اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
اشرف سعد الدين
التاريخ
1/19/2012 2:05:05 PM
  مدى جواز قيام البرلمان بسحب الثقة من الحكومة في ظل الاعلان الدستوري الراهن       

 

مدى جواز سحب مجلس الشعب الثقة من الحكومة في ظل الإعلان الدستوري الراهن

 

أثيرفي الآونة الأخيرة نقاش طويل و حاد بشأن مدى أحقية مجلس الشعب القادم في سحب الثقة من الحكومة ،  و قد اختلفت الآراء في هذا الصدد ،  حيث ذهب البعض إلى نفي تلك المكنة عن مجلس الشعب ،  بينما ارتأى البعض الآخرأن مجلس الشعب يملك تلك السلطة ، و نظراً لأهمية الموضوع و خطورته على الحياة السياسية و النيابية في البلاد ،  لا سيما و مجلس الشعب يوشك أن تنتهي عملية انتخاب أعضائه و بدء مباشرته اختصاصاته خلال وقت قريب جداً ، فقد رأيت أن أبدي وجهة نظري المتواضعة جداً في هذا المضمار،  تبياناً لوجه الصواب فيها ، و ذلك بشئ من الإيجاز الشديد ،  كالتالي :

 

بداءة ينبغي ملاحظة أن المسألة المثارة تدورفي فلك المنازعات الدستورية ، باعتبارأن الدستور  - وعلى ما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا – هو القانون الأساسي الأعلى الذي يرسي القواعد و الأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ،  و يقرر الحريات و الحقوق العامة ، و يرتب الضمانات الأساسية لحمايتها ،  و يحدد لكل من السلطة التشريعية  والتنفيذية و القضائية وظائفها و صلاحيتها ،  و يضع الحدود و القيود الضابطة لنشاطها بما يحول دون تدخل أي منها في أعمال السلطة الأخرى ، أو مزاحمتها في ممارسة اختصاصاتها التي ناطها الدستوربها  (حكمها الصادرفي الدعوى رقم 5 لسنة 15 ق  " دستورية " – جلسة 20/5/1995 ).

 

و على ذلك و كنتيجة حتمية له ، فإن بحث المسألة الراهنة يكون من خلال الاحتكام إلى النصوص الدستورية و المتمثلة حالياً في الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/3/2011 و كذا المبادئ التي سنتها المحكمة الدستورية العليا في هذا الشأن .

 

و حيث إنه بمطالعة نصوص الإعلان الدستوري سالف الذكريتبين أنه صدر خالياً من نص حاكم لتلك المسألة أو منظماً لها ، و السئوال الذي يطرح نفسه في ظل هذا الوضع الدستوري : هل يجوز رغم عدم النص على تنظيم تلك المسألة في الإعلان الدستوري المذكور، لمجلس الشعب أن يقوم بسحب الثقة من الحكومة ؟

 

الرأي عندي أنه يجوز لمجلس الشعب سحب الثقة من الحكومة ، و ذلك للأسباب التالية :

 

أولاً :  البين من استقراء قضاء المحكمة الدستورية العليا أنها استنت مبدأ هاماً جداً ، مؤداه جواز إعمال نص أو مبدأ دستوري سابق رغم عدم النص عليه في الدستورالساري ، و ذلك إذا تبين من الدساتيرالسابقة و الأوضاع القانونية وقتها أنها عنيت بذلك المبدأ الدستوري ، و كان لهذا المبدأ بذلك مكاناً علياً في المجال الدستوري بحيث صارأمراً بديهياً و أصلاً دستورياً يعمل به ولو لم ينص عليه .

 

فقد أعملت المحكمة الدستورية العليا المبدأ المذكورفي صدد الطعن بعدم دستورية القراربقانون رقم 263 لسنة 1960 الصادر بحل المحافل البهائية ، حيث ورد في حكمها الصادر في هذا الطعن  :

 

