ACHRAFE عدد المشاركات >> 7 التاريخ >> 19/3/2006
|
المرجعية الدولية.
أمام مصادقة المغرب على مجموعة من الاتفاقيات الدولية – سواء العامة منها التي تنظم مجال حقوق الإنسان ككل أو الخاصة كالاتفاقيات التي تهدف إلى النهوض بأوضاع المرأة والطفل - فإن المغرب بمصادقته تلك يصبح ملزما بها، وفاءا بتعهده الدستوري، ومن ثم يصبح واجبا عليه أن يلائم تشريعه الوطني مع هذه الاتفاقيات.
وهذا ما شكل هاجسا حقيقيا للمشرع في صياغة نصوص مدونة الأسرة، والذي حاول إلى أبعد ما يسمح به الوضع أن يلائم نصوص هذه المدونة مع الاتفاقيات الدولية.
وسنحاول من خلال هذا المبحث أن نبين الحد الذي بلغه المشرع في ملائمة نصوص مدونة الأسرة مع عدة اتفاقيات دولية تهتم بالنهوض بوضعية الطفل والمرأة، من خلال مطلبين: في الأول سنعالج وضعية المرأة في مدونة الأسرة، على أن نعالج في المطلب الثاني وضعية حقوق الطفل في هذه المدونة.
الفقرة الأولى: الوضعية القانونية للمرأة في مدونة الأسرة.
سنحاول في هذه الفقرة رصد مختلف المجالات التي تأثرت فيها مدونة الأسرة بالاتفاقيات الدولية وذلك من خلال الآتي: في الأول نبحث وضعية المرأة عند إنشاء وقيام العلاقة الزوجية، ثم وضعية المرأة بعد إنهاء الرابطة الزوجية.
أولا : الوضعية القانونية للمرأة عند قيام الرابطة الزوجية.
1- مبدأ المساواة بين الزوجين.
عانت المرأة في ظل مدونة الأحوال الشخصية من أشكال غير مقبولة من التمييز تتجلى على مستوى عدة مواضيع، فهذه المدونة كانت تجعل من الرجل السلطة الأعلى في الأسرة وما المرأة إلا تابعة له، وهذا يتنافى مع الدور الحقيقي الذي تضطلع به المرأة داخل الأسرة.
- فعلى مستوى تعريف الزواج، كانت عبارة "تحت رعاية الزوج" تكرس استمرارية مفهوم الأسرة الأبيسية التقليدي، وترجح كفة الرجل داخل الأسرة على حساب المرأة. فهو الآمر الناهي وهي التابع المطيع، ولقد أصبح هذا الوضع منتقدا جدا ومتجـاوزا في الوقت الحالي أمام التحولات التي عرفتها الأسرة المغربية ووعي المرأة بوضعيتها داخل المجتمع إذ انتقلت من الأمية المطبقة إلى أرقى الدرجات ثقافيا واقتصاديا وسياسيا.
إلى جانب تعريف الزواج نظمت مدونة الأحوال الشخصية عدة مقتضيات، اعتبرت مجسدة لأوضاع أخرى منتقدة بشدة، ومن أهمها ما يتعلق بالحقوق المشتركة بين الزوجين وخاصة حقوق الرجل على المرأة المنصوص عليها في المادة 36 من مدونة الأحوال الشخصية.
فالفقرة الأولى من هذه المادة تنص على أن حقوق الزوج على زوجته:" 1- صيانة الزوجة نفسها وإحصانها" والملاحظ أن هذا النص يجعل هذا الحق لصالح طرف واحد وهو الزوج، كأننا بالمشرع يفترض سوء النية في الزوجة، وأنها وحدها التي يمكن أن تقع في المزالق، والواقع أن هذا الحق يتعين أن يكون حقا مشتركا بين الزوجين.
في ما يتعلق دائما بمظاهر التمييز التي تجسدها المادة 36 من مدونة الأحوال الشخصية، ما تضمنته الفقرة الثانية من هذه المادة والتي تجعل من حقوق الزوج، طاعة الزوجة له بالمعروف وذلك استنادا على مبدأ القوامة.
