المبحث التمهيدي
مفهوم جريمة التعذيب وشروطها
شهد مجال الحماية الدولية لحقوق الإنسان تطوراً هائلاً لا سيما منذ إصدار الإعلان العالمى لحقوق الإنسان بموجب قرار الجمعية العامة رقم 217 ألف (د-3) المؤرخ 10 ديسمبر 1948 والذى أصبح فيما بعد أحد العناصر الأساسية المكونة للشرعية الدولية لحقوق الإنسان بمشاركة العهد الدولى الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والبروتوكولين الاختياريين المحلقين بهما.
والمتتبع لمراحل تطور الاهتمام بالحماية التشريعية لحقوق الإنسان على مستوى العلاقات الدولية يجد أن جهود منظمة الأمم المتحدة فى سعيها لتحقيق أحد أغراض إنشاءها والمتمثل فى حفظ الأمن والسلم الدوليين من خلال إشاعة احترام حقوق الإنسان فى العالم تنقسم إلى ثلاثة مستويات:
المستوى الأول: هو الإحساس بالحاجة إلى وجود قواعد تكرس هذه الحقوق وذلك عن طريق اجراء الدراسات المتعلقة بالمجالات المختلفة لحقوق الإنسان.
المستوى الثانى: فهو الاعتراف بوجود هذه الحقوق أو الإعلان عن وجودها فعلاً.
المستوى الثالث: فهو العمل على حماية حقوق الإنسان ويتم ذلك عادة عن طريق المعاهدات الدولية حتى ينتقل الاعتراف بحقوق الإنسان من مرحلة الواجب الأدبي إلى مرحلة الالتزام القانونى.
وقد مرت مراحل الكفاح ضد ممارسة التعذيب باعتباره أبشع صور انتهاكات حقوق الإنسان طبقاً للمستويات التى ذكرناها بدءا من نصوص ميثاق الأمم المتحدة مروراً بنص المادة الخامسة من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان التى ورد بها أنه 'لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة'، وهو ما قننته اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية فى المادة السابعة منها، إلى أن تم اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة بتاريخ 10 ديسمبر 1984 للرغبة فى تنفيذ مبدأ حظر ممارسة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة القائم بموجب القانون الدولى والداخلي على حد سواء.
وتعتبر هذه الاتفاقية نقطة تحول هامة فى تاريخ الحماية الدولية من التعذيب وما يماثله من ضروب المعاملة القاسية والمهنية من حيث جعلها الأعمال المنطوية علي ذلك تشكل جريمة دولية ضد الإنسانية وإقرار تدابير غير قضائية وقضائية لمكافحتها، وقد جاء تعريف التعذيب بطريقة تفصيلية بالمادة الأولي من الاتفاقية التى نصت علي 'لأغراض هذه الاتفاقية يقصد بالتعذيب، أى عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص أو من شخص ثالث علي معلومات أو علي اعتراف أو معاقبته علي عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص ثالث، أو تخويفه أو إرغامه هو أو أى شخص ثالث أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأى سبب من الأسباب يقوم علي التمييز أيا كان نوعه أو يحرض علية أو يوافق علية أو يسكت عنة موظف رسمي أو أى شخص أخر يتصرف بصفته الرسمية، ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذى يكون نتيجة عرضية لها'.
وأول ما يلاحظ علي هذا التعريف أنه جاء خاليا من اشتراط صدور التعذيب عن موظف عام حتى تسبغ عليه الحماية الدولية.
- وقد يبدو للبعض أن تناولنا لنطاق تجريم التعذيب من خلال القانون الدولي لا يعد بالأمر السديد الذى يسهم في تطوير وحماية حقوق الإنسان إلا أن التدقيق فى هذا الأمر يوضح أن الحماية الدولية لحقوق الإنسان تعتبر الحلقة الأخيرة من سلسلة متصلة الحلقات لتجريم نشاط ما، الوصول إليها يحتاج إلي بحث ودراسة جميع المراحل التي تسبقها، والحاجة إلي وجود عنصر دولي أو أسمي من الإقليمي في مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان تؤدى إلي التدقيق في الانتهاكات التي يرتكبها الموظفين العموميين المسئولين في الدول ذات السيادة وهي ما يمثل إضافة لحماية الحقوق وصيانتها.
- وجريمة التعذيب باعتبارها جريمة دولية منذ لحظة تجريمها بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب كأحد الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية، تقوم علي ثلاثة أركان كالتالي:
1- الركن المادى: ويتمثل في السلوك غير المشروع المترتب عليه ضرر، ويشتمل علي الفعل (العمل أو الامتناع) والنتيجة وعلاقة السببية بينهما، وترجع أهمية اعتبار التعذيب جريمة دولية هو مدلولها الواسع الذى يميزها عن مدلول ذات الجريمة في القوانين الداخلية إذ لا تتجاوز فيها المساءلة الجنائية حد الشروع والتحريض فلا تمتد إلي التهديد ، بينما نجد أن الفقه الغالب في القانون الدولي يذهب إلي اعتبار التهديد بالعدوان (التعذيب) أو الإعداد له ضمن الجرائم الدولية، وسند ذلك نص المادة (2/4) من ميثاق الأمم المتحدة التي تحظر التهديد باستخدام القوة أو استخدامها في العلاقات الدولية بالمخالفة لأحكام الميثاق.
2- الركن المعنوي: ويتمثل في توافر القصد الجنائى أى نية الإضرار بالغير أو بالمجتمع الدولي، ويقوم علي عنصري العلم والإرادة، فيجب أولاً أن يعلم الجاني أن أعماله تنطوى علي عدوان صارخ أو علي التمثيل بطريقة إنسانية بالمجني عليهم أو علي اضطهاد لأفراد مجموعة معينة لأسباب سياسية أو دينية أو عنصرية أو لأى سبب أخر، وتتصرف إرادته إلي هذا العمل، وفي هذا المجال أيضا لا تقوم الجريمة إلا إذا كان ارتكاب أى فعل من الأفعال التي تشكل الركن المادى لها قد تم بواسطة السلطة العامة للدول أو بعلمها وموافقتها علي هذا الفعل، ويتصور في ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية أن ترتكب ضد رعايا الدولة نفسها أو ضد الأشخاص المقيمين علي إقليمها، كما يمكن أن ترتكب ضد رعايا دولة ثانية.
3- الركن الدولى: ويتمثل فى أن هذا السلوك ينطوى على مساس بمصالح الجماعة الدولية وهى المصالح التى أكدها وعمل على حمايتها النظام القانونى الدولى ومن مشتملاته اتفاقية مناهضة التعذيب الصادرة عام 1984.
