الزملاء الأفاضل
لقد هالني ما قرأت ، سواء الحكم أو النقاش (الفقهي) الذي دار بينكم ، خريجي كلية القادة والأركان (كلية الحقوق) ، يقولون أن في النقاش صحة ، ولكن أسلوب النقاش لا يدل أبداً ولا يشير إلي أن هذه هي زبدة المجتمع وخلاصته من المثقفين القانونيين ، كما أننا هنا لسنا بصفتنا سودانيين أو سعوديين أو مصريين أو سوريين أو خلافه من الوطن العربي ، بل بكوننا محاميين وقانونيين عرب نعمل من أجل رفعة وسمو أمتنا العربية أولاً ، و تحقيق التقدم نحو الأفضل للقانون و لمهنة القانون وللقانونيين العرب بصفة عامة .
نرجع لموضوعنا . تحدث الجميع عن الحكم وعدالته من عدمها ، وأنا لا أختلف مع من يرى بأن الحكم وقع خطأ وشابه القصور ، فكان غير عادلاً من جميع أوجهه ولا يتوافق مع الشريعة الإسلامية بأي حال من الأحوال ، ولقد قام الزملاء بتحليل الحكم وكل أدلى بدلوه فيه ، إلا أنني إذا سمحتم لي سوف أتناول الموضوع من وجهة نظر مكملة لما بدأتموه من نقاش (جدل فقهي) .
أولاً الحكم : أن الشريعة الإسلامية عمادها هو العدل الذي لن يتحقق إلا بالتطبيق الإسلامي الصحيح الحق . قال تعالى :(أن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )، والإشارة الصريحة لكلمة العدل في القرآن تعني أن يعطى لكل ذي حق حقه . قال أبن تيمية في الحسبة :{ أن أمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الآثم أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في أثم ) .
كما أن تطبيق الشريعة لا يتنافى أبداً مع التقنين للقانون بل قد يكون هو الحل لكل ما يحدث من تجاوزات وأخطاء للقضاة (فقه الضرورة ) ، فالقضاة اليوم لا ينطبق عليهم وصف المجتهد أو الفقيه أو الأمام الذي جاءت به كتب الفقه ، فالقضاء أصبح مهنة أو وظيفة عامة من وظائف الدولة مثلها مثل الطبيب أو المهندس ، كما أن لائحة السلطة القضائية (في كل الوطن العربي بما فيها السعودية) لا تشترط في المتقدم لوظيفة القضاء المقدرة علي الاجتهاد وبالتالي لا تنطبق شروط الاجتهاد علي القضاة العاملين وفقاً لتلك اللائحة .
كما أن أهمية التقنيين تأتي تحقيقاً لمبدأ الشرعية الذي يتطلب من القاضي أن يركن إلي مهمته الأساسية وهي أعمال وتطبيق النصوص القانونية كما ساقها المشرع لا ابتداعها .
فالأصل أن المواد الجنائية وطرق أثباتها يجب أن تكون واضحة الصياغة ، حتى لا يؤدي العدم بالقضاء إلي الاجتهاد في تفسير النصوص الجنائية والبحث عن غايات المشرع وأهدافه وبالتالي تخلق جرائم في الأساس لم يقصد المشرع أو يرمي إلي تجريمها ، أو تأتي بأحكام مخالفة للنص وخارجة علي ضوابط الاجتهاد الفقهي .
والقاعدة الذهبية تقول لا اجتهاد مع صراحة النص ، وفي الشريعة الإسلامية ( لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ) ، وتأتي أهمية التقنيين في أنه يحدد جرائم التعازير علي وجه الحصر وعقوباتها وعليه يصبح علي القاضي أن يطبق القانون فقط وليس له أن يبتدع جرائم أو يوقع عقوبات لم ينص عليها .
ثانياً العقوبة : لا شك أن مهمة القاضي في إصدار الحكم تبدو غاية في التعقيد ، وذلك لأن النظريات المختلفة حول أهداف العقاب ومعاملة المجرمين تحتمل اعتبارات متناقضة ليس من اليسير التوفيق بينها .
