( و حيث إنه فيما يتعلق بمدى امتداد آثاربطلان العقد إلى شرط التحكيم المنصوص عليه بالمادة العشرين من العقد ، في ضوء بطلان العقد و استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي وفقاً لنص المادة (23) من القانون رقم 27 لسنة 1994 بشأن التحكيم في المواد المدنية و التجارية التي تقضي بأن ( يعتبرشرط التحكيم اتفاقاً مستقلاً عن شروط العقد الأخرى ، و لا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثرعلى شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته ) ، فإن ذلك يتوقف على الطبيعة القانونية لعقد بيع أسهم شركة عمر أفندي ، و هل يعتبرعقداً مدنياً أم من العقود الإدارية .
و حيث إن المستقر عليه أن العقد الإداري يتميز عن العقد المدني أو التجاري من ثلاثة وجوه ، أولها : أنه عقد يبرمه شخص معنوي من أشخاص القانون العام ، و ثانيهما : أنه لا ينزل فيه عند إبرامه منزلة الأفراد و أشخاص القانون الخاص من بيع و إيجارو نحوه ، و لكنه يبرمه في إطار استخدامه لسلطته و ما نيط به من أمانة إدارة المصالح العامة و إنشاء المرافق العامة و تنظيمها و تسييرها ، أي يبرمه بمناسبة تصديه للشأن العام للجماعة و ممارسته لوسائط الرعاية و التنظيم و الضبط الذي ما قامت الأشخاص المعنوية العامة أو الهيئات العامة و ما تبوأت مكانتها في المجتمع على رأس الجماعة إلا للقيام به ، و ثالثها : أن يظهر الشخص المعنوي العام نيته في الأخذ بأسلوب القانون العام و أحكامه بتضمين القعد شروطاَ استثنائية غيرمألوفة في القانون الخاص .
و حيث إن عقد بيع 90% من أسهم شركة عمر أفندي قد جرى إبرامه مع الشركة القابضة للتجارة و هي شركة من شركات قطاع الأعمال العام فوضها وزيرالاستثمارفي اتخاذ إجراءات طرح الشركة للخصخصة و إجراءات إبرام عقد البيع نيابة عن الدولة مالكة رأس مال الشركة بالكامل ، و قد تمت إجراءات التفويض للشركة في إبرام العقد وفقاً لقراررئيس الجمهورية رقم 231 لسنة 2004 بتنظيم وزارة الاستثمار، و قراروزير الاستثماررقم 342 لسنة 2005 ، و من ثم فإن إبرام الشركة القابضة للتجارة للعقد موضوع النزاع جاء باعتبارها نائباً عن الدولة ، ممثلة في وزارة الاستثمار، و بتفويض منها وفقاً للقرارات سالفة البيان ، و بذلك يكون أحد أطراف العقد شخصاً من أشخاص القانون العام ممثلاً في وزير الاستثمارالذي فوض الشركة القابضة للتجارة في إبرام العقد نيابة عن الدولة ، و قد تعلق العقد بتسيير مرفق عام يتمثل في مرفق التجارة الداخلية وفقاً للبرنامج الذي قررته الدولة لإدارة الأصول المملوكة لها على النحو المبين بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1765 لسنة 2000 بتشكيل اللجنة الوزارية للخصخصة الصادربتاريخ 20/8/2000 ، وقراررئيس مجلس الوزراء رقم 1506 لسنة 2005 بشأن تنظيم حصيلة برنامج إدارة الأصول المملوكة للدولة ، و لا يعد هذا العقد بيعاً مما تنزل به الإدارة منزلة الأفراد العاديين ، متى كان يهدف إلى تسييرمرفق التجارة الداخلية لتلبية حاجات المواطنين من السلع الأساسية ، كما يهدف – بحسب ما ورد بديباجة بنود العقد – إلى استمرار النشاط التجاري للشركة المباعة و تطويره لخدمة جموع المواطنين و المحافظة على اسم المنشأة و العاملين فيها و حقوقهم و مزاياهم ، كما تضمن العقد شروطاً استثنائية غير مألوفة في مجال القانون الخاص ، منها حق الدولة ممثلة في الشركة المفوضة بإبرام العقد في ضمان المشتري لاستمرارية نشاط المرفق الاقتصادي و المحافظة عليه و تطويره و تحديثه و التزامه بإنفاق مبلغ قدره مائة و ثمانون مليون جنيه في ذلك التطويروفقاً