وتظهر أهمية الركن الدولى فى مجال الجرائم الدولية ضد الإنسانية فى كون تجريم الفعل وبيان أركانه خاصة الركن المادى وتقرير العقاب عليه أو الحث على ذلك يتم بمقتضى قواعد القانون الدولى بغض النظر عن كون القانون الداخلى يجرم الفعل ذاته أو يعاقب عليه أم لا، وهذا ما أكدته لجنة القانون الدولى فى أعمالها لاعداد مشروع مدونة الجرائم المخلة بسلم الإنسانية أمنها.
الفصل الأول
مبدأ حظر التعذيب فى النظام القانونى المصرى
المبحث الأول: وهم ما يسمى بانتشار التعذيب فى مصر:
لقد هالني ما قرأت من عبارات وردت في تقديم القسم الأول من تقرير مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء والتي تشير إلى العوامل التي يمكنها أن تشكل صورة متكاملة وبيئة خصبة لانتشار التعذيب في مصر، حيث أشار التقرير إلي أن هذه العوامل تتركز في التشريع المصري والمناخ السياسي والاجتماعي.
- كيف يكون التشريع المصري (ومن فروعه قانون العقوبات المصري والقوانين العقابية الخاصة) بيئة خصبة لانتشار التعذيب، مع أن تحديد ملامح هذا القانون أو غيره تتوقف في بلد ما علي سياسته الجنائية سواء فيما يتعلق بتحديد الظاهرة الإجرامية أو بالنسبة إلى رد الفعل القانوني الاجتماعي ضد الجريمة.
- ولو كان الأمر هكذا فأن محرر التقرير يقصد من تعبيره هذا أن التشريع المصري (والذي تعرض فيه إلى قوانين الطوارئ والعقوبات والسجون) إنما تم صياغته ويجري تطبيقه بهدف تقنين التعذيب الذي يتم ممارسته علي نطاق واسع بمعرفة رجال الشرطة (علي حد تعبيره)، وذلك كأحد متطلبات المناخ السياسي والاجتماعي الذي يسوده عدة مؤشرات تدل علي أن هذا المناخ في مصر هو مناخ مساهم في خلق بيئة مناسبة بل وربما خلق ثقافة التعذيب.
- والواقع أن هذا التقرير بتلك العبارات يوجه النقد لسلطات الدولة الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية) كما يوجه النقد لجميع القنوات السياسية التي تعبر عنها الأحزاب المتعددة والمكونة للمناخ السياسي، وأخيرا يوجه النقد للقيم الأخلاقية الاجتماعية والمصالح السائدة في المجتمع والتي تنبع من ضميره الحي الحقيقي.
- وأعتقد للرد علي ما ورد بالتقرير فالأمر يستلزم أن أوضح تلك المفاهيم السابقة إلا أن المجال لا يتسع لهذا الإسهاب.
ولكن في ذات الوقت فالأمانة العلمية وواقع مصريتي ووطنيتي تحتم أن أوضح للسادة محرري التقرير المشار إليه أنه غاب عنهم الرجوع إلى أمهات المراجع العلمية المتخصصة سواء في مجال حقوق الإنسان بصفة عامة أو في مجال مناهضة التعذيب بصفة خاصة، ومجال تطبيق هذه الحقوق في التشريعات المصرية جميعها والمكونة للنظام القانوني المصري ومن مشتملاته (أحكام ومبادئ القانون الدولي المرعية والمطبقة في الإقليم المصري- أحكام الدستور المصري والقوانين المكملة له- أحكام القوانين العقابية العامة والخاصة- أحكام القانون الإداري وقضاء مجلس الدولة- أحكام قوانين الكوادر الخاصة -أحكام القانون المدني 00000 )، وذلك قبل الخوض في كتابة هذا التقرير والذي ينطق كل حرف منه بالتشهير المعتمد للنظام القانوني المصري الذي يقوم نظريا وعمليا علي مبدأ راسخ لا جدال فيه ألا وهو مبدأ إعلاء سيادة القانون.
- كما غاب عن مركز حقوق الإنسان000 إبراز حق هؤلاء الأبرياء القتلى وأسرهم000 ضحايا جرائم الإرهاب الغادرة000 التي لا تفرق بين الشيوخ والرجال والأطفال والسيدات000 ألم يطلع مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء علي أخبار الصحف المتعاقبة000 التي تأتي علينا كل حين000 بتفاصيل جريمة إرهابية جديدة000 ليس لها أي هدف سوي الإخلال بأمن هذا البلد وهدم مقوماته الرئيسية000 أليست تلك الأحداث تبرر إصدار الدولة لقانون الإرهاب رقم 97 لسنة 1992 000وهو ما أعتبره مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء تزيدا غير مبرر في ظل وجود قانون الطوارئ000 أي تزايد هذا الذي يقصده000 أن نترك مقدرات هذا الشعب لاراده بعض الصبية المأجورين لزعزعة الاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي والسياسي000 نعم من حق هؤلاء أن يجد من يدافع عنهم بعد ضبطهم عند ارتكاب جرائمهم الخسيسة أو عند اتخاذ إجراءات تقويض نشاطهم الذي يخططون له طبقا لمبدأ كفالة حق الدفاع لأي شخص000 ولكن ليس لهذا الحق أن يتحول إلي تشهير بسلطات الدولة الثلاث وبالنظام القانوني المصري العريق000 ذلك النظام الذي أشك أن يكون مركز حقوق الإنسان قد اطلع علي جميع تفاصيله التي ينطق كل جزء منها بكفالة الحقوق والحريات في هذا البلد الذي ننتمي إليه جميعا000 ولكن! عندما يكون كفالة تلك الحقوق والحريات الشخصية قيدا علي المصلحة العامة للمجتمع ككل فأن هذا النظام القانوني يقف بالمرصاد لكل حاقد أو معتدى علي الأمن والنظام العام في الإقليم الذي يحكم هذا النظام طبقا للإجراءات القانونية المتبعة فيه وليس بوسائل التعذيب كما ادعى هذا التقرير.
-الكلام لا ينضب للرد علي تلك الاتهامات ولكن التزامي بأسلوب البحث العلمي الذي أشرت إلية في تقديم هذا البحث يعصمني من الجدل بالكلمات، وينتقل بي إلي عرض النقاط التي سيشملها هذا الجزء من الدراسة لبيان 'وهم ما يسمي بانتشار التعذيب في مصر'من خلال الأتي:
أولا:- التشريع المصري ومناهضة التعذيب.
1) حقوق الإنسان في ضوء تطبيق قانون الطوارئ.
2) قانون العقوبات وحماية حقوق الإنسان.
3) أنواع السجون في مصر وكيفية إنشاءها وتشغيلها.