"   المشرع قد التزم في جميع الدساتيرالمصرية مبدأ حرية العقيدة و حرية إقامة الشعائرالدينية باعتبارهما من الأصول الدستورية الثابتة المستقرة في كل بلد متحضر، فلكل انسان أن يؤمن بما يشاء من الأديان و العقائد التي يطمئن إليها ضميره و تسكن إليها نفسه ،  ولا سبيل لأي سلطة عليه فيما يدين به في قرارة نفسه و أعماق وجدانه ، أما حرية اقامة الشعائر الدينية و ممارستها فهي مقيدة بقيد أفصحت عنه الدساتيرالسابقة و أغفله الدستورالقائم وهو " قيد عدم الإخلال بالنظام العام و عدم منافاة الآداب " ، و لا ريب أن إغفاله لا يعني اسقاطه عمداً و إباحة اقامة الشعائرالدينية ولو كانت مخلة بالنظام أو منافية للآداب ، ذلك أن المشرع رأى أن هذا القيد غني عن الإثبات و النص عليه صراحة باعتباره أمراً بديهياً و أصلاً دستورياً يتعين إعماله ولو أغفل النص عليه ....." ( حكمها الصادرفي الدعوى رقم 7 لسنة 2 ق " دستورية " – جلسة 1/3/1975 ).

 

 

 

إذا كان ذلك كذلك ، و كان المبدأ الدستوري المتعلق بسلطة المجلس التشريعي في سحب الثقة من الحكومة قد درجت عليه الدساتيرالمصرية و أصبح جزءً لا يتجزأ من النظام السياسي و الدستوري في البلاد ، و من ذلك دستورسنة 1882 ذوالنظام البرلماني ، و الذي تبنى تقرير المسؤلية الوزارية ، فقد نصت المادة رقم 21 منه على أن ( النظار متكافئون في المسئولية أمام مجلس النواب عن كل أمر يتقرر بمجلس النظارو يترتب عليه إخلال بالقوانين ) ، و النظار هم الوزراء و مجلس النظار هو مجلس الوزراء ، و كذلك دستورسنة 1923 و الذي كان ينص في المادة 65 منه على أنه :  "  إذا قرر مجلس النواب عدم الثقة بالوزارة وجب عليها أن تستقيل ، فإذا كان القرارخاصاً بأحد الوزراء وجب عليه اعتزال الوزارة " ،و ذات الوضع استمر في ظل دستور سنة 1930 ،   كما أن دستور سنة 1971 المعطل حالياً خول مجلس الشعب سلطة سحب الثقة من الحكومة بإجراءات معينة و ذلك في المادتين 127 و 128 .

 

و على ذلك فإنه يكون لزاماً و أمراً مقضياً إعمال مبدأ سحب الثقة من الحكومة من جانب مجلس الشعب دون محاجة في ذلك بخلوالإعلان الدستوري الراهن من نص على ذلك .

 

ثانياً :  من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن :

"  إغفال بعض الوثائق الدستورية النص على الزواج كحق ، و ما يشتمل عليه بالضرورة من حق اختيار الزوج ، لاينال من ثبوتها ، و لا يفيد أن تلك الوثائق تتجاهل محتواها أو أنها تطلق يد المشرع في مجال القيود التي يجوز أن يفرضها على مباشرة أيهما ، ذلك أن هذين الحقين يقعان داخل مناطق الخصوصية التي كفل صونها دستور جمهورية مصر العربية بنص المادة 45 التي تقرر أن لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون ، يؤيد ذلك أن أبعاد العلاقة بين النصوص الدستورية  وربطها ببعض ، كثيراً ما ترشح لحقوق لا نص عليها ، و لكن تشي بثبوتها ما يتصل بها من الحقوق التي كفلها الدستور، و التي تعد مدخلاً إليها بوصفها من توابعها أو مفترضاتها أو لوازمها ، و كثيراً ما تُفضي فروع بعض المسائل التي نظمتها الوثيقة الدستورية ، إلى الأصل العام الذي يجمعها ، و يعتبرإطاراً محدداً لها ، ولا يكون ذلك إلا من خلال فهم أعمق لمراميها و استصفاء ما وراءها من القيم و المثل العليا التي احتضنها الدستور .... " ( حكمها الصادر في الدعوى رقم 23 لسنة 16 ق " دستورية " – جلسة 18/3/1995 ).

 

لما كان ذلك ، و كان البين من الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 30/3/2011 أنه تضمن بعض الاختصاصات المخولة لمجلس الشعب ، و منها ما نصت عليه المادة 33 منه ،  من أنه :

" يتولى مجلس الشعب فور انتخابه سلطة التشريع ، و يقرر السياسة العامة للدولة ، و الخطة العامة للتنمية الاقتصادية و الاجماعية ، و الموازنة العامة للدولة ، كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية ".