لحكم كل من المادتين الحادية عشر و الرابعة عشرمن العقد ، و التزام المشتري بكافة حقوق العمالة الموجودة بالشركة في تاريخ 30/6/2005 و التزامه بتحمل تكاليف برنامج المعاش المبكرالاختياري المعمول به لدى البائع لعدد محدد من العمالة بتكلفة قدرها خمسون مليون جنيه ، و ألا يستغني عن ما يزيد على ستمائة عامل خلال سنوات محددة من التعاقد وفقاً للمادة الثانية عشر من العقد ، و عدم تغيير الاستخدام الصناعي لأراضي الشركة بمدينة نصرإلا وفقاً للضوابط القانونية الصادرة من السلطة المختصة وفقاً للمادة الخامسة عشر من العقد ، ثم حق الدولة ممثلة في الشركة القابضة للتجارة المفوضة في توقيع العقد في فسخ العقد في حالة إخلال المشتري بأي التزام من الالتزامات الواردة في المواد 11 ، 12، 13 ، 14 من العقد وفقاً للمادة التاسعة عشر من القعد ، و ترتيباً على ما تقدم يكون العقد المبرم بين الشركة القابضة للتجارة بصفتها مفوضاً من وزير الاستثمار لتمثيل الدولة المالكة لأموال شركة عمر أفندي و بين المستثمرالمذكوربشخصه و بصفته ممثلاً لشركة أنوال المتحدة هو عقد إداري تكاملت له جميع الشروط اللازمة للعقد الإداري .
و حيث إنه لا ينال من اعتبار العقد محل النزاع عقداً إدارياً ، القول بأن الأموال محل العقد ، أسهم شركة عمرأفندي ، من الأموال المملوكة للدولة ملكية خاصة ، متى تضمن العقد تصرفاً ناقلاً لملكية هذه الأموال ، عملاً بالتفرقة سالفة البيان التي تؤدي إلى اكتساب الدولة لملكية أموالها الخاصة و التصرف فيها بأي تصرف ناقل للملكية كالبيع أو الهبة أو مقيد لها كتقرير حق من الحقوق العينية الأصلية عليها كحق الانتفاع أو حق الارتفاق أو الحقوق العينية التبعية كالرهن الرسمي أو حقوق الامتياز ، و اعتبار هذه الأعمال أعمالاً إدارية ، و الأعمال التي بموجبها تمارس الدولة الحق في إدارة و استعمال و استغلال الأموال المملوكة لها ملكية خاصة و الانتفاع بها ، و لا يصدق عليها وصف الأعمال الإدارية .
و حيث إن الفقرة الثانية من المادة 1 من القانون رقم 27 لسنة 1994 بشأن التحكيم في المواد المدنية و التجارية المضافة بالقانون رقم 9 لسنة 1997 تنص على أنه ( و بالنسبة إلى منازعات العقود الإدارية يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزيرالمختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة ، و لا يجوز التفويض في ذلك ).
و تنص المادة (11) من ذات القانون على أنه ( لايجوز الاتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه ...... ).
و حيث إن مفاد ما تقدم أن الأصل هو عدم جواز التحكيم في منازعات العقود الإدارية ، و أن ( موافقة الوزير) على شرط التحكيم في منازعات العقود الإدارية هي شرط جوهري يترتب على تخلفه بطلان الشرط ذاته ، فقد أرود تقريرلجنة الشئون الدستورية و التشريعية أن تلك الموافقة (وجوبية ) و أنها لا تكون إلا من (الوزيرالمختص ) أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة ، و حدد التقرير الأشخاص الاعتبارية العامة التي تتولى اختصاص الوزير بأنها ( الأشخاص الاعتبارية العامة التي لا تتبع الوزير كالجهاز المركزي للمحاسبات ) و ليست الهيئات العامة التي تتبعه ، و إحكاماً لضوابط الالتجاء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية حظر المشرع التفويض في ذلك الاختصاص ، فلا يباشره إلا من أوكل له القانون هذه المهمة ، إعلاءً لشأنها و تقديراً لخطورتها ، ولاعتبارات الصالح العام ، و باعتبارأن الوزيريمثل الدولة ( تقريرلجنة الشئون الدستورية و التشريعية المقدم إلى رئيس مجلس الشعب بتاريخ 21/4/1997 ).
