بسم الله الرحمن الرحيم
الأستاذ الحبيب / أشرف مشرف كل عام و أنتم بخير
أشكركم على ما تفضلتم بعرضه ...
فتلك من المسائل التى تفتق الأذهان و تحرر الأفكار ....هدفها نبيل ... و هديها الدين .
اختلف فيها الأئمة، و تباينت فيها الحجج
و أرى أن المبيت لدى الطرف الآخر قد يتعارض مع مصلحة المحضون خاصة في أوقات الدراسة أو الامتحانات أو أي ظروف أخرى تتعارض معه.....
و في هذه الحالة علينا أن نأخذ بقاعدة لا ضرر ولا ضرار وان مصلحة المحضون أولى بالرعاية والتحقيق، بغض النظر عن أحقية طرف بالحضانة من الطرف الآخر، مع عدم الإخلال بالحق فى الرؤية كما هو محدد إما اتفاقاً بين الأطراف أو أسبوعيا قياساً على ما نص عليه الفقهاء من أن للزوجة زيارة والديها كل جمعة و ليس للزوج منعها من ذلك.
فالهدف من الحضانة يتضح من معناها لان الحضانة تعنى بحفظ الولد وتربيته وتقويمه ورعايته بما يحقق مصلحته أولاً، ولا يتعارض مع حق الولي ثانياً، فمصلحة المحضون هنا مقدمة على حق الولي بمعنى أنه إذا تعارضت مصلحة المحضون مع حق الولي قدمت مصلحة المحضون، و ما ورد من أحكام فى هذا الشأن يكفل الرعاية الواجبة للصغار و تتيح لهم الاستقرار النفسي اللازم لسلامة نموهم و تربيتهم و يمنع الخلاف بين الأب و الحاضنة على نزع الحضانة فى سن غير مناسب للنكاية دون رعايا لصالح الصغار...
و غنى عن البيان أن حضانة الأم، لا تخل بحق الأب فى ولايته الشرعية على أبنائه، سواء قبل بلوغهما سن الخمسة عشر سنة أو بعدها، فلا تغل يد والدهما و لا تحد من ولايته الشرعية عليهم ... فعليه مراعاة أحوالهم و تدبير أمورهم و ولايته عليهما كاملة و إنما يد الحاضنة، للحفظ و التربية و لها القيام بالضروريات التى لا تحتمل التأخير كالعلاج و الإلحاق بالمدارس بمراعاة إمكانيات الأب.
و الولاية كما عرفها الفقه، بأنها تنفيذ الأمر على الغير شاء أو أبى،و قسمها الفقة الحديث الى ولاية ذاتية و هى ولاية الشخص على نفسه، و ولاية متعدية و هى ولايته على غيرة، و ولاية الأب مستمدة من الشارع.
و تنقسم الولاية أيضاً إلى نوعين: ولاية على النفس و ولاية على المال، فالأولى تكون فى الأمور المتعلقة بنفس الشخص المولى عليه، كولاية التوجيه و التربية و التعليم و التزويج، أما الثانية و هى التى تقوم على الأمور المالية المتعلق بالمولى عليه، و الأولى تنتهى بالبلوغ بالعلامات أو ببلوغ 15 سنة و الثانية تنتهى ببلوغ الواحد و العشرين من العمر.
و المهم فى هذا الشأن هو الولاية على النفس و التى يتحدد نطاقها فى التربية و التعليم و التوجيه و الحفظ و الصون و التزويج و تلك لا تثبت إلا لولى النفس، و تثبت و لو كان الصغير فى حضانة أمه أو غيرها من الحاضنات و تستمر حتى بلوغ الصغير بالعلامات أو ببلوغه خمسة عشر سنة كما ذكرت.
و من خلال هذا النظر فإنه لا يكون من اختصاص من له حق الحضانة... توجيه الصغير فى التعليم و التثقيف و اختيار نوع التعليم – حسب حالة الأب – و إنما يكون من شأن من لهم الولاية على النفس.