أن ثقافة ومعارف القاضي الجنائي تعيينه علي الموازنة بين حق المجتمع في ضمان أمنه وحق الجاني في التأهيل والإصلاح ، حتى يعود للمجتمع من جديد . كما أن هذا العلم وهذه المعرفة كفيلة بأن تؤدي إلي سلامة الاقتناع وعدالة الحكم الذي يصدره .
اهتمت بعض التشريعات المعاصرة بعملية إصدار الأحكام الجنائية ووضعت معايير لترشد القضاء وتيسر لهم استعمال سلطتهم في تقدير وتفريد العقوبة ، مثلاً نص القانون السوداني في المادة 39 من القانون الجنائي لسنة 1991م (شريعة) علي أن :{ تراعي المحكمة عند تعيين العقوبة التعزيرية وتقديرها جميع الظروف المخففة أو المشددة وبوجه خاص درجة المسئولية والبواعث علي الجريمة ، وخطورة الفعل وجسامة الضرر ، وخطورة شخصية الجاني ، ومركزه ، وسوابقه الجنائية ، وسائر الظروف التي اكتنفت الواقعة } . وبالرغم من أن السودان يطبق الشريعة الإسلامية إلا أنه أخذ بالنظام الأنجلو سكسوني بنظر الدعوى الجنائية علي مرحلتين :
أولاً لتقرير الإدانة من عدمها .
ثانياً لتقدير وتفريد العقوبة المناسبة .
ولهذا النظام محاسنه وذلك لأن تجزئة الدعوى إلي مرحلتين فضلاً علي أنها تمكن المحكمة من دراسة شخصية الجاني والظروف التي أرتكبت فيها الجريمة بل وأيضاً تلك المؤثرة علي العقوبة .
جاء في إحدى السوابق القضائية (مجلة الأحكام القضائية السودانية لسنة 19971م ص 62 : علي المحاكم أن تضع في اعتبارها في هذه القضية ومثيلاتها القواعد التالية عند تقدير العقوبة :
- عامل الردع لحماية المجتمع .
- ملائمة العقوبة للفعل المرتكب .
- سلوك المتهم والمجني عليه أثناء وبعد وقوع الجريمة ، وملف الإدانة السابق .)
والسودان دائماً يأخذ بالظروف المخففة والمشددة للعقوبة .
أخيراً أرجو أن أكون قد قدمت القليل في هذا الموضوع ، وأأسف لحجم المداخلة .
ثم أقول لأبو وائل بأن حرية المرأة لا تعني (صياعة) المرأة (بالدارجي) ، نحن في السودان والحمد لله نضاهي الرجال في حريتنا ، نساء عاملات مكافحات تقيات ورعات يعون معنى الحرية . يا أخي الفاضل أن النساء في السودان والدول العربية الأخرى قاضيات ومحاميات ووكلاء نيابة وأطباء ومهندسيين وخلافه . نساء تحلف بحياتهن الأمم يقومون بما يقوم به الرجال بل أن بعضهن قام بما لم يقم به الرجال .
كما أن الحرية مسئولية ، والجزاء أمام الله واحد ، لم يقل أحد بأن الرجل جزاءه أقل من المرأة أو العكس ، وبالتالي فأن الحرية حق للرجل والمرأة سواء بسواء . فأن أساء الرجل تحمل مسئوليته هو عار علي نفسه و علي أهله ، كما أن المرأة إذا أساءت تحمل مسئوليتها هي عار علي نفسها وعلي أهلها . والتربية الصحيحة السليمة هي الحل للجنسيين نساء ورجال ، لا يصح أن نربي الرجل علي اخطأ وعدم تحمل المسئولية بحجة أنه رجل ونحبس المرأة ونحملها كل المسئولية بحجة أنها امرأة . اتقوا الله في أبناءكم وربوا الولد و البنت سواء ( الخطأ خطأ للاثنين والصواب كذلك) ، يخرج لن مجتمع صالح قوي ، (المؤمن القوي(رجل أو امرأة) خير وأحب عند الله من المؤمن الضعيف) .
رنا عبد الغفار عبد الرحيم
المحامية