و حيث إن البين مما تقدم أن موافقة الوزيرالمختص على شرط التحكيم في منازعات العقود الإدارية بالتطبيق على المنازعة الماثلة تحكمها ضوابط تشريعية لا فكاك منها :
أولها : أن موافقة الوزير المختص الممثل للدولة في وزارته هي موافقة من النظام العام لا يصح شرط التحكيم في منازعات العقد الإداري إلا بوجودها بضوابطها المقررة قانوناً ، و بتخلفها على أي نحو يبطل الشرط و يصير عدماً لا تتغيربه ولاية أو اختصاص و يبطل كل إجراء حال تخلف تلك الموافقة .
و ثانيها : أن الوزيرالمختص وحده دون غيره هو المنوط به الموافقة على شرط التحكيم المشارإليه بالنسبة لوزارته و الهيئات العامة و الوحدات الإدارية التابعة له سواء تمتعت تلك الهيئات العامة بالشخصية الاعتبارية أو لم تتمتع بها ، أما الأشخاص الاعتبارية العامة التي تتولى اختصاص الوزيرفهي ليست من الهيئات العامة أو الوحدات الإدارية التي تتبع الوزير، و إنما هي الأشخاص الاعتبارية العامة التي لا تتبع وزيراً بذاته كالجهاز المركزي للمحاسبات ، ذلك أن الهيئات العامة التابعة للوزيرلا تستقل عنه ، و إنما تخضع لإشرافه عليها و مع رئيس وافقته و اعتماده لقراراتها أو رفضها بوصفه السلطة الوصائية على تلك الهيئات ، و من ثم لا يغني عن موافقة الوزيرالمختص على شرط التحكيم في منازعات العقد الإداري توقيع رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة التابعة له على العقد أو اتفاق التحكيم أو المفوض منه في توقيع العقد ، فلئن جاز التفويض في بنود العقد الإجرائية و الموضوعية فإنه لا يجوز التفويض في التوقيع أو الموافقة على شرط التحكيم ، و من ثم فلا اختصاص قانوني لأي من هؤلاء في ذلك و لا جواز لتفويض لهم أو لغيرهم في هذا الاختصاص .
و ثالثها : أن الخطاب التشريعي بمضمون القاعدة القانونية موجه لطرفي التعاقد ممن رغبوا في إدراج شرط التحكيم في منازعات العقود الإدارية المبرمة بينهما ، فليس لطرف أن يلقي بعبء التأكد من تحقق الموافقة على الطرف الاخر، و إنما على كليهما السعي لوضع الشرط المتفق عليه فيما بينهم موضع التطبيق ، و إلا كان ذلك تقاعساً عن تلبية الخطاب التشريعي ، و انصياعاً و قبولاً للاختصاص الأصيل للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع .
و حيث إنه متى كان ما تقدم جميعه ، و كان العقد المقضي ببطلانه تبعاً لبطلان و انعدام إجراءات بيع شركة عمرأفندي قد تضمن في المادة العشرون منه شرطاً للتحكيم بين الطرفين في أي نزاع ينشأ عن العقد أو يتعلق به ، و كان هذا الشرط لم ينل موافقة الوزير المختص و هو وزير الاستثمار ، بغير خلاف في ذلك بين جميع أطراف العقد و أطراف الدعوى الماثلة ، و إنما وقعها رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للتجارة و العضو المنتدب ، و من ثم يكون شرط التحكيم المشارإليه قد وقع باطلاً بطلاناً مطلقاً لا أثر له و يكون هو والعدم سواء ، و ما يترتب على ذلك من آثار.