و أصول الأحكام في الفقه الإسلامي، أن للحضانة حكما واحدا هو بمثابة القاعدة التي تبنى عليه سائر الأحكام وهو: اعتبار مصلحة المحضون، ورغم أن هذا المعنى قد تداوله المشرع بين ثنايا مواده، إلا انه ينبغي النص على ذلك صراحة وبوجه مستقل وإبرازه كقاعدة عامة في باب الحضانة قبل الخوض في تفاصيل الأحكام الأخرى، وترسيخ حق المحضون في اختيار حاضنه والدعوة إلى إعطاء هذا الحق الأولوية بتقديمه على ما سواه من أساليب اختيار الحاضنين، ما لم يتعارض اختيار المحضون مع مصلحته....
و يجب اتخاذ التدابير اللازمة للحد من ظاهرة النيل من حقوق المحضون وذلك كحرمان احد والدي المحضون من زيارته بحجة عدم التزامه بمواعيد الزيارة فان هذا الإجراء لا شك يضر بالمحضون لان الزيارة حق مشترك بين المحضون ووالديه وحرمان الزائر يؤدي بالضرورة إلى حرمان المحضون من حقه في رؤية والديه.
و فضلاً عما نصت عليه المادة 20 من القانون و تعديلاته.
فقد نصت المادة 292 من قانون العقوبات ' يعاقب بالحبس ......أى الوالدين أو الجدين خطفه بنفسه أو بواسطة غيره ممن لهم بمقتضى قرار من جهة القضاء حق حضانته أو حفظه ولو كان ذلك بغير تحايل وإكراه.
كما تنص المادة الأولى من قانون الطفل رقم 12 لسنة1996 على ' تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة ، وترعى الأطفال وتعمل على تهيئة الظروف المناسبة لتنشئتهم التنشئة الصحيحة من كافة النواحى فى إطار من الحرية والكرامة الإنسانية'
وتقضى المادة 3 من قانون الطفل ' تكون لحماية الطفل ومصالحه الأولوية فى جميع القرارات أو الإجراءات المتعلقة بالطفولة أيا كانت الجهة التى تصدرها وتباشرها '
و المادة ( 5 ) من قرار وزير العدل رقم 1087 لسنة 2000 بشأن تحديد أماكن الرؤية و التى جاء نصها: (( يجب ألا تقل مدة الرؤية على ثلاث ساعات أسبوعياً فيما بين الساعة التاسعة صباحاً و السابعة مساءاً، و يراعى قدر الإمكان أن يكون ذلك خلال العطلات الرسمية و بما لا يتعارض و مواعيد انتظام الصغير فى دور التعليم.)).
و الرؤية الإسلامية لا تقدم مسئولية أي من الرجل و المرأة في الأسرة على الآخر، حيث إن مشاركة الأب والأم في التنشئة الاجتماعية والسياسية للطفل هي مشاركة واجبة ولازمة، إذ لا يغني أحدهما عن الآخر، ويشكلان معاً، بالإضافة للأبناء، هيكل السلطة في الأسرة من خلال مسئوليات كل طرف، وهو الهيكل أو البناء الذي لا يكتمل إذا تخلى أحد الأطراف عن واجباته، فالرعاية مسئولية الوالدين معاً وكلاهما 'مسئول عن رعيته'.
و مشاركة الأب في التنشئة بشكل فعال مهمة جدًّا لاستقرار نفسية الطفل، بل إن الخلل في العلاقة بين الطفل وأبيه،قد تؤدى إلى نمو شخصية سلبية لا تشعر بجدوى المشاركة في الحياة السياسية نظرًا لعدم جدوى المشاركة في الحياة الأسرية التي يستبد فيها الأب، و تحدث خلل في بنية السلطة وهيكل الأسرة على الطفل وإدراكه السياسي .
