من مواليد دمشق عام 1929 أتم تعليمه في مدارس الشام ودخل الجامعة السورية معهد الحقوق العربي ونال إجازة في الحقوق عام 1950 وبذات العام انتسب الى نقابة المحامين محاميا متمرنا بمكتب الأستاذ النقيب سعيد الغزي.

وأثناء فترة تمرينه وبتاريخ 1/4/1952 لبى نداء الواجب والوطن والتحق بخدمة العلم حتى تاريخ 30/9/1953 حيث عاد الى مكتب أستاذه الأستاذ النقيب سعيد الغزي وأتم تدريبه في أعرق مكاتب المحاماة إنسانية قبل أن يكون من أعرق المكاتب علماً وأخلاقا و اتساماً بترسيخ مبادئ القانون.
وتم قيده محاميا أستاذاً بتاريخ 1/5/1954.
كان فقيدنا واحداً من الرواد الذين حملوا مشاعل رسالة المحاماة وهو في سن مبكرة وقد تسلح بالإيمان وتزود بالعلم والخبرة والتمرس. كان يؤمن أن أولى واجبات المحامي التمسك بالأخلاق القويمة، فالمحاماة في نظره علم وخلق ونجدة وشجاعة وثقافة وتفكير ودرس وتمحيص ومثابرة وجلد وثقة بالنفس واستقلال في الحياة وأمانة واستقامة وإخلاص في الدفاع.
وعندما نذكر اسم أستاذنا النقيب سعيد الغزي رحمه الله, لا يمكن لنا أن نمر على ذكره مر الكرام ولا يمكن لنا إلا أن نقف بكل احترام وإجلال أمام مسيرة رجل من خيرة الرجال، حيث شغل الأستاذ النقيب سعيد الغزي عدة مناصب نقابية منذ عام 1925 كان آخرها نقيبا للمحامين عام 1944 ومن ثم وزيراً للعدل ورئيساً لمجلس الوزراء لسنوات عديدة . وتابع عمله كمحام مدافعاً عن الحق في اليوم التالي لاستقالة وزارته.
عشق مهنة المحاماة دون سواها من المناصب السياسية أو النقابية,ونال إجازة في الحقوق من معهد الحقوق العربي وكانت إجازته تحمل الرقم // 1 //
فمسيرة رسالة الحق والعروبة التي شارك فيها أستاذنا النقيب سعيد الغزي شارك فيها أيضا أستاذنا الرئيس نزار بقدونس لأكثر من أربعين عاماً كانت ولا تزال وستبقى ما شاء الله لها أن تبقى مسيرة عزة وكرامة وحمايةٍ للحق والدفاع عنه والشهادة في سبيله. هذه الرسالة التي ترقى الى درجة التقديس تقتضي من رجالها وحملة مشاعلها أن يكونوا أوفياء لها قادرين على القيام بأعبائها لتحقيق أهدافها متسلحين بالعقول النيرة والإرادة الصلبة والملاءة العلمية والخلق القويم .
تزوج فقيدنا الغالي الأستاذ الرئيس نزار بقدونس الزميلة الأستاذة ناديا الغزي ابنة أستاذه النقيب سعيد الغزي والتي كانت ولا تزال تتميز بأنها الرائدة بين اللواتي حملن مشاعل رسالة الحق والعروبة في سن مبكرة متسلحة بالإيمان زادها العلم والخبرة والتمرس مؤمنة بأن أول واجبات المحامي التمسك بالأخلاق القويمة.
أحبت المحاماة وتعلقت بمثلها العليا في ممارستها وتمسكت بتقاليدها وعملت ولا تزال تعمل على ترسيخ قواعد التواد والتعاطف والتركيز على دوام صلات الصفاء والود والإخاء بين المحامين أنفسهم وبين القضاة والمحامين إضافة لكونها من الأديبات المتميزة بالشفافية كلمتها صادقة وقلمها دافئ ولها مؤلفات أدبية عديدة .
الأستاذ الرئيس نزار بقدونس الرئيس الأول لفرع نقابة المحامين في دمشق لدورة أعوام 1972 1973 1974.