و حيث إنه و عن أثر الحكم الماثل على تمتع المستثمربالحقوق المقررة باتفاق التعاون الاقتصادي و التجاري الاستثماري و الفني بين حكومتي جمهورية مصر العربية و المملكة العربية السعودية بالرياض بتاريخ 13/3/1990 و الصادربها قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 208 لسنة 1990 ، فإن ذلك الاتفاق لم يتضمن تحديداً لأسلوب فض المنازعات بين المستثمرو الدولة ، و من ثم يكون القضاء هو صاحب الولاية في الفصل في المنازعات الناشئة عن ذلك الاتفاق ، كما أن حكومة جمهورية مصر العربية قد التزمت بجميع بنود الاتفاق المشارإليه في التعاون المشترك مع المستثمر، الذي أخل بالتزاماته في عرضه الفني و المالي و في تنفيذ التزاماته العقدية حيال استمرارية النشاط و حيال تطويره و تحديثه و حيال الحفاظ على حقوق العمالة و مزاياها ، و ما أسفر عنه ذلك الإخلال من خسائر فادحة لم تصب الشركة محل البيع فحسب ، و إنما أصابت الاقتصاد المصري في الصميم ، وحمل المنشأة بالديون و القروض و باع بغير سند من القانون جانب من حصص الشركة ، ثم رهن فروع الشركة للبنوك ، و غيرها مما يخل بالتزاماته ليس بالعقد المشارإليه فحسب ، و إنما باتفاق التعاون الاقتصادي و التجاري و الاستثماري و الفني المبرم بين جمهورية مصر العربية و المملكة العربية السعودية ، و ليس من شك في أن المستثمرالحق هو من يسهم في تنمية المجتمع الذي يستثمرأمواله فيه و يعمل على النهوض بالمشروع المكلف بتنميته و تطويره و ليس فقط تنمية أمواله و استثماراته على حساب التعاقدات التي التزم بها .
و حيث أنه لا ينال مما تقدم ، أن تكون كل من جمهورية مصر العربية و المملكة العربية السعودية قد انضمتا إلى الاتفاقية الخاصة بتسوية المنازعات الناشئة عن الاستثماربين الدول و رعايا دول أخرى الموقع عليها بواشنطن بتاريخ 11 فبراير1972 و التي عمل بها اعتباراً من 2 يونية 1972 و بالنسبة للمملكة العربية السعودية بتاريخ 7يونية 1980 ، ذلك أن الاختصاص المعقود للمركز الدولي لتسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمار المنصوص عليه في المادة (1) من الاتفاقية بنظرأية طلبات للتحكيم الدولي عن أية خلافات قانونية تنشأ مباشرة عن استثماربين دولة متعاقدة و بين مواطن دولة أخرى متعاقدة وفقاً للمادة (25) من الاتفاقية لا يتحقق إلا إذا وافق طرفي النزاع " كتابة " على تقديمها للمركز ، فإذا أعطى الطرفان موافقتهما لا يحق لأي منهما أن يسحب تلك الموافقة دون قبول الطرف الآخر، و الثابت أن أي من طرفي التعاقد حول بيع و شراء شركة عمر أفندي لم يعط موافقته " كتابة " على تقديم منازعتهما عن هذا العقد للمركز الدولي لتسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمارالمنصوص عليها في المادة (1) من الاتفاقية ، بل العكس من ذلك فق اتفق الطرفان على اللجوء عند النزاع إلى التحكيم المحلي الذي ثبت بطلانه للسبب السالف بيانه ، كما أنه وفقاً لحكم المادة (26) من الاتفاقية ذاتها تعتبر موافقة الأطراف على التحكيم في ظل هذه الاتفاقية موافقة على استبعاد أي علاج آخر مالم ينص على خلاف ذلك ، و من ثم فقد تخيرالمتعاقدان التحكيم المحلي مستبعدين التحكيم الدولي المنصوص عليه في الاتفاقية الخاصة بتسوية المنازعات الناشئة عن الاستثماربين الدول و رعايا دول أخرى ، فضلاً عن أن طرفي التعاقد متمثلين في كل من جمهورية مصر العربية و المملكة العربية السعودية قد اتفقا في تاريخ لاحق لتاريخي دخول الاتفاقية المشار إليها حيز النفاذ في 2/6/1972 و 7/6/1980 ، على إبرام اتفاق التعاون الاقتصادي و التجاري و الاستثماري و الفني بين حكومتي جمهورية مصر العربية و المملكة العربية السعودية الموقع بالرياض بتاريخ 13/3/1990 و الصادربها قراررئيس الجمهورية بالقانون رقم 208 لسنة 1990 ، دون تضمين ذلك الاتفاق نصوصاً تلزم طرفي التعاقد أو طرف منهما باللجوء إلى التحكيم الدولى أو المحلي ، و من ثم تظل أمور تصفية آثار عقد بيع شركة عمر أفندي و استحقاقات كل طرف