبء الإثبات يقع على عاتقه.
بعد إتمام هذه الإجراءات, يصبح بإمكان المشتري التقدّم بدعوى الضمان التي تخضع لأحكام خاصة تتلخص بما يلي:
­ - خلال 365 يوماً بعد التسليم, إذا كانت الأموال المبيعة ثابتة, أي غير منقولة
   (عقارات).
­ - خلال 30 يوماً بعد التسليم, إذا كان المبيع من المنقولات والحيوانات (شرط إرسال
   البلاغ السابق ذكره, في ما خصّ المنقولات من غير الحيوانات).
إشارة الى أنّ كلّ هذه المهل لا تتعلّق بالنظام العام, وبالتالي يمكن تقصيرها أو تمديدها بإتفاق المتعاقدين, ولا يعود للقاضي إثارتها عفواً.
أكثـر من ذلـك, فقد حاول الإجتهاد اللبناني التخـفيف من قساوة النصّ بالنسـبة لقِصَر المهل المحدّدة لإقامة دعوى الضمان, فعمد في حالات عديدة الى تكييف وقائع النزاع بشكل يساعـد على تمديـد المهلـة, عن طريق تفسـير نية الطرفين, فورد مثلاً في العديد من الأحكام القضائية أنّه لا مـجال لتطبـيق المهل المنصوص عنها في القانون (والسابق ذكرها) إذا اعترف البائع بوجود العيب وتعهّد بإصلاحه.

- مجلة العدل-



 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 2117 / عدد الاعضاء 62