وفي الواقع فقد أثار هذا المبدأ نقاشات عدة، خاصة فيما يتعلق بالتناقض بين مفهومه الشرعي الحقيقي والمدلول الاجتماعي الذي فهم به ومورس على أساسه، حيث أن هذا المبدأ في معناه الاجتماعي، يهدم مبدأ المساواة من أساسه، ويبرز بدله أفضلية متوهمة للرجل، مقابل دونية مؤكدة للمرأة، ومن ثم فإن للأول السيادة والرئاسة، وعلى الثانية الخضوع والانقياد والطاعة.
وأمام هذا الوضع، اعتبرت مدونة الأحوال الشخصية، مكرسة للمقتضيات الأكثر تمييزا في الحقوق بين الرجل والمرأة، ومجسدة للامساواة بينهما، وأنها متسمة بالطابع الرجولي وتكرس دونية المرأة.
مما يعد انتهاكا صارخا لحقوق المرأة، ومخالف للمبادئ التي أرستها العديد من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وسنعرض لهذه المبادئ في بعض الاتفاقيات الدولية حسب التسلسل الزمني لصدورها.
فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ينص في المادة 16: ".... وهما يتساويان في الحقوق لدى التزوج، وخلال قيام الزواج....."
والميثاق الدولي بشأن الحقوق المدنية والسياسية ينص في المادة 23 الفقرة الرابعة: " 1 ... 2 .... 3..... 4- على الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية، اتخاذ الخطوات المناسبة لتأمين المساواة في الحقوق والمسؤوليات عند الزواج وأثناء القيام به...".
وكذلك المادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي تنص: " تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وبوجه خاص تضمن على أساس المساواة بين الرجل والمرأة: أ: نفس الحق في عقد الزواج...... . ج – نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج...".
وتجدر الإشارة ونحن بصدد هذه المادة، أن المغرب كان قد تحفظ على مقتضياتها على اعتبار أن المساواة التي تقررها تعتبر منافية للشريعة الإسلامية التي تضمن لكل من الزوجين حقوق ومسؤوليات في إطار من التوازن والتكامل، وذلك حفاظا على الرباط المقدس للزواج.
وهذا التحفظ وإن كان يجيز من أحد الأوجه على تشبت المغرب بقيمه الدينية ومحافظته على خصوصياته الثقافية، فإنه من جهة أخرى يكرس وضعا لا تقبله أبدا الشريعة الإسلامية المتشبعة بقيم المساواة.
لذلك وإيمانا بقيم المساواة وتحقيقا للعدل جاءت مدونة الأسرة، لترد الاعتبار إلى المرأة ولتدعم مبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، دون الخروج عن المبادئ العامة للشريعة الإسلامية، ذلك أن الدين الإسلامي هو أول دين أعلن المساواة بين البشر كافة، وألغى الفوارق والكراهية بين الناس.
وعلى أساس ذلك فقد تضمنت مدونة الأسرة مجموعة من المقتضيات التي تؤكد على أن الفلسفة العامة لهذه المدونة مبنية على أساس مبدأ المساواة بين الزوجين، وأن صورة الأسرة التي ترسمها هي الأسرة القائمة على المسؤولية المشتركة بين الزوجين، حسب ما تضمنته المادة 4 المتعلقة بتعريف الزواج وكذلك ما أقرته المادة 51 من هذه المدونة، التي تنص على الحقوق المشتركة بينهما، وقد جاء فيها: "الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين: " 1 – المساكنة الشرعية بما تستوجبه من معاشرة زوجية...... 2- تحمل الزوجة مع الزوج مسؤولية تسيير ورعاية شؤون البيت والأطفال. 3- التشاور في اتخاذ القرارات المتعلقة بتسيير شؤون الأسرة والأطفال وتنظيم النسل....".
وبهذا يكون المشرع قد خطى خطوة مهمة في سبيل ملائمة مقتضيات مدونة الأسرة مع الاتفاقيات الدولية، التي صادق عليها المغرب، وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة.
مع ملاحظة أن الرجل ما زال ملزما بأداء المهر وبالنفقة، وعند التطليق بأداء المستحقات، ولو كان التطليق وقع بسبب تعسف الزوجة.
|