من اختصاص القضاء المصري صاحب الولاية المقررة دستوراً و قانوناً و يسقط الإدعاء بوجود أي سبيل للجوء للتحكيم المحلي بعد ثبوت بطلان شرط التحكيم وفقاً لحكم الفقرة الثانية من المادة (1) من القانون رقم 27 لسنة 1994 بشأن التحكيم في المواد المدنية و التجارية المضافة بالقانون رقم 9 لسنة 1997 ، كما يسقط أي إدعاء بأي اختصاص للتحكيم الدولي سواء وفقاً الاتفاقية الخاصة بتسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمار بين الدول و رعايا دول أخرى ، الموقع عليها بواشنطن بتاريخ 11 فبراير 1972 و التي عمل بها اعتباراً من 2 يونية 1972 ، أو وفقاً لاتفاق التعاون الاقتصادي و التجاري و الاستثماري والفني بين حكومتي جمهورية مصر العربية و المملكة العربية السعودية الموقع بالرياض بتاريخ 13/3/1990 و الصادربها قراررئيس الجمهورية بالقانون رقم 208 لسنة 1990 .
و حيث إنه ولئن كانت العولمة دافعاً لخصخصة الشركات و الملكية العامة في مصر، فإن هذه المحكمة و قد هالها ما انطوت عليه الدعوى من معالم الفساد الذي عاث في أملاك الدولة و أموالها فاستباحها و أهدرها، لتنوه إلى فساد جد خطيرصاحب تنفيذ صفقة بيع شركة عمر أفندي ، ألا و هو تمويل الجهات الأجنبية لقرارات الخصخصة في مصر و التي كانت خير شاهد على التدخل السافر في الشئون الاقتصادية الداخلية للبلاد و رشوة القائمين على الخصخصة من اموال المنح و الهبات المشروطة للمساس بسيادة الوطن و تحقيق غايات الخصخصة دون النظر لأية اعتبارات اجتماعية ، و يبين ذلك من خلال الإطلاع على ( تفاقية منحة مشروع الخصخصة بين حكومتي جمهورية مصر العربية و الولايات المتحدة الأمريكية ) – ممثلة في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية – الموقعة بالقاهرة بتاريخ 30/9/1993 و الصادربالموافقة عليها قرار رئيس الجمهورية رقم 534 لسنة 1993 ، و التي حظيت بموافقة مجلس الشعب بتاريخ 8/3/1994 و تصديق رئيس الجمهورية بتاريخ 12/3/1994 و نشرت بالجريدة الرسمية بقرار وزير الخارجية رقم 39 لسنة 1994 بتاريخ 5/5/1994 و تم العمل بها اعتباراً من 30 /9/1994 ، و قد أوردت الاتفاقية أن هدفها مساعدة الممنوح ( جمهورية مصر العربية ) في تنفيذ برنامجه للخصخصة من خلال التطوير المؤسسي و تقديم المساعدة لبيع مشروعات و أصول عامة تبلغ 150 مشروعاً و أصل من الأصول الكبيرة التي تمتلكها الحكومة المصرية ، و أن المشروع سيوفر الخبرات و تنمية قدرات مكتب قطاع الأعمال العام و الشركات القابضة و بنوك الدولة لتنفيذ المهام الخاصة بالخصخصة ، و سوف يتطلب المشروع تمويلاً من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية قدره ( 35 ) مليون دولار أمريكي ، و أن المشروع سيركز على تمويل خمسة مجالات رئيسية ، أولها ( الترويج للبرنامج ) ، و ثانيهما ( التطويرالتنظيمي ) ، و ثالثها ( المبيعات ) بتوفيرخدمات للشركة القابضة عن طريق مكتب قطاع الأعمال العام و لبنوك الدولة عن طريق البنك المركزي المصري لتقييم صلاحية العناصر المرشحة للخصخصة للعرض في السوق و المساعدة في المهمة الملحة الخاصة ببيع هذه العناصر، ورابعها ( تطويرالأدوات المالية ) ، و خامسها ( تدعيم اتخاذ القرار) ، و تطبيقاً لاستعمال تلك المنح فقد تم إجراء مناقصة للترويج للصفقة لم تسفرعن تعدد للمتقدمين للمزايدة ، بل أسفرت عن متقدم وحيد ، سعياً للاستفادة من اتفاقية منحة مشروع الخصخصة بين حكومتي جمهورية مصر العربية و الولايات المتحدة الأمريكية المشار إليها ، و لقد ثبت بمحضر مجلس إدارة الشركة القابضة بتاريخ 6/12/2005 تعيين مروج لعملية بيع عمر أفندي من خلال ممارسة محدودة ، بقبول العرض المقدم من البنك الأهلي المصري كمروج مشارك للترويج لعملية بيع أسهم شركة عمر أفندي بمقابل أتعاب قدره 25ر1 % من إجمالي قيمة الصفقة بدلاً من 2% بما يساوي( 8720ر5 مليون جنيه ) خمسة ملايين و ثمانمائة و اثنان و سبعون ألاف جنيه ، فلم يسفر الترويج سوى عن عرض وحيد مليئ بالتحفظات المخالفة للقانون .
