التعويض عن الضرر الأدبي في قضاء محاكم مجلس التعاون الخليجي ومحكمة النقض المصرية

 

بقلم الأستاذ/ أحمد أمين

 

أولت التشريعات العربية، والخليجية بشكل خاص، اهتمامًا كبيرًا بتعريف الضرر الأدبي وتحديد نطاقه، مما يعكس اهتمامًا تشريعيًّا مشتركًا بحماية الجانب الأدبي "المعنوي" الذي يمس وجدان الإنسان ومشاعره وكرامته.

حيث نصت المادة رقم (222) من القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948 على تنظيم مسألة التعويض عن الضرر الأدبي بنصها: "(1) يشمل التعويض الضرر الأدبي أيضًا، ولكن لا يجوز في هذه الحالة أن ينتقل إلى الغير إلا إذا تحدد بمقتضى اتفاق، أو طالب الدائن به أمام القضاء.
(2) ومع ذلك لا يجوز الحكم بتعويض إلا للأزواج والأقارب إلى الدرجة الثانية عما يصيبهم من ألم من جراء موت المصاب".

وفي المملكة العربية السعودية، فقد استحدث نظام المعاملات المدنية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/ 191) وتاريخ 29/ 11/ 1444هـ النص على التعويض عن الضرر الأدبي "المعنوي"، حيث تضمن النظام النص على تعريف موسع للضرر المعنوي، يغطي الأذى الحسي والنفسي الناتج عن المساس بالجسم أو الحرية، أو العرض، أو السمعة، أو المركز الاجتماعي، حيث نصت المادة رقم (138) على:

"1- يشمل التعويضُ عن الفعل الضار التعويضَ عن الضرر المعنوي.
2- يشمل الضرر المعنوي ما يلحق الشخص ذا الصفة الطبيعية من أذى حسي أو نفسي، نتيجة المساس بجسمه أو بحريته أو بعرضه أو بسمعته أو بمركزه الاجتماعي.
3- لا ينتقل حق التعويض عن الضرر المعنوي إلى الغير إلا إذا تحددت قيمته بمقتضى نص نظامي أو اتفاق أو حكم قضائي.
4- تقدر المحكمة الضرر المعنوي الذي أصاب المتضرر، وتراعي في ذلك نوع الضرر المعنوي وطبيعته وشخص المتضرر".

أما في دولة الإمارات فقد نظم القانون رقم (5) لسنة 1985م بإصدار قانون المعاملات المدنية الإماراتي مسألة التعويض عن الضرر الأدبي في مادته رقم (293) بنصها:
"1ـ يتناول حق الضمان الضرر الأدبي، ويعتبر من الضرر الأدبي التعدي على الغير في حريته أو في عرضه أو في شرفه أو في سمعته أو في مركزه الاجتماعي أو في اعتباره المالي.
2- ويجوز أن يُقضى بالضمان للأزواج وللأقربين من الأسرة عما يصيبهم من ضرر أدبي بسبب موت المصاب.
3- ولا ينتقل الضمان عن الضرر الأدبي إلى الغير إلا إذا تحددت قيمته بمقتضى اتفاق أو حكم قضائي نهائي".

وفي دولة الكويت أيضًا تناولت المادة رقم (231) من القانون المدني الكويتي موضوع التعويض عن الضرر الأدبي  بنصها:-

"1- يتناول التعويض عن العمل غير المشروع الضرر، ولو كان أدبيًّا.
2- ويشمل الضرر الأدبي على الأخص ما يلحق الشخص من أذى حسي أو نفسي، نتيجة المساس بحياته، أو بجسمه أو بحريته أو بعرضه أو بشرفه أو بسمعته أو بمركزه الاجتماعي أو الأدبي أو باعتباره المالي. كما يشمل الضرر الأدبي كذلك ما يستشعره الشخص من الحزن والأسى وما يفتقده من عاطفة الحب والحنان نتيجة موت عزيز عليه.
3- ومع ذلك لا يجوز الحكم بالتعويض عن الضرر الأدبي الناشئ عن الوفاة إلا للأزواج والأقارب إلى الدرجة الثانية".

 

التطبيقات القضائية: كيف تُجبر المحاكم الضرر الأدبي؟

سعت المحاكم العليا في دول مجلس التعاون الخليجي ومحكمة النقض المصرية، لتأصيل مفهوم الضرر الأدبي وتطبيقه عمليًّا، مما يعكس تطور الفهم القانوني للآثار غير المادية للأفعال الضارة.

