بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الموضوع ارى اهميته تكمن في تعلقه بتكوين الاسرة والجوانب القانونية الناشئة عن هذا الزواج بغض النظر عن رؤية المشرع الوضعي في اجازته او منعه واتامل ان ينال حظه في النقاش علما ان الزميل صاحب موضوع الزواج العرفي قد حفزني طرحه على نشره في هذا المنتدى المبارك
مع التقدير
(الزواج المؤقت ( زواج المتعه
بين الجواز الشرعي والرفض الاجتماعي
إن موضوع الزواج المؤقت كان مدار حديث الأوساط الدينية والحضرية السياسية والاجتماعية على مر العصور وهذا ناشئ عن كون هذا التشريع كان جديدا على المجتمع العربي في صدر الرسالة الإسلامية ، وان كل جديد محل ارتياب وعدم قبول ، وحيث إن جريدة الزوراء الغراء ذات الطرح الجريء والهادف تولت أمر قيادة هذا الطرح وإسهاما مني واستجابةً لدعوتها في بيان الحقيقة العلمية أتقدم بالمناقشة من الجانبين التشريعي والاجتماعي وعلى وفق ما يأتي : ـ
-
الجانب التشريعي
من الناحية التشريعية نرى إن الفقهاء الذين يعتمدون القول بوجود هذا التشريع مصدرهم ة 24 من سورة النساء والتي دلت بصريح العبارة على وجوده ونصها (
فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ) وقد رد عليهم من يرفض هذا القول بأنها نسخت بالآية 5 من سورة المؤمنون وكذلك الآية 29 من سورة المعارج ( والذين هم لفروجهم حافظون ) وفي هذا الأمر لنا قول كما دفع به مؤيدي هذا التشريع إن آية النسخ التي ذكروها لا يمكن أن تكون محل قبول حيث إن الناسخ يلحق المنسوخ ولا يجوز أن يصدر قبل المنسوخ وهذه الآية مكية بينما كانت الآية 24 من سورة النساء مدنية فيكون هذا القول مردود من هذه الناحية ،
أما فيما يتعلق بالتفسير التي تصدى بموجبه علماء المسلمين إلى تلك الآية فان الأغلبية من مفسري الفريقين أكدوا إنها دلت على التشريع ونقلوا قولين فيها منهم من أيدها والآخر نفاها ، وكل بنى قوله على الروايات وهذا يدل على إنها لم تكن محسومة حتى عند هؤلاء المفسرين مما ينفي فكرة رفضها أو عدم قبولها لان الاستدلال على رفضها يجب أن يكون بدليل قاطع صريح وواضح لا لبس فيه لأنه يتعلق بالحل والحرمة وحلال محمد حلال حتى يوم الدين وأشير بذلك إلى ما جاء به الطبري في الجزء الخامس من تفسيره وكذلك الفخر الرازي في الجزء العاشر والقرطبي والسيوطي في الدر المنثور .
أما فيما يتعلق برواية النهي عن الرسول الكريم فان اغلب رواة الحديث اجملوا بان الموضوع كان محل خلاف كالذي كان لدى المفسرين وهذه الروايات كانت متناقضة من حيث مكان النهي فمنهم من قال إنها كانت في يوم اوطاس والآخر يوم الفتح وقول آخر في تبوك ومنهم من قال يوم خيبر وبعضهم في عمرة القضاء ورأي آخر في حجة الوداع ، وكذلك من حيث تواتر الأحاديث التي تقول بجواز الزواج المؤقت فان كتب الحديث الشريف قد احتوت الكثير منها ففي الصحيحين ومسند احمد وموطا مالك وسنن الدارمي والنسائي أحاديث عن الرسول ( ص ) بهذا الصدد ومن أراد التوسع فليطلع على ما ورد فيها حول هذا الموضوع ، ومن ذلك أرى إن الناحية الشرعية والتشريع الإسلامي قد نص على جوازها ، أما النهي الذي آتاه الخليفة عمر بن الخطاب ( رض ) فلا يمكن أن يعدل تشريعا قرآنيا وإنما كان إجراء إداري تولاه بحكم المسؤولية السياسية التي كان يمارسها بكونه رئيسا للدولة الإسلامية نتيجة لخوفه من أن يساء استعمال هذا التشريع فينعكس سلبا على مسيرة الأمة الإسلامية الفتيه حينه ، وفي قول عبد الله بن عمر ( رض ) حينما قال كنا نفعلها على عهد الرسول الكريم (ص) ولم نسمع منه أي نهي وإنما نهى عنها والدي ويقصد الخليفة عمر بن الخطاب (رض) .