 

 

و لا مراء أن مدلول و مفهوم الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية ترتبط ارتباطاً لا يقبل التجزئة بآلية تنفيذ نتائج تلك الرقابة و محاسبة المسئول عن الإخلال بها ،و هو ما يتمثل في مسئولية السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة و ما يستتبعه  ذلك من سلطة سحب الثقة منها ، فسحب الثقة من الحكومة من لوازم و مفترضات تلك الرقابة ، فلا سلطة بدون مكنة على تنفيذ مقتضياتها و آثارها و محاسبة المخالف لها ، و إلا لتجردت تلك السلطة الرقابية من مضمونها و مقوماتها ، و لأضحت مجرد أمراً نظرياً يعمل في الفراغ ، حال أنها سلطة ملزمة بقوة القواعد الدستورية ، لا يجوز تهميشها أو تجريدها من آثارها أو إيهانها من خلال تحوير مقاصدها أو الإخلال بمقتضياتها أو الإعراض عن متطلباتها ، و لأخل ذلك إخلالاً جسيماً بميزان الرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية و التنفيذية و الذي تحرص الدساتيرعلى ضمانها باعتبارها القائمة على ارساء ركائز الحكم ، و هو ما أكدته المحكمة الدستورية العليا حيث قضت بأن : " الدستور – إذا كان تقدمياً – يمثل ضمانة رئيسية لإنفاذ الإرادة الشعبية في توجهها نحو مثلها الأعلى ، و بوجه خاص في مجال إرسائها نظاماً للحكم لا يقوم على التسلط على مقاليد الأمورانفراداً بها و احتكاراً لها ، بل يعمل على توزيع السلطة في إطارديمقراطي بين الأفرع المختلفة التي تباشرها بما يكفل توازنها و تبادل الرقابة فيما بينها ...." ( حكمها الصادر في الدعوى رقم 17 لسنة 14 ق " دستورية " – جلسة 14/1/1995 ).

 

 

وهذا ما كان يجري عليه الأمرفي ظل الدستورالمعطل الصادرسنة 1971، فإن ذلك الدستور قد مال في تنظيم السلطة التنفيذية إلى الأخذ بالنظام الرئاسي ، و لكنه في العلاقة بينها و بين البرلمان أخذ بالنظام البرلماني ، و من ثم فإنه جعل لمجلس الشعب حق الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية ، و تتحقق هذه الرقابة بوسائل عديدة ، كالأسئلة و الاستجوابات و التحقيقات البرلمانية ، على أن أقوى وسيلة للرقابة البرلمانية هي طرح الثقة بالوزارة و التي قد تنتهي إلى سحب الثقة منها ( د/ مصطفى أبو زيد فهمي – الدستور المصري فقهاً  وقضاءً – الطبعة التاسعة 1996 – ص 617 و ما بعدها )، 

 

و بذلك يكون سحب الثقة من الحكومة مستفاداً من الإعلان الدستوري ذاته بما دلت عليه نصوصه في هذا الصدد .

 

ثالثاً :  من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن :

"  مبدأ خضوع الدولة للقانون – محدد على ضوء مفهوم ديمقراطي – مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضاً أولياً لقيام الدولة القانونية ، و ضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان و كرامته و شخصيته المتكاملة .... ". ( حكمها الصادرفي الدعوى رقم 49 لسنة 17 ق " دستورية " – جلسة 15/6/1996 ).

 

و قد استقر الوضع في البلاد الديمقراطية التي يقتدى بها في مجال الحكم الديمقراطي على حق المجلس البرلماني التشريعي في سحب الثقة من الحكومة .

 

رابعاً : من المقررفي الفقه الدستوري أن العرف الدستوري مصدر رسمي من مصادرالقانون الدستوري في دول الدساتيرالمكتوبة  ،  و يبرز دور العرف في سد الثغرات التي تنتج عن عدم مراعاة الجوانب العملية و الواقعية ، كما أنه أكثر قدرة من القواعد الدستورية المكتوبة على معالجة المشاكل التي تتمخض عن العلاقة بين السلطات الحاكمة في الدولة ، لأنه يتلاءم مع الواقع و الظروف ، و قد لعب العرف الدستوري دوراً هاماً في ظل النظام الدستوري الذي أتى به دستورسنة 1923 ، و من أمثلة القواعد الدستورية التي نشأت عن طريق العرف ؛  حق الملك في رئاسة مجلس الوزراء ، و حقه في الاعتراض على المرشحين لتولي مناصب وزارية ، و أيضاً حق الحكومة في إصدارلوائح البوليس ، رغم أن دستورسنة 1923 لم يكن يرخص للسلطة التنفيذية إصدارمثل تلك اللوائح ، و لكنها جرت على إصدارها على نحو ما كان سائداً قبل الدستور، و قد ذهب فقه القانون إلى أن هناك قاعدة عرفية تجيزللسلطة التنفيذية الاستمرارفي إصدارهذه اللوائح ( في هذا المثل – المستشارمحمد وجدي عبد الصمد – الاعتذار بالجهل بالقانون – الطبعة الثالثة 1988 – ص 291 )،  و ما جرى عليه العمل من عرض مشروعات قوانين الضرائب على مجلس النواب قبل مجلس الشيوخ ،  و قد  اعترف دستورسنة 1923 بالعرف باعتباره مصدراً رسمياً بجوارالوثيقة الدستورية في المادة 13 التي نصت على أن " تحمي الدولة حرية القيام بشعائرالأديان و العقائد طبقاً للعادات المرعية في الديارالمصرية ، على ألا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافي الآداب " .