حيث عرفت محكمة النقض المصرية الضرر الأدبي بأنه "الضرر الذي لا يصيب شخص في ماله ويمكن إرجاعه إلى أحوال معينة 1- ضرر أدبي يصيب الجسم نتيجة الألم الذي ينجم عن الحالات التي تعتريه، 2- ضرر أدبي يصيب الشرف والاعتبار والعرض، 3- ضرر أدبي يصيب العاطفة والشعور، 4- ضرر أدبي يصيب الشخص من مجرد الاعتداء على حق ثابت له."

الطعن رقم 6432 لسنة 88 ق

كما قضت في حكمها رقم 1164، 1402 لسنة 93 ق أن الضرر الأدبي "لا يُمْحَى ولا يزول بتعويض مادي ولكن يقصد بالتعويض أن يستمد المضرور لنفسه بديلاً عما أصابه من الضرر الأدبي فالخسارة لا تزول ولكن يقوم إلى جانبها كسب يعوض عنها وليس هناك من معيار لحصر أحوال التعويض عن الضرر الأدبي إذ كل ضرر يؤذي الإنسان في شرفه واعتباره أو يصيب عاطفته وإحساسه ومشاعره يصلح أن يكون محلاًّ للتعويض فيندرج في ذلك العدوان على حق ثابت للمضرور كالاعتداء على حق الملكية".

 

وكذلك ما أقرته المحكمة الاتحادية العليا بدولة الإمارات في حكمها رقم 131 لسنة 22 ق والذي نص على: "يتناول حق الضمان الضرر الأدبي ويعتبر من الضرر الأدبي التعدي على الغير في حريته أو في عرضه أو في شرفه أو في سمعته أو في مركزه الاجتماعي أو في اعتباره المالي".

 

ولم تكن محكمة التمييز الكويتية ببعيدة عن تعريف الضرر الأدبي فقد قدمت تعريفًا فلسفيًّا عميقًا للضرر الأدبي  في حكمها رقم 2328 لسنة 2022م الصادر بتاريخ 28/05/2023م حيث اعتبرت أن "الضرر الأدبي محله وجدان الإنسان وهو مستودع فكره ومشاعره وأحاسيسه وتكريمه على ما عداه من المخلوقات، باعتبارها مجرد موجودات مالية مسخرة له، ذلك أن قدرة الإنسان على الكسب منوطة باستقراره بل أن كل ما سبق له كسبه يغدو عديم القيمة إذا لم يستقر وجدانه وإن تفاوت الضرر الناشئ عن الاعتداء عليه من شخص إلى آخر طبقًا لاعتبارات عدة ترجع لشخص المضرور والظروف الملابسة، وهو على هذا النحو وبحسبانه خسارة غير مالية غير قابلة للتقدير- لا يمكن محوه وإزالته بالتعويض النقدي ولكن قصارى ما قصده المشرع أن يوجد لهذا الضرر معادلاً موضوعيًّا يرمز له ويتكافأ معه يحمل عنه أو معه نير الألم والحزن والأسى فيخفف عنه ذلك دون زيادة تعتبر إثراء على حساب الغير دون سبب".

 

الحكم رقم 1941/ ق لسنة 1433هـ الصادر من ديوان المظالم (الدائرة الإدارية) المملكة العربية السعودية والذي نص على:

"وقد دلت الشريعة الإسلامية على جواز التعويض عن الأضرار المعنوية، كما في الأدلة الآتية:
الدليل الأول: قوله تعالى في آية الطلاق: {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (البقرة: 229)، وقوله تعالى: {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} (النساء: 19). ففي هاتين الآيتين جاء جواز أخذ الفداء من الزوجة التي ألحقت الضرر الأدبي بالزوج.
كذلك في المتعة التي يبذلها الزوج لزوجته إذا رغب في طلاقها، قال تعالى: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} (البقرة: 236). وقوله تعالى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين}(البقرة: 241). فالآيتان جعلتا للمرأة تعويضًا ماليًّا عما لحقها بسبب الطلاق من الضرر المعنوي، وهو انكسار فتكون المتعة تسلية لها وجبرًا لخاطرها كما ذكره المفسرون.
الدليل الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) رواه ابن ماجه والإمام أحمد والبيهقي.
الدليل الثالث: أن النجاشي رضي الله عنه أمر بأن من آذى الصحابة يغرم أربعة دراهم، ثم ضاعفها، وقد أخبر عن ذلك جعفر بن أبي طالب، فاستغفر له النبي صلى الله عليه وسلم ولم ینكر ما صنع.
الدلیل الرابع: قوله صلى الله عليه وسلم: (من لطم مملوكه، فضربه، فكفارته أن يعتقه) رواه الإمام مسلم، ومفاده أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل التعويض المالي بعتق المملوك، مقابل الضرب والإذلال بلطم الوجه".