قد يتسائل البعض ما هي الليبرالية و ما هو الهدف منها اليكم بيان لها مع العلم أنني لست مؤيدا لها .
الديمقراطية الليبرالية:
هنالك أمر لا يتفطن إليه كثير من الناس هو أن الديمقراطية في البلاد الغربية ليست ديمقراطية خالصة مطلقة وإنما هي ديمقراطية مقيدة بالليبرالية. ما معنى هذا؟ الليبرالية نظرية سياسية فحواها أن المجتمع يتكون أساساً من أفراد ـ لا من طبقات ولا من أسر ولا من أي تجمعات أخرى. وبما أن الفرد هو أساس المجتمع، وبما أن له ـ بوصفه فرداً ـ حقوقاً أهمها حريته، فإنه لا يجوز للحكومة ولا لفئة من الشعب، بل ولا لأغلبية الشعب أن تتغول على حريته. ولذلك فإنهم يدعون إلى ما يسمونه بالحد الأدنى من الحكومة، أي إن الأساس هو أن يترك الأفراد أحراراً يختارون ما شاؤوا؛ فعلى الدولة أن لا تتدخل إلا تدخلاً اضطرارياً الغرض منه حفظ حقوق الأفراد التي قد يتغول عليها بعضهم. ويحذرون لذلك مما يسمونه بدكتاتورية الأغلبية. كنت أنوي الاستدلال على ذلك بكتابات عدد من الساسة والمنظرين الغربيين ولا سيما الأمريكيين منهم، لكن أغناني عن كل ذلك كلام وجدته لواحد منهم معروف اسمه (ليبمان) قال عنه مقدمو الكتاب الذي نشروا فيه مجموعة من مقالاته، والذي ننقل منه النصوص التالية: «إنه ربما كان أعظم مفكر سياسي أمريكي في القرن العشرين فإليك بعض ما قال مما نحن بصدده:
«يجب في رأيي أن نرفض القول بأن مبادئ الحرية والعدالة والحكم الصالح إنما تتمثل في حكم الأغلبية.
هنا يكمن أصل المسألة. لقد كان [الرئيس] واشنطن يعتقد أن الشعب يجب أن يحكم، لكنه لم يكن يعتقد أنه بسبب حكم الشعب تتحقق الحرية ويتحقق العدل والحكم الصالح. كان يعتقد أن الشعب ذا السيادة لا يؤتمن ـ كما لم يؤتمن الملك ذو السيادة الذي كان هو خلفاً له ـ على السلطة المطلقة.
إنه لم يخدع نفسه.... إنه لم يكن يؤمن بما صار الآن الأديولوجية الديمقراطية السائدة: أن كل ما رأت جماهير الناس أنها تريده فيجب أن يقبل على أنه الحقيقة.
لقد كان يعلم أنه لا ضمان من أن يتحول حكم الشعب إلى حكم قهري، تعسفي، فاسد، ظالم وغير حكيم. إن الشعب أيضاً يجب أن يكبح جماحه. إنه كغيره يجب أن يحاسب. إنهم كغيرهم يجب أن يعلموا. إنهم كغيرهم يجب أن يرفعوا فوق مستوى سلوكهم المعتاد».
سيقول الديمقراطي الملتزم بمبدئه: لكنكم بهذا تضعون سلطة فوق سلطة الشعب؛ والمبدأ الديمقراطي هو أن السلطة للشعب، فلا أنت إذن يا ليبمان ولا واشنطن من قبلك بديمقراطيين. سيرد ليبمان بأنكم تحاجوننا بالديمقراطية الخالصة التي تؤمن بسيادة الشعب إيماناً مطلقاً، لكن الديمقراطية التي أتحدث عنها وأدعو إليها هي الديمقراطية الليبرالية التي تحد من هذه السلطة.
سيذهب بعض الليبراليين الذين جاؤوا من بعد واشنطن بعقود إلى أبعد مما ذهب إليه فيؤكدون أن الليبرالية عندهم هي الأساس، وأنه إذا حدث تعارض بينها وبين الديمقراطية فينبغي التضحية بهذه لا بتلك. فهذا هو المفكر الليبرالي هايك يقول بعد أن دافع عن الديمقراطية دفاعاً قوياً، وبعد أن بين ضرورة الليبرالية لها في كتاب له نال شهرة واسعة قبل خمسين عاماً:
لا أريد أن أجعل من الديمقراطية وثناً يُعبد؛ فربما يكون حقاً أن جيلنا يتحدث ويفكر أكثر مما يجب عن الديمقراطية، وأقل مما يجب عن القيم التي تخدمها.... إن الديمقراطية في جوهرها وسيلة. إنها أداة عملية لضمان الأمن الداخلي والحرية الشخصية. فليست هي بهذه المثابة معصومة ولا مضمونة. كما يجب أن لا ننسى أنه كثيراً ما تحقق قدر من الحرية الثقافية والروحية في ظل حكم مطلق أكثر مما تحقق في بعض الديمقراطيات.
محمود ضوان
عضو لجنة الحريات
|