شدني حديث المهندس حسين أبو داود لجريدة الاقتصادية الأحد الماضي، وتذكرت أول لقاء معه، الذي كان في ندوة اقتصادية نظمتها غرفة جدة في عام 1992. وما زلت أذكر همـس الحاضرين وترقبهم لـ "المشاكس" فهي التسمية الشائعة له بين جمهور رجال الأعمال والإعلاميين، وهي في الواقع تعبر عن مدى احترامهم وتقديرهم له، وهو إن كان يحمل هذه التسمية، ولكنه في الواقع هو "الصادق الأمين". حسين أبو داود أحد رجال الأعمال "الجداويين" المرموقين الذين يشهد لهم الاقتصاد السعودي بإسهامات عملية وفكرية في مجلس الغرف السعودية أو في اللجان الحكومية، وهو كاتب صحافي له بصمات لا تخطئها العين في إثراء الفكر الاقتصادي والذي دوماً يتطرق وبكل شجاعة لموضوعات الساحة الساخنة. وربما لا يعلم البعض أنه كان أحد النخبة من رجال الأعمال السعوديين الذين عُرض عليهم نظام الاستثمار الأجنبي قبل إقراره، وهذه نقطة نظام تسجل لتاريخه المهني! وحتى لا يظن البعض أنني سأستمر في مديح الرجل من باب "التمجيد"، لذلك ادخل في صلب الموضوع، فهو صاحب سلسلة مقالات تتعلق بالنظام الضريبي الجديد وما تضمنته من شفافية في عرض المرئيات وفي طرحها للنقاش، حول بنود النظام ولائحته التنفيذية بصورة نظامية وقدرة فائقة على الإقناع. إن إبداء الرأي حول الشأن العام يجب أن يلقى احتراماً ومساحة مقدرة للنشر ونقاشاً مستفيضاً منا جميعاً، كما يجب أن يلقى آذاناً صاغية من الوزير ومن المسؤولين طالما أن الهدف من ذلك الرأي والنقاش للمصلحة العامة وإبداء النصح تمشياً مع قوله صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة". ويسعى أبو داود من خلال مقالاته الصحافية إلى استعراض مطالب القطاع الخاص، على قاعدة "وجادلهم بالتي هي أحسن" وهو الإقناع من خلال التطبيق العملي للنظام الذي اقره مجلس الوزراء والذي تقبله القطاع الخاص، ولكن عند الإمعان في اللائحة التنفيذية لنظام ضريبة الدخل يجب أن نتوقف عند بعض البنود التي تعتبر مخالفة للنظام، لأن الهدف السامي للأمر الملكي هو تصحيح مسار الاقتصاد السعودي الذي يمر بتطورات مهمة على الصعيدين المحلي والدولي. ويركز على الانفتاح وتحرير التجارة وانتقال رؤوس الأموال، وهذه الأنظمة تستلزم وجود لائحة ضريبية فعالة ومرنة لإنجاح خطوات الإصلاح الاقتصادي وتنمية دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني. وحيث إن الضريبة لها تأثير واضح في توجه الاقتصاد للقطاع الخاص، فإنني أتفق مع الأخ حسين على ضرورة مراجعة اللائحة لضريبة الدخل وتحديثه بما يتواكب مع ما طرأ من تغييرات والتي من أبرزها ظاهرة التنافس الشديد بين الدول على جذب الرساميل الأجنبية المصحوبة بالخبرات والتقنيات الحديثة للاستثمار في أرضها وتقديم كافة التسهيلات المتاحة لها وتوفير المناخ والبيئة المناسبة لذلك. والحديث عن اللائحة الضريبية، لا بد وأن يتناول مصلحة الزكاة والدخل، باعتبارها إدارة مهمة في جمع الزكاة وضريبة الدخل وأنها تتعامل مع المكلفين مباشرة