وأكمل الأستاذ الرئيس نزار بقدونس الى جانبها المسيرة، فكان بدورة عامي 1960- 1961عضوأ لمجلس نقابة المحامين بدمشق، وبدورة عامي 1962- 1963أمينا لسر مجلس نقابة المحامين بدمشق.
بتاريخ السابع من شهر تشرين الثاني عام 1963 وضع الحجر الأساسي لبناء مؤسسة خزانة تقاعد المحامين بنقابة المحامين بدمشق، وقد قام بوضع الحجر الأساسي أقدم النقباء وعميد جدول المحامين آنذاك الأستاذ النقيب سعيد الغزي، بحضور الأستاذ الرئيس نزار بقدونس نائب نقيب المحامين، كما حضر الاحتفال أعضاء مجلسي النقابة والتقاعد والأستاذ النقيب مظهر العنبري وزير العدل.
بتاريخ 10/11/1964 أصدر مجلس نقابة المحامين في دمشق القرار رقم 178 الذي منح بموجبه مجلس نقابة المحامين الأستاذ الرئيس نزار بقدونس الشارة النقابية الذهبية تعبيراً ووفاءً من مجلس النقابة للجهود التي قدمها خلال توليه رئاسة مجلس النقابة عام 1964ولتحمله أعباء النقابة في ظروف صعبة والتفاني في خدمتها والجهود التي بذلها في العمل على وضع تصميم الشارة النقابية وإخراجها لحيز التنفيذ.
تولى مهمة المدير المسؤول خلال الأعوام من عام 1962 1964 لمجلة (المحامون) التي كانت تصدر عن نقابة المحامين في دمشق وكانت أول مجلة حقوقية منذ العام 1935 واستمر صدورها حتى الآن.
كان في صلته بالقضاء صورة من صور العلاقة الأنيسة القائمة على احترام القضاء واحترام الحق واحترام النفس والمهنة.
وفي عام 1972 صدر القانون رقم 14 الناظم لممارسة مهنة المحاماة ووحد نقابات المحاماة في الجمهورية العربية السورية في ‏ظل نقابة مهنية واحدة مركزها مدينة دمشق، ولها فروع في سائر المحافظات.‏ فكان الفقيد الراحل الأستاذ الرئيس نزار بقدونس الرئيس الأول لفرع نقابة المحامين في دمشق لدورة أعوام 1972 1973 1974.
ساهم بحضور كافة اجتماعات اللجنة التحضيرية للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، كما شارك بكافة أعمال مؤتمرات اتحاد المحامين العرب وقدم الكثير من الأبحاث والدراسات بشتى المواضيع القانونية والمهنية والقومية والاجتماعية. و أهلته خبرته وسعة اطلاعه على تأسيس المركز العربي للتحكيم.
حين كان عضوا في مجلس النقابة وحين كان مراقبا عاما لخزانة التقاعد وحين كان رئيسا لفرع دمشق لم ينقطع عن الاهتمام بشؤون النقابة والفرع وكان الرجل الذي اتصف اهتمامه بالعمل بالثبات والدوام والمثابرة. وكان من أهم الانجازات التي تمت خلال تسنمه رئاسة فرع نقابة المحامين صدور نظام صندوق التعاون ونظام صندوق الإسعاف.

سمي الأستاذ الرئيس نزار بقدونس في عام 1987محكما عن الاتحاد الرياضي العام ,وفصلت القضية وسلم الأستاذ الرئيس شيكا بمبلغ 47500 ل س أتعاب القضية التحكيمية. إلا انه تنازل عن هذه الأتعاب وأعاد المبلغ لمسلفه الاتحاد الرياضي العام ,
وآنذاك وتعبيرا عن شكر الاتحاد الرياضي العام عن هذه المبادرة الطيبة وجه كتاب شكر للأستاذ الرئيس. إن دل هذا فانه يدل على أن الأستاذ نزار لم يكن ليسعى وراء الغنى من المحاماة بل كان يسعى ليغني المحاماة ويرسي لها قواعدها الثابتة بأخلاقه وعفته وشهامته ونبله.