ثانيا:- المناخ السياسي والاجتماعي في مصر (مؤشرات ثقافة حظر التعذيب).
1) واقعية احترام السلطات للقانون وتطبيق مبدأ سيادة القانون.
2) الآثار القانونية للتصديق علي المعاهدات الدولية (الوضع في مصر).
- وقبل عرض هذه النقاط يجب أن أوضح طبيعة هذا العرض الذي يهدف إلي تصحيح بعض المفاهيم الواردة بالتقرير المشار إليه دون تفصيل، فكل عنوان فرعي من النقاط السابقة يحتاج إلي مؤلف متخصص مستقل بذاته، فمثلا حقوق الإنسان في نطاق أحكام وتطبيق قانون العقوبات تم بحث هذه الجزئية من خلال أبحاث لإجازة درجة الدكتوراه، لذا أردت التنويه وللاستزادة يمكن الرجوع للمؤلفات والمراجع العديدة في المجالات المشار إليها.
أولا: التشريع المصري ومناهضة التعذيب.
1) حقوق الإنسان في ضوء تطبيق أحكام قانون الطوارئ:
أبدأ هذا العرض بتعليق أستاذنا الدكتور/ سليمان الطماوى (رحمة الله علية وعلي أمثاله) عند التعرض بالشرح للأساس القانوني في سن قوانين استثنائية دائمة لاستخدامها فى مواجهة بعض الظروف الطارئة وغير العادية التى تهدد سلامة الوطن بقوله ما هو العمل إذا صادفت الادارة ظروف استثنائية لا يمن مواجهاتها بقواعد المشروعية العادية؟00000 هل نضحي بسلامة الدولة وأمنها احتراما لقواعد المشروعية الصارمة، أم تخول الإدارة سلطة التحرر بعض الشيء من قواعد المشروعية لكي يمكن لها التغلب علي تلك الظروف الاستثنائية؟ لاشك أن سلامة الدولة فوق القانون، وأن الضرورات تبيح المحظوراتومن ثم فإنه من المسموح به للإدارة أن تتحرر من قواعد المشروعية بالقدر اللازم لمواجهة الظروف الاستثنائية، غير أن القدر من قواعد المشروعية قد يكون نتيجة قوانين صدرت خصيصاً لمواجهة تلك الظروف الاستثنائية، وحيث تمتد سلطة الإدارة بالقدر الذي تخوله تلك التشريعات'.
- والحقيقة أن التبرير النظري والعلمي علي حد سواء لاستمرار إعلان حالة الطوارئ واستخدامها لمواجهة بعض الحالات التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة والمعلومة للكافة سواء فئات المثقفين أو رجل الشارع العادي، تحتاج منا إلي تفصيل، إلا أننا نكتفي بمقولة عميد فقهاء القانون العام في مصر والمعروف عنه آراؤه السديدة البعيدة عن أي هوى شخصي أو مطامع زائفة يروجها أصحاب المصالح الشخصية علي كل صاحب رأى قانوني وعملي متعقل يعي جيدا احتياجات مجتمعنا للحفاظ علي أمنه واستقراره، ذلك الأمن والاستقرار الذي لا غني عنه لأي مجتمع يرغب في استقرار أوضاعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
- ولكن يثور التساؤل، هل يشكل تطبيق أحكام قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 وتعديلاته مناخا مناسبا لانتشار التعذيب في مصر طبقا للرأي الوارد في التقرير المشار إليه؟
وهل يؤثر هذا التطبيق علي التزام مصر بتطبيق أحكام الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب؟ وهل صلاحيات سلطة الطوارئ تكون بمنأى عن الرقابة والإشراف القضائي؟
إجابة هذه التساؤلات في العرض التالي:
أ- إعلان حالة الطوارئ واتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة علي الأمن والنظام العام طبقا لأحكام المادة 3 من القانون رقم 162 لسنة 1958 (المعدلة بالقانون رقم 37 لسنة 1972)، لا تكون بمنأى عن وضع العديد من الضوابط التي تحكم هذا الإعلان سواء في مجال الفقه القانوني أو التطبيق القضائي 0000، ومن أهم تلك الضوابط أن سلطات الطوارئ لا يجوز لها أن تخالف النصوص الدستورية، فالمشرع الدستوري لم يسمح مطلقا بإسقاط أي حكم من أحكام الدستور حتى ولو كان ذلك في ظل قيام حالة الطوارئ، ومن أهم النصوص الدستورية التي لا يمكن لأي سلطة مهما كان قدرها أن تعطل أحكامها في ظل قانون الطوارئ هو نص المادة (42) من دستور 1971، التي تنص علي أنه 'إذا قبض علي شخص فيجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان ولا يجوز إيذاؤه بدنيا أو معنويا'، كما أن حالات القبض هنا لا تقتصر فيها الحماية علي القبض القضائي فقط، واكن تطبق أيضا علي حالات الاعتقال الذي يتقرر كتدبير من تدابير الطوارئ، وهو ما يستفاد من نص المادة (71) من الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية.
ب- وفقا للرأي الغالب في الفقه القانوني وطبقا للسوابق القضائية الصادرة في مجال تحديد اختصاصات سلطات الطوارئ ووضع الضوابط الخاصة بها،فأن تلك الاختصاصات يجب أن يتم تفسير نصوصها تفسيرا ضيقا وذلك للحيلولة من قيام تلك السلطة بالاعتداء علي الحقوق والحريات الفردية ،وحتى لا يتحول نظام هو في حقيقته ومرماه نظام دستوري يقيد القانون إلي نظام مطلق لا عاصم منه وليست له حدود.
- وطبقا لذلك أكدت المحكمة الدستورية العليا في أحد أحكامها علي عدم تمتع الحكومة بسلطة مطلقة في إعلان حالة الطوارئ وإنما هناك قيود وضوابط يتعين عليها مراعاتها والالتزام بها، حيث قضت بأن 'لا يكون إعلان حالة الطوارئ إلا لمواجهة نذر خطيرة تتهدد معها المصلحة العامة القومية، وهي حالة لا تلائمها أحيانا تلك التدابير التي تتخذها الدولة في الظروف المعتادة باعتبار أن طبيعتها ومداها تفرض من التدابير الاستثنائية ما يناسبها ويعتبر لازما لمواجهة تبعاتها'.
ج- استحدث القانون رقم 50 لسنة 1982 بعض الإضافات والتعديلات علي قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 بهدف زيادة ضمانات الحريات الشخصية، وعدم اللجوء إلي اعتقال الأشخاص خلال فترة الطوارئ دون قيام وثبوت دليل جدي أن المعتقل من المشتبه فيهم أو من الخطرين علي الأمن والنظام العام، ومن أهم هذه الضمانات:-
- ضرورة إبلاغ المعتقل كتابة وفوراً بأسباب اعتقاله.