أو عن طريق مكاتب المحاسبين القانونيين. وبحسب قراءتنا للنظام الضريبي الجديد، وتقديرنا لأهمية الوضوح والشفافية للحد من اللبس والغموض عند التطبيق يبرز بشكل واضح واجبات وحقوق المكلفين والإدارة الضريبية وكذلك (الشمولية والمساواة والعدل) وذلك بتوزيع العبء الضريبي بين المكلفين ذوي المراكز الاقتصادية المتساوية. كما يبرز ما يتضح من مفارقات وتناقض عند التطبيق العملي لبنود اللائحة التنفيذية على أرض الواقع دون أن ينكر أحد أن الهدف الأساسي للمصلحة هو جباية الضريبة من الخاضعين لها وفقاً لما تقتضيه الأنظمة والتعليمات والعمل على رفع مستوى الالتزام. إن المصلحة في نشرتها التعريفية عن نظام ضريبة الدخل الجديد ذكرت "إن من أولى سماته الوضوح والشفافية" وهذا ما يتمناه كل مستثمر وطني أو أجنبي فهل نستطيع أن نطلب منها أكثر من ذلك؟ ومن دراستنا للائحة الجديدة نرى أنه يحتوي على نوعين من الضريبة وهما "ضريبة الدخل"، "ضريبة الاستقطاع"، وبالإطلاع علي اللائحة المالية وكيفية التعامل مع كل نوع من هاتين الضريبتين نجد أن النظام الجديد ولائحته التنفيذية ينطويان على كثير من التفاصيل التي يتضح من خلالها بعض التضارب أو الغموض بين النظام ولائحته سواء كان ذلك فيما يتعلق بالنصوص أو المرونة أو التطبيق العملي. يقيناًَ أن أبو داود قدم جهداً مقدراً باستعراض بعض الجوانب التي تقف حجر عثرة أمام الفئات المستهدفة، ومطالبةُ بتعديل جزء مهم من لائحة ضريبة الدخل أصبح أمرا مشروعا، حتى وإن كان مجلس الشورى أو مجلس الغرف السعودية قد وافق عليها، ولكنه لم يتدارسه بالشكل المطلوب ولم يتنبه لكثير من النقاط التي اقترحها رجال الأعمال والمحاسبون والمستشارون القانونيون. وعلى سبيل المثال لا الحصر تذكر اللائحة أن أحكام النظام ولائحته تطبق على السنوات الضريبية التي تبدأ من 30/7/2004م كما تطبق ضريبة الاستقطاع الواردة على المبالغ المدفوعة في أو بعد 30/7/2004م. ويعلم الجميع بما فيهم المصلحة أن معظم الشركات الأجنبية تبدأ سنتها المالية من أول السنة الميلادية وتنتهي بنهايتها، والبعض الآخر تبدأ سنته المالية من الشهر السابق وتنتهي في آخر الشهر السادس الميلادي. وأتفق مع صديقنا وأستاذنا حسين بأننا لو توجهنا بسؤال لأي مستثمر أو أي ممن شاركوا في التصويت على النظام، ما نسبة الضريبة لشركة الأموال المقيمة؟ لقال: نسبة الضريبة على الوعاء الضريبي هي 20 في المائة! هذا ما فهمه الجميع وصرح به المسؤولون في الصحف، ولكن المصلحة لها قول آخر في لائحتها التنفيذية، فإذا كانت نسبة الضريبة على الوعاء الضريبي قبل صدور النظام 30 في المائة كحد أقصى ثم اقترح مجلس الشورى خفضها إلى 25 في المائة، وتحت ضغط واعتراض القطاع الخاص صدر المرسوم الملكي بخفضها بنسبة إلى 20 في المائة. ولكن مصلحة الزكاة والدخل تقول إنه توجد جباية أخرى وهي ضريبة استقطاع عند توزيع الأرباح بنسبة 5 في المائة على المبلغ المحسوم منه وبذلك تكون الضريبة الفعلية التي تطلبها