اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
assemch11
التاريخ
11/25/2005 3:32:14 PM
  الإشتراكية ليست نظاماً إجتماعياً ( منقول )      

كتب لينين قبل قرن تقريباً يقول.. ما من مفهوم جرى الإساءة إليه وتشويهه عن سوء قصد كمفهوم " الدولة "، واليوم نقول.. ما من مفهوم جرى الإساءة إليه وتشويهه عن جهل كمفهوم الإشتراكية.
جرى تقديم " الإشتراكية " إلى عامة الناس ومنهم المثقفون على أنها " نظام " إنتاج مستقر يؤسس لنظام إجتماعي ثابت وواضح القسمات يراعي العدالة في توزيع الثروة على مختلف أفراد المجتمع. مثل هذا الفهم الخاطئ والمبتذل للإشتراكية إنما هو أكذوبة كبرى، فلا هي بنظام ولا هي بمستقرةٍ ولا هي باشتراكيةٍ، بمعنى العدالة في توزيع الإنتاج والثروة. الإشتراكيون الذين يقدمون الإشتراكية بهذا الفهم إنما هم كذبة مخادعون، يلقون بقطع حلوى مسمومة لجماهير الشعب الجائعة.
السياسات في البلدان المتخلفة والنامية هي غالباً من نبت تربة العقيدة وهي لذلك تفتقد في معظمها الدلالات الحقيقية على الأرض. كما أن السياسيين فيها هم غالباً مهنيون راهنوا على العمل السياسي ليصيبوا فيه مغنماً مجزياً، وليس في بضاعتهم غير الشعارات الرنانة التي لا تفسير لها. الشعار الذي أُسـيء استخدامه طويلاً وبصورة واسعة جـداً في تضليل العامة والتغرير بـهم هـو " الإشتراكية ". لكثرة السياسيين الذين رفعوا راية الإشتراكية بقوة اعتقد الناس أن الإشتراكية هي فعلاً كما يصورها هؤلاء السياسيون نظام إجتماعي ثابت ومستقر يحقق العدالة للجميع. والاشتراكيون بالطبع سعداء بهذا المعتقد طالما أنه جعل لهم بضاعة رائجة.
التحدي الأكبر أمام هؤلاء الإشتراكيين الذي لا قدرة لهم على مواجهته هو تفسير هذا النظام الإشتراكي المزعوم ورسم خطوط سيمائه الرئيسة. هل لأحد من الإشتراكيين العرب، من الذين سيقرأون هذه المقالة على " إيلاف "، أن يشرح لنا ولو خطاً واحداً من هذه الخطوط لنكون له من الشاكرين مدى الحياة ؟! كيف يتم توزيع الإنتاج على المستهلكين ؟ أيتم ذلك من خلال إجراء المنافسة بين المنتجات المختلفة في السوق على الشكل الذي يتم فيه في النظام الرأسمالي ؟! وإذا كان الأمر ليس كذلك، وهو ما لم يقله كل الإشتراكيين القوميين وغير الماركسيين، فمن يحدد الأجور والأسعار ؟ سائر الإشتراكيين والشيوعيين غير الماركسيين ـ معظم الشيوعيين لم يفهموا ماركس ولم يكونوا حتى قريبين من فهمه ـ سيجيبون على كل هذه الأسئلة الصعبة والمعقدة بلغز أكثر غموضاً وغير قابل للحل كمهرب وحيد من مواجهة حقيقية فاعلة لها، سيقولون الحكومة !! مثل هذه الإجابة الخادعة تنقلنا إلى متاهة لا مخرج منها.. حكومة من ؟!! كيف السبيل إلى تعيين حكومة إشتراكية، بل وما هو شكل هذه الحكومة الذي يسمح بوصفها بالاشتراكية ؟ الإنتخابات العامة لا تعين حكومة إشتراكية وقد اختبرنا ذلك عملياً فكل البلدان التي أجرت إنتخابات عامة نزيهة لم تأتِ واحدة منها على الأقل بحكومة اشتراكية بل العكس هو الصحيح. والأحزاب الإشتراكية الكلاسيكية البورجوازية غير البروليتارية، وكلها تعارض الثورة ودكتاتورية البروليتاريا، لم تقل بتشكيل الحكومة عن طريق أخرى غير الإنتخابات، كما أن اشتراكية هذه الأحزاب " الإشتراكية " هي وأي حكومة تعينها موضع الشك والاختبار.