و قد أديرت مسئوليات تنفيذ الخصخصة بواسطة ( مكتب الشئون المالية و الاستثمارالتابع لإدارة التجارة و الاستثماربالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ) و هي جهة اجنبية تحكمت تماماً في المسئوليات الخاصة بالتنفيذ ، و عن أسلوب المساعدة في عملية البيع نص الملحق رقم (1) من الاتفاقية على أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ستبرم عقداً لمساعدة الحكومة المصرية في عملية البيع مع كونسورتيوم من بنوك أعمال أمريكية يديره بنك أمريكي واحد ، و سيوفر العقد مجموعة من الحوافز للمقاول لتنفيذ و متابعة عمليات البيع في مصر، و نظم عمليات الدفع عند التوصل إلى اتفاق بين ( السلطة المختصة بالخصخصة في الحكومة ) سواء الشركة القابضة أو مكتب قطاع الأعمال العام أو بنك الدولة مع مقاول خدمات القيام بالبيع ، كما تبرم عقوداً مستقلة مع الحكومة المصرية تشمل هياكل أتعاب محددة سلفاً تبعاً للنجاح أو الإخفاق و أتعاب ( المفاوضات المعلقة بعملية البيع ) ، و منحت الاتفاقية للجانب الأمريكي (الوكالة ) حق المتابعة و المراجعة و التقييم بالاشتراك بصفة منتظمة مع موظفي مكتب قطاع الأعمال العام و الشركات القابضة ، و كذلك عن طريق ( التقارير) و خولت الجانب الأمريكي حق ( تحديد القيود على استمرار الحكومة المصرية في عملية التخصيصية ) (البند رابعاً من المحلق رقم 1 ) ، و أشارت الاتفاقية إلى أنها تضع في اعتبارها مساهمات الحكومة المصرية المقررة لذات الغرض التي تبينتها من توفيرالحكومة المصرية لمبلغ 23 مليون جنيه لصالح مكتب قطاع الأعمال العام من حساب الباب الثالث من ميزانية الحكومة المصرية عن السنة المالية 1992 /1993 ( البند سادساً من الملحق رقم 1 من الاتفاقية ) و ما تلاها من ميزانيات ، ثم أشارت الاتفاقية في ختام الملحق رقم 1 منها إلى ( التزام الحكومة المصرية بتقديم تقارير سنوية إلى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عن عدد المشروعات العامة و العناصرالمرشحة للخصخصة التي تم بيعها بنجاح نتيجة لبرنامج التخصيصية و عمليات البيع التي تضمنت مساعدة قطاع الأعمال العام عند إتمام كل عملية من عمليات البيع و بقيمة أتعاب النجاح المدفوعة ) ، و أورد الملحق رقم 2 من الاتفاقية بعض أحكام الشراء من المنحة فأوجب على الحكومة المصرية عند تمويلها لسيارات من المنحة أن تكون من صنع الولايات المتحدة الأمريكية ، و أن يكون النقل الجوي الممول من المنحة للملكية أو الأشخاص و أمتعتهم الشخصية على ناقلات تحمل علامة الولايات المتحدة الأمريكية .
