اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
hmohandes
التاريخ
6/17/2010 1:29:29 PM
  الطريق إلى تكميم الأفواه وتحويل القضاء إلى كهنوت      

كما نقرر دائماً، يجب تكريس هيبة القضاء والثقة في أحكامه والإلتزام بتنفيذها ، بوصف ذلك الأمر من مستلزمات أي مجتمع متحضر مستقر.
إلا أن البعض مع بالغ الأسف اختلط عليه الأمر نتيجة تكرار للشعارات ففهمها على نحو سطحي دون إدراك لمضمونها .فتناسى هذا البعض إن هيبة القضاء واحترامه والثقة في احكامه لا تنشأ ولا تستقر بمجرد ترديد شعار ولا حتى بالنص عليها في قانون ولا حتى في الدستور ذاته . هذه النتيجة لا تكون إلا مخاضاً لتاريخ من الممارسات العادلة والأداء المنضبط .
وكم من دولة بها قضاء لا يعترف به أحد على وجه الأرض ولا تكون لأحكامه أي قيمة ، ولا يحظى باي احترام في الداخل أو الخارج.
ودون ان نضرب أمثلة قد تكون جارحة ، نشير إلى أن هناك دولاً يصل الإحترام لقضائها حول العالم حداً لا يتصور معه أن يصدر من صديق أو عدو أي تشكيك في حكم صادر عنه وهذا ما نتمناه لقضائنا.
نحن نتمنى دائماً لقضائنا ان يكون مفخرة لنا ، وأن يكون نبراساً للعدالة.
وعن القضاء في مصر ، وطبقاً للدستور ، فهو احد السلطات الثلاثة ( التنفيذية والتشريعية والقضائية) – دعنا حالياً من مسمى السلطة الرابعة!!
ووصف القضاء بانه سلطة ، يبدو أنه ما يثير الخلط في أذهان البعض ، إذ ان مفهوم السلطة لا يخرجه من كونه احد مرافق الدولة مثله في ذلك مثل عناصر السلطة التنفيذية من وزارات ومصالح.
وكون القضاء احد مرافق الدولة ، يعني انه خاضع للسلطة العليا في الدولة ، سلطة الشعب، التي تستمد منها كافة مرافق الدولة سلطاتها ، وتمارسها في خدمة الشعب ، ويكون الشعب رقيباً عليها في اداء مهامها.
وما دام الشعب هو السيد ، وهو صاحب السلطة العليا ، فإنه يكون من حقه أن يراقب أداء كل سلطة في الدولة ومنها السلطة القضائية ، ومن حقه أن يطالع أحوالها وأدائها وأن ينتقد ما يراه إنحرافاً في الأداء ، وذلك يمقتضى الحق الدستوري المقرر بالمادة رقم 47 التي تنص على { حرية الرأى مكفولة , ولكل إنسان التعبير عـن رأيه ونشره بالقـول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك مـن وسائل التعبير فــى حـدود القانـون , والنقد الذاتى والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطنى .}
النص واضح وصريح ولا يستثني الأحكام القضائية ولا أي عمل صادر عن أي جهة قضائية !!
وبالتالي يكون القول بتجريم التعليق على الأحكام بمثابة مصادرة غير مشروعة لحق كفله الدستور بوصف ممارسته ضمان لسلامة البناء الوطني لما يترتب عليه من كشف الفساد والإنحرافات لا التغطية عليها.
ودون ذلك نكون كمن يحول القضاء بالفعل من مرفق بالدولة وظيفته خدمة الشعب إلى كهنوت يعلو على المساءلة أو حتى مجرد إبداء الرأي.
لقد وصل الأمر بالبعض إلى التزيد والصعود درجة أعلى في مسار تكميم الأفواه ، إذ إنه بمناسبة حديث إذاعي عن غضب المحامين واعتراضهم على الإجراءات التي اتخذتها النيابة العامة بمناسبة التحقيق مع المحاميين بطنطا ، رد احدهم مهدداً ومتوعداً ، بان هذا الكلام – إبداء اي تعليق او اعتراض على إجراءات النيابة العامة – يعد تشكيكاً في النيابة العامة ، واسترسل قائلاً : إن هذا التشكيك جريمة معاقب عليها قانوناً!!!!!
وعليه فلنبشر جميعاً... لم يعد مجرد التعليق على أحكام القضاء جريمة ، وإنما أضيفت إليه مؤخراً من حيث لا نحتسب جريمة جديدة تسمى جريمة التشكيك في النيابة ... والبقية تأتي!!