- حق المعتقل في الاتصال بمن يري إبلاغه بما وقع له والاستعانة بمحام.
- معاملة المعتقل معاملة المحبوس احتياطيا.
هذه مجرد أمثلة للتدليل علي عدم وجود تعارض بين إعلان حالة الطوارئ وتطبيق التدابير التشريعية لمناهضة التعذيب.
د- دون الدخول في تفاصيل الخلاف الفقهي والقضائي حول تكييف قرار إعلان حالة الطوارئ ومدي خضوعه بالتالي لرقابة القضاء باعتباره عملا من أعمال السيادة، فان الأمر يختلف تماما بالنسبة للأوامر والإجراءات التي تتخذ تنفيذ لقانون الطوارئ، فهناك شبه إجماع في الفقه والقضاء علي الإجراءات والأوامر الصادرة تنفيذا لقانون الطوارئ تعتبر أعمالاً إدارية تنبسط عليها رقابة القضاء إلغاء وتعويضا.
- ولا يقدح في ذلك صدور القانون رقم 50 لسنة 1982 الذي نص في مادته الثالثة علي أنه 'تختص محاكم أمن الدولة العليا 'طوارئ ' دون غيرها بنظر كافة الطعون والتظلمات من الأوامر والقرارات المشار إليها في المادة (3مكرر) من القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ، وتحال إلي هذه المحكمة -بحالتها - جميع الدعاوى والطعون والتظلمات المنظورة أمام أي جهة قضائية أو غير قضائية.
- ويثير نص المادة (68) من الدستور مسألتين غاية في الأهمية تم بحثهم من خلال مؤلفات عديدة لكل نقطة منهما علي حده، ألا وهما 'تحصين أعمال وقرارات الإدارة من رقابة القضاء 'ومشكلة تحديد القاضي الطبيعي'.
وإذا كانت النقطة الأولي ليست محل خلاف بالنسبة لموضوع خضوع الأوامر والقرارات الصادرة عن سلطات الطوارئ لرقابة القضاء حيث أن محكمة أمن الدولة العليا هي جهة قضائية بالمعني المتفق عليه في شأن تحديد السلطات القضائية، إلا أن الخلاف يثور حول اعتبارها جهة الولاية القضائية الطبيعية بشأن نظر المنازعات المتعلقة بتطبيق القانون رقم 162 لسنة 1958.
- ولبيان ما هى مشكلة القاضي الطبيعي خاصة في مجال الرقابة علي أعمال وقرارات سلطات الطوارئ، فان الأمر يستلزم منا دراسة العديد من المبادئ والأحكام القانونية المتعلقة بموضوعات تحديد الاختصاص القضائي للمحاكم الإدارية، وأحكام تفسير النصوص الدستورية نظريا وقضائيا إلا أن طبيعة هذه الدراسة تعفينا من هذا الاسترسال اللازم لبيانها محيلين في التفصيلات إلي المراجع القانونية العديدة التي تزخر بها المكتبات القانونية المصرية المتخصصة في مجال القانون العام والخاصة بموضوع القضاء الإداري والقضاء الدستورى والمبادئ الدستورية العامة.
- إلا إننا يلزم أن نشير فى عجالة سريعة إلى كيفية انعقاد الاختصاص القضائى للمحاكم الادارية والتى حددتها المواد 10، 11، 12 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 والتى أصبح بمقتضاها القضاء الادارى فى مصر هو صاحب الاختصاص العام بالفصل فى القضايا ذات الطبيعة الادارية، إلا أن هذا المعيار العام لا يمنع من وجود استثناءات بجواره مرجعها إلى النصوص أو السوابق التنظيمية، وهو الأمر الذى جرى عليه العمل فى القضاء الادارى الفرنسي، وعلي ذلك فان هذا المعيار لا يمنع المشرع من أن يعهد إلي جهتي القضاء المصري (العادي –الإداري) بالفصل في المنازعات لا تتفق مع المعيار العام في توزيع الاختصاص .
- كما إن معيار توزيع الاختصاص بين جهات القضاء المصري خاصة في الحالة محل البحث يجب أن يتم تفسيره وفقا للمادة الثالثة من القانون رقم 162 لسنة 1958 (المعدلة بالقانون رقم 37 لسنة 1972) والتي جاء بها '0000000ويترتب علي إعلان حالة الطوارئ انتقال السلطة من الهيئات المدنية إلي الهيئات العسكرية 00000' وبالتالي فإنه وفقاً للمعيار الموضوعي الذي تبناه قضاء مجلس الدولة في العديد من أحكامه لبيان ما هي أعمال وقرارات الإدارة، فإنه يكون من غير الملائم انعقاد الاختصاص لها بالنسبة لأعمال وقرارات سلطات الطوارئ.
- بالإضافة إلي ذلك فقد فصل قضاء المحكمة الدستورية في هذه المسألة بطريقة قطعية حيث قضت بأن محكمة أمن الدولة العليا 'طوارئ' وقد خصها المشرع وحدها بولاية الفصل في التظلمات من أوامر الاعتقال فصلا قضائيا قد أضحت هي القاضي الطبيعي الذي يحق لكل معتقل أو غيرة من ذوي الشأن -الالتجاء إليه بالنسبة لهذه التظلمات، كما أنه ليس في إسناد الفصل في التظلمات إلي محكمة أمن الدولة العليا'طوارئ' أي تحصين لأمر الاعتقال- وهو قرار إداري من رقابة القضاء طالما أن المشرع قد جعل التظلم منه أمام جهة قضاء هي محكمة أمن الدولة العليا 'طوارئ' الأمر الذي لا ينطوى علي أي مخالفة لحكم المادة 68 من الدستور 000000'
هـ- نظمت التعليمات القضائية للنيابات الصادرة عام 1980 والمعدلة بقرار النائب العام رقم 738 لسنة 1999 في الفصل الثاني من الباب الحادي والعشرين أحكام وقواعد التفتيش علي السجون وأماكن الاحتجاز الأخرى، في المادة (1749) ما يلي:
- أن يقوم عضو النيابة القائم بالتفتيش بالاطلاع علي أوامر الاعتقال أو الأوامر الكتابية بالإيداع بالنسبة للمعتقل، والتثبت من وجود تلخيص لها بسجلات السجن، وطلب صور من أوامر الاعتقال أن تبين عدم وجودها.
