بسم الله الرحمن الرحيم
التأصيل الشرعي والنظامي لمسألة سن الرشد
المحامي أحمد سويد
مقدمة
يندرج العقد في الشريعة الإسلامية فيما يسمى بفقه المعاملات , والشريعة الإسلامية في هذا الإطار أجملت ما هو متغير في مواجهة تفصيل ما هو ثابت من العبادات ، وإذا كان العقد كنظرية لم يتعرض لها الفقهاء، إلا أن استخلاصها من جملة العقود التي تعرضوا لها مثل عقد البيع والاستصناع والرهن والإيجار وغير ذلك يضحى أمرًا ميسورًا خاصة وأن الشريعة الإسلامية الغراء قد قدمت في مجال العقد ثوابت كان الوصول إليها في المجتمعات التي تعد غالبية القوانين السائدة في العالم الغربي وغيره وريثة لها منتهى التقدم والرقى القانوني . فقد عرفت الشريعة منذ البداية مبدأ سلطان الإرادة وهذا المبدأ لم تصل إليه غالبية المجتمعات إلا بعد أطوار مختلفة من الإقدام والإحجام ، مما يجعل القول بتقدم الشريعة الإسلامية وسموها أمرًا لا يحتاج إلى ترديد
أولاً : التأصيل الشرعي والنظامي لمسألة سن الرشد (البلوغ)
يرتب فقهاء الشريعة الإسلامية المسائل والأحكام ويراعون الترتيب أو التسلسل المنطقي , فأنت إذا حكمت بالحجر على السفيه أو المجنون وبينت الأثر المترتب على الحجر , يرد السؤال متى يفك الحجر عنهم ..؟ وهذا كمنهج القرآن الكريم في سورة النساء فإن الله عز وجل يقول " وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ " . وقد قال المصنف رحمه الله عن مسألة متى يفك الحجر عنهم ( وإن تم لصغير ) هناك أمران لابد من توافرهما في الصغير البلوغ والرشد , فلابد أن يبلغ وأن يكون رشيداً فهاتان العلامتان متى وجدتا حكم بفك الحجر عن الصبي واليتيم والأصل في ذلك قول الله عزل وجل " وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ " فذكر علامتين العلامة الأولى : حتى إذا بلغوا النكاح أي وصلوا سن النكاح وأما العلامة الثانية " فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا " فعلق الحكم " فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ " وهنا جاء مرتبًا على شرطين البلوغ والرشد , فقد يبلغ الصبي وهو سفيه أو مجنون فلابد من بلوغه ووجود الرشد فيه , وبعض الصغار - من نعم الله عز وجل عليه – أنه ربما أعطي من الذكاء والفطنة وحسن النظر ما يسبق بلوغه فإذا أعطي المال وحصلت عنده خبرة على التعامل خاصة أبناء التجار كما في القديم حيث كان أبناء التجار هم الذين يتولون بأنفسهم المعاملات وكان آباؤهم يعودونهم على ذلك فهذا التعود ربما يكسب الصبي من الفطنة ما يقارب البلوغ ويكون في حكم الفطين البالغ , فالله عزل وجل اشترط شرطين البلوغ والرشد " حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ " فلو أنه كان رشيداً قبل البلوغ لم ينفعه – ولو أنه بلغ غير رشيد لم ينفعه فلابد من وجود العلامتين البلوغ والرشد .
أ - أقوال العلماء في السن المعتبرة في البلوغ
قال المصنف رحمه الله ( وإن تم لصغير خمس عشرة سنة ) وقد أجمع جمهور العلماء على أن هناك سنًا معينًا إذا وصل إليه الصبي أو إذا وصلت إليه الصبية حكم ببلوغ كل منهما وإن لم تظهر علامات البلوغ حكم ببلوغ كل منهما وإن لم تظهر علامات البلوغ قبل ذلك . واستدل الجمهور فقالوا أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر السن علامة للبلوغ كما ثبت عنه في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (عُرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني -يعني للقتال- وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني ) هذه هي الرواية التي في صحيح مسلم : (عرضت عليه يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني ) لكن في رواية البيهقي يقول: (عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، ولم يرني قد بلغت، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة، فأجازني ورأى أني بلغت ) . فدل هذا على أن الخمس عشرة سنة فاصل بين البالغ وغير البالغ. وعلى هذا قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر السن علامة للبلوغ .