قلما يتحدث هؤلاء الإشتراكيون عن اشتراكيتهم ؛ والقليل الذي يقولونه لا يشي بأن اشتراكيتهم تختلف بشيء عن الرأسمالية الكلاسيكية سوى أن من يملك أدوات الإنتاج هو الدولة وليس أفراداً بعينهم. رأسمالية الدولة لا تختلف بشيء عن رأسمالية الأفراد بل إن الأخيرة أجدى وأكثر نفعاً لعامة الناس إذ تميل بطبعها وطبيعتها إلى توظيف ريوع عملية الإنتاج في الإنتاج نفسه، إن في تحديثه أو في توسيعه (Expansion)، أما الدولة فتميل بطبعها وبطبيعتها أيضاً إلى إنفاق هذه الريوع بشكل هبات ومكافئات دفاعاً عن وجودها واستمراريتها. ولمثل هذا السبب تحديداً بتنا نرى أعداداً متزايدة من السياسيين والاقتصاديين يدعون إلى خصخصة العديد من القطاعات العامة.
ليتعظ الإشتراكيون العرب ب " الإشتراكيين " الأوروبيين من مثل الحزب الإشتراكي الديموقراطي الألماني والحزب الإشتراكي الفرنسي والحزب الإشتراكي الاسبانيولي وحزب العمال البريطاني ؛ جميع هذه الأحزاب استلمت السلطة في بلادها لسنوات طويلة ومع ذلك لم يجرِ أي تغيير في نمط الإنتاج السائد في أي من هذه البلدان بل إن جميع هذه الأحزاب " الإشتراكية " سقطت أكثر من مرة في الإنتخابات على أيدي العمال أنفسهم، وأقوى مثال على هذا هو إنقلاب العمال البولنديين (نقابات التضامن) على حزب العمال الإشتراكي ( الشيوعي بالافتراض فقط ) وطرده من سدة الحكم. أما الحزب الإشتراكي الفرنسي وحزب العمال البريطاني فكان لهما دور مشهود في حراسة الرأسمالية الإمبريالية. وعلم الخيانة في تاريخ الصراع الطبقي كان وما زال هو الحزب الإشتراكي الديموقراطي الألماني الذي يسلم السلطة اليوم طائعاً لليمين الألماني كيلا يقدم بعض التنازلات للعمال الألمان كشرط لاحتفاظه بها !! وحديثاً أخذت هذه الأحزاب تتخلى عن كل معاني الإشتراكية في تراثها وفي ثقافتها وتفضل المناحي الإجتماعية بدل الإشتراكية، (Social) بدل (Socialist).
أما إشتراكية الإشتراكيين العرب في عراق صدام وسوريا الأسد وجزائر بومدين فقد آلت بعد أربعين عاماً لأن تكون محط سخرية العالم المرة وأضحوكته، إنها اشتراكية الجوع والقمع والطغيان ـ ألا يخجل اشتراكيو البعث السوري باشتراكية دفعت بمليون عامل سوري إلى خارج حدود الوطن ليعملوا أجراء صغاراً بأعمال رخيصة قذرة في كل من لبنان والأردن ؟
لم يتحدث أحد من هؤلاء الإشتراكيين المخادعين الكذبة قط عن دور السوق في اشتراكيتهم المزعومة. السوق هي القلب النابض الذي يضخ الدماء بمقاديرها إلى مختلف خلايا وأنسجة جسم الإقتصاد الوطني. طبيعة السوق هي ما يقرر طبيعة النظام الإقتصادي المرتكز عليها والتابع لها. جميع المنتجين في النظام الرأسمالي ينتجون من أجل السوق ووفق شروطها حيث في السوق فقط تتم مبادلة سائر المنتوجات بالنقد الذي هو الهدف الأخير لعملية الإنتاج الرأسمالية. بفعل هذا القلب الحيوي الفاعل وقدراته الذاتية تتصف الرأسمالية بالديمومة والاستمرارية الأمر الذي يؤهلها لأن تكون " نظاماً "، نظاماً إجتماعياً ثابتاً ومستقراً بالرغم من عدم ارتكازها على الذات إذ لا بد لها من أن تتطفل على البلدان الأخرى من أجل تصدير فائض الإنتاج إليها كيلا تتعطل دورة الإنتاج فيها.
