شهادة الشهود.
الشهادة في اللغة تأتي بعدة معاني:
1- البينة: وهي الدليل والحجة وسُميت بينة لأنها تفصل بين الحق والباطل وتأتي بمعنى المعاينة: شاهدت الشيء إذا عاينته()، والبينة "إسم لكل ما يبين الحق ويُظهره وسمى الرسول صلى الله عليه وسلم الشهود بينة لوقوع البيان بقولهم وإرتفاع الأشكال بشهادتهم"().
2- العلم: قال تعالى }شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {18}{ (آل عمران)، وتأتي بمعنى الخبر القاطع والحلف() ومنه قوله تعالى} وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ {8}{ (النور).
3- الحضور: لأن الشاهد يحضر بنفسه إلى مجلس القضاء ليدلي بشهادته().
والشهادة في اصطلاح الفقهاء هي:
1- "إخبار صدق لإثبات حق بلفظ أشهد بمجلس القضاء، فيخرج بذلك شهادة الزور لأنها إخبار بكذب، ويشترط لها العقل والبلوغ والولاية، وركنها هو اللفظ المتعلق بالأخبار"()، وجاء تعريفها أيضا بأنها الإخبار عما في يد غيره بأنه لغيره وليس له، وكل من أخبر أن ما في يد غيره من يشهد عليه هو لغيره الذي يشهد له فهو شاهد ().
2- "والشهادة مشتقة من المشاهدة، فالشاهد يُخبر بما شاهده ومنه قوله تعالى } فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه ُ{185}{( البقرة) أي علمه برؤية هلاله أو إخبار من رآه أو علمه بلفظ خاص" ().
3- "إخبار عن مشاهدة وعيان لاعن تخمين وحسبان" ().
والإخبار على ثلاثة ضروب: إما إخبار بحق للغير على آخر وهي الشهادة أو أخبار بحق للمخبر على آخر وهي الدعوى أو إخبار للمخبر على نفسه وهو الإقرار()، قال تعالى } وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ {106}{( المائدة)، فقد أضافها الله تعالى إلى نفسه تشريفاً وتكريماً لها وتعظيماً لأمرها ()، والشهادة قد تكون إلزام بحق الله تعالى من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنه قوله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ {8} { (المائدة)، وقد تكون في حقوق الناس كقوله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ.. {135} { (النساء)، وقد تكون شهادة على الناس لمعاصيهم ومخالفتهم أوامر الله تعالى وعدم ترك نواهيه ومنها قوله تعالى }وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا {143} { (البقرة) ().
أما تعريف الشهادة في القانون:
فهي "إثبات واقعة معينة من خلال ما يقوله أحد الأشخاص عما شاهده أو سمعه أو أدركه بحاسة من حواسه عن هذه الواقعة بطريق مباشر"() ، والشهادة هي إدلاء الشاهد بما لديه من معلومات حصل عليها عن طريق اتصاله بالواقعة التي يشهد بها عن طريق أحد حواسه ويكون ذلك أمام سلطة التحقيق()، وهذا ما يجعلها من إجراءات التحقيق، فإن كانت أمام سلطة الاستدلال فلا تعد من إجراءات التحقيق()، والشهادة قد تكون مباشرة نتيجة لإدراك الشاهد لما يشهد به بإحدى حواسه، فهي تعبير صادق عما تضمنه الإدراك الحسي للشاهد خاص بواقعة معينة قد يكون شاهدها أو سمعها أو وصلت إلى إحدى مداركه الأخرى بطريقة مباشرة، على أن يكون هذا التعبير مطابقاً ونقلاً لحقيقة الواقعة إلى المجلس القضاء، وأن يكون صادراً ممن تقبل شهادته بعد أدائه اليمين()، وقد تكون شهادة غير مباشرة تسمى بالشهادة السماعية أو الشهادة على الشهادة()، وقد اختلف الفقهاء في قبولها()، وهناك الشهادة عن طريق الشائعات التي تنصب على الرأي الشائع بين الناس()، وهي لا يحتج بها وإن كان بعض الفقهاء اعتبروها في إثبات الوفاة والزواج والنسب لأنها أمور مقصور حضورها على فئات وأشخاص معينين وهي قائمة على الاستفاضة().
وهناك أنواع أخرى من الشهادة سواء بالإنابة القضائية والشهادة بالقسامة والتي تدور بين وصفين أحدهما على أنها وسيلة للإثبات في جرائم القتل مجهولة الفاعل، والآخر بأنها نوع من الشهادات للإثبات والنفي، ويشترط فيها اللْوث وهي خمسين يميناً مبتدأة من أولياء الدم ضد من يتهمونه بأنه القاتل فيستحلون دمه عند الإمام مالك وعند الجمهور فيه الدية، فإن لم يحلفوا وُجهت اليمين إلى المتهمين فإن حلفوا صانوا دمائهم وعليهم الدية وهناك من يرى أن نكول أولياء الدم عن اليمين لا يوجهها إلى المتهمين ولكن الدية على بيت مال المسلمين، حتى لا يظل دم في الإسلام ()، ونستظهر من ذلك برؤيا عصرية أن القسامة تقلل من القضايا التي تحفظ لجهل فاعلها أو بما يسمى (ضد مجهول)، لأن دفع الدية فيه شفاء لنفوس أولياء الدم وإطفاء لغيظهم وغضبهم، إضافة إلى شعورهم بأن هناك من يهتم بأمرهم، وهذا دون إخلالٍ بدور الأجهزة الأمنية في متابعة البحث عن الجاني ليتم القبض عليه وتقديمه للمحاكمة لينال ما يستحقه من العقاب.
والأصل أن للخصوم الحق في طلب سماع من يشاءون من الشهود ويرون أنه مفيد لهم، ولكن الأمر يرجع إلى السلطة التقديرية للمحقق في إجابتهم لطلبهم أو ردهم حسب ما يظهر له من أهمية الشهادة وفائدتها لإظهار الحقيقة ().
وشهادة الشهود هي من منابع الأدلة، بل هي من طرق الإثبات المعتبرة لجميع الجرائم لاسيما الحدود والقصاص فلا يحكم بهما إلا بإقرار أو شهادة بعد توافر شروطهما وضوابطهما الشرعية، إلا أن عدم اكتمال هذه الشروط والضوابط لا يحول دون عقاب المتهم ()، ويشترط في الشاهد أن يكون أهلاً للشهادة ومع ذلك قد تتوافر فيه شروط الأهليه ويمنع من أداء الشهادة لوجود سبب من أسباب عدم الصلاحية، فالقاضي لا يمكنه الجمع بين صفتي قاضي وشاهد في واقعة وآن واحدة، وأيضاً شهادة المتهم على غيره من المتهمين بنفس الواقعة()، ويسمع المحقق الشاهد فإن تعددوا يمكنه التفريق بينهم كما يمكنه مواجهتهم مع بعضهم البعض، أو مع أحد المتهمين لأن ذلك أدعى للتوصل إلى أدلة لإثبات الواقعة()، وعلى المحقق واجب تدوين الشهادة والتوقيع عليها مع الشاهد والكاتب ()، وعليه أيضاً أن يدوِّن معلومات كاملة عن الشهود ببيان أسمائهم وألقابهم وأعمارهم ومهنهم ووظائفهم، مع اعتبار أهمية عدم الكشط أو الشطب أو الحشر أو ما يدل على التغيير في الكتابة إلا بعد مصادقة الشاهد والكاتب والمحقق على ذلك()، وإن كان الشاهد مريضاً أو حال دون حضوره حائلاً يُعذر معه فيمكن سماع شهادته في مكان وجوده().