والصحيح ما ذهب إليه الإمام أحمد والشافعي وطائفة من أهل الحديث – رحمة الله على الجميع – من أن خمس عشرة سنة هي السن التي يفرق فيها ويحكم فيها بالبلوغ وانه إذا بلغ الصبي أو الصبية خمس عشرة سنة ولم ير علامة البلوغ قبل ذلك ؛ فإنه يحكم ببلوغهم بخمس عشرة سنة للحديث الذي ذكرناه , فإنه نص في موضع النزاع ولذلك لما بلغت هذه السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز – رحمه الله رحمة واسعة – كتب إلى الآفاق : انظروا فمن وجدتموه وقد بلغ خمس عشرة سنة فاضربوا عليه الجزية . فعده بالغًا وعلى هذا نقول أن سن البلوغ خمس عشرة سنة ويستوي في ذلك الرجل والمرأة
ب - مسألة الاختلاف في وقت الضمان ( القول قول المضمون له )
إن اختلفا في وقت الضمان بعد بلوغه ، فقال الصبي : قبل بلوغي .وقال المضمون له : بعد البلوغ . فقال القاضي : قياس قول أحمد أن القول قول المضمون له ؛ لأن معه سلامة العقد ، فكان القول قوله ، كما لو اختلفا في شرط فاسد .ويحتمل أن القول قول الضامن ؛ لأن الأصل عدم البلوغ ، وعدم وجوب الحق عليه .وهذا قول الشافعي .
ولا يشبه هذا ما إذا اختلفا في شرط فاسد ؛ لأن المختلفين ثم متفقان على أهلية التصرف ، والظاهر أنهما لا يتصرفان إلا تصرفا صحيحا ، فكان قول مدعي الصحة هو الظاهر ، وهاهنا اختلفا في أهلية التصرف ، وليس مع من يدعي الأهلية ظاهر يستند إليه ، ولا أصل يرجع إليه ، فلا ترجح دعواه . ولما كان ما اتفق عليه المتعاقدان قد ادعى أحدهما فساده نحو أنه كان حين العقد صبيًا والآخر صحته أي العقد ولا بينة فقول مدى الصحة بيمينه على المذهب نص عليه في رواية ابن منصور لأن الظاهر وقوع العقود على وجه الصحة دون الفساد . قاله في القواعد . وقال الشيخ تقي الدين وهكذا يجئ في الإقرار وسائر التصرفات إذ اختلفا هل وقعت بعد البلوغ أو قبله لأن الأصل في العقود الصحة .
ج – وترتيبًا على هذا الأصل أصدر فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم فتوى في شعبان 1361 هـ 17 أغسطس 1942 م بنصها " المبادئ :
1-بلوغ الجارية شرعا بالاحتلام أو الحيض أو الحبل، وإلا فببلوغها خمس عشرة سنة هجرية لأن السنة إذا أطلقت انصرفت شرعا إلى سنوات الأهلة.
2- إذا بلغ الولد خمس عشرة سنة كان بالغا شرعا، فإن كان مصلحا لماله كان رشيدا كامل الأهلية .
د - وقد سارت أحكام قضاء المملكة العربية السعودية على هذا النهج إذ قضى ديوان المظالم في حكم له بأنه " ... أسماء الورثة موضحة بصورة حفيظة النفوس المرفقة وقد بلغ ابنه الأول السابعة عشرة والثاني سن الرابعة عشرة والبقية قُصر ..."
هـ - وكذا ما يستفاد مما أورده نظام الأحوال المدنية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/7 وتاريخ20/4/1407هـ بأن إتمام الخامسة عشر عامًا قرينة على البلوغ
بنصه في المادة السابعة والستون " يجب على كل من أكمل الخامسة عشرة من عمره من المواطنين السعوديين الذكور مراجعة دوائر الأحوال المدنية للحصول على بطاقة خاصة به .." وكذا ما نصت عليه المادة ( 162 ) من نظام العمل الصادر بالمرسوم الملكي رقم م / 51 وتاريخ 23/8/1426 بنصها " لا يجوز تشغيل أي شخص لم يتم الخامسة عشرة من عمره ولا يُسمح بتواجده في أماكن العمل .."
(4) وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : إذَا اسْتَكْمَلَ الْمَوْلُودُ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً كُتِبَ مَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ ، وَأُخِذَتْ مِنْهُ الْحُدُودُ }