 

  و ينقسم العرف الدستوري إلى أنواع ثلاثة ، المفسر، و يقتصرهذا النوع على تفسيرما قد يكون غامضاً من نصوص الدستورأو توضيح ما قد يشوبها من إبهام ، أي أنه لا ينشئ قواعد دستورية جديدة , و من ذلك تفسيرنص المادة الثالثة من دستور الجمهورية الفرنسية  الثالثة الصادرسنة 1875 ، و التي كانت تقرر اختصاص رئيس الجمهورية بكفالة تنفيذ القوانين على أساس الاعتراف له بسلطة اصداراللوائح التنفيذية ، لأن كفالة تنفيذ القوانين لا يتأتي إلا بإصداراللوائح اللازمة لتنفيذها . و النوع الثاني ، العرف المكمل ، و هو الذي يتولى اكمال النقص الذي قد يوجد في  القواعد الدستورية ، و ذلك بتنظيم المسائل الدستورية التي أغفل المشرع الدستوري تنظيمها ، سواء باكمال النقص أو بسد العجز الناتج عن عدم معالجة بعض الموضوعات في وثيقة الدستور، و أما النوع الثالث للعرف الدستوري فهو العرف المعدل ، وهو الذي يعدل في نصوص الوثيقة الدستورية ، سواء بإضافة أحكام جديدة إليها أو بحذف أحكام منها .

( في ما تقدم : د/ عبد الغني بسيوني عبد الله – القانون الدستوري – طبعة 1990 – ص 53 و ما بعدها )

 

و لما كان واقع التطبيق في جمهورية مصر العربية  وبلاد الديمقراطية في العالم قد جرى على أحقية المجلس التشريعي في سحب الثقة من الحكومة حتى صارذلك أمراً لصيقاً بالحياة البرلمانية ، باعتباره مكوناً جوهرياً لها ، به تنبض مقوماتها ، لتستوي على سوقها حال ممارستها ، الأمر الذي يكون معه مبدأ سحب الثقة من الحكومة قد صارعرفاً غير منكور، فوق كونه مبدأ مسطوراً ، و ذلك سواء أخذنا بالعرف كمفسرأو مكمل للوثيقة الدستورية المتمثلة في الإعلان الدستوري .

 

مع ملاحظة هامة ، هي أن الإعلان الدستوري بحكم طبيعته المؤقتة لا يجمع شتات الأمورالدستورية ، و ما يكون له ذلك ، فإغفاله أمراً ما كالذي نحن بصدده الآن لا يعني رفضه إياه ،  و من الضروري حينئذ اللجوء للمصادرالتي يعتد بها في مقام الحديث عن المسائل الدستورية .

 

 

خامساً :  من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا في شأن تفسير الدستور أن :

 

" النصوص الدستورية لا يجوز فهمها على ضوء حقبة جاوزها الزمن ، بل يتعين أن يكون نسيجها قابلاً للتطور، كافلاً ما يفترض فيه من اتساق مع حقائق العصر" ( حكمها الصادرفي الدعوى رقم 23 لسنة 16 ق " دستورية " – جلسة 18/3/1995 ).

 

"  إنه من المسلم أنه ينبغي عند تفسيرنصوص الدستور، النظر إليه باعتبارها وحدة واحدة يكمل بعضها بعضاً ، بحيث لا يفسرأي نص منها بمعزل عن نصوصه الأخرى ، بل يجب أن يكون تفسيره متسانداً معها بفهم مدلوله فهماً يقيم بينها التوافق و ينأى بها عن التعارض "( حكمها الصادر في الدعوى رقم 37 لسنة 9 ق " دستورية " – جلسة 19/5/1990 ).