- إذا وجد عضو النيابة محبوسا أو محجوزا بدون وجه حق أو في غير المكان المخصص لذلك، يحرر علي الفور محضرا بالواقعة يأمر فيه بالافراج عنه فورا في الحالة الأولى وبالإيداع في المكان المخصص لذلك في الحالة الثانية، مع إثبات ذلك في المحضر موضحاً به ساعة وتاريخ هذه الأجراء وشخص وتوقيع مستلم الأمر بالإفراج أو بالإيداع.
- يستكمل عضو النيابة تحرير محضر التفتيش عند عودته إلي مقر النيابة يضمنه ما لاحظه من جرائم ومخالفات، ثم يبادر بإخطار المحامي العام للنيابة الكلية بذلك، ويرسل إليه ذلك المحضر.
و) الوضع القانوني لجرائم التعذيب في مصر يستند إلي ركيزتين أساسيتين هما: الوضع الدستور والوضع القانوني وقد كفل الدستور الضمانات التي تعزز حقوق الأفراد وحرياتهم وتحول دون تعرضهم للإيذاء بدنيا أو معنويا كما نظم القانون رقم 162 لسنة 1958 الأحوال والاجراءات المتعلقة بالطوارئ العامة ولم يتضمن هذا القانون أي إشارة إلى ما يفيد تعطيل أحكام قانون العقوبات بشأن جريمة التعذيب أو جرائم الحبس بدون وجه حق أو جرائم استعمال القسوة ولم ينص القانون علي إعطاء الحق لأي جهة في تعطيل أحكام قانون العقوبات أو إباحة أفعال مؤثمة فيه، وبالتالي فان جريمة التعذيب وغيرها تسري حتى في الأحوال التي تعلن فيها الطوارئ العامة ، وبالتالي لا يوجد ما يحول دون تطبيق أحكام اتفاقية مناهضة التعذيب الصادرة عام 1984 والتي انضمت إليها مصر بموجب القرار الجمهوري رقم 154 لسنة 1986، والمنشور في الجريدة الرسمية وعمل بها كقانون من قوانين البلاد في 25/7/1986، وبين تطبيق أحكام قانون الطوارئ، وسيتم تفصيل هذه الجزئية عند الحديث عن نطاق حماية حقوق الإنسان في قانون العقوبات المصرى.
ز) اعترفت الشرعة الدولية لحقوق الإنسان من خلال نص المادة 4/1 بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية أنه كأصل عام يباح للدولة في الظروف الاستثنائية اتخاذ تدابير واجراءات تتيح لها التحلل من التزامات العهد حيث جاء بها:- 'يجوز للدول الأطراف في أوقات الخطر العامة التي تهدد حياة الأمة والتي يعلن عن وجودها بصفة رسمية أن تتخذ من الاجراءات ما يحلها من التزاماتها طبقا للعهد إلى المدى الذي تقتضيه بدقة متطلبات الوضع علي أن لا تتنافى هذه الاجراءات مع التزاماتها الأخرى بموجب القانون الدولي 'وجاء بالفقرة الثانية من تلك المادة أنه 'ليس في هذا النص ما يجيز التحلل من الالتزامات المنصوص عليها في المواد 6، 7، 8، 11، 15' ومن ضمن الالتزامات التي لا يجوز التحلل منها طبقا لهذا النص التحرر من التعذيب وغيرة من ضروب المعاملة والعقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهنية أو الحاطة بالكرامة.
وبنظرة تحليلية لهذا النص مع الواقع العلمي للإحصائيات والبيانات الدقيقة لانحسار جرائم الإرهاب والمخدرات في مصر إلى حد بعيد كأحد نتائج تطبيق قانون الطوارئ ومنعكس ذلك تحقيق الاستقرار الأمني في المجتمع 000 فإن مواجهة تلك الجرائم تمثل تبرير لاعتبارها خطر عام يهدد حياة الأمة 0000 الواقع أنني لا أحتاج إلى اطلاع السادة محرري التقرير علي نوعية الخطر والأضرار المترتبة علي ارتكاب جرائم الإرهاب والمخدرات 000 كما آري أن كاتب التقرير لا يحتاج مني إلى شرح لكيفية ارتكاب تلك الجرائم من خلال تنظيمات دولية إجرامية يصعب معها إثبات ارتكابهم لها بوسائل الإثبات المقررة في القوانين الإجرائية العادية 000 وأخيرا فإن كاتب التقرير يعلم جيدا وسائل وإجراءات البطلان التي تؤدي في كثير من الأحيان إلى إفلات الرؤوس المدبرة لتلك الجرائم من العقاب000 مع اعتبار أن هذا الكلام ليس نقدا للنظام الإجرائي الجنائي المصرى 000 كما أنه ليس افتئاتا علي كفالة حق الدفاع المعترف به دستوريا 000 ولكنه عرض لواقع التطبيق العملي في مواجهة تلك الجرائم التي تؤثر علي مقدرات هذا المجتمع بشكل كبير الأمر الذي يمثل حالة من الخطر العام تتيح لسلطات الدولة مواجهتها بالإجراءات والتدابير الاستثنائية وفي نفس الوقت لا تعتبر تلك الاجراءات مبرره للجوء للتعذيب 000 وهو ما سوف نعرضه من خلال ضمانات قانون العقوبات في مواجهة تلك الممارسات غير المشروعة.
2- قانون العقوبات حماية لكل حقوق الإنسان.
في سياق انتقاد مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء فيما أسماه الحماية القاصرة في قانون العقوبات من جرائم الاعتداء علي السلامة الجسدية، ركز علي النقاط التالية:
- غياب تشديد العقوبات عن جرائم الاعتداء علي السلامة الجسدية من قبل الموظفين العموميين وهم الأشخاص الأكثر توقعا للقيام بالتعذيب، وبالأخص ضباط الشرطة.
- اقتصار الحماية في قانون العقوبات علي الإيذاء البدني دون الإيذاء المعنوي.
- اختلاف ضوابط وتعريف جريمة التعذيب في قانون العقوبات عن التعريف الوارد بالاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب.
- وسيكون عرضنا لنطاق حقوق الإنسان في قانون العقوبات المصري من خلال تلك الانتقادات حيث أن عرض تفصيلات هذا الموضوع يحتاج لمساحة لا تتناسب وهذه الدراسة.
أ) الاعتداء علي السلامة الجسدية بواسطة الموظفين العموميين (جريمة الفاعل الخاص)
يعتبر فاعل الجريمة من العناصر المكونة للجريمة ذاتها باعتبار أنه صاحب السلوك الإجرامي وبغيره لا يكون لهذا السلوك وجود، وإذا كان الأصل في الجريمة أنها تتحقق بالسلوك المكون لها أياً كان الفاعل صاحب السلوك كما في السرقة والقتل، غير أن هناك حالات لا يحقق السلوك فيها الجريمة الموصوفة في النموذج الإجرامي إلا إذا كان الفاعل صاحب السلوك ذا صفة معينة أو وضع معين.
