إذا اجتهد الحاكم ( القاضي ) فأخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران وفي رواية صحح الحاكم إسنادها فله عشرة أجور.
وروى البيهقي خبر إذا جلس الحاكم للحكم بعث الله له ملكين يسددانه ويوفقانه فإن عدل أقاما وإن جار عرجا وتركاه.
قال المصنف في شرح مسلم أجمع المسلمون على أن الحديث يعني الذي في الصحيحين في حاكم عالم أهل للحكم إن أصاب فله أجران باجتهاده وإن أخطأ فله أجر باجتهاده في طلب الحق أما من ليس بأهل للحكم فلا يحل له أن يحكم وإن حكم فلا أجر له بل هو آثم ولا ينفذ حكمه سواء وافق الحق أم لا لأن إصابته اتفاقية ليست صادرة عن أصل شرعي فهو عاص في جميع أحكامه سواء وافق الصواب أم لا وهي مردودة كلها ولا يعذر في شيء من ذلك.
وقد روى الأربعة والحاكم والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق وقضى به واللذان في النار رجل عرف الحق فجار في الحكم ورجل قضى للناس على جهل فالقاضي الذي ينفذ حكمه هو الأول والثاني والثالث لا اعتبار بحكمهما.
والإجماع منعقد على فعله سلفا وخلفا.
وقد استقضى النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون بعده فمن بعدهم ووليه سادات وتورع عنه مثلهم وورد من الترغيب والتحذير أحاديث كثيرة.
ولا شك أنه منصب عظيم إذا قام العبد بحقه ولكنه خطر والسلامة فيه بعيدة إلا من عصمه الله تعالى وقد كتب سلمان الفارسي إلى أبي الدرداء رضي الله تعالى عنهما لما كان قاضيا ببيت المقدس إن الأرض لا تقدس أحدا وإنما يقدس المرء عمله وقد بلغني أنك جعلت طبيبا تداوى فإن كنت تبرىء فنعما لك وإن كنت مطببا فاحذر أن تقتل أحدا فتدخل النار فما بالك بمن ليس بطبيب ولا مطبب.
وقال بعض الأكابر ممن دخل في القضاء أنا نذير لمن يكون عنده أهلية العلم أن لا يتولى القضاء.
فإن كلام العلماء يؤخذ بالقبول وكلام القضاة تسري إليه الظنون وإن ترتب على القضاء أجر في وقائع جزئية فالعلم يترتب عليه أمور كلية تبقى إلى يوم القيامة وما ورد في التحذير عنه من جعل قاضيا ذبح بغير سكين فهو محمول على من يكره له القضاء أو يحرم على ما سيأتي.
" هو " أي قبول تولية القضاء من الإمام " فرض كفاية " في حق الصالحين له في الناحية أما كونه فرضا فلقوله تعالى " كونوا قوامين بالقسط " ولأن طباع البشر مجبولة على التظالم ومنع الحقوق وقل من ينصف من نفسه ولا يقدر الإمام على فصل الخصومات بنفسه فدعت الحاجة إلى تولية القضاء.
وأما كونه على الكفاية فلأنه أمر بمعروف أو نهي عن منكر وهما على الكفاية وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى اليمن قاضيا فقال يا رسول الله بعثتني أقضي بينهم وأنا شاب لا أدري ما القضاء فضرب النبي صلى الله عليه وسلم صدره وقال اللهم اهده وثبت لسانه قال فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما شككت في قضاء بين اثنين رواه أبو داود والحاكم وقال صحيح الإسناد.
واستخلف النبي صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة واليا وقاضيا وقلد معاذا قضاء اليمن.
وبعث أبو بكر أنسا إلى البحرين وبعث عمر أبا موسى الأشعري إلى البصرة.
فلو كان فرض عين لم يكف واحد.
وعن القاضي أبي الطيب استحباب نصب القضاة في البلدان قال ابن الرفعة ولم أره لغيره.