عرف عنه زملاؤه أصالته في الخلق والعلم وقد حفل ماضيه وحاضره بالمآثر والعمل الدؤوب على إرساء قواعد العدالة وترسيخ سيادة القانون ولا ينسى له المجتمعون في مؤتمرات المحامين العرب ما بذله في سبيل القومية العربية وسيادة القانون وحرية الإنسان من خلال البحوث التي قدمها والتي إن دلت على شيء فإنما تدل على أن فقيدنا الغالي كان يؤمن بأمته وقوميته وبسيادة القانون وانفاذ حكمه وبسط سلطانه، وكان في عداد الضباط الاحتياط الذين اشتركوا في الدفاع عن الأمة العربية في حربها ضد الصهاينة بشجاعة وتفان وإخلاص فكان بحق فارس السيف والقلم.
أصيب احد الزملاء المحامين بطارئ قهري منعه من متابعة وممارسة دعاوى موكليه وطلب من احد موكليه توكيل محام آخر فاختار الموكل الأستاذ الرئيس نزار بقدونس الذي تابع له الدعوى واستطاع أن يحصل له حقوقه. حرر الموكل للأستاذ الرئيس نزار بقدونس شيكا بالأتعاب وكان مبلغا كبيرا, إلا أن الأستاذ الرئيس نزار بقدونس قام بتجيير الشيك لزميله الذي أصيب آنذاك بالطارئ القهري وأرسل الشيك له معتبرا أنه هو أحق بالأتعاب مكرسا بذلك أعراف وتقاليد مهنة المحاماة على اعتبار ان المحاماة نجدة ومروءة .
أخيرا لا بد إلا وأن نذكر أن مكتب الأستاذ الرئيس نزار بقدونس كان مدرسة لكمال الأخلاق وإرساء قواعد العدالة وترسيخ سيادة القانون والتمسك بتقاليد وأعراف مهنة المحاماة حيث توافد إلى مكتبه كثير من الزملاء الأكارم للتدرب كانوا ولا زالوا أعلاما في المحاماة .
وافته المنية
وهو يؤدي واجبه المهني بكل أمانة وإخلاص
في السابع والعشرين من شهر شباط عام 1993
فارقنا بجسده لكنه بقي حاضرا بيننا بأخلاقه وقيمه
انطلقت من دمشق وظهر يوم 27/2/1993 مسيرة في موكب حاشد مهيب ضم معظم الزملاء المحامين وكبار الشخصيات السياسية وجمع كبير من شرائح مجتمعنا، عرفوه ولمسوا وتحسسوا قيمه ونبله وأخلاقه. امتزج الحب والوفاء بهذه المسيرة التي أحاطت الزهور والورود بها من كل جانب فكانت أشبه بحديقة متحركة.
لم يتخلف أي من أصدقائه وزملائه عن وداعه وفي ذلك شهادة عن الحب والمكانة المرموقة التي كان يحتلها في قلوبهم ولا غرو في ذلك فإنهم يودعون علماً من أعلام المحاماة والقانون والوطنية والعروبة الصادقة.


بتاريخ 8/4/1993 وبناء على اقتراح أصدقاء وزملاء الفقيد الأستاذ الرئيس نزار بقدونس
قرر مجلس فرع نقابة المحامين في دمشق إقامة حفل تأبين بمقر فرع نقابة المحامين في دمشق
حيث تصدى بعض الزملاء لذكر بعض من مناقب الزميل الراحل، خرجت هذه الكلمات العاصفة بالمحبة والمودة من القلب لتخاطب القلوب والضمائر والوجدان:
كان الأستاذ الرئيس نزار بقدونس صورة صادقة للمحامي الحق رجولة مصقولة، صراحة لا تجرح، خلقاً مستقيماً، كرامة حصنها الترفع علما لا يعلن عن نفسه وصبرا على العمل في مهنة شاقة كان يرى أنها رسالة قبل أن تكون مهنة. كما كان في معاملته للزملاء مثلا في الدماثة والرقة والخلق الكريم وفي الاختلاط بهم بلا كلفة ولا تبذل.
إنها صفات تشكل مبادئ حري بنا أن نقتدي بها ونسير على هديها وهدى من سبق من أعلام المحاماة الذين ودعناهم بمثل ما ودعنا فقيدنا الكبير الأستاذ الرئيس نزار بقدونس .
منقول عن مجلة الميزان