 

" الأصل في النصوص الدستورية أنها تعمل في إطار وحدة عضوية تجعل من أحكامها نسيجاً متآلفاً متماسكاً ، بما مؤداه أن يكون لكل نص منها مضمون محدد يستقل به عن غيره من النصوص استقلالاً لا يعزلها عن بعضها البعض ، و إنما يقيم منها في مجموعها ذلك البنيان الذي يعكس ما ارتأته الإرادة الشعبية أقوم لدعم مصالحها في المجالات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ، و لا يجوز بالتالي أن تفسر النصوص الدستورية بما يبتعد بها عن الغاية النهائية المقصودة منها ، و لا أن ينظرإليها بوصفها هائمة في الفراغ ، أو باعتبارها قيماً مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعي  "( حكمها الصادر في الدعوى رقم 11 لسنة 13ق " دستورية " – جلسة 8/7/2000 ).

 

 

"   من المقرر –  و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة   أن النصوص الدستورية لا تتعارض أو تتهادم أو تتنافر فيما بينها ،  و لكنها تتكامل في إطارالوحدة العضوية التي تنتظمها من خلال التوفيق بين مجموع احكامها و ربطها بالقيم العليا التي تؤمن بها الجماعة في مراحل تطورها المختلفة ،  و يتعين دوماً أن يعتد بهذه النصوص بوصفها متآلفة فيما بينها لا تتماحى أو تتآكل ،  بل تتجانس معانيها  وتتضافرتوجهاتها ،  و لا محل بالتالي لقالة إلغاء بعضها البعض بقدر تصادمها ،  ذلك إن إنفاذ الوثيقة الدستورية و فرض أحكامها على المخاطبين بها ، يفترض العمل بها في مجموعها ،  باعتبارأن لكل نص منها مضموناً ذاتياً لا ينعزل به عن غيره من النصوص أو ينافيها أو يسقطها ،  بل يقوم إلى جوارها متسانداً معها مقيداً بالأغراض النهائية وا لمقاصد الكلية التي تجمعها  "  ( حكمها الصادرفي الدعوى رقم 15 لسنة 18ق " دستورية " –  جلسة 2/1 /1999 ).

 

و لما كانت الدولة المصرية – شعباً و مؤسسات – تمر بمرحلة تاريخية فارقة ، ثار فيها الشعب صاحب السلطة التأسيسية الأصلية – أعلى سلطة حقيقية في البلاد يخضع لها الجميع  - ثورة مجيدة ، و اعتصم  بقيم الحرية و العدل و المساواة و أصول الديمقراطية الحقة ، بما تتضمنه من رقابة كل مسئول أو جهة و محاسبته على ما قدم ، رافضاً السلطة المطلقة للحكام و ما اقترفته أيديهم  من إفساد و ظلم غاشم  ، و جنايتهم على شعبهم و تخريبهم لوطنهم  ، مولياً وجهته شطرالاستمساك بالرقابة الصارمة على و فيما بين سلطات الدولة ، و تنحية و عزل الحكام المتسلطين و محاسبتهم ،  و كان المقررأن "  شرعية السلطة الحاكمة تعتمد من الوجهة الدينية و الدستورية على رضا الشعوب ، و اختيارها الحر، من خلال اقتراع علني يتم في نزاهة و شفافية ديمقراطية ، باعتبارها البديل العصري المنظم لما سبقت به تقاليد البيعة الإسلامية الرشيدة ، و طبقاً لتطورنظم الحكم و إجراءاته في الدولة الديثة و المعاصرة ، و استقرعليه العرف الدستوري من توزيع السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية ، و الفصل الحاسم بينهم، و من ضبط وسائل الرقابة و المساءلة و المحاسبة ، بحيث تكون الأمة هي مصدر السلطات جميعاً و مانحة الشرعية و سالبتها عند الضرورة " ( يراجع : بيان الأزهر الشريف و المثقفين لدعم إرادة الشعوب العربية الصادرة بتاريخ الرابع من ذي الحجة سنة 1432 – منشوربمجلة الأزهر- عدد يناير الجزء الثاني سنة 2012 – ص 426 ) .

 

 ولما كان ذلك ، و كانت سلطة مجلس الشعب في سحب الثقة من الحكومة لا تعدو أن تكون نوعاً من آليات الرقابة التي تقتضيها و تستوجبها طبيعة الحالة الثورية الراهنة ، تأكيداً للحق في تقويم اعوجاج الحكام و المسئولين ، منعاً للطغيان و الفساد و الاستغلال من أن يعود سيرته الأولى ،  وتحقيقاً للإصلاح السياسي و الاجتماعي و الدستوري ، الذي استهدفه الشعب من خلال ثورته المجيدة ، فإن تقريرهذا الحق و الواجب يعد أمراً مقضياً ، متعيناً إعماله .