- والمقصود بصفات وأوضاع الفاعل في جرائم الفاعل الخاص تلك الصفات والأوضاع الداخلة في تكوين نموذج الجريمة والمعتبرة جزءا من ملابسات السلوك الإجرامي الموصوف في هذا النموذج أي تلك التي يتوقف عليها الركن المادي ويتألف بها الوجه الخارجي للجريمة ذاتها.
وتعتبر صفة الموظف العام لازمة في جرائم الفاعل الخاص والواردة بالكتاب الثاني من قانون العقوبات المصري الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 وتعديلاته بالأبواب من الثالث حتى السادس، فالمصلحة المحمية العامة في هذه الطائفة من الجرائم وهي كفالة الثقة وحسن سير العمل الوظيفي طبقا لقواعد المشروعية هي التي حدت بالمشرع لأن يستلزم في الجاني صفة الموظف العام.
- إلا إن الجرائم المنصوص عليها في الباب السادس تتجاوز تلك المصلحة المحمية ألا وهي حسن العمل الوظيفي نظراً لارتباطها بكفالة وتعزيز واحترام الحريات الشخصية، حيث أن تلك الجرائم تصدر عن أشخاص خولهم القانون سلطة معينة لا يجوز استخدامها في الإكراه وسوء المعاملة لأفراد الناس.
ومجرد أفراد قواعد للتجريم الجنائي عن الأفعال غير المشروعة لفئات الموظفين العموميين دون آحاد الناس يعتبر نوع من أنواع التشديد في العقاب، بالاضافة إلى أن الباعث من جريمة التعذيب إذا كان بهدف الحصول علي اعتراف فإن هذا الباعث يعد ظرفا مشددا، حيث قرر المشرع لهذه الجريمة عقوبة تصل إلى حد القتل العمد في حالة وفاة المجني عليه.
- أليس في ذلك تشديد في العقاب علي جريمة التعذيب التي تعتبر من جرائم الفاعل الخاص التي تحدثنا عنها آنفا والواقعة من الموظف العام تلك الصفة التي يتصف بها رجال الشرطة الذين وصفهم التقرير بأنهم الأشخاص الأكثر توقعا للقيام بالتعذيب مع عدم وجود حماية وتشديد من جراء قيامهم بها ؟……… أترك الرد لمحرري التقرير أنفسهم وفي حالة عدم اقتناعهم بهذه العقوبات فليطرحوا علينا رؤيتهم في نوعية العقاب الذي يتجاوز عقوبة القتل العمد!
- ثم أليس في إغفال التقرير لحالات عديدة صدرت فيها أحكام قضائية بالحبس والسجن في قضايا التعدي علي المواطنين (سواء داخل السجون أو خارجها) ضد ضباط شرطة وغيرهم من الموظفين العموميين، لهو دلالة علي أن التقرير يتناول عرضه وفقا لافتراض مسبق سيطر علي تفكيره في الكتابة وهو اقتناعه'بان هناك ممارسات للتعذيب في مصر تتم بدون حماية تشريعية أو قضائية'.
- كيف ذلك يا أخي000 ألا تعلم أن هذه الأحكام الصادرة بالحبس والسجن ولمدد عقوبة تصل إلى عشر وخمسة عشر عاما صدرت تطبيقا لأحكام المادة (126) عقوبات وغيرها من مواد قانون العقوبات أو قوانين التجريم الخاصة تمثل قمة الشرعية القانونية في مصر لمواجهة ما أسماه التقرير'ممارسات التعذيب' تطبيقا لأحكام العقاب علي تعدد الجرائم والتي نظمها المشرع في المواد (32-38) عقوبات وأظن أن المجال لا يسمح بعرض هذه القواعد المفترض علم مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء بها وهو مركز متخصص في الأعمال القانونية، والواقع أنه قد حدث لبس لمحرر التقرير عند تناوله لجرائم الموظفين العموميين، فأظنه لا يعلم أن جميع أحكام قوانين العقاب تسري علي الموظفين العموميين كسريانها على آحاد الناس باعتبارهم من الأشخاص المخاطبين بتلك الأحكام طبقا لقواعد نطاق تطبيق القانون من حيث الزمان والمكان التي درسناها بمادة المدخل لدراسة القانون في السنة الأولى بكليات الحقوق وكلية الشرطة !!!
ب- حماية قانون العقوبات من الإيذاء البدني والمعنوي:
جاء بالتقرير أن الانتقادات تنصب علي قانون العقوبات فيما ورد بالمادة (129) من عقوبات هزيلة بها كما اقتصرت بالحماية علي الإيذاء البدني دون الإيذاء المعنوي.
وكما ذكرنا في بداية هذه الدراسة أن ممارسات القانون وخاصة بين أوساط المهتمين بمسائل حقوق الإنسان يجب أن يكون لديهم القدرة علي استنباط الأحكام من واقع النظام القانوني المتكامل وليس بالنظر إلى نص مادة أو مادتين من تشريع منفرد، كما يجب عليهم أن يكونوا مطلعين علي التطورات التي تحدث في هذا النظام.
- والواقع أن محرر التقرير قد جانبه الصواب في هذه الانتقادات، ومن المحتمل ألا يكون قد اطلع علي القانون رقم (6) لسنة 1998 والذي أضاف الباب السادس عشر إلى أبواب الكتاب الثالث من قانون العقوبات .
- وقد أضاف هذا القانون المادتين 375 مكرر أ، و375 مكرر أ (1) ونصها كالتالي:
375 مكرر أ: مع عدم الاخلال بأية عقوبة أشد واردة في نص أخر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من قام بنفسه أو بواسطة غيره باستعراض القوة أمام شخص أو التلويح له بالعنف، أو بتهديده باستخدام القوة أو العنف معه أو مع زوجة أو أحد من أصوله أو فروعه، أو التهديد بالافتراء عليه أو علي أي منهم بما يثنيه أو بالتعرض لحرمة حياته أو حياة أي منهم الخاصة، وذلك لترويع المجني عليه أو تخويفه بإلحاق الأذى به بدنيا أو معنويا أو هتك عرضه أو سلب ماله أو تحصيل منفعة منه أو التأثير في إرادته لفرض السطوة عليه أو لإرغامه علي القيام بأمر لا يلزمه به القانون أو لحملة علي الامتناع عن عمل مشروع، أو لتعطيل تنفيذ القوانين أو اللوائح أو مقاومة تنفيذ الإرهاب أو الإنسانية أو الاجراءات القضائية أو القانونية واجبة التنفيذ، متي كان من شان ذلك الفعل أو التهديد إلقاء الرعب في نفس المجني عليه أو تكدير أمنه أو سكينته أنواع طمأنينته أو تعريض حياته أو سلامته للخطر أو إلحاق الضرر بشيء من ممتلكاته أو مصالحه أو المساس بحريته الشخصية أو شرفه أو اعتباره أو بسلامة أرادته.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين إذا وقع الفعل أو التهديد من شخصين فاكثر، أوقع باصطحاب حيوان يثير الذعر، أو بحمل سلاح أو اله حادة أو عصا أو أي جسم صلب أو أداة كهربية أو مادة حارقة أو كاوية أو غازية أو مخدرة أو منومة أو أي مادة أخرى ضارة.