فعلى المشهور إذا قام بالفرض من يصلح سقط الفرض عن الباقين.
وإن امتنعوا أثموا وأجبر الإمام أحد الصالحين على الصحيح.
وفيما يشترط لتولية القاضي
فقال " وشرط القاضي " أي من يولى قاضيا " مسلم " أي إسلام وكذا الباقي.
وهذا الشرط داخل في اشتراط العدالة ولهذا لم يذكره في الروضة فلا يولي كافر على مسلمين لقوله تعالى " ولن يجعل الله للكافرين على المقلدين وإن كان قيد بالاجتهاد المؤمنين سبيلا " ولا سبيل أعظم من القضاء ولا على كفار لأن القصد به فصل الأحكام والكافر جاهل بها.
وأما جريان العادة بنصب حاكم من أهل الذمة عليهم فقال الماوردي و الروياني إنما هي رياسة وزعامة لا تقليد حكم وقضاء ولا يلزمهم حكمه بإلزامه بل بالتزامهم ولا يلزمون بالتحاكم عنده.
" مكلف " أي بالغ عاقل فلا يولى صبي ولا مجنون وإن تقطع جنونه لنقصهما.
تنبيه:
قال الماوردي ولا يكفي العقل الذي يتعلق به التكليف حتى يكون صحيح الفكر جيد الفطنة بعيدا عن السهو والغفلة يتوصل بذكائه إلى وضوح المشكل وحل المعضل.
" حر " فلا يولى رقيق كله أو بعضه لنقصه كالشهادة أو " ذكر " فلا تولى امرأة لقوله صلى الله عليه وسلم لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة رواه البخاري ولأن النساء ناقصات عقل ودين.
تنبيه:
شمل إطلاق المصنف منعها ولو فيما تقبل شهادتها فيه وهو كذلك وفيه إشارة إلى الرد على أبي حنيفة حيث جوزه حينئذ وعلى ابن جرير الطبري حيث جوزه مطلقا.
والخنثى المشكل في ذلك كالمرأة كما قاله الماوردي وغيره فلو ولي ثم بان رجلا لم يصح توليته كما قاله الماوردي وصرح به في البحر وقال إنه المذهب لا يحتاج إلى تولية جديدة.
أما إذا بانت ذكورته قبل التولية فإنها تصح.
" عدل " وسيأتي في الشهادات بيانه فلا يولى فاسق لعدم الوثوق بقوله ولأنه ممنوع من النظر في مال ولده مع وفور شفقته فنظره في أمر العامة أولى بالمنع.
تنبيه:
يؤخذ مما سيأتي في الشهادات إن شاء الله تعالى عن الصيمري أنه يشترط في الشاهد أن لا يكون محجورا عليه بسفه وأن يكون القاضي كذلك وبه صرح البلقيني لأن مقتضى القضاء التصرف على المحجور عليهم.
قال وأما الإكراه فإنه مانع من صحة القبول إلا فيمن تعين عليه.
ولا يولى مبتدع أيضا ردت شهادته ولا من ينكر الإجماع أو أخبار الآحاد أو الاجتهاد المتضمن إنكاره إنكار القياس.
" سميع " ولو بصياح في أذنه فلا يولى أصم لا يسمع أيضا فإنه لا يفرق بين إقرار وإنكار.
" بصير " فلا يولى أعمى ولا من يرى الأشباح ولا يعرف الصور لأنه لا يعرف الطالب من المطلوب فإن كان يعرف الصور إذا قربت منه صح.
وخرج بالأعمى الأعور فإنه يصح توليته وكذا من يبصر نهارا فقط دون من يبصر ليلا فقط ما قال الأذرعي.
فإن قيل قد استخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم على المدينة وهو أعمى ولذلك قال مالك بصحة ولاية الأعمى.
أجيب بأنه إنما استخلفه في إمامة الصلاة دون الحكم.
