عندما عصفت الأزمة المالية الأخيرة بالنظام المالي والمصرفي العالمي وفي قلبه النظام المصرفي الأمريكي ، تصور البعض – متمنياً- أنه قد حانت نهاية النظام الرأسمالي بعد إعلان فشله! ، وامتلأت صفحات الجرائد وشاشات التليفزيون بفتاوي المحللين المنظرين بتأكيدات لهذا الأمر استناداً إلى ما رأوه اقتناعاً من الحكومة الأمريكية بحكمة وحصافة سياسة التأميم الإشتراكي كتلك التي جرت في مصر في الستينات من القرن الماضي !!! ... ولعمري ، ما كان أبعد هذه التحليلات والإستنتاجات عن القراءة الصحيحة للواقع.
فالهوة شاسعة بين الجريمة التخريبية الغبية التي ارتكبت في مصر وذلك الحل الرأسمالي العاقل المدروس الذي تم في امريكا....ونأخذ هنا شركة جنرال موتورز على سبيل المثال لا الحصر.
لقد كانت جنرال موتورز على شفا الإفلاس ، وان ذلك الإفلاس لو تحقق ، يؤدى إلى إغلاق مئات المصانع الأصغر التي تعتمد على توريد المكونات لها ، وما يترتب على ذلك من فقد مئات الآلاف من الوظائف . من هنا جاء التحرك من جانب الحكومة الأمريكية لأجل إنقاذ الشركة وضمان بقاءها على قيد الحياة ، وليس الغرض الإجرامي بقصد الإستيلاء على ملكية الشركة واغتصابها من أصحابها كما هو مفهوم التأميم على الطريقة المصرية البائدة!!
قامت الحكومة الأمريكية – بعد مفاوضات (رضائية ) مع إدارة الشركة وملاكها بعقد اتفاق (رضائي )- يقضي بضخ الحكومة لمليارات الدولارات في شرايين الشركة مقابل امتلاك الحكومة نصيباً في الشركة معادلاً لتلك الاموال.
وبالفعل نجحت عملية تعويم الشركة وبدأت الشركة في تحقيق الأرباح .... حققت الشركة أرباحاً صافية مقدارها 2 مليار دولار خلال الربع الثالث فقط من عام 20101 !!!
ويتم التحضير حالياً لطرح أسهم الشركة في البورصة ، ويتوقع أن تحقق الحكومة الأمريكية أرباحاً تقدر بحوالي 11 مليار دولار عندما تبيع أسهم حصتها في الشركة .
أي ان الحكومة الأمريكية في الواقع لم تؤمم الشركة كليا ولا جزئيا كما توهم البعض ، وإنما اتخذا قراراً استثماريا ناجحاً ، فاستثمرت حوالي أربعة مليارات دولار ( بقدر ما تسعفني الذاكرة) في تلك الشركة المتعثرة منذ اقل من عامين ، وعاد عليها ذلك الإستثمار بربح يعادل 11 مليار دولار!!!
إذاً المعادلة هي مكسب للجميع ..الشركة نجت من التعثر وانتعشت وربحت ومئات المصانع المعتمدة عليها نجت هي الأخرى من الخراب والإفلاس ، واحتفظ مئات الآلاف من العمال بوظائفهم ، واستفاد الإقتصاد الأمريكي من بقاء هذا الصرح الصناعي ... أما في تأميمات اشتراكية النهب والخراب فالجميع خاسر ، الشركات استولى عليها اللصوص وخربوها ، وأصحابها ماتوا بحسرتهم أو تركوا مصر لتستفيد بكفاءتهم وخبراتهم دول اخرى لا يحكمها الحقد والرغبة في التخريب ، وفقد العمال مرتباتهم المجزية في الشركات التي كانت رابحة ، وخسر الإقتصاد القومي تلك الشركات ... إذاً المعادلة عندنا كانت خراب في خراب في خراب.
ولا زال البعض يحن لاشتراكية الخراب ويبشر بفشل الرأسمالية!