جاء في الشرح الكبير للدردير في فقه المالكية:
وللحاضنة أم أو غيرها قبض نفقته وكسوته، وغطائه، وجميع ما يحتاج له الطفل، وليس لأبي المحضون أن يقول لها ابعثيه، ليأكل عندي، ثم يعود لك، لما فيه من الضرر بالطفل والإخلال بصيانته، والضرر على الحاضنة للمشقة، وليس لها موافقة الأب على ذلك لضرر الطفل.. .
فتلك واحدة من القضايا ذات البعد الإنساني، والتي يفترض فيها ألا تكون القوانين جامدةً صماء، قد يعلم الكثيرون منا حقيقة أن القوانين الوضعية تتسم بالثبات والجمود لكن هذا الأمر لا ينفي ضرورة التعامل بليونة نسبية مع بعض القضايا ذات الطبيعة الخاصة، كما أنه لا ينفي إمكانية إخضاع القانون للتعديل أو التغيير عندما تقتضي الحاجة ذلك.
و لذلك أرى...
أولاً : أن حق الرؤية شرعاً ليس استثناءاً، بل هو حق أصيل لكل من المحضون و الوالدين، و حرمان أحدهما من ذلك ضررٌ منهى عنه بعموم الآية الكريمة: ( لا تضار والدة بولدها و لا مولود له بولده ). كما أنه مقرر شرعاً، لأنه من باب صلة الأرحام التى أمر الله بها ( و أولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض فى كتاب الله ) من الآية الكريمة رقم 75 من سورة الأنفال.
ثانياً: أن مبيت و إقامة الصغير (( أسبوع عند الأم وأسبوع أخر عند الأب، حتى يتاح للصغير أن يستفيد من حنان أمه وكذلك حزم أبيه))..
فيه ضررٌ جسيم على الصغير، و القاعدة، لا ضرر ولا ضرار وان مصلحة المحضون أولى بالرعاية والتحقيق... و قد يتعارض ذلك مع مصلحة المحضون خاصة في أوقات الدراسة أو الامتحانات أو أي ظروف أخرى، و ما قد يؤدى إلى تمزيق الصغير فى تكوينه النفسى، و عدم استقراره فى مكان يألفه و يهدأ فيه، و نحرمه من أمه ( أسبوعاً كاملاً )التى يحتاج إليها دوما و دون انقطاع خلال فترة حضانته – لحكمة احتياجه لرعاية النساء – و نفوت عليه حق الحضانة بكل مميزاتها المخصصة إليه .... مخالفاً بذلك قوله صلى الله عليه و سلم لمن جاءت شاكية له رغبة الأب فى ضم إبنه إليه (( أنتِ أحق به منه ما لم تتزوجى )) فبقاء الطفل بيد أبيه لمدة أسبوع، فيه خلط ما بين الحضانة ( للنساء ) و الحفظ ( للرجال )، و الأم أحن و أشفق من الأب على الصغير فتتحمل فى ذلك من المشقة ما لا يتحمله الأب و فى تفويض ذلك إليها منفعة للصغير...
و لما خاصم عمر أم عاصم بين يدى أبو بكر رضى الله عنه لينتزع أبو بكر رضى الله عنه: ريحها خيرٌ له من سمن و عسل عندك .....إلخ.
و لذا فإن فارق الرجل إمرته و لهما ولد فالأم أحق بالولد أن يكون عندها حتى يستغنى عنها فإن كان غلاماً يأكل وحده و يشرب وحده و يلبس وحده و إن كانت جارية فهى أحق بها حتى تحيض ' المبسوط للسرخسى – جـ 5 صـ 207 '.
و عذراً على الإطالة و أتقدم بشكرى للأستاذ الفاضل الحبيب / أشرف مشرف على هذا الجهد و الاجتهاد ، و إنها من المسائل التى تتباين الآراء حولها و الكل يعتد فيها بما يراه أكفل لتحصيل الخير للصغير فى إطار من الحق و العدل، و أشكر كل زملائى اللذين تفضلوا فى مداخلاتهم بالتعليق و المشاركة فى هذا العمل الخير.
كل عام و أنتم بخير و تقبل الله منا صيامنا و قيامنا و صالح الأعمال.
فى أمان الله
|