موقع المعاهدات الدولية من التشريع الداخلي

 في ضوء أحكام القضاء

بقلم الدكتور/ عزت العمري

  عرَّفت المحكمة الدستورية العليا في مصر المعاهدة الدولية بأنها "مصطلحًا عامًّا Generic term يمتد إلى كل أشكال الاتفاق الدولي فيما بين دولتين أو أكثر إذا دون هذا الاتفاق سواء في وثيقة واحدة أو أكثر، وأيًّا كان نطاق المسائل التي ينظمها، أو موضوعها. ومن ثم يندرج تحتها مما يتصل بمفهومها من صور هذا الاتفاق سواء كان عهدًا، أو ميثاقًا، أو إعلانًا، أو بروتوكولاً، أو نظامًا، أو تبادلاً لمذكرتين".

المحكمة الدستورية العليا القضية رقم 30 لسنة 17 قضائية "دستورية" بتاريخ 2/3/1996

 

 

وبالتأكيد تعتبر المعاهدات في العصر الحديث أداة قانونية محورية في تنظيم العلاقات الدولية، حيث تنصرف آثارها إلى مجالات متعددة تشمل التجارة، والبيئة، والملكية الفكرية، والنقل، وسائر مجالات التعاون الدولي.

ومن ثم يثور التساؤل حول الحكم الواجب إعماله عند تعارض أحكام المعاهدة الدولية مع التشريع الداخلي، سواء أكان هذا التشريع سابقًا على نفاذها أم لاحقًا لها.

ويتضح من خلال تتبع أحكام محكمة النقض المصرية، أنها انتهت في حكم حديث لها إلى تقرير وجوب إعمال نصوص المعاهدة الدولية، حتى في حالة تعارضها مع أحكام التشريع الداخلي.

حيث قضت بأنه "وفقًا للمبدأ المعمول به في القانون الدولي الذي جاءت المادة ۲۷ من معاهدة فيينا لسنة ١٩٦٩ تقنينًا له أن أحكام المعاهدات -بحسبانها اتفاقًا دوليًّا معقودًا بين دول ويخضع للقانون الدولي- تسمو على القوانين الداخلية للدول الأعضاء، ومن ثَمَّ فلا يجوز لهذه الدول بجميع سلطاتها وأجهزتها الحكومية والإدارية أن تُعطل أحكام معاهدة انضمت إليها أو تمتنع عن تنفيذها متذرعة في ذلك بقوانينها الداخلية ما دامت أنها لم تتحفظ على حكم معين فيها عند الموافقة عليها، ويُشكل هذا المبدأ -بلا شك- أحد الأسس التي ترتكز عليها القوة الإلزامية للمعاهدة الدولية طبقًا للمادة ٢٦ من معاهدة فيينا التي وافقت عليها مصر بقرار رئيس الجمهورية رقم ٥٣٥ لسنة ۱۹۸۱ الصادر في أول أكتوبر ۱۹۸۱... وبما مؤداه أن المعاهدة الدولية التي تكون مصر طرفًا فيها تُصبح واجبة الإعمال فيما يثور من نزاع بشأن المسائل التي تنظمها ولو تعارضت أحكامها مع قانون آخر داخلي." 

محكمة النقض الطعن رقم 1624 لسنة 83 القضائية بتاريخ 10/2/2025

 

وقضي أيضًا "وكانت مصر قد انضمت إلى الاتفاقية الخاصة بالاعتراف بأحكام المحكمين الأجنبية وتنفيذها في 8 من يونيو سنة 1959 والتي أقرها مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بالتحكيم التجاري الدولي المنعقد في نيويورك في المدة من 20 مايو إلى 10 من يونيو سنة 1958 وصدر بشأنها قرار رئيس الجمهورية رقم 171 لسنة 1959 وصارت نافذة في مصر اعتبارًا من 8/6/1959، ومن ثم فإنها تكون قانونًا من قوانين الدولة واجبة التطبيق، ولو تعارضت مع أحكام قانون المرافعات أو أي قانون آخر بمصر".

محكمة النقض الطعن رقم 15912 لسنة 76 ق بتاريخ 6/4/2015

 

غير أن محكمة النقض قد تبنّت اتجاهًا مغايرًا إزاء المعاهدات الدولية التي تتضمن أحكامًا ذات طبيعة جنائية، وبالأخص ما يتعلق منها بقواعد التجريم والعقاب.

فقد قضي بأنه "لما كان القانون الجنائي هو قانون جزائي له نظام مستقل عن غيره من النظم القانونية الأخرى وله أهدافه الذاتية إذ يرمي من وراء العقاب إلى الدفاع عن أمن الدولة، ومهمته الأساسية حماية المصالح الجوهرية فهو ليس مجرد نظام قانوني تقتصر وظيفته على خدمة الأهداف التي تعنى بها تلك النظم، وعلى المحكمة عند تطبيقه على جريمة منصوص عليها فيه وتوافرت أركانها وشروطها أن تتقيد بإرادة الشارع في هذا القانون الداخلي ومراعاة أحكامه التي خاطب بها المشرع القاضي الجنائي فهي الأولى في الاعتبار بغض النظر عما يفرضه القانون الدولي من قواعد أو مبادئ يخاطب بها الدول الأعضاء في الجماعة الدولية".

