العمالة الاجنبية في الخليج أصبحت قضية رأي عام، خاصة بعد أن كتب عنها عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالله دحلان، وطلب في مقاله بجريدة “الوطن” التروّي في القرار المتوقّع من قادة مجلس التعاون بتحديد إقامة (العامل) الأجنبي بخمس سنوات ، ومع التقدير للطرح والأبعاد التي أشار إليها في المقال علي الجانب الاقتصادي للشركات والمصانع وعلى الجانب الاجتماعي لأهمية السائقين والخدم للمواطنين، إلا إنني أحذر من جانب آخر غفل عنه الدكتور عبدالله وهو موضوع العمالة (الآسيوية) في الخليج التي تنمو بشكل مخيف ومؤثّر على عروبة الخليج. لقد كان عددهم في السبعينيات 150 ألف عامل ، واليوم 14 مليون عامل، والمتوقع في عام 2015م بــ 20 مليون مقابل 34 مليونا من مواطني الخليج، أي ما يعادل 39 في المائة من الآسيويين سوف يعيشون في وسط جزيرة العرب، وهنا لا تسأل كيف وقعنا في هذا المأزق؟ لأن القرار صادر من الأمة العربية الخليجية والأسباب محددة، وهي الأجور وكذلك حبنا للعمالة الأكثر خضوعاً وتنفيذاً للأوامر، وهذه مقدمتي للنقاش على توصية وزارة العمل الخليجية، وأسأل الله سبحانه أن تقر هذا التوصية في ديسمبر 2008م. كما أؤكد أن حماية المجتمع تنطلق من مبادرات أبنائه ومؤسسته المدينة تحت إشراف ومتابعة الحكومة، ولعل المبادرة التي وقّعت ما بين غرفة جدة وبين وزارة العمل في مبنى إمارة منطقة مكة لتوظيف العمالة الوطنية وتنظيم الاستقدام في المرحلة الأولى في محافظة جدة، هي أولى خطوات العمل المنظّم، وإن كان هناك من يراهن على فشلها. أقول إنها نظرة قاصرة من القطاع الخاص الذي اهتم بالاقتصاد، ومن المجتمع الذي لم يُعير اهتماماً بالأمن وديموغرافية السكان. الاتفاقية التي وقّعت في غرفة جدة جزء من حل شامل، وهي ليس لخاطر وزارة العمل أو لغرفة جدة، وإنّما لشباب الوطن الذي يتأمّل من المجتمع أن يتفاعل مع مبادرة مشتركة ما بين الحكومة وممثل القطاع الخاص للتقليل من العمالة الآسيوية. واستثني من مقالي العمالة العربية وأقول (اللهم) كثّرهم، وهي مناسبة لكي أكشف أسباب مقالاتي السابقة خلال الشهور الماضية عن الهوية الوطنية وحق الجنسية وحق الشباب في التأهيل المهني وآخرها مقالي عن ثورة الزنج في العهد العباسي، ومقالاتي لا تشبه المسلسل الأمريكي (LOST - الضائع) ولكنها مقالات تربط التاريخ القديم بالحاضر. وأُذكّر (المنتقدين) من يجعجع من أهل الحسب والنسب وأهل التاريخ والجغرافيا، بأن الوطن العربي الكبير الذي يمتد جغرافيًّا من المحيط إلى الخليج، كان يسكنه العرب بنسبة 98 في المائة وبعض الأقليات الدينية والقومية وبنسبة 2 في المائة، اما اليوم وفي لحظة مراجعة مع النفس وجدت الحكومات الخليجية نفسها في مآزق، صنعها المواطن الخليجي، تارة بالاستقدام غير المنطقي للهنود والبنقاليين، وتارة أخرى بتجاوز نظام العمل واستغلال تشغيل العمالة بنظام (الإتاوة)، والتي أدت الى قيام المظاهرات من العمالة الآسيوية في بعض دول الخليج، وقريباً سوف تظهر مشكلة أخرى حين تبدأ معالجة (المتخلفين) في السعودية. وللأسف فإن أدوات المعالجة اختلف اليوم لوجود ثلاثة متغيرات رئيسية وهي: أولاً: إن العمالة الآسيوية أصبحت تدرك تماماً أن تظاهراتها التي تمت في الكويت والإمارات والبحرين لم تعد معزولة عن باقي الدول الخليجية، وأن صوتها أصبح مسموعًا من جانب المنظمات المعنية بحقوق الإنسان. ثانياً: إن العمالة الآسيوية بدأت تكتسب نوعًا من التنظيم، وأصبحت تستطيع أن تشل من قدرة وزارة العمل ووزارة الداخلية بتعاملها مع المظاهرات كمجرد احتجاج طارئ، بل تأكد لهم بأن لهم حقوقًا أصبحت شبه مسلمة، منها حق العبادة وبناء الكنائس لجزء منهم وهو ما حصل في الإمارات والبحرين وقطر. ثالثاً: إن العمالة الآسيوية أصبحت قوة عددية، ففي السعودية يمثلون اليوم 60 في المائة من حجم العمالة الأجنبية وفي الكويت يمثلون 66 في المائة وفي الإمارات يمثلون 87 في المائة وفي سلطنة عمان 92 في المائة أما قطر والبحرين فيتجاوزون فيهما تعداد السكان الأصليين. هذا التزايد في حجم العمالة الآسيوية انعكس فعلياً من ناحية سياسية وثقافية وأمنية. وهنا لا حرج من أن أقتبس مقولة الكاتب الذي قال: “أتى العرب بالمماليك والعبيد لخدمتهم فانتهى العرب في آخر الأمر إلى مماليك وعبيد عندهم”، ولن أتعمّق أكثر في هذا الجانب حتى لا أنعت (بالعنصرية) وأهاجم في هذا الجانب ويترك أساس مقالي كالعادة، ولكن موضوع استقدام العمالة الآسيوية المفرطة لا يختلف كثيرا مع هذا الوصف التاريخي، ومنظمة حقوق الإنسان تستغل هذا الجانب، وأصبحت تدافع فقط عن حق العامل دون ذكر لحق صاحب العمل أو المجتمع الذي وفّر له فرصة العمل، لذلك أقول علينا التركيز والاهتمام بتطوير اللوائح النظامية لنظام العمل كل 5 سنوات حتى تتمشّى مع الأنظمة الدولية ولا نقع في صراع معها. ختاماً إن دول الخليج لا تعاني من نقص حاد في عمالتها الوطنية أكثر من نقص في ثقافة أبنائها للعمل المهني ( سباك، كهربائي، ميكانيكي، نجار، صيانة تكيف) خاصة للمتسربين من قطاع التعليم، بل المشكلة أن الخليجي يتفاخر بأنه عاطل ويردد (الحسود في عينه عود) ولا أدري من الذي يحسد العاطل عن العمل؟ إن ثقافة (العمل) مشكلة الأمة الخليجية وليس حكوماتها، وعلى القطاع الخاص وهو قائد وحارس المجتمع الاقتصادي أن يتفهّم دوره الوطني في الوقت الحاضر ، ويعلم أن مفاتيح عمل المواطن هو التدريب على رأس العمل والأجر المناسب
م
الانتقال السريع اختــــار