هناك في حياة المحامية اليمنية شذى ناصر، أول محامية في اليمن تقف أمام القضاء مكشوفة الوجه وأول محامية تعمل في صنعاء، العديد من المحطات المهمة والمراحل التي صنعت شخصيتها وصقلت موهبتها

حتى باتت من أشهر المحاميات اليمنيات على الصعيدين المحلي والدولي. ولعل كثيراً من الناس مازالوا يتذكرون صورتها قبل أشهر وهي تتسلم مع الطفلة نجود جائزة دولية في نيويورك بعد أن نجحت في إظهار قضية تلك الطفلة والدفاع عن حقها في الطفولة وبالتالي انتزاع حكم قضائي بتطليقها (نجود، ذات العشرة أعوام) من زوجها، وهو الأمر الذي استحقت عليه تلك الجائزة الدولية وباتت طفلة شهيرة، لكن الأهم أنها قامت بخطوة غير مسبوقة في اليمن دفعت غيرها من الفتيات إلى الحذو حذوها.

 ولدت المحامية شذى ناصر في الأول من مايو عام 1964 بمدينة عدن التي كانت حينها مستعمرة بريطانية. والدها هو محمد ناصر محمد، السياسي والدبلوماسي المعروف الذي لقي حتفه عام 1973 في حادث انفجار طائرة كانت تقل عدداً من الدبلوماسيين اليمنيين الجنوبيين وهي حادثة ما زالت جل تفاصيلها غامضة. وتخرجت شذى من جامعة تشارلز كارلوفا ـ ليسانس في القانون (تشيكوسلوفاكيا) براغ 1989، ثم حصلت على دبلوم لمدة سنة بعد الليسانس من الجامعة نفسها. ومن رصيدها المهني العمل مديرة لإدارة الصياغة «الشؤون القانونية» بجامعة صنعاء 90 ـ 1996، كما أنها أسست أول مكتب محاماة للنساء مع زميلات المهنة الرائدات للمحاماة والاستشارات القانونية فيمارس 1996. وشاركت في الانتخابات البرلمانية (مجلس النواب) في أبريل 1997 كأمين عام مساعد للشؤون الفنية بلجنة الرقابة على الانتخابات.

أيضاً كانت شذى ناصر واحدة من ثلاث محاميات يمنيات أسسن مكتب (الرائدات) للمحاماة في العاصمة اليمنية صنعاء التي لم يسبق لامرأة أن عملت فيها كمحامية خلافاً لمدينة عدن التي عرفت عمل المرأة فيها محامية وقاضية وشرطية وضابطة.

تعتقد شذى أن إصرارها مكنها من تجاوز المعوقات والعراقيل كي تعمل محامية بدءاً بتلبية شرط أن تتدرب في مكتب محام معروف كي يسمح لها بممارسة المهنة. وكيف لذلك أن يتم في ظل مجتمع ذكوري يعمل فيه معظم المحامين بعد الظهر في مجالس القات؟ اليوم المهني الأول في حياة المحامية شذى ناصر كان حافلا بالطرائف والغرائب في آن معاً.. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «استقللت تاكسياً وطلبت من السائق أن يو
صلني إلى محكمة بني الحارث في شمال العاصمة صنعاء. وكان السائق فضولياً للغاية ومما زاد فضوله أنني كنت مكشوفة الوجه وكان ذلك قبل عشر سنوات، كنت حينها أصغر وأجمل. سألني السائق: أكيد معك قضية في المحكمة؟ رديت: أيوه. قال: أكيد تشتي (تريدين) تطلقي؟ قلت له: لا، أنا محامية. لم يصدق وأصر على أنني ذاهبة إلى المحكمة لطلب الطلاق واستمر في فضوله وتصميمه على رأيه إلى درجة أنه قال لي حينها إذا كنت مستحية قولي من هو زوجك وأنا بضربه من أجلك».

في داخل المحكمة وجدت المحامية شذى عدداً من أصحاب القضايا من رجال القبائل وظلوا ينظرون إليها بدهشة واستغراب «إيش جاب هذه البنت هنا ؟».

ربما كانت المحامية شذى تتهيب الوقوف أمام قاض يمني تقليدي غير معتاد على أن تقف أمامه محامية. لكن المفاجأة كانت أن تعامل القاضي كان راقياً للغاية تقول شذى: «أول قضية ترافعت فيها كانت أمام القاضي محمد حمران، وبالأمانة رحب بي كعنصر نسائي وشجعني أنا وبقية زميلاتي ولم يشعرنا بتصرفاته أننا نساء أو فتيات قليلات الخبرة أو غير قادرات على تحمل المسؤولية، وكذلك كان بعض القضاة في محاكم صنعاء مثل القاضي محمد الوادعي والقاضي محمد الشرفي الذين كانوا يشجعون المرأة ودورها».

لكن القضاة واليمنيين بالطبع ليسوا نسخة واحدة وليسوا جميعاً يشجعون المرأة، ومن هؤلاء ـ بحسب شذى ـ أحد القضاة الذي أصبح فيما بعد وزيراً حيث تحتفظ المحامية شذى ناصر بذكريات سيئة معه إن جاز التعبير. تقول شذى «لم يكن يرحب بي. قاض آخر كان يطلب مني أن أنتقل من الصف الأول في القاعة إلى الثاني وعندما كنت أسأله: لماذا؟. كان يرد بالقول أنت امرأة والصف الأول للرجال فقط سواء كنت محامية أو غير محامية، لكن إصراري على أداء عملي بصورة طبيعية أرغمه في الأخير على احترامي».



 ...