هذا ما يردده البعض عندنا ، اما في الواقع ، فلا يعرف أي دستور أو قانون في أي بلد متحضر ، سلطة تعلو على المراجعة والمحاسبة والمساءلة بل تنتقد احكام القضاء وكذلك تصرفات النيابة العامة ولم نسمع مطلقاً عن تجريم شخص في أي بلد متحضر بتهمة التعليق على حكم قضائي أو على إجراء اتخذته النيابة العامة.
وفي هذا الشأن تقرر المحكمة الدستورية برئاسة عظيم القضاء المصري الدكتور عوض المر { يجب أن يكون انتقاد العمل العام من خلال الصحافة أو غيرها من وسائل التعبير وأدواته، حقاً مكفولاً لكل مواطن، وأن يتم التمكين لحرية عرض الآراء وتداولها بما يحول - كأصل عام - دون إعاقتها، أو فرض قيود مسبقة على نشرها وهى حرية يقتضيها النظام الديموقراطي،.... وتضيف المحكمة في عبارة رائعة على : ألا يفرض أحد على غيره صمتاً ولو بقوة القانون Enforced Silence .} ] دعوى 37 لسنة 11 ق دستورية [
هذا وتقرر وثيقة إصدار الدستور المصري ما نصه : { إن سيادة القانون ليست ضماناً مطلوباً لحرية الفرد وحسب ، ولكنها الأساس الوحيد لمشروعية السلطة في نفس الوقت }
وهنا نتوقف طويلاً عند هاتين العبارتين ( سيادة القانون ) و ( الأساس الوحيد لمشروعية السلطة)
فبدون سيادة للقانون – كما تقرر وثيقة إصدار الدستور فلا مشروعية للسلطة في الدولة ... أي بسقوط سيادة القانون تسقط المشروعية في الدولة!!! الكلام واضح وخطير لمن يعقل ويتأمل!!... مرة ثانية : بسقوط سيادة القانون تسقط المشروعية في الدولة!!!
وإذ نتحدث هنا عن سيادة القانون ، فأي قانون هذا الذي نعنيه ؟؟ .. وما معنى القانون؟؟ .. هل هو مجرد حبر أسود ينثره ترزية القوانين على أوراق تسمى تشريعات؟؟؟ ... وهل هو نصوص تحمل مسمى القانون ثم يصير تطبيقها انتقائياً وحسب الأهواء واعتبارات الوساطة والمحسوبية والمجاملة ؟؟
بالقطع لا ... تلك لا تحمل من القوانين إلا الشكل ولا علاقة لها - من حيث المضمون -بالقوانين التي يعرفها العالم المتحضر.. فالقانون .. أي قانون .... لكي يستحق هذا المسمى ، يجب إبتداء ان يستوفي شروط هذا المسمى بان يعبر عن قواعد مجردة عامة ، لا هي قواعد تفصيل لخدمة أو تكريس امتيازات لأشخاص او التنكيل بآخرين ، ولا هي قواعد نائمة كامنة تطبق على البعض احياناً وتتعامى عن البعض الآخر احياناً اخرى.
أي ان سيادة القانون تتطلب توافر – في المبتدأ – قوانين تستحق ان توصف بانها قوانين ، ثم يجب ان يكون تطبيقها آلياً من خلال عدالة معصوبة العينين لا تفرق بين زيد او عبيد.
وبالتالي فإن أي خلل أو قصور في توافر أي من هذين الشرطين يترتب عليه مباشرة سقوط ( سيادة القانون ) المشار إليها في وثيقة إصدار الدستور ... فيكون الأثر القانوني والدستوري والعملي الواقعي لهذا السقوط لسيادة القانون ، هو سقوط كل مشروعية في الدولة بل سقوط الدولة ذاتها بانتفاء مبرر وجودها!!!!!!
رأيت أن أعرض هذه القضية المنطقية بمناسبة من يرددون شعارات سيادة القانون وتطبيق القانون بشأن الازمة الحالية بين المحامين والقضاة ، وما أراها إلا أزمة ناشئة عن سقوط الثقة العامة في سيادة القانون بينما نحن نطالب بسيادة القانون بحق وبالشروط التي فصلناها عاليه.
ولو كانت هناك ثقة عامة في سيادة القانون في هذه الدولة ما نشأت تلك الأزمة ولا الأحداث التي تداعت إليها.
أعيدوا سيادة القانون .. نطالبكم بالعدالة معصوبة العينين ... يرحمكم الله!!
هشام المهندس 


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 1335 / عدد الاعضاء 62