 

سادساً :  من الأصول التي أصبحت محل اجماع ، و تواترت عليها الدساتيرالمصرية  ، و أكدها الإعلان الدستوري الصادربتاريخ 30/3/2011 ،  أن السيادة للشعب وحده ، و هو مصدر السلطات ، و يمارس الشعب هذه السيادة و يحميها ،  وكان المقررأن الشعب هو صاحب السلطة التأسيسية الأصلية ، تلك السلطة المتميزة عن سلطات الدولة المعروفة ، فهي سلطة لم تنظمها نصوص خاصة و لم تتلق اختصاصها بوضع الدستورمن نص صريح ، فهي تستطيع أن تتدخل لوضع دستورجديد  والبلاد خالية تماماً من أي نص دستوري ،  و هي تتدخل أيضاً لاسقاط نظام دستوري سابق و وضع نظام جديد ،  فالشعب في الأنظمة الديمقراطية هو صاحب السيادة ، تنبع منه سائر السلطات ، و سلطته أصلية لا تنبع من أحد ، فهو بحكم وضعه هذا هو الذي يملك أعلى السلطات في الدولة ، السلطة التأسيسية الأصلية ( د/ مصطفى أبو زيد فهمي – الدستورالمصري فقهاً و قضاءً – الطبعة التاسعة 1996 – ص 133 و ما بعدها ).

 

  و من المقرر كذلك في الفقه الدستوري أن البرلمان يأتي بالانتخاب من الشعب ، أي أن البرلمان في مجموعه يمثل الشعب ، باعتبارأن نيابة النائب عن الأمة هي وكالة جماعية تقدمها الأمة ككل إلى المجلس النيابي ككل ،   و يترتب على ذلك بالضرورة أن النائب ينوب عن الأمة بأسرها و ليس عن الدائرة الانتخابية التي فازفيها ،  و قد نص نص دستور1923 في المادة 91 منه على أن : "  عضو البرلمان ينوب عن الأمة كلها .... " ، و هذا ذات النص الوارد في المادة 86 من دستورسنة 1930 ، و إذا كان دستورسنة 1971 قد فاته أن ينص على ذلك فلأنه وجد أن هذا الأصل الدستوري أصبح يقوم في مصردون حاجة للنص عليه ( د/ مصطفى فهمي أبوزيد – المرجع السابق – ص 370 و ما بعدها ).

 

و ترتيباً على ذلك ، و لما كانت الأمة مصدر السلطات وصاحبة السيادة ، و كان البرلمان ينوب عن الأمة ، و كان ما سواها خاضعاً لها و منفذاً لما اتخذته سبيلاً لها في حاضرها ، فإن سحب البرلمان الثقة من الحكومة – و هي خاضعة للأمة و عاملة لحسابها – أمراً مقضياً ، حتى يتسنى للأمة ممثلة في نوابها مراقبة الحكومة عما أسند إليها تحقيقه  و تنفيذه .

 

و قد أكدت المحكمة الدستورية العليا على أن :

" أهم ما يميز الوثيقة الدستورية و يحدد ملامحها الرئيسية ، هو أن الحكومة خاضعة لمواطنيها و لا يفرضها إلا الناخبون ، و كلما اعاق القائمون بالعمل العام أبعاد هذه الحرية ، كان ذلك من جانبهم هدماً للديمقراطية في محتواها المقرر دستورياً ، و إنكاراً لحقيقة أن حرية التعبيرلا يجوز فصلها عن أدواتها ، و أن وسائل مباشرتها يجب أن ترتبط بغاياتها ، فلا يعطل مضمونها أحد ، و لا يناقض الأغراض المقصودة من إرسائها ، و ما الحق في الرقابة الشعبية النابعة من يقظة المواطنين المعنيين بالشئون العامة ، الحريصين على متابعة جوانبها ، و تقريرموقفهم من سلبياتها إلا فرعاً من حرية التعبيرو نتاجاً لها ".

(حمها الصادرفي الدعوى رقم 17 ق "دستورية " – جلسة 14/1/1995 )

 

أشرف سعد الدين عبده المحامي بالإسكندرية

01226128907



 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 1337 / عدد الاعضاء 62