المصلحة من الشركات اليوم 25 في المائة، ولا شك أن هنالك سوء فهم لذلك ينبغي إقرار الـ 20 في المائة كضريبة فقط وإلغاء نسبة 5 في المائة ضريبة الاستقطاع على الأرباح الموزعة. ليس من المنطقي سريان الأنظمة بأثر رجعي إلا إذا نص النظام على ذلك وهو في الأصل لم ينص عليه. ومن هنا نناشد المجلس الاقتصادي الأعلى إلقاء الضوء على بنود النظام وإلغاء كل ما يتعارض مع سياسة جذب الاستثمار. وبصرف النظر عن السنة المالية لأي شركة فإن النظام الجديد ينفذ من 30/7/2004، لذلك نطالب بأن تحاسب كل شركة بالنسبة القديمة من سعر الضريبة الأعلى إلى ما قبل 30/7/2004، ثم يطبق النظام على الأشهر الباقية من ميزانيتها السعر المخفض الجديد، ولا توجد أي مشكلة حسابية في ذلك. وفي تقديري القانوني أن ضريبة الاستقطاع يجب ألا تكون ضريبة إضافية تتم جبايتها على استغلال بالزيادة على الضريبة المحددة في النظام 20 في المائة فقط خصوصاً أن المادة 68 من النظام والمتعلقة بتحصيل الضرائب تحت حساب النسبة المحددة فقط ولا يفهم من تلك المادة استحداث ضريبة إضافية جديدة تحت مسمى ضريبة الاستقطاع. وأن نسبة الـ 20 في المائة المذكورة تتعلق بضريبة الدخل المفروضة على وعاء شركات الأموال المقيمة في السعودية. إذ حددت المادة السابعة من النظام الصادر بمرسوم الملكي، أن الوعاء الضريبي لشركة الأموال المقيمة أنه يمثل حصص الشركاء غير السعوديين من دخلها الخاضع للضريبة عن أي نشاط من مصادر في السعودية مخصوماً منه المصروفات الجائزة بمقتضى هذا النظام، وعلى احتساب الوعاء الضريبي لشركة الأموال بشكل مستقل عن المساهمين أو الشركاء فيها، وأن الأرباح الموزعة من شركة مقيمة تعتبر دخلاً متحققاً من مصدر في السعودية. كما قضت المادة 63 من اللائحة التنفيذية على استقطاع ضريبة بنسبة 5 في المائة من إجمالي الأرباح الموزعة على الشركاء وأكدت الفقرة (6/ج) منها على أنه لا يمنع خضوع الشركة الموزعة لضريبة الاستقطاع على المبالغ الموزعة منها. لهذا فإن فرض ضريبة على وعاء شركة الأموال المقيمة ليس له علاقة بضريبة الاستقطاع المستوجبة على الأرباح والموزعة للشركاء فيها لكون شركات الأموال كيانات مستقلة عن ملاكها ولا علاقة بين الضرائب على هذه الشركات والضرائب التي تفرض بموجب النظام على الشركاء فيها وهذا تفسير واضح من وجهة نظر المصلحة أي أن إجمالي الضريبة هو 25 في المائة. ختاماً، ما أود قوله أخيراً إننا نوافق علي مطالب حسين أبو داود، وينبغي إلغاء ضريبة الاستقطاع على توزيع الأرباح المستقبلية والسابقة لتاريخ نفاذ النظام ولا نأخذ مال المستثمر بغير وجه حق وننفره من الاستثمار في هذا الوطن ويكفينا عوائق طاردة للاستثمار. ونقترح أيضاً أن يتحول الملف إلى المجلس الاقتصادي الأعلى باعتباره إحدى القضايا المعوقة للاستثمار، كذلك لا يمكن إحالة الموضوع للفكر المحاسبي لدى مصلحة الزكاة والدخل، لأن أحكامه وقراراته منفرة للاستثمار.. وللحديث بقية.
الانتقال السريع اختــــار