وعند النظر إلى الموضوع من ناحية تشريعية فأننا نرى أن يكون الناسخ بقوة المنسوخ أو أعلى درجة منه ، إذن كيف تكون السنة ناسخه لنص قرآني ونعلم إن السنة في الدرجة الثانية في كونها مصدر من مصادر التشريع في الإسلام بعد القران الكريم
أما فيما يتعلق بالقول الذي يقرن المتعة بالزنا فإن الزنا كان محرما منذ أن أتى الرسول الكريم (ص ) بمعجزته الخالدة القران الكريم فكيف لنا أن نقرن الزواج المؤقت به وهو الذي أباحه الخالق (عز وجل) ورسوله الكريم (ص) ، وحتى لو سلمنا بان الرسول قد نهى عنه فان أباحته له لحين من الدهر يخرجه عن نطاق الزنى ، وفي قول ابن عباس عندما سأله أحدهم هل المتعة سفاح أم نكاح فقال إنها لا هذه ولا تلك بل هي متعه إنها تشريع خاص لم تأتي به أي شريعة سوى شريعة محمد ( ص) وفي مصادر التفسير والحديث والتاريخ الكثير من ذلك ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتاب ( المتعة) للمحامي توفيق الفكيكي .
الجانب الاجتماعي
أما إذا نظرنا إلى الموضوع من الناحية الاجتماعية ومشكلة الجنس التي لا يخلوا منها أي مجتمع حيث أن صوته يدوي في الأذان ولا يمكن لأي مهتم بالشان الاجتماعي أن يغفل عنه ، هل نتمكن من كبح الرغبة الجنسية وكبتها فنكون عند ذاك في غنى عن البحث لعلاجها كمشكلة أم تتم معالجتها عن طريق الإباحة التي لا يقبلها الدين وتأباها الأخلاق ، ام نكرس الجهد لتزويج الشباب بالشابات وهذا إن تمكنا عليه في مجتمع فإننا قد نعجز عنه في موقع اجتماعي آخر ، لان الشريعة الإسلامية شريعة عالمية لا تقتصر على شعب دون آخر أو فئة دون أخرى ، كما إن هذا الموضوع لم يكن محل اهتمام الباحث المسلم أو العربي فحسب بل حتى فلاسفة وعلماء المجتمع الغربي المنفتح على قيم الإباحة والتحلل اهتم بهذا الشان فإننا نرى الدكتور رسل يقول إن الحل لهذه المشكلة السرطانية أن تسمح قوانين بلاده إلى إيجاد الزواج العقيم الذي لا يتم فيه الإنجاب حتى لا يترك الشباب إلى الانزلاق في درب الرذيلة وهذا ما أورده العقاد في كتابه الفلسفة القرآنية ص 73 نقلا عن الدكتور رسل ،
كما ان عقد الزواج المؤقت شروطه ذات الشروط الواجب توافرها بالعقد الدائم ولا تختلف إلا بمدته وينقلب أحيانا إلى دائم مستمر إذا وجد الطرفان فيه الملائمة والموافقة بينهما .
لذلك أرى بعد ذلك العرض المقتضب جدا ان عقد الزواج المؤقت عقدا أقرته الشريعة الإسلامية على وفق الشواهد المذكورة أعلاه وفي الكتب والبحوث التي تناولت هذا الموضوع ومنها ( رسالة المتعة) للشيخ المفيد ، (الزواج المؤقت) محمد تقي الحكيم ، (الزواج المؤقت في الإسلام) جعفر العاملي (كتاب المتعة) المحامي توفيق الفكيكي وكتب أخرى كثيرة ولكني ذكرت البعض في هذه العجالة .
وبعد كل ذلك هل يمكن لنا أن نتقبلها ونعمل بها في الوقت الحاضر ، أرى إن الجواب على ذلك بالإيجاب يجب أن يتوفر المجتمع على سمات تؤهله لان يكون مجتمعا قرآنيا بمعناه الشمولي لا بمعناه الانتقائي و أن يكون الفرد الذي يطرق هذا الباب مسلما يعمل بالقران ويهتدي بهدي القران في كل عمل يقوم به سواءً كان وظيفيا أم حياتيا لان الظروف التي تحيط بالعالم الإسلامي لا تؤهل أهله لان يعملوا بهذا التشريع إلا إذا تحرروا من قيود العبودية إلى شهوات النفس والانطلاق نحو آفاق الرحمة الإلهية التي ما أن نتمسك بها حتى نرتقي بأنفسنا وديننا ووطننا إلى عالم الخير والرفاهية التي وعدنا بها الخالق عز وجل في الدنيا والآخرة .
وفي الختام أرى إن العلة التي بنى عليها الخليفة عمر بن الخطاب ( رض) نهيه عن هذا التشريع هي ذاتها المتوفرة في عصرنا الحاضر .
المحامي
سالم روضان الموسوي
تم نشر الموضوع في جريدة الزوراء الاسبوعي التي تصدر نقابة الصحفيين في العراق
العدد الصادر يوم الخميس المصادف 22/8/2002