يحدث في الواقع كثيراً قيام البعض أثناء عمليات البناء و إعداد الأماكن السكنية وغير السكنية ، باستهلاك المياه العمومية عن طريق غير مشروع و بدون التعاقد مع الجهة القائمة على ذلك ، إلى أن يقوم بتركيب عداد المياه وفقاً للأجراءات المقررة في هذا الشأن ، وهذا المسلك يتم تكييفه على أنه يشكل جريمة سرقة استهلاك مياه ، و قد يتم اكتشاف الأمر، و الأصل حينئذ أن تتخذ الأجراءات الجنائية ضد الفاعل ، إلا أن الواقع العملي لا ينحو هذا المنحى ، حيث تكتفي الجهة الإدارية المسئولة بحساب الشخص المسئول عن هذا الاستهلاك بقيمة ثابتة ، و عن فترة سابقة مدتها خمس سنوات ، إلى حين تركيب عداد المياه الخاص به ، و قد ثار النزاع حول مدى قانونية هذا الحساب الثابت ذي الأثر الرجعي ، و وصل الأمر إلى التقاضي بشأنه ، ليحسم القضاء الإداري و على رأسه المحكمة الإدارية العليا هذا التنازع لصالح الجهة الإدارية ، و هاكم تفصيلات هذا الحكم و أسبابه :
قضت المحكمة الإدارية العليا في ذلك بأن :
" ... و بعد أن استوفت الدعوى إجراءاتها أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه تأسيساً على أنه " ثبت للحكم من أوراق الدعوى أن الهيئة المدعى عليها تيقنت من قيام المدعية بسرقة استهلاك المياه و تزويد العقار – موضوع التداعي – بذلك ، و استعاضت عن تحريك الدعوى الجنائية ضدها إزاء هذه الجريمة ، على ما جرى يه العمل بالهيئة تيسيراً على المواطنين ، و قبلت التعاقد معها مع محاسبتها عن هذا الاستهلاك لمدة خمس سنوات سابقة بأثر رجعي بربط ثابت عن الوحدات الكائنة بهذا العقار ، و قد وافقت المدعية و أضحى الاستهلاك للمياه بصفة علنية ، و زال الاستهلاك خلسة بطريق السرقة ، و أبرم في هذا الشأن عقد بين المدعية و الهيئة المدعى عليها ، كما تعهدت على قبول التعامل بالربط الثابت لحين تركيب عداد مبيناً للاستهلاك الفعلي والحقيقي ، و إلى هذا الحين تبقى المدعية ملتزمة بما تعهدت به دون إكراه أو إذعان و دون أحقيتها في استعجال مرفق المياه لتركيب عداد لحساب الاستهلاك الفعلي ، و إنما يبقى الأمر خاضعاً للوقت الذي يراه المرفق ملائماً وفقاً لاعتبارات حسن سيره بانتظام و اطراد ، لاسيما كفايته المالية في طرح مناقصة لتوريد عدادات حساب الاستهلاك الفعلي ، و من ثم إذا كان الثابت من أوراق الدعوى إخلال المدعية بالالتزام بأداء قيمة الاستهلاك وفقاً للربط التقديري الثابت بحسب المتفق عليه و كان العقد شريعة المتعاقدين .. فإنه و الحال كذلك تكون الدعوى المطروحة خلواً من السند المبرر لها قانوناً ، على نحو لا ينال من ذلك ما انتهى إليه تقرير الخبير المودع بحساب قيمة استهلاك المدعية بمبلغ 510 جنيهاً تأسيساً على أنه و قد تم حساب قيمة الاستهلاك بمبلغ معين مقطوع فلا يجوز المجادلة في حسابها بحسب الاستهلاك الفعلي ....
و من حيث إنه عن موضوع الطعن فإنه من الأصول المسلمة في المادة 147 من القانون المدني أن العقد شريعة المتعاقدين ، و يتعين تنفيذ العقد في جميع ما اشتمل عليه و بحيث لا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين أو الأسباب التي يقررها القانون .
و لما كان الثابت من الأوراق أن الطاعنة سبق أن قامت بسرقة استهلاك المياه لعقارها موضوع التداعي ، و لما تم اكتشاف أمرها قبلت التعاقد مع الشركة المطعون ضدها شريطة محاسبتها عن الاستهلاك لمدة خمس سنوات سابقة بأثر رجعي و بربط ثابت لحين تركيب عداد يبين الاستهلاك الفعلي و الحقيقي و ذلك بدلاً من اتخاذ الإجراءات الجنائية ضدها ، و من ثم فإن إخلال الطاعنة بأداء قيمة الاستهلاك وفقاً للربط الثابت طبقاً للعقد و منازعتها للشركة المطعون ضدها يغدو مفتقداً السند المبرر له قانوناً على نحو ما ذهب إليه و بحق الحكم المطعون فيه ، و دون أن ينتقص من ذلك ما ذهب إليه الخبير من محاسبة الطاعنة على أساس الاستهلاك القعلي بواقع عشرة جنيهات شهرياً ، و ذلك لمخالفته ما التزمت به الطاعنة بموجب العقد المبرم مع الهيئة من ناحية و لعدم معقولية تقدير الخبير بالنسبة للعقار و ما يضمه من شقق سكنية تابعة له و ورشة بلاط تعتمد في نشاطها بالكامل على المياه.
و من حيث إن الحكم المطعون فيه إذ خلص إلى هذه النتيجة فإنه يكون قد صدر وفق صحيح حكم القانون ، و يكون الطعن عليه مفتقداً صحيح سنده من الواقع أو القانون خليقاً بالرفض . " الطعن رقم 4068 لسنة 48 ق – جلسة 9/5/2009 .
أشرف سعد الدين
المحامي بالإسكندرية
0126128907