وتكون العقوبة مدة لا تقل عن سنتين ولا تتجاوز خمس سنين إذا وقع الفعل أو التهديد علي أنثى، أو علي من يبلغ ثماني عشر سنة ميلادية كاملة.
ويقضي في جميع الأحكام بوضع المحكوم عليه تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة المحكوم بها عليه0
مادة 375 مكرر أ(1): يضاعف كل من الحدين الأدنى والأقصى للعقوبة المقررة لأية جنحة أخري بناء علي الجريمة المنصوص عليها في المادة السابقة، ويرفع الحد الأقصى لعقوبتي السجن والأشغال الشاقة المؤقتة إلى عشرين سنة لأية جناية أخري تقع بناء علي ارتكابها.
وتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن إذا ارتكبت جناية الجرح أو الضرب أو إعطاء المواد الضارة المفضي إلى موت المنصوص عليها في المادة (236) بناء علي الجريمة المنصوص عليها في المادة السابقة فإذا كانت مسبوقة بإصرار أو ترصد تكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة.
وتكون العقوبة الإعدام إذا تقدمت الجريمة المنصوص عليها في المادة السابقة أو اقترنت أو ارتبطت بها أو تلتها جناية القتل العمد المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة (234).
ويقضي في جميع الأحكام بوضع المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة المحكوم بها عليه بحيث لا تقل عن سنة ولا تتجاوز خمس سنين.
- وغني عن البيان أن نص هاتين المادتين ينطبق علي الموظفين العموميين وعلي آحاد الناس، أي أمن جريمة الترويع والتخويف (البلطجة) تندرج تحت تصنيف جرائم الفاعل المطلق حيث لاتمثل صفة الفاعل أي تأثير علي انطباق شروط ارتكابها، وفي هذا ما ينفي عن التشريع المصرى أنه مناخ مناسب لانتشار التعذيب.
- وأخيراً ألم يكن كاتب هذا التقرير مطلعا علي (القانون رقم 37 لسنة 1972) الصادر بتطبيق بعض النصوص المتعلقة بضمان حرية المواطنين في القوانين القائمة (العقوبات- الاجراءات الجنائية– الطوارئ- قانون إعادة تنظيم الرقابة الادارية) والتي أصبغت علي تلك النصوص صفة القوانين الأساسية المكملة للدستور والمنفذة لأحكامه0000 والتي سبق لنا القول انه لا يجوز تعطيل تطبيقها حتى مع إعلان حالة الطوارئ 000 ألم يكن قارئا ومحللا لجميع نصوص قانون العقوبات 000 وتشديده المطلق بالعقوبات علي الجرائم التي ترتكب من الموظفين العموميين 000 خاصة ما يتصل منها بإهدار الحريات والتعدي عليها 000 حتى وصل ذلك إلى التقرير بالإعدام لجرائم وصفها القانوني السليم هو القتل الخطأ الغير مقارن بالسبق والترصد0000
- أي حماية تشريعية أخري 000 يطلبها كاتب هذا التقرير 000أيمكن لهذا التقرير أن يدلنا إلى الأنظمة القانونية المقارنة التي يوجد بها حماية تشريعية وقضائية 000 أجدى من تلك الحماية المقررة والمطبقة في النظام القانوني المصري!!
ج- النظام القانوني المصري وتعريف التعذيب الوارد باتفاقية 1984:
طبقا للمادة (19) من اتفاقية مناهضة التعذيب، تقدم كل دولة طرف فيها إلى لجنة مناهضة التعذيب تقارير عن التدابير التي اتخذتها بمقتضى الاتفاقية.
وقد ورد بتقرير مصر الدوري الثالث المقدم إلى لجنة مناهضة التعذيب في مايو 1999، رداً علي أن القانون الجنائي المصري لا يتضمن تعريفا للتعذيب يتفق مع التعريف المنصوص علية في المادة الأولى من الاتفاقية، بأن التشريع المصري يكفل أوسع حماية ممكنة للمواطنين وأشار الرد المصري إلى نماذج لأحكام قضائية يتضح منها أنها لم تشترط أن يتحقق قدر أدنى من الجسامة في الألم الناشئ عن التعذيب، كما لم تشترط أن يترك التعذيب أثراً مادياً، ولم تقيد التعذيب بأوصاف جامدة علي سبيل الحصر، وقد أخذت لجنة مناهضة التعذيب بهذا الشرح بدليل أنها لم تدرج هذه النقطة في ملاحظاتها علي التقرير المصري.
- أما عن تعارض قانون العقوبات فيما ورد في المادة (63) الخاصة بحالة التذرع بأوامر الرؤساء، مع نص المادة الثانية من الاتفاقية التي تنص علي أن أوامر الرؤساء لا تعفي من المسئولية عن ارتكاب جريمة التعذيب، فاود أن الفت نظر محرري تقرير مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء إلى موقف محكمة النقض المصرية في هذا الشان، تلك المحكمة التي تمثل قمة القضاء المصري والتي لم يقف دورها عند إرساء المبادئ القانونية بل تعدي ذلك إلى اعتبار أحكامها بمثابة النموذج لما ينبغي أن يكون عليه الحكم القضائي من حيث الصياغة والتأصيل السليم والغرض الواضح والتسبيب الوافي.
- فقد حددت محكمة النقض مراد الشارع بحسن النية الواردة بالمادة (63) فقالت إنه 'يتحقق إذا كان المتهم يعمل في ظروف تجعله يعتقد انه إنما يباشر عملاً له صبغة رسمية، فإذا ما ارتكب فعلا ينهي عنه القانون تنفيذاً لأمر صادر إليه من رئيسه الذي تجب عليه طاعته فإنه لا يكون مسئولا علي أي الأحوال.
ومن المقرر أن الجهل بأحكام أو أنواع قواعد قانون آخر غير قانون العقوبات أو أنواع الخطأ فيها يجعل الفعل المرتكب غير مؤثم .