محكمة النقض الطعن رقم 3487 لسنة 71 القضائية بتاريخ 19/10/2003

 

وعلى صعيد الأحكام الصادرة عن محاكم دول مجلس التعاون الخليجي:

 قضت محكمة نقض أبو ظبي بأن "أحكام الاتفاقيات الدولية التي تكون الدولة طرفًا فيها تكون لها الأولوية في التطبيق، وبحيث تسمو وتعلو على أحكام التشريع الوطني بهذا الشأن، وذلك في حالة وجود تعارض بين الأحكام الواردة بالاتفاقية الدولية والأحكام الواردة في التشريع الوطني".

محكمة نقض أبو ظبي الطعن رقم 956 لسنة 2014 س 9 ق.أ بتاريخ 26/1/2015

 

وفي حكم آخر لمحكمة نقض أبو ظبي قضي بأنه "ولئن كانت الاتفاقيات الدولية بمجرد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقًا للأوضاع المقررة يكون لها قوة القانون، وتصبح جزءًا من قوانين الدولة الداخلية، ويكون تنفيذها واجبًا دون حاجة إلى صدور قواعد لتنفيذها شأنها في ذلك شأن أي قانون داخلي، إلا أن ذلك مشروط بألا يوجد بنصوصها ما يدل على غير ذلك من استلزام صدور قواعد تنفيذية بشأنها، أو يكون تنفيذها متعذرًا بدون الأحكام التفصيلية التي يراد للقواعد التنفيذية أن تتضمنها، وذلك في حدود معطيات كل حالة واقعية على حدة وفق ظروفها وملابساتها وما يتصل بها من خصوصيات، لا يمكن تجاوزها أو إهدارها، لا سيما وإن تعلق الأمر بالجهاز الإداري والعاملين به، حتى لا يربك هذا الجهاز ويضطرب نشاط الإدارة".

محكمة نقض أبو ظبي الطعن رقم 78 لسنة 2021 س 15 ق . أ بتاريخ 27/10/2021

 

وقضت محكمة التمييز الكويتية بأنه "من المقرر أن أحكام الاتفاقيات تجري مجرى التشريعات التي يلزم القاضي بإعمال القواعد الواردة بها على الروابط التي تقع في النطاق الذي تسري فيه، ومن المقرر أنه وإن كان مع قيام قانون خاص لا يرجع إلى أحكام القانون العام إلا فيما فات القانون الخاص من الأحكام، إذ لا يجوز إهدار القانون الخاص لإعمال القانون العام لما في ذلك من منافاة صريحة للغرض الذي من أجله وضع القانون الخاص، إلا أن شرط ذلك أن يتطابق موضوع القانونيين أو التشريعيين، وأن تتعارض أحكامها أما حين يكون لكل منهما مجال لإعماله يختلف عن الآخر فلا يكون هناك إهدار ولا نسخه لأن القانون الخاص يعتبر استثناء من القانون العام يحد من عموم أحكامه فيقيدها وينسخها فيما جاء بتخصيصه فحسب، ومن ثم يسري كل منهما في نطاقه القانوني الخاص فيما خصص له والقانون العام فيما بقي له من اختصاص، وبالتالي فإذا صدر قانون خاص صيغت قواعده على نحو استبعد معه ما نص عليه في القانون السابق عليه فإن مؤدى ذلك أن المشرع استهدف ترك الأمر في ذلك إلى أحكام القانون العام لانتفاء التعارض بين أحكام القانونين في هذه الحالة."

محكمة التمييز الطعن رقم 12لسنة 2020 إداري/1 بتاريخ 26/1/2022

كما قضت محكمة التمييز القطرية بأن "النظام الأساسي المؤقت المعدل قد أعطى المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي يبرمها أمير البلاد بمرسومٍ قوةَ القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية دون أن يتطلب لنفاذها أن يصدر بها قانون، وكان المشرع قد أرفق بالمرسوم رقم (81) لسنة 2003 نص الاتفاقية الاقتصادية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي صودق عليها والتي نصت المادة الثالثة منها على أن "يُعامل مواطنو دول المجلس الطبيعيون والاعتباريون في أي دولةٍ من الدول الأعضاء نفس معاملة مواطنيها دون تفريقٍ أو تمييزٍ في كافة المجالات الاقتصادية..."، وكان الثابت من الأوراق –بما لا خلاف عليه بين طرفي التداعي– أن الشركة الطاعنة تحمل جنسية دولة الكويت إحدى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية فتعد بذلك من الأشخاص الاعتبارية التي أجاز لها المشرع القطري أن تعامل نفس معاملة القطريين دون تفريقٍ أو تمييزٍ في ممارسة كافة مجالات النشاط الاقتصادي داخل دولة قطر بموجب هذا المرسوم الذي تعد قواعده بمثابة قانونٍ خاصٍ لا يجوز إهدارها بذريعة إعمال القاعدة العامة الواردة بالقانون رقم (13) لسنة 2000 بتنظيم استثمار رأس المال غير القطري في النشاط الاقتصادي بشأن حظر تملك غير القطريين لأكثر من 49 ٪ من رأس مال الشركة؛ لما في ذلك من منافاةٍ صريحةٍ للغرض الذي من أجله وُضع القانون الخاص؛ ذلك أن المقرر -في قضاء هذه المحكمة- أنه مع قيام قانون خاص لا يرجع إلى أحكام القانون العام إلا فيما فات القانون الخاص من الأحكام".

محكمة التمييز الطعن رقم 369 لسنة 2014 تمييز مدني بتاريخ 24/2/2015

 

وأيضًا قضت محكمة التمييز البحرينية بأن "المعاهدات بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها بالجريدة الرسمية تكون لها قوة القانون، وذلك على ما تنص عليه المادة 37 من الدستور".

محكمة التمييز الطعن رقم 211 لسنة 2008 بتاريخ 30/6/2008