الإشتراكية ليس لها قلب عضوي، أي سوق بنيوية، ولذلك ليس لها القدرة الذاتية على الديمومة والاستمرار، فهي لذلك ليست نظاماً إجتماعياً ثابتاً ومستقراً مثل النظام الرأسمالي الذي انتظم حياة البشرية طيلة ثلاثة قرون أو النظام الإقطاعي الذي انتظم حياة البشرية طيلة ثمانية قرون أو أكثر. الإشتراكية العلمية غير الطوباوية في الأعراف الماركسية وكما تحدث عنها ماركس نفسه في أكثر من مكان هي مجرد فترة تحول من النظام الرأسمالي إلى ( لانظام ) الشيوعية ولا تستغرق مثل هذه الفترة أكثر من جيل واحد أو ثلاثين عاماً في البلدان الرأسمالية المتقدمة أو جيلين في البلدان المتخلفة. ولو سُمح لمشروع لينين الإشتراكي المتمثل بثورة أكتوبر 1917 بالتطور السلمي دون محاصرته بشبكة متصلة من المؤامرات انعكست بحروب إفقار دموية 1918 - 1921 وبالعدوان الهتلري الماحق 1941 – 1945، لولا ذلك لبزغ فجر الشيوعية على البلاد السوفياتية خلال العقد الأول من النصف الثاني للقرن العشرين.
لكي تبقى الإشتراكية على قيد الحياة طيلة ثلاثين عاماً أو أكثر فلا بدّ إذاً من زرع قلب إصطناعي ومؤقت لها يقوم بسائر وظائف السوق الحيوية، وهذا القلب هو ( هيئة التخطيط المركزي ) التي يناط بها وظائف السوق إنما باتجاه معاكس، فالسوق الرأسمالية تعيد دورة الحياة في علاقات الإنتاج الرأسمالية وفي النظام الرأسمالي، لكن هيئة التخطيط المركزي تعمد في جميع خططها إلى محو النظام الموروث القائم وإضعاف علاقات الإنتاج النافذة باتجاه إلغائها نهائياً دون استبدالها بأي علاقات أخرى ـ وهذا أمر في غاية الأهمية ومع ذلك لا يأبه به حتى الإشتراكيون الحقيقيون. وبناء عليه قدم لينين تعريفاً قاطعاً مانعاً للإشتراكية يقول.. " الإشتراكية إنما هي محو الطبقات ". محو الطبقات يعني مباشرة قيام مجتمعات لا وجود فيها لأي علاقات للإنتاج ؛ فأبناء المجتمع الواحد المتقدم بوسائل الإنتاج عالية التقنية، هؤلاء الأبناء، وقد نالوا قسطاً كبيراً من الوعي والثقافة والتصالح مع المجتمع خلال مرحلة الإشتراكية، قادرون تماماً على التعاون الطوعي لتشغيل أدوات الإنتاج عالية الإنتاجية لتحقيق إنتاج بالجملة (Mass Production) يزيد عن حاجة المجتمع. وعندما لا يبقى هناك طبقات لتمحى تكون الإشتراكية قد قضت وانقضت.
ليس من سلطة أخرى قادرة عل محو الطبقات سوى دكتاتورية البروليتاريا. كل السلطات الأخرى مهما كان لونها ونسبتها الطبقية تحكم بمجرى عام يؤكد ديمومة الطبقات القائمة في المجتمع ويحافظ عليها، فالرأسماليون يحافظون على العمال طالما أنهم مصدر دخولهم وأرباحهم وكذلك يحافظ الإقطاعيون على الأقنان. دولة البروليتاريا هي الدولة الوحيدة التي تعمل ضد وجود الطبقات ومن أجل محوها، بتعبير لينين، نهائياً من الوجود. إنها وهي تمحو الطبقات الأخرى فإنما تمحو طبقتها فبغياب الرأسماليين يغيب العمال الأجراء وقد تحولوا إلى مواطنين أحرار يتعاونون طوعاً في الإنتاج الذي هو وحده رمز إنسانية الإنسان ‘ هذه الإنسانية التي ليست بحاجة إلى أي نوع من أنواع الزجر أو التحفيز لتحقيق ذاتها. كما أن دكتاتورية البروليتاريا تعمل ضد وجودها نفسه، فبغياب جميع الطبقات تضمحل وتتلاشى الدولة ولا يعود الناس الأحرار المتعاونون بحاجة إلى أي سلطة تزجرهم ولا إلى أية قوانين تتحكم بهم أو علاقات إنتاج تقرر أحوالهم المعيشية ومساراتهم الحياتية.


 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 2347 / عدد الاعضاء 62