- وكذلك قررت محكمة النقض أنه 'من المقرر أن طاعة الرئيس لا تمتد بأي حال إلى ارتكاب الجرائم وانه ليس علي مرؤوس أن يطيع الأمر الصادر إليه من رئيسه بارتكاب فعل يعلم هو أن القانون يعاقب علية '.
(3) أنواع السجون فى مصر (إنشاءها وتشغيلها)
جاء بتقرير مركز حقوق الإنسان أن من أبرز عيوب قانون السجون هو حق وزير الداخلية فى إنشاء سجون خاصة واعتبار أى مكان خاص سجناً مثل أى معسر أو مبنى وزارة الداخلية أو0000000، كما جاء بذات النقطة أن الاشراف على السجون بمعرفة النيابة العامة هو اشراف شكلي، وسوف نتعرض بالشرح لكيفية إنشاء السجون وتشغيلها مرجئين شرح وتفصيل الإشراف على السجون إلى موضع أخر من هذه الدراسة.
- أما عن أنواع السجون فى مصر وكيفية إنشاءها وتشغيلها فتحتاج إلى بعض الشرح لبيان ما قد يكون غامضا على البعض، أما لعدم المعرفة أو لعدم القدرة على استنباط الأحكام القانونية الصحيحة.
- تنص المادة الأولى من قانون تنظيم السجون الصادر بالقرار الجمهوري رقم 396 لسنة 1956 علي أنه:
- السجون علي أربعة أنواع:
أ- ليمانات
ب- سجون عمومية
ج- سجون مركزية
د- سجون خاصة تنشأ بقرار من رئيس الجمهورية تعين فيه فئات المسجونين الذين يودعون بها وكيفية معاملتهم وشروط الإفراج عنهم.
- ويصدر وزير الداخلية قرار بتعيين الجهات التي تنشأ فيها السجون من كل نوع ودائرة كل منها.
- وقد ميز الشارع في هذه المادة بين أربعة أنواع من السجون وحدد بعد ذلك طوائف المحكوم عليهم الذين يودعون في كل نوع فيها كالتالي:
- الليمانات: ويودع فيها الرجال المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة بنوعيها.
- السجون العمومية: ويودع فيها المحكوم عليهم بعقوبة السجن والنساء المحكوم عليهن بعقوبة الأشغال الشاقة، والرجال المحكوم عليهم بعقوبة الأشغال الشاقة الذين ينقلون من الليمانات لأسباب صحية أو لبلوغهم سن الستين أو لقضائهم فيها نصف المدة المحكوم بها أو ثلاث سنوات أي المدتين أقل وكان سلوكهم حسناً خلالها، والمحكوم عليهم بالحبس لمدة تزيد علي ثلاثة أشهر إلا إذا كانت المدة الباقية وقت صدور الحكم عليهم أقل من ذلك ولم يكونوا مودعين من قبل في سجن عمومي.
السجون المركزية: ويودع فيها المحكوم عليهم بالحبس مدة لا تزيد علي ثلاثة أشهر أو كانت المدة المتبقية عليه وقت صدور الحكم أقل من ثلاثة أشهر بعد خصم المدة الذي قضاها في الحبس الاحتياطي.
السجون الخاصة: فهذه السجون المقرر إنشائها طبقا لحكم الفقرة (د) من المادة الأولى من قانون تنظيم السجون لا يزال هذا النص معطلاً، فلم ينشأ في جمهورية مصر العربية حتى كتابة هذه السطور أي سجن خاص طبقا لهذه الفقرة.
وأما عن السجون الخاصة التي أورد لها تقرير مركز حقوق الإنسان بعض الأمثلة في مبني وزارة الداخلية أو المباحث العامة أو مباحث أمن الدولة أو معسكرات الأمن المركزي أو أية مبان أو أماكن خاصة، فأود أن أوضح لمحرر هذا التقرير طبيعة هذه السجون.
- بداية يجب أن أشير إلى الاسم الصحيح لتلك السجون التي أوردها التقرير فهي سجون عسكرية وليست سجون خاصة، تلك السجون المقرر إنشائها لتنفيذ الاجراءات التحفظية والعقوبات الانضباطية على أفراد هيئة الشرطة وجنود الدرجة الثانية طبقا لأحكام القانون رقم 25 لسنة 1966 بإصدار قانون الأحكام العسكرية والقانون رقم 109 لسنة 1971 فى شأن هيئة الشرطة.
- وتطبيقا لسلطة التأديب المقررة قانونا لجهات وزارة الداخلية التى تتولى الاختصاصات المنصوص عليها فى قانون الإحكام العسكرية ولتنظيم العمل والاجراءات فى السجون العسكرية، فقد صدر قرار وزير الداخلية رقم 1050 لسنة 1973 بلائحة جزاءات أفراد هيئة الشرطة وبتحديد جهات وزارة الداخلية التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في قانون الإحكام العسكرية وبتنظيم السجون العسكرية .
وتنص المادة (35) من هذا القرار علي أن'يكون تنفيذ العقوبات السالبة للحرية الصادرة على أفراد هيئة الشرطة وجنود الدرجة الثانية بالسجون العسكرية ما لم يكونا قد فصلوا من الخدمة، وكذلك يودع المسجونين احتياطيا من أفراد هذه الفئة بأمر من جهات القضاء فى السجون المذكورة'.
كما تنص المادة (89) من ذات القرار بأنه 'مع عدم الإخلال بأحكام المادتين 85، 86 من القانون رقم396 لسنة 1956، يكون للمحافظين ومديري الأمن وقضاة المحكمة العسكرية وأعضاء إدارة القضاء العسكرى بهيئة الشرطة حق دخول السجون الكائنة فى دائرة اختصاصاتهم فى أى وقت'.
يبين من هذا العرض الموجز أن السجون التى تنشأ بقطاعات وجهات وزارة الداخلية هى سجون عسكرية يودع فيها فئات محددة علي سبيل الحصر تطبيقا لقانون الأحكام العسكرية وقانون هيئة الشرطة، وهى الفئات الخاضعة لأحكام هذين القانونين، ولا يجوز بأي حال من الأحوال قبول أى أشخاص سوى تلك الفئات بهذه السجون العسكرية، وتخضع هذه السجون لأشراف النيابة العامة وهو ما يستفاد من العبارة الاعتراضيه الواردة في بداية المادة 89 المشار إليها بأنة 'مع عدم الاخلال بأحكام المادتين 85، 86 من قانون السجون' والتى تتضمن تنظيم الإشراف القضائى على السجون، فضلا عن أن هذه السجون تنشأ بقرار وزاري يتم نشرة فى صحف الوقائع المصرية ويكون فى متناول علم الكافة.
|