تنبيه:
لو سمع القاضي البينة ثم عمي قضى في تلك الواقعة على الأصح.
واستثني أيضا لو نزل أهل قلعة على حكم أعمى فإنه يجوز كما هو مذكور في محله.
" ناطق " فلا يولى أخرس وإن فهمت إشارته لعجزه عن تنفيذ الأحكام.
" كاف " للقيام بأمور القضاء فلا يولى مغفل ومختل نظر بكبر أو مرض ونحو ذلك.
وفسر بعضهم الكفاية اللائقة بالقضاء بأن يكون فيه قوة على تنفيذ الحق بنفسه فلا يكون ضعيف النفس جبانا فإن كثيرا من الناس يكون عالما دينا ونفسه ضعيفة عن التنفيذ والإلزام والسطوة فيطمع في جانبه بسبب ذلك ولذلك قال ابن عبد السلام وللولاية شرطان العلم بأحكامها والقدرة على تحصيل مصالحها وترك مفاسدها فإذا فقد الشرطان حرمت الولاية قال صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر إني أراك ضعيفا لا تتأمرن على اثنين ولا تلين مال يتيم.
وجعل بعضهم هذا الشرط خارجا بقوله " مجتهد " فلا يولى الجاهل بالأحكام الشرعية ولا المقلد وهو من حفظ مذهب صاحبه لكنه غير عارف بغوامضه وقاصر عن تقرير أدلته لأنه لا يصلح للفتوى فللقضاء أولى.
تنبيه:
كان ينبغي للمصنف أن يقول إسلام وتكليف وكذا ما بعدهما فيأتي بالمصدر كما قدرته في كلامه لأن الشرط هو الإسلام وغيره من المذكورات وكذا ما بعدهما لا الشخص نفسه.
أو أن يقول مسلما مكلفا الخ بنصب الجميع على خبر كان المحذوفة كقوله فيما سبق يشترط في الإمام كونه مسلما.
" وهو " أي المجتهد " أن يعرف من الكتاب والسنة ما يتعلق بالأحكام " أي طريق الاجتهاد ولا يشترط حفظ آياتها ولا أحاديثها المتعلقات بها عن ظهر قلب وآي الأحكام كما ذكره البندنيجي و الماوردي وغيرهما خمسمائة آية وعن الماوردي أن عدد أحاديث الأحكام خمسمائة كعدد الآي.
واعترض الأول بأن الأحكام كما تستنبط من الأوامر والنواهي تستنبط من القصص والمواعظ ونحوهما.
والثاني بأن غالب الأحاديث لا تكاد تخلو عن حكم شرعي وأدب شرعي وسياسة دينية وكل ذلك أحكام شرعية.
وأجيب عن ذلك بأن المراد التي هي محال النظر والاجتهاد والخفاء ونحو ذلك.
واحترز المصنف بقوله ما يتعلق بالأحكام عن المواعظ والقصص.
" و " يعرف " خاصه وعامه " بتذكير الضمير نظرا ل ما والخاص خلاف العام الذي هو لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر.
ويعرف العام الذي أريد به الخصوص والخاص الذي أريد به العموم ومطلقه ومقيده " ومجمله " وهو ما لم تتضح دلالته " ومبينه " وهو المتضح دلالته ويعرف نصه وظاهره " وناسخه ومنسوخه " فيعرف ما نسخ لفظه وبقيت تلاوته وعكسه.
ويعرف المتشابه والمحكم " ومتواتر السنة وغيره " أي الآحاد لأن له أن يتمكن من الترجيح عند تعارض الأدلة فيقدم الخاص على العام والمقيد على المطلق والمبين على المجمل والناسخ على المنسوخ والمتواتر على الآحاد.
ولو ولى من لا يصلح للقضاء مع وجود الصالح له والعلم بالحال أثم المولي بكسر اللام والمولى بفتحها ولا ينفذ قضاؤه وإن أصاب فيه.