و على ذلك فإن عمليات الخصخصة و منها خصخصة شركة عمر أفندي قد دارت بإشراف و رقابة و تمويل جهات أجنبية و وفقاً لتعليماتها و توجيهاتها ، و أسهمت أموال المنحة في الرغبة الجامحة لإتمام الخصخصة في أسرع وقت و على أي نحو بلوغاً لاستفادة المبالغ المحدد بالمنحة و تجنب ما قد يسمى الإخفاق الذي من شأنه استرداد ما عساه قد صرف من تلك المنحة الأمر الذي ما كان ينبغي على مجلس الشعب الذي كان يمثل الأمة أن يوافق على مثل تلك المنحة الماسة بسياد ة الدولة و التدخل في شئونها الداخلية ، و هو ذات ما كان يتعين معه على رئيس الجمهورية ألا يوافق عليها ابتداءً في 28/12/1993 مع التحفظ بشرط التصديق ثم يتولى التصديق على الاتفاق في 12/3/1994 .
و حيث ان المحكمة وهي تؤدي رسالتها القضائية قد تكشف لها ماتقدم من إهدار جسيم للمال العام و تجريف لأصول الاقتصاد المصري تم تحت قيادة العديد من الوزارات لأكبر عمليات تخريب للاقتصاد المصري و هي جرائم جنائية – إن ثبتت بعد تحقيقها – فضلاً عن كونها تمثل فساداً إدارياً يستوجب المساءلة ، و عملاً بحكم المادة (25) من قانون الإجراءات الجنائية التي أوجبت على كل من علم بوقوع جريمة يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب أن يبلغ النيابة العامة أو أحد مأموري الضبط القضائي عنها ، و المادة (26) من القانون ذاته التي أوجبت على كل من علم من الموظفين العموميين أو المكلفين بخدمة عامة أثناء تأدية عمله أو بسبب تأديته بوقوع جريمة من الجرائم يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب ، أن يبلغ عنها فوراً النيابة العامة ، أو أقرب مأمور من مأموري الضبط القضائي ، فإن المحكمة تعتبرحكمها القضائي هذا بلاغاً لكل جهات التحقيق بالدولة ، للنيابة العامة ، و نيابة الأموال العامة ، و إدارة الكسب غير المشروع ، و النيابة الإدارية ، لتتخذ كل جهة حيال هذا الأمر ما أوجبه القانون و ما يقي البلاد شر الفساد .
و حيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملاً بحكم المادة (184/1) من قانون المرافعات المدنية و التجارية .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
أولاً : بقبول تدخل كل من على أنورعطية الصعيدي ، محمد أحمد لبيب عبد الرحمن ، على البسيوني شبكة ، خصوماً منضمين إلى المدعي في طلباته .
ثانياً : بقبول الدعوى شكلاً ، و في الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه ، مع يترتب على ذلك من آثار، أخصها بطلان عقد بيع 90 % من أسهم شركة عمر أفندي المبرم بين الشركة القابضة للتجارة و جميل عبدالرحمن محمد القنبيط ، و بطلان شرط التحكيم الوارد بالمادة العشرين من العقد المشارإليه ، و إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد ، و استرداد الدولة لجميع أصول و فروع الشركة و كافة ممتلكاتها المسلمة للمشتري مطهرة من كل الرهون التي سبق أن أجراها المشتري ، و إعادة العاملين إلى سابق أوضاعهم السابقة مع منحهم كامل مستحاقتهم و حقوقهم عن الفترة منذ إبرام العقد و حتى تاريخ تنفيذ هذا الحكم بكامل اجزائه ، و تحمل المشتري وحده كامل الديون و الالتزامات التي رتبها خلال فترة نفاذ العقد ، و بطلان بيع المستثمر لنسبة 5% م رأس مال الشركة إلى مؤسسة التمويل و ما يترتب على ذلك من آثار، و ذلك على النحو المبين بالأسباب ، و ألزمت المدعى عليهم الأول و الثاني و الثالث و الرابع و التاسع المصروفات ).
و هكذا ينتهي الجزء الرابع و الأخير و به تنتهي الأسباب الكاملة لحكم القضاء الإداري ببطلان بيع شركة عمر أفندي ، و الحمد لله رب العالمين .
أشرف سعد الدين المحامي بالإسكندرية